الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِثْبَات الْخَاص كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، فَإِن الْحَيَوَان لَا يسْتَلْزم وجود الْإِنْسَان، وَكَذَا نقيض الْإِنْسَان لَا يسْتَلْزم نقيض الْحَيَوَان لوُجُوده فِي الْفرس.
وَفِي المنفصلات: الْعدَد إِمَّا زوج أَو فَرد، لكنه زوج ينْتج أَنه لَيْسَ بفرد، أَو فَرد ينْتج أَنه لَيْسَ بِزَوْج.
مِثَاله فِي الشرعيات: الضَّب إِمَّا حَلَال أَو حرَام، لكنه حَلَال؛ لِأَنَّهُ " أكل على مائدته صلى الله عليه وسلم َ - "،
فَلَيْسَ بِحرَام.
مِثَال آخر: صيد الْمحرم إِمَّا حَلَال أَو حرَام، لكنه حرَام؛ لِأَنَّهُ نهي عَنهُ فَلَيْسَ بحلال.
وَقد تقدم بَيَان ذَلِك فِي أَوَائِل الشَّرْح فَليُرَاجع، وَلِهَذَا تفاريع كَثِيرَة لَيست مَقْصُودَة تركناها خوف الإطالة
.
الثَّالِث: الْعَكْس: وَهُوَ مَا يسْتَدلّ بِهِ على نقيض الْمَطْلُوب، ثمَّ يبطل فَيصح الْمَطْلُوب كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} [النِّسَاء: 82] ، فَإِنَّهُ اسْتدلَّ على حَقِيقَة القرين بِإِبْطَال نقيضه، وَهُوَ وجدان الِاخْتِلَاف فِيهِ فَتَأمل.
قلت: قد تقدم قِيَاس الْعَكْس فِي أول الْقيَاس وَحده فليعاود.
قَالَ الْمحلي: يدْخل فِيهِ قِيَاس الْعَكْس، وَهُوَ إِثْبَات عكس حكم شَيْء لمثله، لتعاكسهما فِي الْعلَّة كَمَا تقدم حَدِيث مُسلم:" أَيَأتِي أَحَدنَا شَهْوَته وَله فِيهَا أجر؟ قَالَ: أَرَأَيْتُم لَو وَضعهَا فِي حرَام أَكَانَ عَلَيْهِ وزر؟ " انْتهى.
قَوْله: {وَقيل: وَلَا قِيَاس عِلّة، فعلى هَذَا القَوْل دخل نفي الْفَارِق، وَقِيَاس الدّلَالَة} .
فَيكون نظم الْحَد: إِقَامَة دَلِيل لَيْسَ بِنَصّ، وَلَا إِجْمَاع، وَلَا قِيَاس عِلّة، فَيدْخل فِيهِ الْقيَاس بِنَفْي الْفَارِق، وَهُوَ الْقيَاس فِي معنى الأَصْل.
مثل: أَن نقيس الْخَالَة على الْخَال لعدم الْفَارِق بَينهمَا لَا لوُجُود عِلّة، وَيدخل فِيهِ - أَيْضا - قِيَاس الدّلَالَة، وَهُوَ قِيَاس التلازم، ونعني بِهِ إِثْبَات أحد موجبي الْعلَّة بِالْآخرِ لتلازمهما، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ قِيَاس الدّلَالَة، وهما غير داخلين فِي الْحَد الأول، فَالْأول أخص.
إِذا اقْتصر على إِحْدَى المقدمتين، اعْتِمَادًا على شهرة الْأُخْرَى، كَقَوْلِنَا: وجد الْمُقْتَضِي، أَي: السَّبَب فيوجد الحكم، أَو وجد الْمَانِع فَيَنْتَفِي الحكم، أَو فقد الشَّرْط فَيَنْتَفِي - أَيْضا -، فَإِنَّهُ ينْتج مَعَ مُقَدّمَة أُخْرَى مقدرَة، وَهِي قَوْلنَا: وكل سَبَب إِذا وجد وجد الحكم، فَلم تذكر لظهورها، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} [الْأَنْبِيَاء: 22]، فَإِن حُصُول النتيجة مِنْهُ يتَوَقَّف على مُقَدّمَة أُخْرَى ظَاهِرَة وَهِي: وَمَا فسدتا.
