المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(قوله: {فصل} ) - التحبير شرح التحرير - جـ ٨

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب الِاسْتِدْلَال)

- ‌(قَوْله: {بَاب الِاسْتِدْلَال} )

- ‌ فَلَيْسَ بِحرَام.مِثَال آخر: صيد الْمحرم إِمَّا حَلَال أَو حرَام، لكنه حرَام؛ لِأَنَّهُ نهي عَنهُ فَلَيْسَ بحلال.وَقد تقدم بَيَان ذَلِك فِي أَوَائِل الشَّرْح فَليُرَاجع، وَلِهَذَا تفاريع كَثِيرَة لَيست مَقْصُودَة تركناها خوف الإطالة

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ أُمَامَة فِي الصَّلَاة "، وَكَانَت بِحَيْثُ لَا تحترز عَن نَجَاسَة.قلت: وَهَذَا لَا يطرد فِي مَذْهَبنَا وَلَا فِي مَذْهَبهم، وَيَأْتِي قبيل التَّقْلِيد هَل يلْزم نافي الحكم الدَّلِيل عَلَيْهِ أم لَا؟قَوْله: {وَلَيْسَ اسْتِصْحَاب حكم الْإِجْمَاع فِي مَحل الْخلاف حجَّة عِنْد

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ هَل يكون شرعنا لنا حَتَّى يسْتَدلّ بِهِ فِي أَحْكَام شرعنا، إِذا لم نجد لَهُ دَلِيلا يقرره، وَلَا ورد مَا ينسخه، أَو لَيْسَ بشرع لنا حَتَّى يَأْتِي فِي شرعنا مَا يُقرر ذَلِك الحكم؟ فِيهِ قَولَانِ يأتيان قَرِيبا.قَوْله: {يجوز تعبد نَبِي بشريعة [نَبِي] قبله عقلا وَمنعه قوم}

- ‌ قبل الْبعْثَة متعبدا فِي الْفُرُوع بشرع من قبله مُطلقًا عِنْد القَاضِي، والحلواني، وَغَيرهمَا، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمد، وَقيل: معِين، فَقيل: أَدَم، أَو نوح، أَو إِبْرَاهِيم، اخْتَارَهُ ابْن عقيل، وَالْمجد، وَالْبَغوِيّ، وَابْن كثير، وَجمع، أَو مُوسَى، أَو عِيسَى، وَمنع الْحَنَفِيَّة

- ‌ وَاحِد مِنْهُم، فيتناوله عُمُوم الدعْوَة.ثمَّ اخْتلفُوا على هَذَا القَوْل، هَل كَانَ متعبدا بشرع معِين أَو لَا؟ فِيهِ قَولَانِ.ثمَّ اخْتلف الْقَائِل بِأَنَّهُ متعبد بشرع معِين فِي الْمعِين:فَقيل: آدم - صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ -، وَلم يذكرهُ فِي " جمع الْجَوَامِع

- ‌ فِي أُمُور:مِنْهَا: انصراف همم النَّاس عَن أَمر دينه والبحث عَنهُ " انْتهى.قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: وَجه الْمَنْع أَنه لَو كَانَ متعبدا بشرع لخالط أَهله عَادَة.رد: بِاحْتِمَال مَانع

- ‌ على مَا كَانَ عَلَيْهِ قومه عِنْد الْأَئِمَّة، قَالَ أَحْمد: من زَعمه فَقَوْل سوء} .قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَلم يكن

- ‌ مِمَّن أَمر أَن يقْتَدى بهم " رَوَاهُ البُخَارِيّ

- ‌ قضى بِالْقصاصِ فِي السن، وَقَالَ: " كتاب الله الْقصاص "، وَإِنَّمَا هَذَا فِي التَّوْرَاة.وَسِيَاق قَوْله تَعَالَى: {فاعتدوا عَلَيْهِ} ، فِي غَيره، وَلِهَذَا لم يُفَسر لَهُ.وللترمذي، وَالنَّسَائِيّ، عَن عمرَان: " أَن رجلا عض يَد رجل فنزعها من فِيهِ، فَوَقَعت ثنيتاه، فَقَالَ

- ‌ إِلَى التَّوْرَاة فِي الرَّجْم

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ أَنه قَالَ: " نَحن نحكم بِالظَّاهِرِ، وَالله يتَوَلَّى السرائر "، كَمَا اسْتدلَّ بِهِ الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره.لكنه حَدِيث لَا يعرف، لَكِن رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم الجنزوي فِي كِتَابه: " إدارة الْأَحْكَام " فِي

- ‌ وأصل حَدِيثهمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ: قضيت عَليّ وَالْحق لي، فَقَالَ رَسُول الله

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ "، رَوَاهُ عُثْمَان الدَّارمِيّ، وَابْن عدي

- ‌ بِالظَّنِّ.رد: يمْنَع ذَلِك كَخَبَر الْوَاحِد

- ‌ لِئَلَّا يكون كَاتِما للْعلم.رد: يحْتَمل أَنه نَقله وَلم يبلغنَا، أَو ظن نقل غَيره لَهُ، فَاكْتفى بذلك الْغَيْر عَن نَقله، أَو كره الرِّوَايَة.قلت: كل هَذِه الِاحْتِمَالَات بعيدَة، بل يُقَال: لَا يلْزم أَنه إِذا [روى] ذَلِك وَكَانَ توقيفا أَن يُصَرح بِرَفْعِهِ.قَوْله:

- ‌ لَا يلْزم الْأَخْذ بِهِ.وَنقل الْمَرْوذِيّ: ينظر مَا كَانَ عَن النَّبِي

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ فَهُوَ ثَابت بِالسنةِ، أَو فِي زمانهم من غير إِنْكَار فَهُوَ إِجْمَاع، وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُود

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ خمس مائَة ألف حَدِيث، انتخبت مِنْهُ مَا ضمنته كتابي السّنَن، جمعت فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث، ذكرت الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه، وَيَكْفِي الْمُسلم لدينِهِ من ذَلِك أَرْبَعَة أَحَادِيث:

- ‌ الرجل يخيل إِلَيْهِ: أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: " لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا " مُتَّفق عَلَيْهِ.وَلمُسلم: " إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ: أخرج مِنْهُ شَيْء فَلَا يخْرجن من الْمَسْجِد حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا

- ‌ الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي، وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ "، وَفِي رِوَايَة: " على من أنكر ".قَوْله: {وَالضَّرَر يزَال}

