المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثامن - الشاذ: - علوم الحديث ومصطلحه - جـ ١

[صبحي الصالح]

فهرس الكتاب

- ‌البَابُ الأَوَّلُ: تَارِيخُ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ:‌‌ الحَدِيثُ وَالسُنَّةِوَاصْطِلَاحَاتٍ أُخْرَى:

- ‌ الحَدِيثُ وَالسُنَّةِ

- ‌الخَبَرُ وَالأَثَرُ:

- ‌الحَدِيثُ القُدْسِيُّ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: حَوْلَ تَدْوِينِ الحَدِيثِ:

- ‌مَعْرِفَةُ العَرَبِ لِلْكِتَابَةِ قَبْلَ الإِسْلَامِ:

- ‌أَسْبَابُ قِلَّةِ الكِتَابَةِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الصُّحُفُ المَكْتُوبَةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌صَحِيفَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِهَمَّامٍ بْنِ مُنَبِّهٍ:

- ‌مَوْقِفُ المُسْتَشْرِقِينَ مِنْ تَدْوِينِ الحَدِيثِ:

- ‌عَصْرُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ:

- ‌عَصْرُ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ:

- ‌الطَّابَعُ الإِقْلِيمِيُّ فِي نَشْأَةِ الحَدِيثِ:

- ‌الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ:

- ‌الرِّحْلَةُ لِلْمُتَاجَرَةِ بِالحَدِيثِ:

- ‌مُقَاوَمَةُ المُتَسَاهِلِينَ بِالحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: دَوْرُ الحَدِيثِ وَأَلْقَابِ المُحَدِّثِينَ:

- ‌أَلْقَابُ المُحَدِّثِينَ:

- ‌رِوَايَةُ الحَدِيثِ بِالحِفْظِ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: تَحَمُّلُ الحَدِيثِ وَصُوَرُهُ:

- ‌أَوَّلاً - السَّمَاعُ:

- ‌ثَانِيًا: القِرَاءَةُ:

- ‌ثَالِثًا: الإِجَازَةُ:

- ‌رَابِعًا: المُنَاوَلَةُ:

- ‌خَامِسًا: المُكَاتَبَةُ:

- ‌سَادِسًا: الإِعْلَامُ:

- ‌سَابِعًا: الوَصِيَّةُ:

- ‌ثَامِنًا: الوِجَادَةُ:

- ‌البَابُ الثَّانِي: التَّصْنِيفُ فِي عُلُومِ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: عِلْمُ الحَدِيثِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً:

- ‌1 - عِلْمُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ:

- ‌2 - عِلْمُ رِجَالِ الحَدِيثِ:

- ‌3 - عِلْمُ مُخْتَلَفِ الحَدِيثِ:

- ‌4 - عِلْمُ عِلَلِ الحَدِيثِ:

- ‌5 - عِلْمُ غَرِيبِ الحَدِيثِ:

- ‌6 - عِلْمُ نَاسِخِ الحَدِيثِ وَمَنْسُوخُهُ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: كِتَابَةُ الحَدِيثِ رِوَايَةً وَمَرَاتِبُهَا:

- ‌[أ]- مَرَاتِبُ هَذِهِ الكُتُبُ:

- ‌[ب]- التَّعْرِيفُ بِأَهَمِّ كُتُبِ الرِّوَايَةِ وَالمَسَانِيدِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: شُرُوطُ الرَّاوِي وَمَقَايِيسُ المُحَدِّثِينَ:

- ‌البَابُ الثَّالِثُ: مُصْطَلَحُ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: أَقْسَامُ الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: القِسْمُ الأَوَّلُ - الحَدِيثِ الصَّحِيحُ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: الحَدِيثُ الحَسَنُ:

- ‌أَلْقَابٌ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالحَسَنَ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: الحَدِيثُ الضَّعِيفُ:

- ‌أَنْوَاعٌ تَخْتَصُّ بِالضَّعِيفِ:

- ‌الأَوَّلُ - المُرْسَلُ:

- ‌الثَّانِي - المُنْقَطِعُ:

- ‌الثَّالِثُ - المُعْضَلُ:

- ‌الرَّابِعُ - المُدَلَّسُ:

- ‌الخَامِسُ - المُعَلَّلُ:

- ‌السَّادِسُ - المُضْطَرِبُ:

- ‌السَّابِعُ - المَقْلُوبُ:

- ‌الثَّامِنُ - الشَّاذُّ:

- ‌التَّاسِعُ - المُنْكَرُ:

- ‌العَاشِرُ - المَتْرُوكُ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: القِسْمُ المُشْتَرَكُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالحَسَنِ وَالضَّعِيفِ:

- ‌أ - 1 و 2 و 3 - المَرْفُوعُ وَالمُسْنَدُ وَالمُتَّصِلُ:

- ‌ب - 4 و 5 و 6 - المُعَنْعَنُ وَالمُؤَنَّنُ وَالمُعَلَّقُ:

- ‌جـ - 7 و 8 - الفَرْدُ وَالغَرِيبُ:

- ‌د - 9 و 10 و 11 - العَزِيزُ وَالمَشْهُورُ وَالمُسْتَفِيضُ:

- ‌هـ - 12 و 13 - العَالِي وَالنَّازِلُ:

- ‌و - 14 و 15 - المُتَابِعُ وَالشَّاهِدُ:

- ‌16 - المُدْرَجُ:

- ‌17 - المُسَلْسَلُ:

- ‌18 - المُصَحَّفُ:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: المَوْضُوعُ وَأَسْبَابُ الوَضْعِ:

- ‌الفَصْلُ السَّابِعُ: الحَدِيثُ بَيْنَ الشَّكْلِ وَالمَضْمُونِ:

- ‌البَابُ الرَّابِعُ: مَكَانَةُ الحَدِيثِ فِي التَّشْرِيعِ وَاللُّغَةِ وَالأَدَبِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: مَكَانَةُ الحَدِيثِ فِي التَّشْرِيعِ:

- ‌إِشَادَةُ القُرْآنِ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَالْتِزَامِ سُنَّتِهِ:

- ‌شُمُولُ السُنَّةِ كُلَّ آفَاقِ التَّشْرِيعِ:

- ‌اِسْتِقْلَالُ السُنَّةِ بِالتَّشْرِيعِ وَلَوْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الكِتَابِ:

- ‌الفَصْلُ الثاَّنِي: الحَدِيثُ الصَّحِيحُ حُجَّةٌ فيِ التَّشْرِيعِ:

- ‌لَا فَرْقَ بَيْنَ السُنَّةِ وَالكِتَابِ فِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ:

- ‌تَفَاوُتُ عِلْمِ الصَّحَابَةِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ:

- ‌نَشْأَةُ المَذَاهِبِ وَاحْتِجَاجُ أَصْحَابِهَا بِالحَدِيثِ:

- ‌الاِحْتِجَاجُ بِخَبَرِ الآحَادِ وَشُرُوطِهِ:

- ‌الاِحْتِجَاجُ بِالخَبَرِ المُحْتَفِّ بِالقَرَائِنِ، وَاِسْتِبْعَادِ الضَّعِيفِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: أَثَرُ الحَدِيثِ فِي عُلُومِ الأَدَبِ:

- ‌نَشْأَةُ العُلُومِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي ظِلِّ الحَدِيثِ:

- ‌تَأْثِيرُ الحَدِيثِ فِي أُصُولِ النَّحْوِ:

- ‌تَبْكِيرُ القَوْمِ بِالرِّوَايَةِ المَصْحُوبَةِ بِالإِسْنَادِ:

- ‌عُلُومُ الأَدَبِ وَتَأَثُّرِهَا بِأَسَانِيدِ المُحَدِّثِينَ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: الاِحْتِجَاجُ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ:

- ‌تَحَرُّجُ الأَئِمَّةِ مِنْ رِوَايَةِ الحَدِيثِ:

