الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأخذ بقول بِلَال وَسن الصَّلَاة فِي الْبَيْت المشرف.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى فِي " الْكِفَايَة "، وَأَبُو الْحُسَيْن: هما سَوَاء، فَلَا يرجح أَحدهمَا على الآخر.
قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَالْمرَاد مَا قَالَه الْفَخر إِسْمَاعِيل - وَتَبعهُ الطوفي فِي " مُخْتَصره " إِن اسْتندَ النَّفْي إِلَى علم بِالْعدمِ لعلمه بجهات إثْبَاته فَسَوَاء ".
قلت: وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا وَالَّذِي قبله سَوَاء، أَعنِي بِلَا خلاف.
وَمعنى استناد النَّفْي إِلَى علم بِالْعدمِ: أَن يَقُول الرَّاوِي: أعلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -
لم يصل فِي الْبَيْت؛ لِأَنِّي كنت مَعَه فِيهِ، وَلم يغب على نَظَرِي طرفَة عين فِيهِ، وَلم أره صلى فِيهِ، أَو قَالَ: أَخْبرنِي رَسُول الله
صلى الله عليه وسلم َ - أَنه لم يصل فِيهِ، أَو قَالَ: أعلم أَن فلَانا لم يقتل زيدا؛ لِأَنِّي رَأَيْت زيدا حَيا بعد موت فلَان، أَو
بعد الزَّمن الَّذِي أخبر الْجَانِي أَنه قَتله فِيهِ، فَهَذَا يقبل لاستناده إِلَى مدرك علمي، وَيَسْتَوِي هُوَ وَإِثْبَات الْمُثبت فيتعارضان، وَيطْلب الْمُرَجح من خَارج.
وَكَذَا حكم كل شَهَادَة نَافِيَة استندت إِلَى علم بِالنَّفْيِ لَا إِلَى [نفي] الْعلم فَإِنَّهَا تعَارض المثبتة، لِأَنَّهَا تساويها، أَو هما فِي الْحَقِيقَة مثبتان؛ لِأَن أَحدهمَا تثبت الْمَشْهُود بِهِ، وَالْأُخْرَى تثبت الْعلم بِعَدَمِهِ.
وَكَذَا حكم الشَّهَادَة من غير معَارض تقبل فِي النَّفْي إِذا كَانَ النَّفْي محصورا.
فَقَوْلهم: لَا تقبل الشَّهَادَة بِالنَّفْيِ مُرَادهم إِذا لم تكن محصورة، فَإِن كَانَت محصورة قبلت قَالَه الْأَصْحَاب، وَقد ذكر ذَلِك الْأَصْحَاب فِي الشَّهَادَة فِي الْإِعْسَار وَفِي حصر الْإِرْث فِي فلَان.
وَقَالَ القَاضِي فِي " الْخلاف "، وَأَبُو الْخطاب فِي " الِانْتِصَار "، فِي
حَدِيث ابْن مَسْعُود لَيْلَة الْجِنّ:
النَّفْي أولى.
وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْجَوْزِيّ صَاحب " الْإِيضَاح " فِي تَرْجِيح مَا وَافق نفيا أَصْلِيًّا: وَجْهَان، وَكَذَا العلتان.
وَقَالَ القَاضِي - أَيْضا - فِي " الْخلاف " عَن نفي صلَاته على شُهَدَاء أحد: الزِّيَادَة مَعَه هُنَا؛ لِأَن الأَصْل غسل الْمَيِّت وَالصَّلَاة عَلَيْهِ، ثمَّ سَوَاء.
وَقَالَ عبد الْجَبَّار: يتساويان لتقابل المرجحين.
وَقيل: إِن كَانَ فِي طَلَاق وعتاق، قدم النَّافِي وَإِلَّا الْمُثبت.
وَقيل: بِالْعَكْسِ.
وَقيل: لَا يتعارضان لِامْتِنَاع التَّعَارُض بَين الْفِعْلَيْنِ، لاحْتِمَال وقوعهما فِي حَالين.
اسْتدلَّ للْأولِ وَهُوَ الصَّحِيح: بِأَن مَعَ الْمُثبت زِيَادَة علم.
قَالُوا: يُؤَخر النَّفْي ليَكُون فَائِدَته التأسيس.
رد: فِيهِ رفع حكم الْمُثبت.
فَإِن عورض بِمثلِهِ.
رد: إِن صَحَّ فَرفع مَا فَائِدَته التَّأْكِيد بِخِلَاف الْعَكْس.