- ‌ لَا ضَرَر وَلَا ضرار "، وَفِي رِوَايَة: " وَلَا إِضْرَار " بِزِيَادَة همزَة فِي أَوله وَألف بَين الراءين.وَقد علل أَصْحَابنَا بذلك فِي مسَائِل كَثِيرَة جدا.وَقد تقدم قَرِيبا أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: الْفِقْه يَدُور على خَمْسَة أَحَادِيث، مِنْهَا: قَوْله

- ‌ لهِنْد: " خذي مَا يَكْفِي وولدك بِالْمَعْرُوفِ

- ‌ لحمنة بنت جحش: " تحيضي فِي علم الله سِتا أَو سبعا كَمَا تحيض النِّسَاء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن "، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ الْحَاكِم.وَحَدِيث أم سَلمَة: أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدَّم على عهد رَسُول الله

- ‌ فَقَالَ: " لتنظر عدد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحيضهن من الشَّهْر قبل أَن يُصِيبهَا ذَلِك فلتترك الصَّلَاة " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان فِي " صَحِيحَيْهِمَا

- ‌ من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد " رَوَاهُ مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ، فَإِنَّهُ دَلِيل على اعْتِبَار مَا الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ إِمَّا من جِهَة الْأَمر الشَّرْعِيّ، أَو من جِهَة الْعَادة المستقرة، لشمُول قَوْله: لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا ذَلِك.وَمِنْهَا حَدِيث: " الْمِكْيَال مكيال أهل الْمَدِينَة، وَالْوَزْن

- ‌ على أهل الْحَائِط حفظهَا بِالنَّهَارِ، وعَلى أهل الْمَوَاشِي حفظهَا بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَححهُ جمَاعَة

- ‌ التَّضْمِين على مَا جرت بِهِ الْعَادة.وَقيل: وَيَنْبَنِي على هَذِه الْقَاعِدَة مَا اعْتَمدهُ إمامنا وأصحابنا فِي أقل سنّ الْحيض للْمَرْأَة، وَأَقل الْحيض وَالطُّهْر، وأكثرهما، وَثمن الْمثل، وكفء النِّكَاح، وَأكْثر مُدَّة الْحمل وأقلها، وَسن الْيَأْس، وَمهر الْمثل.وَضَابِط كل فعل

- ‌(بَاب الِاجْتِهَاد)

- ‌(قَوْله: {بَاب الِاجْتِهَاد} )

- ‌ فَإِنَّهُ لَا يُسمى فِي الْعرف فَقِيها وَلعدم الْإِذْن فِيهِ.إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد بِالْحَدِّ اجْتِهَاد الْفَقِيه لَا مُطلق الِاجْتِهَاد " قَالَه الْبرمَاوِيّ

- ‌ فِي الْأَحَادِيث؛ ليعرف المُرَاد من ذَلِك، وَمَا يتَعَلَّق بهما من تَخْصِيص أَو تَعْمِيم.وَأَن يعرف - أَيْضا - شُرُوط الْمُتَوَاتر والآحاد؛ ليقدم مَا يجب تَقْدِيمه عِنْد التَّعَارُض.وَأَن يعرف الصَّحِيح من الحَدِيث والضعيف سندا ومتنا؛ لِيطْرَح الضَّعِيف حَيْثُ لَا يكون فِي فَضَائِل الْأَعْمَال

- ‌ على مَا هُوَ الرَّاجِح، وَإِن جَازَ غَيره فِي كَلَام الْعَرَب.قَالَ الطوفي: " وَيشْتَرط أَن يعرف من النَّحْو واللغة مَا يَكْفِيهِ فِي معرفَة مَا يتَعَلَّق بِالْكتاب وَالسّنة من نَص، وَظَاهر، ومجمل، وَحَقِيقَة ومجاز، وعام وخاص، وَمُطلق ومقيد، وَدَلِيل الْخطاب، وَنَحْوه: كفحوى الْخطاب

- ‌ وَبِمَا جَاءَ بِهِ من الشَّرْع الْمَنْقُول، كل بدليله من جِهَة الْجُمْلَة لَا من جِهَة التَّفْصِيل

- ‌ وأصول الْإِيمَان، لجَاز لَهُ الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع.قَالَ: وَالْقدر الْوَاجِب من ذَلِك: اعْتِقَاد جازم إِذْ بِهِ يصير مُسلما، وَالْإِسْلَام شَرط الْمُفْتِي لَا محَالة.قَالَ الطوفي: " قلت: الْمُشْتَرط فِي الِاجْتِهَاد بِالْجُمْلَةِ معرفَة كل مَا يتَوَقَّف حُصُول ظن الحكم الشَّرْعِيّ عَلَيْهِ، سَوَاء

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ فِي أَمر الدُّنْيَا، وَوَقع إِجْمَاعًا قَالَه ابْن مُفْلِح} .وَذَلِكَ " لقصته

- ‌ أَن ينزل ببدر دون المَاء قَالَ لَهُ: " إِن كَانَ هَذَا بِوَحْي فَنعم، وَإِن كَانَ الرَّأْي والمكيدة فَأنْزل بِالنَّاسِ

- ‌ لَا يسألني الله عَن سنة أحدثتها فِيكُم لم يَأْمُرنِي بهَا "، وَاحْتج أَبُو الْقَاسِم بن مندة فِي ذمّ من فعل

- ‌ يجوز أَن يتعبد بِالِاجْتِهَادِ.قَالَ الْبرمَاوِيّ: قَالَ أَكْثَرهم إِذا اجْتهد يكون دَائِما مصيبا، وَلَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي أَنه تَارَة يُصِيب فِي نفس الْأَمر، وَتارَة يخطيء، بل اجْتِهَاده لَا يخطيء أبدا لعصمته، ولمنصب النُّبُوَّة عَن الْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد.قَالَ القَاضِي فِي " الْعدة

- ‌ يتَصَرَّف بالفتيا، والتبليغ، وَالْقَضَاء، وَالْإِقَامَة}

- ‌ أَتَاهُ رجلَانِ يختصمان فِي مَوَارِيث وَأَشْيَاء قد درست فَقَالَ: " إِنِّي إِنَّمَا أَقْْضِي بَيْنكُم برأيي فِيمَا لم ينزل عَليّ فِيهِ ".وَله أَيْضا

- ‌ آثارها مُخْتَلفَة، فإقامة الْحُدُود، وترتيب الجيوش وَغير ذَلِك، من منصب الإِمَام، وَلَيْسَ لأحد