- ‌الاِحْتِجَاجُ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ:

- ‌لِمَاذَا مَنَعُوا الاِحْتِجَاجَ بِالحَدِيثِ

- ‌البَابُ الخَامِسُ: طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: ابْنُ سَعْدٍ وَمَنْهَجُ التَّصْنِيفِ فِي " الطَّبَقَاتِ

- ‌تَمْهِيدٌ:

- ‌ابْنُ سَعْدٍ، حَيَاتُهُ وَأَخْبَارُهُ:

- ‌مَصَادِرُهُ الأَسَاسِيَّةُ:

- ‌كَلِمَةٌ فِي شَيْخِهِ الوَاقِدِي:

- ‌بَيْنَ الشَّيْخِ وَالتِّلْمِيذِ:

- ‌أَهَمُّ مُحْتَوَيَاتِ الكِتَابِ:

- ‌مَنْهَجُهُ فِي " الطَّبَقَاتِ

- ‌عِنَايَتُهُ بِالأَنْسَابِ:

- ‌رَاوِيَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ المُحَدِّثِينَ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: طَبَقَاتُ الرُوَّاةِ:

- ‌طَبَقَاتُ الرُوَّاةِ وَتَقْسِيمُهَا الاِصْطِلَاحِي:

- ‌طَبَقَاتُ الرُوَّاةِ عَلَى تَقْسِيمِ ابْنِ حَجَرْ:

- ‌ طبقة الصحابة

- ‌طَبَقَةُ التَّابِعِينَ:

- ‌طَبَقَةُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: مِنْ تَرَاجِمِ الصَّحَابَةِ:

- ‌أَوَّلاً - السَّبْعَةُ المُكْثِرُونَ:

- ‌1 - أبو هريرة:

- ‌2 - عبد الله بن عمر:

- ‌3 - أنس بن مالك:

- ‌4 - السيدة عائشة أم المؤمنين:

- ‌5 - عبد الله بن عباس:

- ‌6 - جابر بن عبد الله:

- ‌7 - أبو سعيد الخُدري:

- ‌ثَانِيًا - بَعْضُ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ:

- ‌8 - عبد الله بن مسعود:

- ‌9 - عبد الله بن عمرو بن العاص:

- ‌10 - أبو ذر الغفاري:

- ‌11 - سعد بن أبي وقاص:

- ‌12 - معاذ بن جبل:

- ‌13 - أبو الدرداء:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: تَرَاجِمُ بَعْضِ كِبَارِ التَّابِعِينَ:

- ‌1 - سعيد بن المسيب:

- ‌2 - نافع مولى ابن عمر:

- ‌3 - محمد بن سيرين:

- ‌4 - ابن شهاب الزهري:

- ‌5 - سعيد بن جبير:

- ‌6 - الإمام أبو حنيفة:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: تَرَاجِمُ بَعْضِ أَتْبَاعِ التاَّبِعِينَ:

- ‌1 - الإمام مالك بن أنس:

- ‌2 - الإمام الشافعي:

- ‌3 - سفيان الثوري:

- ‌4 - سفيان بن عيينة:

- ‌5 - الليث بن سعد:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: تَرَاجِمُ بَعْضِ أَتْبَاعِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ:

- ‌1 - الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌2 - الإمام البخاري:

- ‌3 - الإمام مسلم:

- ‌4 - الإمام الترمذي:

- ‌جَرِيدَةُ المَرَاجِعِ:

- ‌مَسْرَدُ‌‌ الأعَلَامِ:

- ‌ ا

- ‌ ب

- ‌ت

- ‌ ح

- ‌ج

- ‌ ث

- ‌د

- ‌ خ

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌ز

- ‌(س

- ‌ش):

- ‌ ص

- ‌ ع

- ‌ ض

- ‌ ط

- ‌ف

- ‌ غ

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ق):

- ‌ن

- ‌و

- ‌ه

- ‌ي:

الفصل: ‌الثامن - الشاذ:

‌الثَّامِنُ - الشَّاذُّ:

(1)

تعريف الشاذ عسير، ولعسره لم يفرده العلماء بالتصنيف (2)، غير أن أهم ما يلاحظ فيه معنيان: الانفراد والمخالفة، فهو- بصورة عامة - ما رواه الثقة مُخَالِفًا الثقات، وهو - بتعبير أدق - «مَا رَوَاهُ المَقْبُولُ مُخَالِفًا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ» ، وقد صرح الحافظ ابن حجر بأن هذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح (3).

