الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَله أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ - عَن الصَّحَابَة -: " مَا كَانُوا يسْأَلُون إِلَّا عَمَّا يَنْفَعهُمْ ".
وَاحْتج الشَّافِعِي على كَرَاهَة السُّؤَال عَن الشَّيْء قبل وُقُوعه بقوله تَعَالَى: {لَا تسئلوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة [الْمَائِدَة: 101] .
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم َ - "
ينْهَى عَن قيل وَقَالَ، وإضاعة المَال، وَكَثْرَة السُّؤَال ".
وَفِي لفظ: " إِن الله كره لكم ذَلِك "، مُتَّفق عَلَيْهِمَا.
وَفِي حَدِيث اللّعان: " وَكره
صلى الله عليه وسلم َ - الْمسَائِل وعابها ".
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كره السُّؤَال عَن الْمَسْأَلَة قبل كَونهَا إِذا لم يكن فِيهَا كتاب أَو سنة، لِأَن الِاجْتِهَاد إِنَّمَا يُبَاح ضَرُورَة.
ثمَّ روى عَن معَاذ: " أَيهَا النَّاس لَا تعجلوا بالبلاء قبل نُزُوله ".
وَعَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن - مُرْسلا - مَعْنَاهُ.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس لعكرمة: من سَأَلَك عَمَّا لَا يعنيه فَلَا تفته.
وَسَأَلَ الْمَرْوذِيّ أَحْمد عَن شَيْء من أَمر الْعدْل، فَقَالَ:" لَا تسْأَل عَن هَذَا فَإنَّك لَا تُدْرِكهُ ".
وَذكر ابْن عقيل: أَنه يحرم إِلْقَاء علم لَا يحْتَملهُ السَّامع.
قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ عَليّ: " حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ، أتريدون أَن يكذب الله وَرَسُوله ".
وَفِي مُقَدّمَة مُسلم عَن ابْن مَسْعُود: " مَا أَنْت بمحدث قوما حَدِيثا لَا تبلغه عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ فتْنَة لبَعْضهِم ".
وَعَن مُعَاوِيَة مَرْفُوعا: " نهى عَن الغلوطات "، رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد.
وَقيل: بِفَتْح الْغَيْن، وَاحِدهَا: غلوطة، وَهِي الْمسَائِل الَّتِي يغالط بهَا.
وَقيل: بضَمهَا، وَأَصلهَا: الأغلوطات، وَنهى عَنْهَا السّلف.
قَوْله: {تَنْبِيه: يَنْبَغِي أَن يحفظ الْأَدَب مَعَ الْمُفْتِي، إِلَى آخِره} .
هَذِه مسَائِل تتَعَلَّق بأدب المستفتي والمفتي.
وَقد ذكر ذَلِك ابْن حمدَان فِي كِتَابه " آدَاب الْمُفْتِي "، وَأطَال وأجاد.
فَيَنْبَغِي للمستفتي أَن يحفظ الْأَدَب مَعَ الْمُفْتِي، ويجله ويعظمه، فَلَا يَقُول لَهُ وَلَا يفعل مَا جرت عَادَة الْعَوام بِهِ، كإيماء بِيَدِهِ فِي وَجهه، وَمَا مَذْهَب إمامك فِي كَذَا؟ وَمَا تحفظ فِي كَذَا؟ أَو أفتاني غَيْرك أَو فلَان بِكَذَا أَو كَذَا، أَو كَذَا قلت أَنا، أَو وَقع لي، أَو إِن كَانَ جوابك مُوَافقا فَاكْتُبْ، وَإِلَّا فَلَا.
لَكِن إِن علم غَرَض السَّائِل فِي شَيْء لم يجز أَن يكْتب بِغَيْرِهِ، وَلَا يسْأَله فِي ضجر، أَو هم، أَو قيام وَنَحْوه، وَلَا يُطَالِبهُ بِالْحجَّةِ، هَذَا الصَّحِيح.
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: لَا يمْنَع مِنْهُ، وَيلْزمهُ ذكر دَلِيل قَطْعِيّ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: " للعامي سُؤال الْمُفْتِي عَن مأخذه استرشادا، وَيلْزم الْعَام حِينَئِذٍ أَن يذكر لَهُ الدَّلِيل إِن كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ، لَا الظني لافتقاره إِلَى مَا يقصر فهم الْعَاميّ عَنهُ " انْتهى.
وَقَالَ ابْن عقيل فِي " المنثور ": من أَرَادَ كِتَابَة من فتيا أَو شَهَادَة لم يجز أَن يكبر خطه لتصرفه فِي ملك غَيره بِلَا إِذْنه وَلَا حَاجَة، كَمَا لَو أَبَاحَهُ قَمِيصه فَاسْتَعْملهُ فِيمَا يخرج عَن الْعَادة بِلَا حَاجَة.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي " عُيُون الْمسَائِل " فِي الْفتيا وَالشَّهَادَة، وَلَا يجوز أَن
يُوسع الأسطر، وَلَا يكثر إِن أمكنه الِاخْتِصَار.
