الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{مَذْهَب أَحْمد وَنَحْوه مَا قَالَه أَو جرى مجْرَاه من تَنْبِيه وَغَيره} .
اعْلَم أَن الإِمَام أَحْمد - رَحمَه الله تَعَالَى - لم يؤلف كتابا مُسْتقِلّا فِي الْفِقْه كَمَا فعله غَيره من الْأَئِمَّة، وَإِنَّمَا أَخذ ذَلِك أَصْحَابه من فَتَاوِيهِ، وأجوبته، وأقواله، وأفعاله، وَبَعض تآليفه، فَإِن أَلْفَاظه إِمَّا صَرِيحَة فِي الحكم بِمَا لَا يحْتَمل، أَو ظَاهِرَة فِيهِ مَعَ احْتِمَال غَيره، أَو مُحْتَملَة لشيئين فَأكْثر على السوَاء، أَو تَنْبِيه كَقَوْلِهِم: أَوْمَأ إِلَيْهِ، أَو أَشَارَ إِلَيْهِ، وَدلّ كَلَامه عَلَيْهِ، أَو توقف عَلَيْهِ، وَنَحْو ذَلِك.
إِذا علمت ذَلِك: فمذهب الإِمَام أَحْمد وَنَحْوه من الْمُجْتَهدين على الْإِطْلَاق كالأئمة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم: مَا قَالَه بِدَلِيل وَمَات قَائِلا بِهِ، قَالَه فِي " الرِّعَايَة ".
وَقَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": " مَذْهَب الْإِنْسَان مَا قَالَه أَو جرى مجْرَاه من تَنْبِيه أَو غَيره ".
وَقد قسم أَصْحَابه دلَالَة أَلْفَاظه إِلَى أَنْوَاع كَثِيرَة، وَكَذَا فعله.
فَلهَذَا قُلْنَا: {وَكَذَا فعله وَمَفْهُوم كَلَامه} .
يَعْنِي أَنه إِذا فعل فعلا قُلْنَا مذْهبه جَوَاز فعل ذَلِك الْمَفْعُول، وَإِلَّا لما كَانَ فعله، وَكَذَا لَو كَانَ لكَلَامه مَفْهُوم فَإنَّا نحكم على ذَلِك الْمَفْهُوم بِمَا يُخَالف الْمَنْطُوق، إِن كَانَ مَفْهُوم مُخَالفَة، أَو بِمَا يُوَافقهُ إِن كَانَ مَفْهُوم مُوَافقَة.
ولأصحابنا فِي فعله وَمَفْهُوم كَلَامه وَجْهَان فِي كَونه مذهبا، وَأطلقهُمَا فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "، و " آدَاب الْمُفْتِي "، و " أصُول ابْن مُفْلِح ":
أَحدهَا: يكون مذهبا لَهُ وَهُوَ الصَّحِيح من الْمَذْهَب.
قَالَ ابْن حَامِد فِي " تَهْذِيب الْأَجْوِبَة ": عَامَّة أَصْحَابنَا يَقُولُونَ: إِن فعله مَذْهَب لَهُ وَقدمه ورد غَيره.
قَالَ فِي " آدَاب الْمُفْتِي ": اخْتَار الْخرقِيّ، وَابْن حَامِد، وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: أَن مَفْهُوم كَلَامه مذْهبه.
وَاخْتَارَ أَبُو بكر: أَنه لَا يكون مذهبا لَهُ.
فَإِن جعلنَا الْمَفْهُوم مذهبا لَهُ فنص فِي مَسْأَلَة على خلاف الْمَفْهُوم [بَطل] .
وَقيل: لَا يبطل.
فَتَصِير الْمَسْأَلَة على رِوَايَتَيْنِ إِن جعلنَا أول قوليه فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة مذهبا لَهُ.
قَوْله: {فَإِن علله بعلة فَقَوله مَا وجدت فِيهِ، وَلَو قُلْنَا بتخصيص الْعلَّة فِي الْأَصَح} .