ويوشك ابن حجر، بهذا التعريف المعتمد للشاذ، أن يقرب شقة الخلاف بين اصطلاحيين مشهورين يظن الناس تضاربهما. وقد نسب هذان المصطلحان إلى كل من الإمام الشافعي (4)، والحاكم.

أما الشافعي فيقول: «لَيْسَ الشَّاذُّ مِنَ الحَدِيثِ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ مَا لا يَرْوِيهِ غَيْرُهُ، هَذَا لَيْسَ بِشَاذٍّ، إِنَّمَا الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ فِيهِ النَّاسَ:

(1) سمي شَاذًّا لانفراده، لأن الشاذ منفرد عن الجمهور. (" التوضيح ": 1/ 377).

(2)

" التدريب ": ص 81.

(3)

" شرح النخبة ": ص 14.

(4)

الإمام الشافعي أشهر من أن يُعَرَّفَ بِهِ. فهو الإمام الذي ملأ طباق الأرض علمًا، وصاحب المذهب المُسَمَّى باسمه، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، وإلى جده الأخير هذا نسب فعرف بالشافعي. وهو قرشي مطلبي مكي، كنيته أبو عبد الله، وكانت أمه أزدية. حدث عن مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبد الملك بن الماجشون، وأخذ الفقه عن مسلم بن خالد الزنجي. له كتب كثيرة في التفسير والحديث والفقه والأدب، ولكن أشهرها " الرسالة "، وله كذلك " الأم " و" المبسوط ". توفي بمصر سَنَةَ 204 هـ عن أربع وخمسين سَنَةً.

ص: 196

هَذَا الشَّاذُّ مِنَ الْحَدِيثِ» (1). والناس، في قول الشافعي، هم الثقات، فكأنه يقول:«الشَّاذُّ مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ مُخَالِفًا الثِّقَاتَ» ، وهو إذن لا يلاحظ مطلق التفرد، بل التفرد والمخالفة في آن واحد، إلا أنه لم يصرح بأن المخالفة للأولى أو الأوثق، وإنما هي مخالفة عامة للناس «الثِّقَاتَ» .

وبهذا الاصطلاح أخذ كثير من علماء الحجاز (2)، وانتصر له ابن الصلاح، واستنتج منه ابن كثير أن الثقة إذا روى ما لم يرو غيره «مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ عَدْلاً ضَابِطًا حَافِظًا، فَإِنَّ هَذَا لَوْ رَدَّ لَرُدَّتْ أَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنْ المَسَائِلِ عَنْ الدَّلائِلِ» (3).

وأكد هذا الاصطلاح العلامة ابن القيم (4) بعبارة قاطعة فقال: «

وَإِنَّمَا الشُّذُوذُ أَنْ يُخَالِفَ الثِّقَاتَ فِيمَا رُوَوْهُ، فَأَمَّا إذَا رَوَى الثِّقَةُ حَديثًا مُنْفَرِدًا بِهِ لَمْ يَرْوِ الثِّقَاتُ خِلَافَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى شَاذًّا. وَإِنْ اِصْطُلِحَ عَلَى تَسْمِيَتِهِ شَاذًّا بِهَذَا المَعْنًى لَمْ يَكُنْ هَذَا الاِصْطِلاحُ مُوجِبًا لِرَدِّهِ وَلَا مُسَوِّغًا لَهُ» (5).

وأما الحاكم فيرى أن «الشَّاذَّ حَدِيثٌ [يَتَفَرَّدُ] بِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، وَلَيْسَ لِلْحَدِيثِ أَصْلٌ مُتَابِعٌ لِذَلِكَ الثِّقَةِ» (6). فهو يعتبر قيد التفرد بلفظ صريح، أما قيد المخالفة فيعتبره أيضًا - في نظرنا - ولكن بلفظ غير صريح، فلو

(1)" معرفة علوم الحديث ": ص 119. وعنه باختلاف يسير " التدريب ": ص 81 و " التوضيح ": 1/ 377.

(2)

" اختصار علوم الحديث ": ص 61.

(3)

" اختصار علوم الحديث ": ص 62، 63.

(4)

هو الإمام الكبير، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الذرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، الحنبلي، المُتَوَفَّى 751 هـ.

(5)

" إغاثة اللهفان ": ص 160 في الرد على من طعن في حديث ابن عباس في المطلقة ثلاثًا بأنها كانت واحدة على عهد الرسول وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر.

(6)

" معرفة علوم الحديث ": ص 119.

ص: 197

كان للحديث أصل متابع للراوي الثقة لما كان مخالفًا الناس أو الثقات، والحاكم - كما رأينا - يشترط في الشاذ فقدان الأصل المتابع، فكأنه يشترط المخالفة ويعتبرها. وما لنا نذهب بعيدًا وقد كفانا بنفسه التخبط في فهم تعريفه، فأزال كل لبس حين عقب على ذلك مباشرة بتعريف الشافعي للشاذ، قاصدًا إلى إظهار التماثل بين رأيه ورأي هذا الإمام العظيم، وقد بلغ به استشعاره هذا التماثل حد الإتيان بشاهد واحد على الشاذ، تاركًا لك الخيار أن تجعله مثالاً على تعريفه الخاص أو على تعريف الشافعي. قال:«وَمِثَالُهُ مَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالُوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى العَصْرِ فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ المَغْرِبِ أَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ العِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ المَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ، فَصَلاهَا مَعَ المَغْرِبِ» .

يعلّق الحاكم على هذا المثال بقوله: «هَذَا حَدِيثٌ رُوَاتُهُ أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ، وَهُوَ شَاذُّ الإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ لا نَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً نُعَلِّلَهُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ الحَدِيثُ عِنْدَ اللَّيْثِ، [عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ]، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ لَعَلَّلْنَا بِهِ الحَدِيثَ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ لَعَلَّلْنَا بِهِ، فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ لَهُ العِلَّتَيْنِ، خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولاً، ثُمَّ نَظَرْنَا، فَلَمْ نَجِدْ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رِوَايَةً، وَلا وَجَدْنَا هَذَا المَتْنَ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَلا عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ

ص: 198

جَبَلٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، فَقُلْنَا الحَدِيثُ شَاذُّ» (1).

وإنما حرص الحاكم على اْن يقصي عن هذا الحديث معنى العلة، فصرح بأنه لم يعرف له علة يعله بها، وأنه خرج عن أن يكون معلولاً، لما يستشعره في الشاذ من صعوبة تشبه صعوبة المعلل، فهو مما «يَنْقَدِحُ فِي نَفَسِ النَّاقِدِ أَنَّهُ غَلِطَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ» (2)، ولذلك اضطر الحاكم إلى التفرقة بينهما، فرأى «المَعْلُولَ مَا يُوقَفُ عَلَى عِلَّتِهِ، أَنَّهُ [دَخَلَ] حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، أَوْ وَهِمَ فِيهِ رَاوٍ أَوْ أَرْسَلَهُ وَاحِدٌ، فَوَصَلَهُ وَاهِمٌ» (3)، فهو - على خفاء علته وغموضها - يمكن الوقوف عليه، لكن الشاذ «أَدَقُّ مِنَ المُعَلَّلِ، فَلَا يُوقَفُ عَلَى عِلَّتِهِ، وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنَ الحُكْمِ بِهِ إلَاّ مَنْ مَارَسَ هَذَا الفَنَّ غَايَةَ المُمَارَسَةِ، وَكَانَ فِي الذُّرْوَةِ مِنْ الفَهْمِ الثَّاقِبِ وَرُسُوخِ القَدَمِ فِي الصِّنَاعَةِ، وَرَزَقَهُ اللهُ نِهَايَةَ المَلَكَةِ» (4).

ودقة الشاذ تنشأ غالبًا عن تعذر الحكم بفقدان الأصل المتابع له، لما يستدعيه الوقوف على ذلك من البحث والتقصي، ولعل دقة الشاذ أو صعوبته - على هذا النحو الذي بالغ فيه الحاكم - أن تكون السبب الجوهري في الاعتقاد بتفرده في تعريف الشذوذ، وابتعاده فيه عن رأي الجمهور. ولذلك ضعف ابن الصلاح رأي الحاكم، واعترض على تعريفه بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فإنه

(1)" معرفة علوم الحديث ": ص 119، 120.

(2)

" التدريب ": ص 81. وقارن بـ " ألفية السيوطي ": ص 92 هامش.

(3)

" معرفة علوم الحديث ": ص 119. وقارن بما ذكرناه في المعلل.

(4)

" التوضيح ": 1/ 379. وقارن بما ذكرناه عن علل الحديث.

ص: 199

تفرد به عمر، وعنه علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم التَّيْمِيِّ، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري (1). على أننا نبهنا إلى بعض المتابعات الغرائب التي أحصاها العلاء لهذا الحديث، واتضح لنا - من تعليقات النقاد - أن الحديث رغم المتابعات لم يصح من طريق عمر إلا الطريق المتقدمة (2).

ولقد زعم ابن العربي أنه روى حديث النية من ثلاثة عشر طريقًا، فطعن عليه بعض أهل بلدته لما لم يبرز لهم بيان ما ادعاه من الطريق، فقال:

يَا أَهْلَ حِمْصَ (3) وَمَنْ بِهَا أُوصِيكُمُ

بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى وَصِيَّةَ مُشْفِقِ

فَخُذُوا عَنِ العَرَبِيِّ أَسْمَارَ الدُّجَى

وَخُذُوا الرِّوَايَةَ عَنْ إِمَامٍ مُتَّقِ

إِنَّ الفَتَى ذَرِبُ اللِّسَانِ مُهَذَّبٌ

إِنْ لَمْ يَجِدْ خَبَرًا صَحِيحًا يَخْلَقُ (4)

وإذا لم يسلم للحاكم حديث النية هذا مثالاً عن الشاذ، لأنه - على تفرده - صحيح، والصحيح لا يكون شَاذًّا، فما أكثر الأمثلة التي ذكرها الجمهور استشهادًا على الشاذ في تعريفه المعتمد، وهي - في الوقت نفسه - صالحة للاستشهاد على تعريف الحاكم، إذ كانت مخالفة الثقات فيها صورة من فقدان الأصول المتابعات. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش، عن أبي هريرة مرفوعًا: «إِذَا

(1)" اختصار علوم الحديث ": ص 61. وقارن بما ذكرناه عن الآحادي حين يستفيض: ص 150.

(2)

راجع ص 59 ح 1 من كتابنا هذا.

(3)

أراد الشاعر بحمص إشبيلية لأنه يقال لها ذلك، وابن العربي من إشبيلية.

(4)

" التوضيح ": 1/ 381.

ص: 200

صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ». قَالَ الْبَيْهَقِيُّ (1): «خَالَفَ عَبْدُ الوَاحِدِ العَدَدَ الكَثِيرَ فِي هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا رَوَوْهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا مِنْ قَوْلِهِ: وَانْفَرَدَ عَبْدُ الوَاحِدِ مِنْ بَيْنِ ثِقَاتِ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ بِهَذَا اللَّفْظِ» (2).