فَإِن قيل: بل رفع حكما تأسيسيا وَهُوَ الْبَاقِي على الْحَال الْأَصْلِيّ، وَزِيَادَة تَأْكِيد النَّافِي بِخِلَاف الْعَكْس.
رد بِالْمَنْعِ.
قَوْله: {وناقل عَن الأَصْل، وَعند الرَّازِيّ والبيضاوي والطوفي الْمُقَرّر} .
إِذا تعَارض حكمان أَحدهمَا مُقَرر للْحكم الْأَصْلِيّ، وَالْآخر ناقل عَن حكم الأَصْل.
فالناقل مقدم عِنْد الْجُمْهُور؛ لِأَنَّهُ يُفِيد حكما شَرْعِيًّا لَيْسَ مَوْجُودا فِي الآخر، كَحَدِيث:" من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ "، مَعَ حَدِيث:" هَل هُوَ إِلَّا بضعَة مِنْك؟ ".
والمخالف فِي ذَلِك الرَّازِيّ، وَأَتْبَاعه: كالبيضاوي، وَغَيره.
فَقَالُوا: يتَرَجَّح الْمُقَرّر؛ لِأَن الْحمل على مَا لَا يُسْتَفَاد إِلَّا من الشَّرْع أولى مِمَّا يُسْتَفَاد من الْعقل.
وَاخْتَارَهُ الطوفي فِي " شَرحه " فَقَالَ: وَالْأَشْبَه تَقْدِيم الْمُقَرّر لاعتضاده بِدَلِيل الأَصْل، قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَه بقواعده، وقواعد غَيره فِي اعْتِبَار التَّرْجِيح مِمَّا يصلح لَهُ، وَالْيَد صَالِحَة للترجيح انْتهى.
قيل: وَالتَّحْقِيق فِي الْمَسْأَلَة تَفْصِيل، وَهُوَ أَنه يرجح الْمُقَرّر فِيمَا إِذا تقرر حكم النَّاقِل مُدَّة فِي الشَّرْع عِنْد الْمُجْتَهد، وَعمل بِمُوجبِه، ثمَّ نقل لَهُ الْمُقَرّر وَجَهل التَّارِيخ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عمل بالخبرين النَّاقِل فِي زمَان والمقرر بعد ذَلِك، فَأَما إِن كَانَ الثَّابِت بِمُقْتَضى الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة، وَنقل الخبران، فَإِنَّهُمَا يتعارضان هُنَا، وَيرجع إِلَى الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة.
بل عبد الْجَبَّار يَقُول: إِن تَقْدِيم النَّاقِل أَو الْمُقَرّر على الِاخْتِلَاف لَيْسَ من بَاب التَّرْجِيح بل من بَاب النّسخ.
وَهُوَ ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ لَا يتَوَقَّف رَفعه على مَا يرفع بِهِ الحكم
الشَّرْعِيّ.
الصَّحِيح أَن داريء الْحَد مقدم على مثبته.
قَالَ الشريف أَبُو جَعْفَر، والحلواني من أَصْحَابنَا يقدم نافي الْحَد على مثبته، وَرجحه أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، وَغَيره، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر.
لِأَن الْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ، رُوِيَ عَن الصَّحَابَة، وَفِيه أَخْبَار ضَعِيفَة، ولقلة مبطلات نَفْيه، وكتعارض بينتين، وَلِأَن إثْبَاته خلاف دَلِيل نَفْيه.
قَالَ الْآمِدِيّ: وَلِأَن الْخَطَأ فِي نفي الْعقُوبَة أولى من الْخَطَأ فِي تحقيقها، على مَا قَالَه عليه الصلاة والسلام:" لِأَن تخطيء فِي الْعَفو خير من أَن تخطيء فِي الْعقُوبَة ".
وَاخْتَارَ القَاضِي أَبُو يعلى فِي " الْعدة "، وَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار، والموفق، وَالْغَزالِيّ: أَنَّهُمَا سَوَاء.
لِأَن الشُّبْهَة لَا تُؤثر فِي ثُبُوت مشروعيته بِدَلِيل أَنه يثبت بِخَبَر الْوَاحِد، وَالْقِيَاس مَعَ قيام الِاحْتِمَال، فالحد إِنَّمَا يُؤثر فِي إِسْقَاطه لشبهته، وَإِذا كَانَت فِي نفس الْفِعْل أَو بالاختلاف فِي حكمه، كَأَن يبيحه قوم ويحرمه آخَرُونَ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاح بِلَا ولي أَو بِلَا شُهُود.
وَلَيْسَ الْخلاف لفظيا كَمَا قد يتَوَهَّم من أَن قَول التَّسَاوِي يؤول إِلَى تَقْدِيم النَّافِي، فَإِنَّهُمَا يتعارضان فيتساقطان، وَيرجع إِلَى غَيرهمَا، فَإِن كَانَ هُنَاكَ دَلِيل شَرْعِي حكم بِهِ، وَإِلَّا نفي الآخر على الأَصْل، فَيلْزم نفي الْحَد، بل الْخلاف معنوي على الصَّوَاب، فَإِن الأول يَنْفِي الْحَد بالحكم الشَّرْعِيّ، وَالْآخر يَقُول بِالنَّفْيِ استصحابا للْأَصْل.
وَقدم القَاضِي فِي " الْكِفَايَة " الْمُثبت، وَقَالَهُ: ابْن الْبَنَّا، وَابْن عقيل فِي " الْوَاضِح "، لتقديم أَحْمد خبر عبَادَة فِي " الْجلد وَالرَّجم " لإثباته بِخَبَر
وَاحِد وَقِيَاس، لِأَن الْمُوجب للحد يُوَافق التأسيس، وموافقة التأسيس أولى من مُوَافقَة النَّفْي الْأَصْلِيّ، لِأَن التأسيس يُفِيد فَائِدَة زَائِدَة.
رد: لَا شُبْهَة فيهمَا.
قَالَ الطوفي: قلت: " فَهُوَ من بَاب تعَارض النَّاقِل والمقرر ".
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: " مَوْضُوع هَذِه الْمَسْأَلَة أَن يكون الْإِثْبَات وَالنَّفْي شرعيين، فَأَما إِن كَانَ النَّفْي بِاعْتِبَار الأَصْل فَهُوَ مَسْأَلَة النَّاقِل والمقرر السَّابِقَة ". انْتهى.
قَوْله: {وَمُوجب عتق وَطَلَاق، وَقيل نافيهما، وَظَاهر " الرَّوْضَة ": سَوَاء كَعبد الْجَبَّار} .
أَدخل جمَاعَة هَذِه الصُّورَة فِي جملَة صور الْمُقَرّر والناقل، وَحكي الْخلاف فِي الْجَمِيع، وحكوا قولا بِالْفرقِ بَين الْعتْق وَالطَّلَاق وَغَيرهمَا، وأفردهما جمَاعَة، وَلَا شكّ أَنَّهُمَا من جمل النَّفْي وَالْإِثْبَات.
إِذا علم ذَلِك فرجح أَبُو الْخطاب تَقْدِيم مُوجب الْعتْق، وَذكره قَول غير عبد الْجَبَّار.
وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّة أَو الْكَرْخِي مِنْهُم، وَهُوَ ظَاهر مَا قدمه ابْن الْحَاجِب لقلَّة سَبَب مُبْطل الْحُرِّيَّة وَلَا تبطل بعد ثُبُوتهَا، ولموافقة النَّفْي الْأَصْلِيّ رفع العقد.
وَظَاهر " الرَّوْضَة ": سَوَاء، كَعبد الْجَبَّار، لِأَنَّهُمَا حكمان.
قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَيتَوَجَّهُ احْتِمَال تقدم النَّفْي - كَقَوْل بَعضهم -
لموافقة دَلِيل بَقَاء الصِّحَّة، وَمثله الطَّلَاق " انْتهى.
ويحتمله كَلَام الطوفي فِي " مُخْتَصره ".
قَوْله: {وَفِي تكليفي على وضعي، ثالثهما سَوَاء فِي ظَاهر كَلَامهم} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَلم يذكر أَصْحَابنَا تَرْجِيح حكم تكليفي على وضعي، فَظَاهره: سَوَاء " انْتهى.
لِأَنَّهُ مَقْصُود بِالذَّاتِ، وَأكْثر فِي الْأَحْكَام، فَكَانَ أولى، وَهُوَ الَّذِي قدمه ابْن الْحَاجِب.
وَقد ذكر الْمَسْأَلَة غير الْأَصْحَاب وَذكروا فِيهَا خلافًا، وَالصَّحِيح عِنْدهم تَقْدِيم الحكم التكليفي كالاقتضاء وَنَحْوه على الوضعي، كالصحة وَنَحْوهَا، لِأَنَّهُ مُحَصل للثَّواب.
وَقيل: بل يقدم الوضعي؛ لِأَنَّهُ لَا يتَوَقَّف على فهم الْمُكَلف للخطاب