وَقد اخْتلف فِي هَذَا: فالأكثر على أَنه لَيْسَ بِدَلِيل، وَإِنَّمَا قطع دَعْوَى دَلِيل، فَإنَّا إِذا قُلْنَا: وجد الْمُقْتَضِي، مَعْنَاهُ الدَّلِيل، وَلم يقم على وجوده دَلِيل.
وَاخْتَارَ [ابْن حمدَان] وَغَيره: أَنه دَلِيل فَإِنَّهُ يلْزم من ثُبُوته ثُبُوت الْمَطْلُوب.
ثمَّ اخْتلف الْقَائِلُونَ بِهَذَا القَوْل، وَهُوَ أَنه دَلِيل.
فَقَالَ ابْن حمدَان وَغَيره: هُوَ اسْتِدْلَال لدُخُوله فِي تَعْرِيف الِاسْتِدْلَال؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَصّ، وَلَا إِجْمَاع، وَلَا قِيَاس، فالحد منطبق عَلَيْهِ.
وَقيل: اسْتِدْلَال إِن ثَبت وجود السَّبَب أَو الْمَانِع، أَو فقد الشَّرْط، يَعْنِي النَّص، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس، وَإِلَّا فَهُوَ من قبيل مَا ثَبت بِهِ.
قَالَ الكوراني: " هَذَا مُخْتَار الْمُحَقِّقين؛ لِأَنَّهُ يَقُول: هَذَا حكم وجد سَببه، وكل مَا وجد سَببه فَهُوَ مَوْجُود، فكبرى الْقيَاس، وَهُوَ قَوْلنَا: كل مَا وجد سَببه فَهُوَ مَوْجُود قَطْعِيَّة لَا يُخَالف فِيهَا أحد " وَأطَال.
هَذَانِ قَولَانِ - أَيْضا - فِي الِاسْتِدْلَال مَا هُوَ، وَقد تقدم الْقيَاس الاقتراني والاستثنائي فَذكر فِي هذَيْن الْقَوْلَيْنِ أَن: الِاسْتِدْلَال هُوَ الْقيَاس بنوعيه، وَمِنْه نفي الحكم لنفي مدركه.
وَتَقْرِيره: أَن الحكم الشَّرْعِيّ لَا يُمكن ثُبُوته من غير دَلِيل، إِذْ لَو ثَبت من غير دَلِيل لزم الْمحَال، وَهُوَ وُقُوع تَكْلِيف [مَا لَا يُطَاق] ، لِأَن ذَلِك الحكم لَا بُد وَأَن يكون مُتَعَلقا بِأَفْعَال الْمُكَلّفين، وَقد فرض أَنه لَا دَلِيل لَهُ يعرفهُ، وَلَا معنى للمحال إِلَّا مَا لَا يُمكن تعلق قدرَة العَبْد بِهِ عَادَة، وَلَو كَانَ لَهُ دَلِيل لَكَانَ إِمَّا نصا أَو إِجْمَاعًا أَو قِيَاسا، وَقد سبرنا فَلم نجد من ذَلِك شَيْئا، أَولا يتَعَرَّض للسبر بل يَقُول: شَيْء من النَّص، وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس غير مَوْجُود، إِذْ الأَصْل الْعَدَم، وَالْأَصْل بَقَاء مَا كَانَ، وَهَذَا النَّفْي حكم شَرْعِي؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفَاد دَلِيل شَرْعِي هُوَ انْتِفَاء سَبَب الحكم الَّذِي علم من الدَّلِيل ضَرُورَة حَيْثُ لَا دَلِيل، لَا حكم، لما قدمنَا من لُزُوم الْمحَال.
وَمن أَنْوَاع الِاسْتِدْلَال على هَذَا القَوْل قَوْلنَا: وجد الْمَانِع، أَو فَاتَ
الشَّرْط، وانتفى الحكم، كَمَا تقدم، أَو ثَبت الحكم لوُجُود السَّبَب، وَقد تقدم - أَيْضا - ذَلِك قَرِيبا.