والنقاد يذكرون في هذا الباب تعريفًا لأَبِي يَعْلَى الخليلي (3) يحكي به رأي حفّاظ الحديث في الشاذ، فهو عندهم ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غير ثقة، فيتوقف فيما شذ به الثقة ولا يحتج به ويرد ما شذ به غير الثقة (4). وكان على ابن الصلاح والعلماء أن يضعفوا هذا الرأي كما ضعفوا رأي الحاكم، ولكن بين الرأيين فرقًا واضحًا، فإذا أمكن رد تعريف الحاكم إلى رأي الجمهور، فمن المتعذر التوفيق بين ما حكاه الخليلي وما ذهب إليه الجمهور، لأن الخليلي جعل الشاذ مطلق التفرد بدون اعتبار المخالفة (5)، فيَ حين راعى الجمهور قيد تفرد

الثقة، وقيد مخالفة الثقات. ولا يشفع للخليلي إلا أنه يحكي رأي حفاظ

(1) الإمام البيهقي هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر، منسوب الى بيهق، وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخًا منها. وللبيهقي كتب كثيرة قيل إنها نحو الألف، وأشهرها كتاب " السنن الكبرى "، و" دلائل النبوة ". توفي البيهقي سَنَةَ 458 هـ. (" الرسالة المستطرفة ": ص 25، 26).

(2)

" التدريب ": ص 82. وهذا مثال على شاذ المتن، لأن عبد الواحد بن زياد تفرد بهذا اللفظ، بينما رواه ثقات أصحاب الأعمش من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله.

(3)

هو القاضي الحافظ الخليل بن عبد الله القزويني، المتوفى سنة 446 هـ. له " الإرشاد في علماء البلاد " ذكر فيه المحدثين وغيرهم من العلماء على ترتيب البلاد إلى زمانه. ثم رتبه على الحروف ابن قطلوبغا (- 879 هـ) (" الرسالة المستطرفة ": ص 97).

(4)

" اختصار علوم الحديث ": ص 61.

(5)

" التدريب ": ص 81.

ص: 201

الحديث في الشاذ، فما هو عنده بالاصطلاح الخاص، وهو - في الحقيقة - حكى تعريف الشافعي للشاذ الذي أخذ به الجمهور (1) فهو في كلتا الحالتن ليس إلا ناقلاً لآراء العلماء بدقة وأمانة (2).

على أن تعريف الشاذ - كما حكاه الخليلي - لَوْ سُلِّمَ لترتبت عليه نتائج خطيرة في مصطلح الحديث: فهذا التعريف يسمح في بعض الأحوال بوصف «الصحيح» بالشذوذ. مع أننا اشترطنا في الصحيح سلامته من كل شذوذ، كسلامته من كل علة. إلا اننا - كما رأينا فيما سَمَّاهُ الخليلي بالصحيح المعلول أنه لا يقصد به التَّقَيُّدَ بِالاِصْطِلَاحِ (3). - نرى هنا فيما يحكيه عن تسمية الصحيح شَاذًّا (إذا لم يكن له إلا إسناد واحد شذ به ثقة)، أنه للمرة الثانية لا يريد التقيد بالاصطلاح العام المشهور، وأنه - رغم حكايته هذا التعريف الغريب للشاذ - ما كان آخذًا إلا برأي الجمهور، يزيدنا ثقة بذلك أنه هو أيضًا حكى ذلك الرأي المشهور.

فالصحيح إذن أنه لا بد في الشاذ من اشتراط التفرد والمخالفة، وبهما نُحِّيَ عن كل حديث وُسِمَ بالصحة، فعد خالصًا للضعف، ووسعنا إدراجه في الأنواع المختصة بالضعيف. أما تفرد الثقة أو غير الثقة، بغير شرط المخالفة، فإنه ضرب من التفرد المطلق الذى يوصف به الحديث «الفرد» وسنذكره

(1)" اختصار علوم الحديث ": ص 61.

(2)

وبهذا دافع صاحب " التوضيح ": 1/ 384 عن الخليلي.

(3)

راجع أيضًا أواخر بحث المعلل من كتابنا هذا.

ص: 202