الصَّحِيح: أَن مذْهبه فِي كل مَسْأَلَة تُوجد فِيهَا تِلْكَ الْعلَّة الَّتِي علل بهَا تِلْكَ الْمَسْأَلَة الَّتِي نَص عَلَيْهَا، وَذكر علتها قدمه فِي " الْفُرُوع " و " الرِّعَايَة ".
وَقَالَ: سَوَاء قُلْنَا بتخصيص الْعلَّة أَو لَا؟
وَقيل: لَا يكون ذَلِك مذْهبه، وَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا مَا يدل على ذَلِك.
وَقطع بِالْأولِ فِي " الرَّوْضَة "، و " مُخْتَصر الطوفي "، وَغَيرهمَا إِذْ الحكم يتبع الْعلَّة.
قَوْله: {وَكَذَا الْمَقِيس على كَلَامه فِي الْأَصَح} .
اخْتلف الْأَصْحَاب فِي الْمَقِيس على كَلَامه هَل هُوَ مَذْهَب لَهُ أم لَا؟ وَالْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب: أَنه مَذْهَب لَهُ.
قَالَ فِي " الْفُرُوع ": مذْهبه فِي الْأَشْهر.
وَقدمه فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "، و " الْحَاوِي "، وَغَيرهم.
وَهُوَ مَذْهَب الْأَثْرَم، والخرقي، وَغَيرهمَا، قَالَه ابْن حَامِد فِي " تَهْذِيب الْأَجْوِبَة ".
وَقيل: لَا يكون مذْهبه.
قَالَ ابْن حَامِد: " قَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا مثل الْخلال، وَأبي بكر عبد الْعَزِيز، وَأبي عَليّ، وَإِبْرَاهِيم، وَسَائِر من شاهدنا: أَنه لَا يجوز نسبته إِلَيْهِ، وأنكروا على الْخرقِيّ مَا رسمه فِي كِتَابه من حَيْثُ إِنَّه قَاس على قَوْله " انْتهى.
وَنَصره الْحلْوانِي، ذكره فِي " المسودة "، وَأطلقهُمَا فِي " المسودة " وَابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ".
قَالَ ابْن حَامِد: " والأجود أَن يفصل، فَمَا كَانَ من جَوَاب لَهُ فِي أصل يحتوي مسَائِل خرج جَوَابه على بَعْضهَا، فَإِنَّهُ جَائِز أَن ينْسب إِلَيْهِ بَقِيَّة مسَائِل ذَلِك الأَصْل من حَيْثُ الْقيَاس ".
وَقيل: إِن جَازَ تَخْصِيص الْعلَّة فَهُوَ مذْهبه وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ فِي " الرِّعَايَة الْكُبْرَى "، و " آدَاب الْمُفْتِي ":" وَقلت: إِن نَص الإِمَام على علته، أَو أَوْمَأ إِلَيْهِ كَانَ مذهبا وَإِلَّا فَلَا، إِلَّا أَن تشهد أَقْوَاله وأفعاله أَو أَحْوَاله لِلْعِلَّةِ المستنبطة بِالصِّحَّةِ وَالتَّعْيِين " انْتهى.
قَالَ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة "، والطوفي فِي " مختصرها "، وَغَيرهمَا:" إِن بَين الْعلَّة فمذهبه فِي كل مَسْأَلَة وجدت فِيهَا تِلْكَ الْعلَّة كمذهبه فِيمَا نَص عَلَيْهِ، وَإِن لم يبين الْعلَّة فَلَا، وَإِن أشبهتها إِذْ هُوَ إِثْبَات مَذْهَب بِالْقِيَاسِ، ولجواز ظُهُور الْفرق لَهُ لَو عرضت عَلَيْهِ " انْتهى.
هَذَا هُوَ الصَّحِيح، أَعنِي: أَنه لَا يجوز النَّقْل والتخريج من كل وَاحِدَة إِلَى الْأُخْرَى كَقَوْل الشَّارِع.