وَهَذَا القَوْل اخْتَارَهُ ابْن حمدَان فِي " مقنعه " وَغَيره.
وَاخْتَارَهُ الْفَخر أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وَزَاد: التلازم بَين حكمين بِلَا تعْيين عِلّة، والاستصحاب، كَمَا يَأْتِي شرح ذَلِك، وَقَول الْقَائِل: لَا فَارق بَين مَحل النزاع وَالْإِجْمَاع إِلَّا هَذَا، وَلَا أثر لَهُ، وَالْأَصْل فِي الْمَنَافِع الْإِذْن، وَفِي المضار الْمَنْع شرعا لَا عقلا.
نَقله عَنهُ ابْن مُفْلِح، فأسقط شرع من قبلنَا هَل هُوَ شرع لنا، وَزَاد قَوْله: لَا فَارق.
وَاخْتَارَ ابْن الْحَاجِب: أَن الِاسْتِدْلَال هُنَا هُوَ التلازم بَين حكمين بِلَا تعْيين عِلّة، والاستصحاب، وَشرع من قبلنَا، فَاخْتَارَ أَنه هَذِه الثَّلَاثَة.
قد تقدم اخْتلَافهمْ فِي أَنْوَاع الِاسْتِدْلَال، وَقَول ابْن الْحَاجِب إِنَّهَا هَذِه الثَّلَاثَة، وَسَيَأْتِي قَول الْحَنَفِيَّة [فِي] الِاسْتِحْسَان، والمالكية فِي الْمصَالح الْمُرْسلَة، وَالِاخْتِلَاف فِي شرع من قبلنَا، وَغير ذَلِك.
قَوْله: {الأول} .
أَي: من الْأَنْوَاع الِاسْتِدْلَال على قَول من يَقُول ذَلِك.
{تلازم بَين ثبوتين: من صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره، أَو عَكسه، لَو صَحَّ وضوء بِلَا نِيَّة صَحَّ تيَمّم.
أَو ثُبُوت وَنفي: مَا يكون مُبَاحا لَا يكون حَرَامًا، أَو عَكسه: مَا لَا يكون جَائِزا يكون حَرَامًا} .
الْكَلَام فِي التلازم وَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام، لِأَن التلازم إِنَّمَا يكون بَين حكمين، وَالْحكم إِمَّا إِثْبَات أَو نفي، وَيحصل بِحَسب التَّرْكِيب أَقسَام أَرْبَعَة: بَين ثبوتين، أَو بَين نفيين، أَو بَين ثُبُوت وَنفي، أَو بَين نفي وَثُبُوت، وَقد مثل لذَلِك من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة:
فَالْأول تلازم بَين ثبوتين، كَقَوْلِهِم: من صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره، وَهَذَا يثبت بالطرد، وَهُوَ أَنا تتبعنا فَوَجَدنَا كل شخص يَصح طَلَاقه يَصح ظِهَاره، ويقوى بِالْعَكْسِ وَإِن لم يكن دَلِيلا مُسْتقِلّا، فَهُوَ مقو للدليل، وَهُوَ أَنا تتبعنا فَوَجَدنَا كل شخص لَا يَصح طَلَاقه لَا يَصح ظِهَاره وَحَاصِله التَّمْثِيل بالدوران، وَلَكِن على أَن الْعَدَم لَيْسَ جَزَاء لما تقدم، ويقرر التلازم بِأَن الصحتين أثران لمؤثر، فَيلْزم من ثُبُوت أَحدهمَا ثُبُوت الآخر، للُزُوم ثُبُوت الْمُؤثر لثُبُوت أَحدهمَا.
ويقرر - أَيْضا - بِأَن يُقَال: ثَبت الْمُؤثر فِي صِحَة الطَّلَاق فَثَبت الآخر؛ لِأَنَّهُمَا أثراه، وَلَا يعين الْمُؤثر، فَيكون انتقالا إِلَى قِيَاس الْعلَّة.
وَالثَّانِي: عَكسه، وَهُوَ التلازم بَين نفيين كَقَوْلِهِم: لَو صَحَّ الْوضُوء بِلَا نِيَّة صَحَّ التَّيَمُّم؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّة قَوْلك: لَو لم تشْتَرط النِّيَّة فِي الْوضُوء لم تشْتَرط فِي التَّيَمُّم، وتساهل فِيهِ إِذْ لَا عبره بِالْعبَادَة، وَهَذَا - أَيْضا - يثبت
بالطرد، ويقوى بِالْعَكْسِ كَمَا مر، ويقرر بِوَجْه آخر وَهُوَ أَن يُقَال: انْتَفَى أحد الأثرين فَيلْزم انْتِفَاء الآخر للُزُوم انْتِفَاء الْمُؤثر، أَو يُقَال: قد انْتَفَى أحد الأثرين فَيَنْتَفِي الْمُؤثر، فَيَنْتَفِي أَثَره الآخر، وللفرض أَن الثَّوَاب وَاشْتِرَاط النِّيَّة أثران لِلْعِبَادَةِ.
وَالثَّالِث تلازم بَين ثُبُوت وَنفي: [مَا يكون] مُبَاحا لَا يكون حَرَامًا.
وَالرَّابِع: عَكسه، وَهُوَ تلازم بَين نفي وَثُبُوت: مَا لَا يكون جَائِزا يكون حَرَامًا.
وَهَذَا القسمان يقرران بِثُبُوت التَّنَافِي بَينهمَا أَو بَين لوازمهما؛ لِأَن تنَافِي اللوازم يدل على تنَافِي الملزومات.
إِذا علم ذَلِك فَجَمِيع أَقسَام التلازم يرد عَلَيْهِ منع الْأَمريْنِ، وهما تحقق الْمَلْزُوم من نفي أَو إِثْبَات، وَتحقّق الْمُلَازمَة، وَيرد من الأسئلة الْخَمْسَة وَالْعِشْرين الْوَارِدَة على الْقيَاس جَمِيعهَا، مَا عدا الأسئلة الْمُتَعَلّقَة بِنَفس الْوَصْف الْجَامِع؛ لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ وصف جَامع، وَيخْتَص بسؤال لَا يرد على الْقيَاس، وَقد مثل الْعَضُد لذَلِك مِثَالا.
تقدم أَن التلازم أَرْبَعَة أَقسَام:
بَين ثبوتين، أَو نفيين، أَو ثُبُوت وَنفي، أَو عَكسه.
(وَمحل الحكم إِن لم يكن المحلان متلازمين، وَلَا متنافيين وهما الْعَام وَالْخَاص من وَجه: كالأسود وَالْمُسَافر، لم يجز فِيهِ شَيْئا مِنْهَا، فَلَا يَصح إِن كَانَ مُسَافِرًا فَهُوَ أسود وَلَا إِن لم يكن أسود فَلَيْسَ مُسَافِرًا، وَلَا إِن كَانَ أسود فَلَيْسَ مُسَافِرًا، وَلَا إِن لم يكن أسود فَهُوَ مُسَافر، وَإِنَّمَا يجْرِي فِيمَا فِيهِ تلازم أَو تناف.
إِذا علم ذَلِك فالتلازم إِمَّا أَن يكون طردا أَو عكسا [أَي: من الطَّرفَيْنِ، أَو طردا لَا عكسا، أَي: من طرف وَاحِد، والتنافي لَا بُد أَن يكون من الطَّرفَيْنِ، لكنه إِمَّا أَن يكون طردا وعكسا] .
أَي: إِثْبَاتًا ونفيا، وَإِمَّا طردا فَقَط، أَي: إِثْبَاتًا، وَإِمَّا عكسا فَقَط، أَي: نفيا، فَهَذِهِ خَمْسَة أَقسَام فَلْينْظر مَاذَا يجْرِي فِيهَا من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة.
الأول من الْأَقْسَام الْخَمْسَة، أَي: مَا يصدق فِيهَا المتلازمان طردا أَو عكسا وَهُوَ: كالجسم والتأليف، إِذْ كل جسم مؤلف، وكل مؤلف جسم وَهَذَا يجْرِي فِيهِ الْأَوَّلَانِ، أَي: التلازم بَين الثبوتين وَبَين النفيين كِلَاهُمَا طردا وعكسا، فَيصدق كل مَا كَانَ جسما كَانَ مؤلفا، وكل مَا كَانَ مؤلفا كَانَ جسما، وكل مَا لم يكن جسما لم يكن مؤلفا، وكل مَا لم يكن مؤلفا لم يكن جسما.
الثَّانِي: المتلازمان طردا فَقَط كالجسم والحدوث، إِذْ كل جسم حَادث، وَلَا ينعكس فِي الْجَوْهَر الْفَرد وَالْعرض، فهذان يجْرِي فيهمَا الأول، أَي: التلازم بَين ثبوتين طردا، فَيصدق كل مَا كَانَ جسما كَانَ حَادِثا لَا عكسا، وَلَا يصدق كل مَا كَانَ حَادِثا كَانَ جسما، ويجرى فيهمَا الثَّانِي، أَي: التلازم بَين النفيين عكسا، فَيصدق كل مَا لم يكن حَادِثا لم يكن جسما، لَا طردا، فَلَا يصدق كل مَا لم يكن جسما لم يكن حَادِثا.
الثَّالِث: المتنافيان طردا وعكسا: كالحدوث وَوُجُوب الْبَقَاء، فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي ذَات فَيكون وَاجِب الْبَقَاء، وَلَا يرتفعان فَيكون قَدِيما غير
وَاجِب الْبَقَاء، فهذان يجْرِي فيهمَا الأخيران، أَي: تلازم الثُّبُوت وَالنَّفْي، وَالنَّفْي والثبوت طردا وعكسا، أَي: من الطَّرفَيْنِ فَيصدق لَو كَانَ حَادِثا لم يجب بَقَاؤُهُ، وَلَو وَجب بَقَاؤُهُ لم يكن حَادِثا، وَلَو لم يكن حَادِثا فَلَيْسَ لَا يجب بَقَاؤُهُ، وَلَو لم يجب بَقَاؤُهُ فَلَيْسَ بحادث.
الرَّابِع: المتنافيان طردا لَا عكسا، أَي: إِثْبَاتًا لَا نفيا، كالتأليف والقدم إِذْ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلَا يُوجد شَيْء [هُوَ] مؤلف وقديم، لكنهما قد يرتفعان كالجزء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ، وَهَذَانِ يجْرِي فيهمَا الثَّالِث: أَي: تلازم الثُّبُوت وَالنَّفْي طردا وعكسا، أَي: من الْجَانِبَيْنِ، فَيصدق: كل مَا كَانَ جسما لم يكن قَدِيما، وكل مَا كَانَ قَدِيما لم يكن جسما، لَا الرَّابِع، أَي: تلازم النَّفْي وَالْإِثْبَات من شَيْء من الْجَانِبَيْنِ، فَلَا يصدق: كل مَا لم يكن جسما كَانَ قَدِيما، أَو كل مَا لم يكن قَدِيما كَانَ جسما.
الْخَامِس: المتنافيان عكسا، أَي: نفيا، كالأساس والخلل، فَإِنَّهُمَا لَا يرتفعان، فَلَا يُوجد مَا لَيْسَ لَهُ أساس وَلَا يخْتل، فقد يَجْتَمِعَانِ، وكل ذِي أساس يخْتل بِوَجْه آخر، وَهَذَانِ يجْرِي فيهمَا الرَّابِع، أَي: تلازم النَّفْي والثبوت طردا وعكسا، فَيصدق كل مَا لم يكن لَهُ أساس فَهُوَ مختل، وكل مَا لم يكن مختلا فَلهُ أساس، وَلَا يجْرِي فيهمَا الثَّالِث، فَلَا يصدق كل مَا كَانَ لَهُ أساس فَلَيْسَ بمختل، أَو كَانَ مَا كَانَ مختلا فَلَيْسَ لَهُ أساس ".
وَقد شرح ذَلِك شرَّاح " مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب "، وَغَيرهم.
وتابعنا فِيهِ القَاضِي عضد الدّين لتحقيقه.