- ‌ من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ

- ‌ لهِنْد بنت عتبَة امْرَأَة أبي سُفْيَان بن حَرْب: " خذي من مَاله مَا يَكْفِيك وَيَكْفِي ولدك بِالْمَعْرُوفِ ".قَالَ الشَّافِعِي: هُوَ تصرف بالفتوى، فَمن ظفر بِجِنْس حَقه أَو بِغَيْر جنسه عِنْد التَّعَذُّر جَازَ أَن يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقه، وَهَذَا أحد الْقَوْلَيْنِ للموفق فَإِنَّهُ تَارَة قطع بِأَنَّهُ فَتْوَى، وَتارَة

- ‌ من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ وَأمته فِي أَنه كَانَ يجوز لَهُ أَن يجْتَهد وَيحكم بِالْقِيَاسِ من جِهَة الْعقل.وَقَالَ بَعضهم: لَا يجوز ذَلِك عقلا.ثمَّ قَالَ: لنا أَنه إِذا جَازَ أَن يتعبد غَيره بِالنَّصِّ تَارَة، وبالاجتهاد أُخْرَى، جَازَ أَن يتعبد هُوَ بذلك، وَلَيْسَ فِي الْعقل مَا يحيله فِي حَقه ويصححه فِي حَقنا

- ‌ وَيَأْتِي فِي الدَّلِيل على الْمَسْأَلَة.وَأما الثَّانِي: وَهُوَ الْوُقُوع فَفِيهِ - أَيْضا - مَذَاهِب:أَحدهَا: وَهُوَ الْأَصَح أَنه وَقع، وَسَيَأْتِي الْحَوَادِث بذلك.وَالثَّانِي: أَنه لم يَقع، إِذْ لَو وَقع لاشتهر.وَالثَّالِث: أَنه لم يَقع بَين الْحُضُور.وَالرَّابِع: الْوَقْف

- ‌ فِي غَزْوَة حنين إِنَّه قتل قَتِيلا، فَقَالَ رجل: صدق، وسلبه عِنْدِي فأرضه فِي حَقه، فَقَالَ أَبُو بكر: لَا هَا الله إِذا لَا يعمد إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله فيعطيك سلبه، فَقَالَ: صدق " مُتَّفق عَلَيْهِ.وَالْمَعْرُوف لُغَة: لَا هَا الله ذَا، أَي: يَمِيني، وَقيل:

- ‌ إِلَيْهِ فجَاء فَقَالَ: " نزل

- ‌ رجلَانِ فَقَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ: " اقْضِ بَينهمَا، فَقَالَ: وَأَنت هُنَا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: [نعم]

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ تفترق أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة، فرقة نَاجِية وَالْبَاقِي فِي النَّار "، وَقد تقدم قَرِيبا الْخلاف بَين الْعلمَاء فِي تَكْفِير المبتدعة، وَقد ذكر هُنَا أَقُول تقشعر مِنْهَا الْجُلُود وتنفر

- ‌ فَإنَّا نعلم قطعا: أَن النَّبِي

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ كَانَ إِذا أَمر أَمِيرا على جَيش أَو سَرِيَّة قَالَ: إِذا حاصرت أهل حصن، وأرادوك أَن تنزلهم على حكم الله فَلَا تنزلهم على حكم الله، وَلَكِن أنزلهم على حكمك، فَإنَّك لَا تَدْرِي تصيب مِنْهُم حكم الله أم لَا

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ تَعَارضا ".وَكَذَا جزم الْآمِدِيّ: يمْتَنع الْعَمَل بِأَحَدِهِمَا لاحْتِمَال [رُجُوعه] كنصين.وَإِن علم أسبقهما فَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن الثَّانِي مذْهبه وَهُوَ نَاسخ للْأولِ، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر مِنْهُم: أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، والموفق فِي " الرَّوْضَة "، وَالْقَاضِي فِي " الْعدة

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ وَمَا تفرع عَن ذَلِك من إِجْمَاع أَو قِيَاس وَغَيرهمَا من الاستدلالات، وطرقها بِالِاجْتِهَادِ وَلَو من النَّبِي

- ‌ وَقَالَهُ الشَّافِعِي، وَأكْثر أَصْحَابه، وَجُمْهُور أهل الحَدِيث، فَيكون حكمه من جملَة المدارك الشَّرْعِيَّة، فَإِذا قَالَ: هَذَا حَلَال، عرفنَا أَن الله تَعَالَى فِي الْأَزَل حكم بحله، أَو هَذَا حرَام، أَو نَحْو ذَلِك، لَا أَنه ينشيء الحكم؛ لِأَن ذَلِك من خَصَائِص الربوبية.قَالَ ابْن

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(بَاب التَّقْلِيد)

- ‌(قَوْله: {بَاب التَّقْلِيد} )

- ‌ وَإِلَى الْمُفْتِي وَإِلَى الْإِجْمَاع، وَالْقَاضِي إِلَى الْعُدُول لَيْسَ بتقليد، وَلَو سمي تقليدا سَاغَ.وَفِي " الْمقنع ": الْمَشْهُور أَن أَخذه بقول الْمُفْتِي تَقْلِيد، وَهُوَ أظهر، وَقدمه فِي " آدَاب الْمُفْتِي " فِي الْإِجْمَاع أَيْضا، وَقيل: وَالْقَاضِي.قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة

- ‌ وَالْإِجْمَاع.وَاحْترز بالنافي: عَن قبُول القَاضِي الْبَيِّنَة وَنَحْو ذَلِك.وَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ أرجح.ومثلوا على قَول الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب ذَلِك: بِأخذ الْعَاميّ والمجتهد بقول مثله كَمَا تقدم.قَالَ الْعَضُد: " فَلَا يكون الرُّجُوع إِلَى الرَّسُول

- ‌ بالمعجز، وَالْإِجْمَاع بِمَا تقدم فِي حجيته، وَقَول الشَّاهِد والمفتي بِالْإِجْمَاع

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ عَن الْكَلَام فِي الْقدر " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة صَالح المري وَهُوَ ضَعِيف، وَرَوَاهُ أَحْمد

- ‌ يخاصمونه فِي الْقدر ".قَالُوا: لَو كَانَ، فعله الصَّحَابَة وَنقل كالفروع.رد: هُوَ كَذَلِك؛ لِئَلَّا يلْزم نسبتهم إِلَى الْجَهْل وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ غير ضَرُورِيّ، وَلم ينْقل لعدم الْحَاجة. قَالُوا: لَو كَانَ أنْكرت على الْعَامَّة تَركه

- ‌ طلب الْعلم فَرِيضَة على كل مُسلم

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين " إِلَى آخِره.(قَالَ ابْن بطال: لِأَن أمته آخر الْأُمَم وَعَلَيْهَا تقوم السَّاعَة، وَإِن ظَهرت أشراطها وَضعف الدّين فَلَا بُد أَن يبْقى من أمته من يقوم بِهِ.قَالَ: فَإِن قيل: قَالَ النَّبِي

- ‌ قَالَ: " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق، لَا يضرهم من خالفهم "، قيل: وَأَيْنَ هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " بِبَيْت الْمُقَدّس، أَو أكناف بَيت الْمُقَدّس ") . انْتهى

- ‌ لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق ".رد: الْخَبَر الأول أدل على الْمَقْصُود، وَلَو تَعَارضا سلم الأول.وَأَيْضًا: التفقه فرض كِفَايَة، فَفِي تَركه اتِّفَاق الْأَمر على بَاطِل.رد: مَنعه الْآمِدِيّ إِن أمكن تَقْلِيد الْعَصْر السَّابِق، ثمَّ فرض عِنْد إِمْكَانه، فَإِذا

- ‌ لَا يَخْلُو عصر من حجَّة لله "، وَذكره القَاضِي أَيْضا.وَقَوله: " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق حَتَّى يردوا عَليّ " فَلَا يَصح

- ‌ يَنْبَغِي أَن تكون ألفا أَو ألفا وَمِائَتَيْنِ ".وَذكر القَاضِي أَن ابْن شاقلا اعْترض عَلَيْهِ بِهِ، فَقَالَ: " إِن كنت لَا أحفظ، فَإِنِّي أُفْتِي بقول من يحفظ أَكثر مِنْهُ ".قَالَ القَاضِي: لَا يَقْتَضِي هَذَا أَنه كَانَ يُقَلّد أَحْمد لمَنعه الْفتيا بِلَا علم.قَالَ بعض أَصْحَابنَا: ظَاهره

- ‌ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ "، وَفِيهِمْ الْأَفْضَل من غَيره.وَأَيْضًا: الْعَاميّ لَا يُمكنهُ التَّرْجِيح لقصوره، وَلَو كلف بذلك لَكَانَ تكليفا بِضَرْب من الِاجْتِهَاد.لَكِن زيف ابْن الْحَاجِب بِأَن ذَلِك يظْهر بِالتَّسَامُعِ وَرُجُوع الْعلمَاء إِلَيْهِ وَغَيره، لِكَثْرَة

- ‌ فِي كل أمره وَنَهْيه وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع، وَتوقف أَيْضا فِي جَوَازه.وَقَالَ أَيْضا: إِن خَالفه لقُوَّة الدَّلِيل، أَو زِيَادَة علم، أَو تقوى، فقد

- ‌(قَوْله: {فصل} )

- ‌ ينْهَى عَن قيل وَقَالَ، وإضاعة المَال، وَكَثْرَة السُّؤَال ".وَفِي لفظ: " إِن الله كره لكم ذَلِك "، مُتَّفق عَلَيْهِمَا.وَفِي حَدِيث اللّعان: " وَكره

- ‌ وَأَصْحَابه

- ‌(بَاب تَرْتِيب الْأَدِلَّة والتعادل والتعارض وَالتَّرْجِيح)

- ‌(قَوْله: {بَاب} {تَرْتِيب الْأَدِلَّة والتعادل والتعارض وَالتَّرْجِيح} )

- ‌ الْمَشْهُود لَهُم بالخيرية فِي قَوْله: " خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ".فَإِن فرض فِي عصر وَاحِد إجماعان، فَالثَّانِي بَاطِل؛ لِأَن كل من اجْتهد من الْمُتَأَخر فَقَوله بَاطِل لمُخَالفَته الْإِجْمَاع السَّابِق.فَإِن كَانَ أحد الإجماعين مُخْتَلفا فِيهِ وَالْآخر مُتَّفق عَلَيْهِ، فالمتفق

- ‌ عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح وَالْعصر " بقوله

- ‌ وَرَضي رَسُول الله

- ‌ على مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَة عَن النَّبِي

- ‌ على كِتَابَة، قَالَه الْجِرْجَانِيّ، وَابْن عقيل، وَالْمجد، والآمدي.وَقَالَ أَحْمد: سَوَاء.فَيحْتَمل فِي الْحجَّة، وَيحْتَمل لَا تَرْجِيح كَالْقَاضِي، وَابْن الْبَنَّا.وَمَا سمع مِنْهُ على مَا سكت عَنهُ مَعَ حُضُوره

- ‌ على فعله.وثالثتها سَوَاء.وَمَا لَا تعم بِهِ الْبلوى فِي الْآحَاد.وَمَا لم يُنكره الْمَرْوِيّ عَنهُ

- ‌ ينْطق بالفصيح وبالأفصح، فَلَا فرق بَين ثبوتهما عَنهُ، وَالْكَلَام فِي سوى ذَلِك

- ‌ مَا اجْتمع الْحَلَال وَالْحرَام إِلَّا غلب الْحَرَام " لِأَنَّهُ أحوط

- ‌ الْبَيْت، قَالَ بِلَال:

- ‌ لم يصل فِي الْبَيْت؛ لِأَنِّي كنت مَعَه فِيهِ، وَلم يغب على نَظَرِي طرفَة عين فِيهِ، وَلم أره صلى فِيهِ، أَو قَالَ: أَخْبرنِي رَسُول الله

- ‌ لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام

- ‌ عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي، عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ ".وَلِأَن الظَّاهِر أَنهم لم يتْركُوا النَّص الآخر إِلَّا لحجة عِنْدهم، فَلذَلِك قدم

- ‌ اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر ".قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: إِذا بلغك اخْتِلَاف عَن النَّبِي

- ‌ ظَاهرا وَبَاطنا، كامتناعه من الصَّلَاة، حَتَّى قَالَ عَليّ: " هما عليّ "، وَأَنه ابْتِدَاء ضَمَان

- ‌ فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن على مَا يتَضَمَّن إِصَابَته فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن، على مَا يتَضَمَّن إِصَابَته فِي الظَّاهِر فَقَط.فَالْأول مقدم ومرجح، لِأَنَّهُ بعيد عَن الْخَطَأ وَهُوَ اللَّائِق بِهِ وبحاله

- ‌ امْتنع من الصَّلَاة "، وَكَانَ وَقت

- ‌(قَوْله: {خَاتِمَة} )

الفصل: ‌(قوله: {فصل} )

الاستفتاء سَوَاء الْعَالم الْعدْل، وَهَذَا كَذَلِك، وَيَأْتِي حكم المستور وَالْفَاسِق فِي فتياهما.

وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ منتصبا للفتيا والتدريس مُعظما، فَإِن كَونه كَذَلِك يدل على علمه وَأَنه أهل للاستفتاء، وَلَا يجوز الاستفتاء فِي هَذِه عِنْد الْعلمَاء، وَذكره الْآمِدِيّ اتِّفَاقًا، هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفسه.

وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِخْبَار فَقَالَ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة " وَغَيره: يَكْفِيهِ قَول عدل.

قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَمرَاده خَبِير "، وَهُوَ كَذَلِك وَإِلَّا لم يحصل الْمَقْصُود.

وَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: يقبل فِي معرفَة أَهْلِيَّته عدل وَاحِد.

قَالَ النَّوَوِيّ: " وَهُوَ مَحْمُول على من عِنْده معرفَة يتَمَيَّز بهَا التلبيس من غَيره، وَلَا يقبل فِي ذَلِك خبر آحَاد الْعَامَّة لِكَثْرَة مَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ من التلبيس فِي ذَلِك ".

وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني: لَا بُد من ثقتين.

ص: 4036

وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: يعْتَمد على قَوْله أَنا أهل للْفَتْوَى لإِفَادَة التَّوَاتُر فِي المحسوس، واشتهار مَا لَا أصل لَهُ.

وَاعْتبر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين، وَابْن الصّلاح: الاستفاضة بِأَنَّهُ أهل للفتيا، وَهُوَ الرَّاجِح فِي " رَوْضَة النَّوَوِيّ "، وَنَقله عَن أَصْحَابهم.

فَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِد وَلَا بِاثْنَيْنِ وَلَا مُجَرّد اعتزائه إِلَى الْعلم، وَلَو بِمنْصب تدريس أَو غَيره.

ص: 4037

وَمرَاده فِي زَمَانه، بل هُوَ فِي هَذِه الْأَزْمِنَة أولى؛ لِأَن الدخيل قد دخل على الْفَقِيه والمدرسين.

قَالَ ابْن عقيل: يجب سُؤال أهل الثِّقَة والخبرة عَنهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يجوز الرُّجُوع إِلَى غَيره إِلَّا بعد علمه بِأَنَّهُ أهل بِدَلِيل النَّبِي وَالْحَاكِم والمقوم والمخبر بِعَيْب.

ثمَّ قَالَ: يَكْفِي خبر وَاحِد كَحكم شَرْعِي.

وَقَالَ الطوفي: " يُقَلّد من علمه أَو ظَنّه أَهلا بطرِيق مَا اتِّفَاقًا "، وَهُوَ معنى القَوْل الأول فِي الْمَسْأَلَة.

وَذكر ابْن عقيل عَن قَول: لَا يلْزمه فَيسْأَل من شَاءَ.

وَهَذَا خطأ فَإِن الله تَعَالَى قَالَ: {فسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} [النَّحْل: 43] .

وروى عَن الشِّيعَة: منع تَقْلِيد غير الْمَعْصُوم، وَهُوَ مُقَابل لما قبله.

ص: 4038

قَالَ ابْن مُفْلِح: وهما باطلان، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْقبُولِ فَإِنَّهُ يقبل من العَبْد وَالْأُنْثَى والأخرس، إِمَّا بِإِشَارَة مفهومة أَو كِتَابَة؛ لأَنهم كغيرهم فِي ذَلِك.

قَوْله: {وَيمْنَع عندنَا وَعند الْأَكْثَرين من لم يعرف بِعلم، أَو جهل حَاله، وَيلْزم ولي الْأَمر مَنعه، قَالَ ربيعَة: بعض من يُفْتِي أَحَق بالسجن من السراق} .

يمْنَع عندنَا وَعند أَكثر الْعلمَاء من الْفَتْوَى من لم يعرف [بِأَنَّهُ] عَالم أَو جهل حَاله؛ لِأَن الأَصْل وَالظَّاهِر الْجَهْل، فَالظَّاهِر أَنه مِنْهُ، وَلَا يلْزم الْجَهْل بِالْعَدَالَةِ لأَنا نمنعه. ونقول: لَا يقبل من جهلت عَدَالَته.

ثمَّ سلمه فِي " الرَّوْضَة "، والآمدي، وَغَيرهمَا؛ لِأَن الْغَالِب عَدَالَة الْعلمَاء.

ص: 4039

قَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره: من عرف علم الِاجْتِهَاد، وَكَانَ عدلا لزمَه الِاجْتِهَاد، وَجَاز لَهُ أَن يُفْتِي.

وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": صفة من يسوغ فتواه: الْعَدَالَة.

وَكَذَا أطلق بعض أَصْحَابنَا، وَغَيرهم: يلْزم ولي الْأَمر منع من لَيْسَ أَهلا، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِي، وَغَيره: لَا يَنْبَغِي أَن يُفْتِي إِلَّا من كَانَ كَذَلِك.

وَقَالَ ربيعَة: بعض من يُفْتِي أَحَق بالسجن من السراق.

ص: 4040

وَقَالَ فِي " الرَّوْضَة ": " الْعَدَالَة شَرط لجَوَاز اعْتِمَاد قَوْله ".

وَمَعْنَاهُ للْقَاضِي فِي " الْعدة ".

فَقَالَ: فِي " الْمُغنِي ": إِن من شهد مَعَ ظُهُور فسقه لم يُعَزّر؛ لِأَنَّهُ لَا يمْنَع صدقه.

وَكَلَامه هُوَ وَغَيره يدل على أَنه لَا يحرم أَدَاء فَاسق مُطلقًا.

قَوْله: {ويفتي فَاسق نَفسه عِنْد أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة وَغَيرهم، وَاخْتَارَ ابْن الْقيم وَغَيره: وَلغيره مَا لم يكن مُعْلنا أَو دَاعِيَة} .

الصَّحِيح أَن الْفَاسِق لَا تتعدى فتياه إِلَى غَيره، بل يُفْتِي نَفسه فَقَط، وَهَذَا مَذْهَبنَا، وَمذهب الشَّافِعِيَّة، وَغَيرهم؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بأمين على مَا يَقُول.

ص: 4041

وَقَالَ ابْن الْقيم فِي " أَعْلَام الموقعين ": " قلت: الصَّوَاب جَوَاز استفتاء الْفَاسِق، إِلَّا أَن يكون مُعْلنا بِفِسْقِهِ دَاعيا إِلَى مذْهبه، فَحكم استفتائه حكم إِمَامَته وشهادته " انْتهى.

وَقَالَ الطوفي فِي " مُخْتَصره "، وَغَيره: وَلَا تشْتَرط عَدَالَته فِي اجْتِهَاده، بل فِي قبُول فتياه وَخَبره، وَهَذَا مُوَافق لقَوْل الْأَصْحَاب.

قَوْله: {وَلَا تصح من مَسْتُور الْحَال عِنْد أَكثر أَصْحَابنَا وَغَيرهم، وَقيل: بلَى، وَهُوَ أظهر، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَا يُفْتِي على عدوه كَالْحكمِ عَلَيْهِ} .

لَا تصح الْفَتْوَى وَلَا تقبل من مَسْتُور الْحَال، بل لَا بُد أَن يكون عدلا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَعَلِيهِ أَكثر الْأَصْحَاب، وَقدمه فِي " الْفُرُوع "، وَغَيره، كَمَا لَا تقبل رِوَايَته.

ص: 4042

وَقيل: تصح، وَهَذَا أظهر، وَعمل النَّاس عَلَيْهِ لَا سِيمَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة، وَقدمه فِي " آدَاب الْمُفْتِي "، وَصَححهُ فِي " الرِّعَايَة الْكُبْرَى "، وَاخْتَارَهُ ابْن الْقيم فِي " أَعْلَام الموقعين ".

وَقيل: تصح إِن اكتفينا بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة، وَإِلَّا فَلَا.

وَالصَّحِيح أَن الْفتيا تصح من الْعَدو قدمه فِي " الْفُرُوع " فِي بَاب أدب القَاضِي، و " الرِّعَايَة الْكُبْرَى "، و " آدَاب الْمُفْتِي "، وَغَيرهم.

وَقيل: لَا يُفْتِي عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيّ كَالْحكمِ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ.

قَوْله: {ويفتي حَاكم} .

ص: 4043

هَذَا الصَّحِيح وَأَنه كَغَيْرِهِ فِيهَا.

وَذكر بعض أَصْحَابنَا قولا: لَا يُفْتِي الْحَاكِم.

وَقد قَالَ القَاضِي شُرَيْح: " أَنا أَقْْضِي وَلَا أُفْتِي ".

وَقيل: يُفْتِي فِيمَا لَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ: كالطهارة، وَالصَّلَاة، وَنَحْوهمَا، وَلَا يُفْتِي فِيمَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ يصير كَالْحكمِ مِنْهُ على الْخصم، فَلَا يُمكن نقضه وَقت المحاكمة إِذا ترجح عِنْده ضِدّه بقول خَصمه أَو حجَّته أَو قَرَائِن حَالهمَا.

وَكَرِهَهُ ابْن الْمُنْذر فِيمَا يتَعَلَّق بالحكم.

ص: 4044

إِذا علم ذَلِك فَالصَّحِيح أَن فتيا الْحَاكِم لَيست بِحكم.

قَالَ فِي " أَعْلَام الموقعين ": " فتيا الْحَاكِم لَيست حكما مِنْهُ، فَلَو حكم غَيره بِغَيْر مَا أفتى لم يكن نقضا لحكمه، وَلَا هِيَ كَالْحكمِ، وَلِهَذَا يجوز أَن يُفْتِي الْحَاضِر وَالْغَائِب وَمن يجوز حكمه لَهُ وَمن لَا يجوز " انْتهى.

وَقَالَ القَاضِي فِي " التَّعْلِيق "، وَالْمجد فِي " محرره "، وَمن تَبِعَهُمْ: فعل الْحَاكِم حكم إِن حكم بِهِ أَو غَيره وفَاقا كفتياه.

فَجعلَا الْفتيا حكما إِن حكم بِهِ هُوَ أَو غَيره.

قَوْله: {وَلَا يُفْتِي فِي حَال لَا يحكم فِيهَا كغضب وَنَحْوه، وَظَاهره يحرم كَالْحكمِ، وَفِي " الرِّعَايَة ": إِن أصَاب صَحَّ وَكره، وَقيل لَا يَصح} .

الَّذِي يظْهر أَن حكم الْمُفْتِي حكم القَاضِي فِي ذَلِك، وَالصَّحِيح التَّحْرِيم فِي القَاضِي وَكَذَا فِي الْمُفْتِي، وَالصَّحِيح أَن حكم الْحَاكِم الْمُوَافق للحق ينفذ وَيصِح، فَكَذَلِك فِي الْفتيا.

ص: 4045

وَمثل الْغَضَب: إِذا كَانَ حاقنا، أَو حاقبا، أَو بِهِ ريح محتشية، أَو فِي شدَّة مرض، أَو خوف، أَو فَرح غَالب، أَو ملل، أَو كسل، وَشدَّة جوع وعطش، وهم، ووجع، ونعاس، وَبرد مؤلم، وحر مزعج، ومرادهم بِالْغَضَبِ: الْغَضَب الْكثير وَكَذَا غَيره.

قَوْله: {وَله أَخذ رزق من بَيت المَال، وَإِن تعين أَن يُفْتِي وَله كِفَايَة لم يَأْخُذهُ، وَقيل: بلَى كعادمها فِي الْأَصَح، وَمن أَخذ مِنْهُ لم يَأْخُذ وَإِلَّا أَخذ أُجْرَة خطه، وَقيل: بلَى، وَإِن جعل لَهُ أهل بلد رزقا ليتفرغ لَهُم جَازَ فِي الْأَصَح} .

للمفتي أَخذ الرزق من بَيت المَال؛ لِأَن لَهُ فِيهِ حَقًا على الْفتيا، فَجَاز لَهُ أَخذ حَقه.

وَإِن تعين أَن يُفْتِي لعدم غَيره فَلهُ حالتان:

ص: 4046

إِحْدَاهمَا: أَن يكون لَهُ كِفَايَة، فَهَل لَهُ أَن يَأْخُذ إِذا لم يكن لَهُ شَيْء من بَيت المَال أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ:

أَحدهمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَهُوَ الصَّحِيح، اخْتَارَهُ فِي " أَعْلَام الموقعين "، وَهُوَ الْمُخْتَار.

وَالْوَجْه الثَّانِي: لَهُ الْأَخْذ.

وَأطلقهُمَا فِي " الرِّعَايَة "، و " آدَاب الْمُفْتِي "، و " أصُول ابْن مُفْلِح " و " فروعه ".

وَالْحَالة الثَّانِيَة: أَن لَا يكون لَهُ كِفَايَة لَا من مَاله وَلَا من بَيت المَال، فَهَذَا إِذا قَالَ: لَا أَقْْضِي بَيْنكُمَا إِلَّا بِجعْل جَازَ لَهُ الْأَخْذ على الصَّحِيح؛ لِأَنَّهُ إِن لم يَأْخُذ أفْضى إِلَى ضَرَر يلْحقهُ فِي عائلته - إِن كَانُوا - وحرج، وَهُوَ منفي شرعا، وَإِن لم يفت حصل أَيْضا للمستفتى ضَرَر، فَتعين الْجَوَاز، وَقدمه ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ".

قَالَ فِي " الْكَافِي ": " وَإِذا قُلْنَا بِجَوَاز أَخذ الرزق فَلم يحصل لَهُ شَيْء فَقَالَ: لَا أَقْْضِي بَيْنكُم إِلَّا بِجعْل: جَازَ ".

وَقَالَ فِي " الْمُغنِي "، و " الشَّرْح ": " فَإِن لم يكن للْقَاضِي رزق فَقَالَ:

ص: 4047

لَا أَقْْضِي بَيْنكُمَا حَتَّى تجعلا لي جعلا: جَازَ، وَيحْتَمل أَن لَا يجوز " انْتهى.

وَالْقَوْل الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الْأَخْذ.

قلت: وَهُوَ ضَعِيف، وَهُوَ احْتِمَال فِي " الْمُغنِي "، وَاخْتَارَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "، وَالنّظم.

وَمن أَخذ من بَيت المَال لم يَأْخُذ فِي الْحَالَتَيْنِ، لَكِن هَل لَهُ أَخذ أُجْرَة خطه أم لَا؟ فِيهِ وَجْهَان:

أَحدهمَا: يجوز، وَهُوَ الَّذِي قدمْنَاهُ هُنَا تبعا لِابْنِ مُفْلِح فِي " أُصُوله ".

وَالْوَجْه الثَّانِي: لَا يجوز لَهُ الْأَخْذ، وَاخْتَارَهُ فِي " أَعْلَام الموقعين ".

وَإِن جعل لَهُ أهل بلد رزقا ليتفرغ لَهُم جَازَ على الصَّحِيح، كالمسألة الَّتِي قبلهَا.

ص: 4048

لَكِن ظَاهر هَذَا: وَلَو كَانَ لَهُ كِفَايَة وَمَا يقوم بِهِ، فيشكل، أَو يُقَال: يفهم من قَوْله: ليتفرغ لَهُم، أَنه كَانَ مَشْغُولًا بِمَا يقوم بالعيال، وَهُوَ الظَّاهِر.

وَقيل: لَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَمَال إِلَيْهِ فِي " الرِّعَايَة "، وَاخْتَارَهُ فِي " آدَاب الْمُفْتِي ".

قَوْله: {وَله قبُول الْهَدِيَّة، وَعنهُ: لَا، إِلَّا أَن يكافيء، قَالَ أَحْمد: لَا يَنْبَغِي أَن يُفْتِي حَتَّى تكون لَهُ نِيَّة ووقار وسكينة، قَوِيا على مَا هُوَ فِيهِ ومعرفته، والكفاية، وَإِلَّا مضغه النَّاس، وَمَعْرِفَة النَّاس، قَالَ ابْن عقيل: هَذِه الْخِصَال مُسْتَحبَّة} .

قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": " وَله قبُول هَدِيَّة، وَالْمرَاد لَا يفتيه بِمَا يُريدهُ وَإِلَّا حرمت، زَاد بَعضهم: أَو لينفعه بجاهه أَو مَاله، وَفِيه نظر " انْتهى.

قَالَ فِي " آدَاب الْمُفْتِي ": " وَله قبُول الْهَدِيَّة، وَقيل: يحرم إِذا كَانَ رشوة على أَن يفتيه بِمَا يُرِيد.

قلت: أَو يكون لَهُ فِيهِ نفع من جاه أَو مَال فيفتيه لذَلِك بِمَا لَا يُفْتِي بِهِ

ص: 4049

غَيره مِمَّا لَا ينْتَفع بِهِ كنفع الأول " انْتهى.

وَهُوَ مُرَاد ابْن مُفْلِح بقوله: وَفِيه نظر.

فَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر من الْأَصْحَاب: جَوَاز قبُول الْهَدِيَّة للمفتي.

وَنقل الْمَرْوذِيّ: " لَا يقبل الْهَدِيَّة إِلَّا أَن يكافيء ".

قَالَ أَحْمد: " الدُّنْيَا دَاء وَالسُّلْطَان [دَاء] ، والعالم طبيبه، فَإِذا رَأَيْت الطَّبِيب يجر الدَّاء إِلَى نَفسه فاحذره ".

قَالَ بعض أَصْحَابنَا: فِيهِ التحذير من استفتاء من يرغب فِي مَال وَشرف بِلَا حَاجَة.

قَالَ أَحْمد: " لَا يَنْبَغِي أَن يُفْتِي إِلَّا أَن يكون لَهُ نِيَّة، فَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة لم يكن عَلَيْهِ نور وَلَا على كَلَامه نور، وحلم، ووقار، وسكينة، قَوِيا على مَا هُوَ فِيهِ وعَلى مَعْرفَته، والكفاية وَإِلَّا مضغه النَّاس،

ص: 4050

وَمَعْرِفَة النَّاس ".

قَالَ ابْن عقيل: هَذِه الْخِصَال مُسْتَحبَّة، فيقصد الْإِرْشَاد وَإِظْهَار أَحْكَام الله لَا رِيَاء وَلَا سمعة، والتنويه باسمه.

والسكينة وَالْوَقار: ترغب المستفتي، وهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء فَيجب أَن يتخلقوا بأخلاقهم.

والكفاية: لِئَلَّا ينْسبهُ النَّاس إِلَى التكسب بِالْعلمِ وَأخذ الْعِوَض عَلَيْهِ، فَيسْقط قَوْله.