ذكره أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، وَغَيره، وَاقْتصر عَلَيْهِ الْمجد، وَقدمه ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله "، والطوفي فِي " مُخْتَصره "، وَصَاحب " الْحَاوِي الْكَبِير " وَغَيرهم، وَجزم بِهِ فِي " الرَّوْضَة " وَغَيره، كَمَا لَو فرق بَينهمَا، أَو منع النَّقْل والتخريج.
قَالَ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "، وآداب الْمُفْتِي ": أَو قرب الزَّمن بِحَيْثُ يظنّ أَنه ذَاكر حكم الأولى حِين أفتى بِالثَّانِيَةِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: جَوَاز نقل الحكم وتخريجه من كل وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، نَقله ابْن حَامِد عَن بعض الْأَصْحَاب، وَجزم بِهِ فِي " المطلع "، وَقدمه فِي " الرِّعَايَتَيْنِ ".
وَاخْتَارَهُ الطوفي فِي " مُخْتَصره " فِي الْأُصُول، و " شَرحه "، وَقَالَ:" إِذا كَانَ بعد الْجد والبحث، أَو خَفَاء الْفرق مَعَ ذَلِك، مُمْتَنع عَادَة "، لَكِن من شُرُوط جَوَاز التَّخْرِيج أَن لَا يُفْضِي إِلَى خرق الْإِجْمَاع.
قَالَ فِي " آدَاب الْمُفْتِي ": أَو رفع مَا اتّفق عَلَيْهِ الجم الْغَفِير من الْعلمَاء، أَو عَارضه نَص كتاب أَو سنة.
فعلى الأول - وَهُوَ الصَّحِيح - يكون الْوَجْه الْمخْرج وَجها لمن خرجه، وعَلى القَوْل الثَّانِي يكون رِوَايَة مخرجة، ذكره ابْن حمدَان وَغَيره.
وَقَالَ ابْن حمدَان أَيْضا: " قلت: إِن علم التَّارِيخ، وَلم يَجْعَل أول قوليه فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة مذهبا لَهُ جَازَ نقل حكم الثَّانِيَة إِلَى الأولى فِي الأقيس وَلَا عكس، إِلَّا أَن يَجْعَل أول قوليه فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة مذهبا لَهُ مَعَ معرفَة التَّارِيخ، وَإِن جهل التَّارِيخ جَازَ نقل حكم أقربهما من كتاب، أَو سنة، أَو إِجْمَاع، أَو أثر، وقواعد الإِمَام، وَنَحْوه إِلَى الْأُخْرَى فِي الأقيس وَلَا عكس، إِلَّا أَن يَجْعَل أول قوليه فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة مذهبا مَعَ معرفَة التَّارِيخ، وَأولى لجَوَاز كَونهَا الْأَخِيرَة دون الراجحة " انْتهى.
إِذا نَص على حكم مَسْأَلَة ثمَّ قَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل، أَو ذهب ذَاهِب إِلَى
كَذَا يُرِيد حكما يُخَالف مَا نَص عَلَيْهِ، كَانَ مذهبا: لم يكن ذَلِك مذهبا للْإِمَام أَيْضا، كَمَا لَو قَالَ: وَقد ذهب قوم إِلَى كَذَا، قَالَه أَبُو الْخطاب وَمن بعده وَقدمه فِي " الْفُرُوع "، و " الرِّعَايَة "، و " آدَاب الْمُفْتِي "، وَغَيرهم.
وَيحْتَمل أَن يكون مذهبا لَهُ ذكره فِي " الرِّعَايَة " من عِنْده.
قلت: وَهُوَ مُتَوَجّه كَقَوْلِه: يحْتَمل وَجْهَيْن.
قَالَ فِي " الْفُرُوع ": وَقد أجَاب الإِمَام أَحْمد فِيمَا إِذا سَافر بعد دُخُول الْوَقْت هَل يقصر، وَفِي غير مَوضِع بِمثل هَذَا، وَأثبت القَاضِي وَغَيره رِوَايَتَيْنِ انْتهى.