قلت: وَفِيه نظر لَا سِيمَا فِي الْفَتَاوَى، فَإِن الْعلمَاء لم يزَالُوا إِذا كتبُوا عَلَيْهَا أطنبوا وَزَادُوا على المُرَاد، بل كَانَ بَعضهم يسْأَل عَن الْمَسْأَلَة فيجيب فِيهَا بمجلد أَو أَكثر، وَقد وَقع هَذَا كثيرا للشَّيْخ تَقِيّ الدّين - رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ -.
قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَيتَوَجَّهُ مَعَ قرينَة خلاف لنا.
يَعْنِي على جَوَاز ذَلِك -.
وَقَالَ ابْن عقيل فِي " فنونه ": لَا يجوز إِطْلَاق الْفتيا فِي اسْم مُشْتَرك إِجْمَاعًا، فَلَو سُئِلَ: أَيجوزُ الْأكل بعد طُلُوع الْفجْر؟ فَلَا بُد أَن يَقُول: يجوز بعد الْفجْر الأول لَا الثَّانِي.
قَالَ: وَمن هُنَا إرْسَال أبي حنفية من سَأَلَ أَبَا يُوسُف عَمَّن دفع ثوبا إِلَى قصار، فَقَصره وجحده: هَل لَهُ أُجْرَة إِن عَاد سلمه لرَبه؟ وَقَالَ: إِن قَالَ: نعم، أَو لَا، فقد أَخطَأ، فجَاء إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِن كَانَ قصره قبل جحوده: فَلهُ الْأُجْرَة، وَإِن كَانَ بعد جحوده: فَلَا أُجْرَة لَهُ؛ لِأَنَّهُ قصره لنَفسِهِ.
واختبر أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ أصحابا لَهُ فِي بيع رَطْل تمر برطل تمر، فأجازوا فخطأهم، فمنعوا فخطأهم، فخجلوا فَقَالَ: إِن تَسَاويا مَكِيلًا يجوز، فَهَذَا يُوضح خطأ الْمُطلق فِي كل مَا احْتمل التَّفْصِيل.
قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ، وَيتَوَجَّهُ عمل بعض أَصْحَابنَا بِظَاهِر) .
قَوْله: {فَائِدَة: قيل للْإِمَام أَحْمد: الرجل يسْأَل عَن الْمَسْأَلَة فأدله على إِنْسَان، هَل عَليّ شَيْء؟ قَالَ: إِن كُنَّا مُتبعا فَلَا بَأْس، وَلَا يُعجبنِي رَأْي أحد.
وَفِي " الْوَاضِح ": يسن إِعْلَامه إِن كَانَ أَهلا للرخصة كالتخلص من الرِّبَا وَالْخلْع [بعد] الْوُقُوع، وَذكره غَيره: يحرم الْخلْع حِيلَة} .
هَذِه الْمسَائِل مُتَعَلقَة بالتخلص مِمَّا يَقع فِيهِ الْإِنْسَان كالعامي، فَإِن فِي ذَلِك رَاحَة وخلاصا مِمَّا هُوَ أعظم مِمَّا وَقع فِيهِ.
وروى عَن أَحْمد فِي ذَلِك رِوَايَات: فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن الرجل يسْأَل عَن الْمَسْأَلَة فأدله على إِنْسَان، هَل عَليّ شَيْء؟ قَالَ: إِن كَانَ مُتبعا أَو معينا فَلَا بَأْس، وَلَا يُعجبنِي رَأْي أحد.
وَذكر ابْن عقيل فِي " واضحه ": أَنه يستجب إِعْلَام المستفتي بِمذهب غَيره، إِن كَانَ أَهلا للرخصة كطالب التَّخَلُّص من الرِّبَا، فيدله على من يرى التحيل للخلاص مِنْهُ، وَالْخلْع بعد وُقُوع الطَّلَاق. انْتهى.
وَلَا يسع النَّاس فِي هَذِه الْأَزْمِنَة غير هَذَا.
وَذكر القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فِي " فروعه " فِي كتاب الطَّهَارَة عَن أَحْمد أَنهم جاؤوه بفتوى فَلم تكن على مذْهبه، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِحَلقَة الْمَدَنِيين.
- وَتقدم قريب من ذَلِك - فَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْمُفْتِي إِذا جَاءَهُ المستفتي، وَلم يكن عِنْده رخصَة، أَن يدله على مَذْهَب من لَهُ فِيهِ رخصَة انْتهى.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب.
وَنقل الْأَثْرَم عَنهُ: " قوم يفتون هَكَذَا يتقلدون قَول الرجل وَلَا يبالون بِالْحَدِيثِ ".
وَنقل أَبُو طَالب: عجبا لقوم عرفُوا الْإِسْنَاد وَصِحَّته يَدعُونَهُ ويذهبون إِلَى رَأْي سُفْيَان وَغَيره، قَالَ الله تَعَالَى:{فليحذر الَّذِي يخالفون عَن أمره} الْآيَة [النُّور: 63] الْفِتْنَة: الْكفْر.
وَقَالَ أَحْمد بن الْحسن: أَلا يعجب يُقَال للرجل: قَالَ رَسُول الله فَلَا يقنع، وَقَالَ عَن فلَان فيقنع.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ عَن أصُول ظَاهِرَة الْبُرْهَان: لَا يهولنك مخالفتها لقَوْل مُعظم فِي النَّفس ولطغام.