وَمَعْرِفَة النَّاس: تحْتَمل حَال الرِّوَايَة وتحتمل حَال المستفتين، فالفاجر لَا يسْتَحق الرُّخص، فَلَا يفتيه بالخلوة بالمحارم مَعَ علمه بِأَنَّهُ يسكر،

ص: 4051

وَلَا يرخص لجند وقتنا لمعرفتنا لسفرهم، والتسهيل على معتدات على صِفَات وقتنا؛ لِئَلَّا يضع الْفَتْوَى فِي غير محلهَا.

وَكَذَا قَالَ والخصلة الأولى وَاجِبَة.

وَعَن عمرَان مَرْفُوعا: " وَإِن أخوف مَا أَخَاف على أمتِي: كل مُنَافِق عليم اللِّسَان "، حَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ:

ص: 4052

مَوْقُوفا أشبه.

وَعَن عمر قَالَ: " كُنَّا نتحدث إِنَّمَا يهْلك هَذِه الْأمة كل مُنَافِق عليم اللِّسَان "، رَوَاهُ أَبُو يعلى، وَفِيه مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.

ص: 4053

وَقَالَ معَاذ: " احذر زلَّة الْعَالم وجدال الْمُنَافِق ".

ص: 4054

قَوْله: {وَمن عدم مفتيا فَلهُ حكم مَا قبل الشَّرْع من إِبَاحَة، أَو حظر، أَو وقف} .

قَالَ فِي " آدَاب الْمُفْتِي ": " فَإِن لم يجد الْعَاميّ من يسْأَله عَنْهَا فِي بَلَده وَلَا غَيره، فَقيل: لَهُ حكم مَا قبل الشَّرْع، على الْخلاف فِي الْحَظْر، وَالْإِبَاحَة، وَالْوَقْف، وَهُوَ أَقيس " انْتهى.

وَقطع بِهِ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ".

قَوْله: {وَيلْزم الْمُفْتِي تَكْرِير النّظر عِنْد تكْرَار الْوَاقِعَة فِي الْأَصَح، وَلُزُوم السُّؤَال ثَانِيًا على الْخلاف، وَعند أبي الْخطاب والآمدي: إِن ظن طَرِيق الِاجْتِهَاد لم يلْزمه، وَإِلَّا لزمَه} .

ص: 4055

قَالَ القَاضِي، وَابْن عقيل، وَغَيرهمَا من الْأَصْحَاب: يلْزم الْمُفْتِي تَكْرِير النّظر عِنْد تكْرَار الْوَاقِعَة.

قَالَ ابْن عقيل: وَإِن لم يُكَرر النّظر كَانَ مُقَلدًا لنَفسِهِ لاحْتِمَال تغير اجْتِهَاده إِذا كرر، قَالَ: وكالقبلة يجْتَهد لَهَا ثَانِيًا.

وَاعْترض: فَيجب تكريره أبدا.

رد: نعم، وَغلط بَعضهم فِيهِ.

وَذكر بعض أَصْحَابنَا: لَا يلْزم؛ لِأَن الأَصْل بَقَاء مَا اطلع عَلَيْهِ وَعدم غَيره.

وَلُزُوم السُّؤَال ثَانِيًا فِيهِ الْخلاف، فَلَا يَكْتَفِي السَّائِل بِالْجَوَابِ الأول على الصَّحِيح كَمَا قُلْنَا فِي تكَرر النّظر.

ص: 4056

وَعند أبي الْخطاب والآمدي: إِن ذكر الْمُفْتِي طَرِيق الِاجْتِهَاد لم يلْزمه، وَإِلَّا لزمَه.

وَهُوَ ظَاهر.

وَقَالَ كثير من الْعلمَاء: للمسألة أَحْوَال: لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يَتَجَدَّد لَهُ مَا يَقْتَضِي رُجُوعه عَمَّا ظهر لَهُ بِالِاجْتِهَادِ الأول أَو لَا، وكل مِنْهُمَا إِمَّا مَعَ كَونه ذَاكِرًا لدَلِيل ذَلِك الْمَاضِي أَو لَا.

الأول من الْأَرْبَعَة: أَن يَتَجَدَّد مَا يَقْتَضِي الرُّجُوع، وَلكنه ذَاكر الدَّلِيل الأول، فَإِن كَانَ راجحا على مَا يَقْتَضِي الرُّجُوع عمل بِالْأولِ، وَلَا يُعِيد الِاجْتِهَاد.

الثَّانِي: أَن لَا يكون ذَاكِرًا للدليل الأول فَيجب أَن يُعِيد الِاجْتِهَاد قطعا، قَالَه الشَّافِعِيَّة، لِأَنَّهُ لَا ثِقَة بِبَقَاء الظَّن، وَإِن كَانَ الأصوليون حكوا فِيهِ قولا بِالْمَنْعِ، بِنَاء على أَن الظَّن السَّابِق قوي فَيعْمل بِهِ؛ لِأَن الأَصْل عدم رُجْحَان غَيره عَلَيْهِ.

ص: 4057

الثَّالِث: أَن لَا يَتَجَدَّد لَهُ مَا يَقْتَضِي رُجُوعه، وَهُوَ ذَاكر الدَّلِيل الأول، فَلَا يلْزمه أَن يُعِيد الِاجْتِهَاد قطعا.

الرَّابِع: أَن يَتَجَدَّد مَا يَقْتَضِي الرُّجُوع وَلَا هُوَ ذَاكر للدليل الأول، فَهَذَا يلْزمه أَن يُعِيد الِاجْتِهَاد ثَانِيًا، فَإِن وَافق مُقْتَضَاهُ الأول فَظَاهر، وَإِن خَالفه عمل بِالثَّانِي.

وَأما المستفتي إِذا أفتاه الْمُفْتِي بِحكم ثمَّ تَجَدَّدَتْ الْوَاقِعَة، وَقُلْنَا إِن الْمُجْتَهد يُعِيد اجْتِهَاده، يجب على السَّائِل أَن يُعِيد السُّؤَال؛ لِأَنَّهُ قد يتَغَيَّر نظر الْمُفْتِي وَهَذَا الصَّحِيح، لَكِن مَحل الْخلاف إِذا عرف المستفتي أَن جَوَاب الْمُفْتِي مُسْتَند إِلَى الرَّأْي كالقياس أَو شكّ فِي ذَلِك، وَالْغَرَض أَن الْمُقَلّد حَيّ، فَإِن عرف استناد الْجَواب إِلَى نَص أَو إِجْمَاع فَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَة السُّؤَال ثَانِيًا قطعا، وَكَذَا لَو كَانَ الْمُقَلّد مَيتا.

ص: 4058