الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{الِاسْتِصْحَاب: التَّمَسُّك بِدَلِيل عَقْلِي أَو شَرْعِي، لم يظْهر عَنهُ ناقل مُطلقًا} .
من [الْمُخْتَلف] فِي كَونه دَلِيلا مغايرا لِلْأُصُولِ الْمُتَقَدّمَة: الِاسْتِصْحَاب.
وَحَقِيقَة اسْتِصْحَاب الْحَال: التَّمَسُّك بِدَلِيل عَقْلِي تَارَة يكون بِحكم دَلِيل الْعقل: كاستصحاب حَال الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة، فَإِن الْعقل دَلِيل براءتها، وَعدم توجه الحكم إِلَى الْمُكَلف.
وَتارَة يكون الِاسْتِصْحَاب بِحكم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ: كاستصحاب حكم الْعُمُوم وَالْإِجْمَاع، إِلَى أَن يظْهر دَلِيل ناقل عَن حكم الدَّلِيل المستصحب، فَيجب الْمصير إِلَيْهِ: كالبينة الدَّالَّة على شغل الذِّمَّة، وَتَخْصِيص الْعُمُوم، وَنَحْو ذَلِك، وَالْمعْنَى إِذا كَانَ حكما مَوْجُودا، وَهُوَ مُحْتَمل أَن يتَغَيَّر، فَالْأَصْل بَقَاؤُهُ، وَنفي مَا يُغَيِّرهُ.
وَمِنْه اسْتِصْحَاب الْعَدَم الْأَصْلِيّ، وَهُوَ الَّذِي عرف بِالْعقلِ انتفاؤه، وَأَن الْعَدَم الْأَصْلِيّ بَاقٍ على حَاله: كالأصل عدم وجوب صَلَاة سادسة، وَصَوْم شهر غير رَمَضَان، فَلَمَّا لم يرد السّمع بذلك حكم الْعقل بانتفائه لعدم الْمُثبت لَهُ.
وَمِنْه اسْتِصْحَاب حكم دلّ الشَّرْع على ثُبُوته ودوامه لوُجُود سَببه: كالملك عِنْد حُصُول السَّبَب، وشغل الذِّمَّة عَن قرض أَو إِتْلَاف، فَهَذَا وَإِن لم يكن حكما أَصْلِيًّا فَهُوَ حكم دلّ الشَّرْع على ثُبُوته ودوامه جَمِيعًا، وَلَوْلَا أَن الشَّرْع دلّ على دَوَامه إِلَى أَن يُوجد السَّبَب المزيل والمبريء لما زَالَ استصحابه.
ذهب أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة قاطبة، وَأكْثر الْعلمَاء.
وَذكره القَاضِي أَبُو يعلى إِجْمَاعًا.
وَكَذَا أَبُو الطّيب الشَّافِعِي، قَالَ: وَقد ذكره الْحَنَفِيَّة.
وَذكره السَّرخسِيّ مِنْهُم، وَقَالَ: عدم الدَّلِيل دَلِيل.
ثمَّ ذكر عَن بعض الْفُقَهَاء بُطْلَانه.
وَذكر الْآمِدِيّ بُطْلَانه عَن أَكثر الْحَنَفِيَّة، وَجَمَاعَة من الْمُتَكَلِّمين
كَأبي الْحُسَيْن، وَعَزاهُ أَيْضا الإِمَام للحنفية.
وَكَذَا ذكره أَبُو الْخطاب فِي مَسْأَلَة الْقيَاس أَنه لَيْسَ دَلِيلا، وَاخْتَارَهُ بعض أَصْحَابنَا.
فعلى هَذَا ذهب بعض الْعلمَاء: أَنه يجوز التَّرْجِيح بِهِ.
وَعَن الْحَنَفِيَّة: أَنه حجَّة فِي الدّفع، أَي: فِي بَقَاء مَا كَانَ، وَأما فِي رفع بِإِثْبَات شَيْء رَافع لشَيْء يستدام حكم ذَلِك الرافع فَلَيْسَ بِحجَّة، وَهَذَا كالمفقود لَا يُورث لبَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ وَهُوَ حَيَاته، وَلَا يَرث؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا لمَال مُوَرِثه حَتَّى [يستصحب] ملكه قبل.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَهَذَا القَوْل حسن، وَخرج عَلَيْهِ فرعا فِي مَذْهَبهم.
قَوْله: {وَقيل: يشْتَرط أَن لَا يُعَارضهُ ظَاهر، وَقيل: ظَاهر غَالب} .
قلت: لنا مسَائِل كَثِيرَة يقدم فِيهَا الظَّاهِر على الأَصْل، ومسائل فِيهَا خلاف، إِطْلَاق الِاحْتِجَاج بالاستصحاب شَامِل لمعارضة ظَاهر أَو لَا، وَلَكِن يرد علينا فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات مسَائِل كَثِيرَة فِيمَا تعَارض فِي الأَصْل وَالظَّاهِر: كطين الشوارع، وَثيَاب مدمني الْخمر، وأواني الْكفَّار المتلبسين بِالنَّجَاسَةِ، وَثيَاب القصابين، وأفواه الصغار، وَغير ذَلِك من الْمسَائِل الَّتِي لَا تكَاد تحصى.
وَقد ذكر الْعَلامَة ابْن رَجَب فِي " قَوَاعِده ": فِيمَا يغلب الأَصْل على الظَّاهِر، وَفِيمَا يغلب الظَّاهِر على الأَصْل ومسائل كَثِيرَة مترددة بَينهمَا
وَالتَّرْجِيح مُخْتَلف فليعاود، فَإِنَّهُ فِي أَوَاخِر الْقَوَاعِد.
لَكِن إِذا قدمنَا الظَّاهِر على الأَصْل لَيْسَ تَقْدِيمه من حَيْثُ الِاسْتِصْحَاب، بل لمرجح من خَارج يَنْضَم إِلَى ذَلِك، وَقد صحّح الشَّافِعِيَّة الْأَخْذ بِالْأَصْلِ دَائِما.
وَقيل: غَالِبا.
قَالُوا: لِأَن الأَصْل أصدق وأضبط من الْغَالِب الَّذِي يخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال.