الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
اسْتدلَّ للْأولِ وَهُوَ الْمَعْمُول عَلَيْهِ عِنْد الْعلمَاء: بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونَا فاسدين، وَعلم ذَلِك، فَالْقَوْل بهما حرَام، فَلَا قَول أصلا، أَو يكون أَحدهمَا فَاسِدا فَكَذَلِك فَلَا وجود للقولين، أَو يَكُونَا صَحِيحَيْنِ، فَإِذا القَوْل بهما محَال لاستلزامهما التضاد الْكُلِّي أَو الجزئي، وَإِن لم يعلم الْفَاسِد مِنْهُمَا:
فَلَيْسَ عَالما بِحكم الْمَسْأَلَة فَلَا قَول لَهُ فيهمَا، فَيلْزمهُ التَّوَقُّف والتخيير على مَا يَأْتِي، وَهُوَ قَول وَاحِد لَا قَولَانِ.
قَالَ الطوفي: " فَأحْسن مَا يعْتَذر بِهِ عَن الشَّافِعِي: أَنه تعَارض عِنْده الدليلان فَقَالَ بمقتضاهما على شريطة التَّرْجِيح " انْتهى.
وَاعْلَم أَن الشَّافِعِي إِذا نَص على قَوْلَيْنِ وَلَيْسَ فِي كَلَامه مَا يشْعر بترجيح أحد الْحكمَيْنِ، ثمَّ قَوْله: فيهمَا قَولَانِ، أَو أَقْوَال، يحْتَمل أَن يُرِيد على سَبِيل التجويز وَالِاحْتِمَال، وَيحْتَمل أَن يُرِيد فِيهَا مذهبان لمجتهدين أَو أَكثر، وعَلى كل حَال لَا ينْسب إِلَيْهِ شَيْء من الْقَوْلَيْنِ أَو الْأَقْوَال، قَالَه الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه.
وَقَالَ الْآمِدِيّ: يجب اعْتِقَاد نِسْبَة أَحدهمَا إِلَيْهِ، وَإِن كُنَّا لَا نعلمهُ وَلَا ننسب إِلَيْهِ شَيْئا مِنْهَا لذَلِك.
وَفِي رَأْي ثَالِث نَقله أَبُو الْمَعَالِي عَن الباقلاني أَنا نتخير فِي الْعَمَل بِأَحَدِهِمَا.
قَالَ: وَهَذَا بناه القَاضِي على اعْتِقَاده أَن مَذْهَب الشَّافِعِي تصويب الْمُجْتَهدين، لَكِن الصَّحِيح من مذْهبه أَن الْمُصِيب وَاحِد، فَلَا يُمكن فِيهِ القَوْل بالتخيير، وَأَيْضًا فقد يكون الْقَوْلَانِ بِتَحْرِيم وَإِبَاحَة، ويستحيل التَّخْيِير بَينهمَا.
وَاعْلَم أَن ذكر الشَّافِعِي قَوْلَيْنِ فِي مَوضِع وَاحِد من غير تَنْبِيه على مَا يشْعر بقوله بِأَحَدِهِمَا قَلِيل جدا.
قَالَ أَبُو حَامِد: لَيْسَ للشَّافِعِيّ مثل ذَلِك إِلَّا فِي بضعَة عشر موضعا:
سِتَّة عشرَة أَو سَبْعَة عشر، وَهُوَ دَلِيل على علو شَأْنه.
وَفَائِدَة ذكر الْقَوْلَيْنِ من غير تَرْجِيح: التَّنْبِيه على أَن مَا سواهُمَا لَا يُؤْخَذ بِهِ، وَأَن الْجَواب منحصر فِيمَا ذكر فيطلب التَّرْجِيح فِيهِ، وَقد وَقع مثل ذَلِك لعمر بن الْخطاب رضي الله عنه فِي الشورى حَيْثُ حصر [الْخلَافَة] فِي سِتَّة، أَي: فَلَا يكون اسْتِحْقَاقهَا لغَيرهم.
نقُول: إِذا نقل عَن الإِمَام أَحْمد فِي مَسْأَلَة قَولَانِ أَو قَول فَنَنْظُر فَإِن أمكن الْجمع وَلَو بِحمْل عَام على خَاص أَو مُطلق على مُقَيّد على الْأَصَح، فالقولان مذْهبه، وَيحمل كل مِنْهُمَا على ذَلِك الْمحمل، وَإِن تعذر الْحمل فَتَارَة يعلم تَارِيخ الْقَوْلَيْنِ أَو الْأَقْوَال، وَتارَة يجهل، فَإِن جهل أسبقهما فَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن مذْهبه من الْقَوْلَيْنِ أَو الْأَقْوَال أقربهما من الْأَدِلَّة، أَو قَوَاعِد مذْهبه، قدمه ابْن مُفْلِح فِي " فروعه " وَغَيره.
قَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره: " نجتهد فِي الْأَشْبَه بأصوله الْأَقْوَى فِي الْحجَّة فنجعله مذْهبه ونشك فِي الآخر "، وَقَالَهُ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة ".
وَقيل: يَجْعَل الحكم فيهمَا مُخْتَلفا؛ لِأَنَّهُ لَا أولية بِالسَّبقِ، ذكره القَاضِي.