الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {بَاب التَّقْلِيد} )
لما فَرغْنَا من الِاجْتِهَاد ومباحثه شرعنا فِي مُقَابِله، وَهُوَ التَّقْلِيد وَأَحْكَامه.
التَّقْلِيد فِي اللُّغَة: جعل الشَّيْء فِي الْعُنُق من دَابَّة وَغَيرهَا محيطا بِهِ، وَهَذَا احْتِرَاز مِمَّا لم يكن محيطا بالعنق، فَلَا يُسمى قلادة فِي عرف اللُّغَة وَلَا غَيرهَا، وَالشَّيْء الْمُحِيط بِشَيْء يُسمى قلادة وَجَمعهَا قلائد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد} [الْمَائِدَة: 2]، يَعْنِي: مَا يقلده الْهَدْي فِي عُنُقه من النِّعَال وآذان الْقرب.
وَمَعْنَاهُ فِي الْعرف أَي: فِي عرف الْأُصُولِيِّينَ: أَخذ مَذْهَب الْغَيْر بِلَا معرفَة دَلِيله.
أَي: المستوجب لَهُ، أَي: الَّذِي اقْتَضَاهُ وَأوجب القَوْل بِهِ.
ف (أَخذ) جنس وَالْمرَاد بِهِ اعْتِقَاد ذَلِك، وَلَو لم يعْمل بِهِ لفسق أَو لغيره.
وَقَوْلنَا: (مَذْهَب) يَشْمَل مَا كَانَ قولا لَهُ أَو فعلا، فَهُوَ أحسن من التَّعْبِير بِأخذ القَوْل لقصوره عَن الْفِعْل، إِلَّا أَن يُرَاد بالْقَوْل الرَّأْي فَيكون شَامِلًا.
وَنسبَة الْمَذْهَب إِلَى الْغَيْر: يخرج بِهِ مَا كَانَ مَعْلُوما بِالضَّرُورَةِ، وَلَا يخْتَص بِهِ ذَلِك الْمُجْتَهد إِذا كَانَ من أَقْوَاله وأفعاله الَّتِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا اجْتِهَاد، فَإِنَّهَا لَا تسمى مذْهبه.
وَقَوْلنَا: (بِلَا معرفَة دَلِيله) يَشْمَل الْمُجْتَهد إِذا لم يجْتَهد، وَلَا عرف الدَّلِيل، وجوزنا لَهُ التَّقْلِيد، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كالعامي فِي أَخذه بقول الْغَيْر من غير معرفَة دَلِيله.
فَيخرج [عَنهُ] الْمُجْتَهد إِذا عرف الدَّلِيل وَوَافَقَ اجْتِهَاده اجْتِهَاد آخر، فَلَا يُسمى تقليدا، كَمَا يُقَال: أَخذ الشَّافِعِي بِمذهب مَالك فِي كَذَا، وَأخذ أَحْمد بِمذهب الشَّافِعِي فِي كَذَا.
وَإِنَّمَا خرج ذَلِك؛ لِأَنَّهُ - وَإِن صدق عَلَيْهِ أَنه أَخذ بقول الْغَيْر - لكنه مَعَ معرفَة دَلِيله حق الْمعرفَة، فَمَا أَخذ حَقِيقَة إِلَّا من الدَّلِيل لَا من الْمُجْتَهد، فَيكون إِطْلَاق الْأَخْذ بمذهبه فِيهِ تجوز.
وَعبر الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب بقولهمَا: (لغير حجَّة) ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَن