الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى استفراغ الوسع: بذل الوسع بِحَيْثُ تحس النَّفس بِالْعَجزِ عَن زِيَادَة، وَهُوَ جنس، وَكَون ذَلِك من الْفَقِيه قيد مخرج للمقلد، وَالْمرَاد ذُو الْفِقْه، وَقد سبق أول الْكتاب حَده وَتَفْسِيره.
وَقَوْلنَا: (لدرك حكم شَرْعِي) وَبَعْضهمْ قَالَ: لتَحْصِيل ظن، احْتِرَاز من الْقطع، فَإِنَّهُ لَا اجْتِهَاد فِي القطعيات.
وَقَوْلنَا: (حكم شَرْعِي) قيد مخرج للحسيات، والعقليات، وَنَحْو ذَلِك، لذا قيد ابْن الْحَاجِب وَغَيره الحكم بالشرعي وَلم يُقَيِّدهُ فِي " جمع الْجَوَامِع " وَجَمَاعَة بذلك، للاستغناء عَنهُ بِذكر الْفَقِيه؛ لِأَنَّهُ لَا يتَكَلَّم إِلَّا فِي الحكم الشَّرْعِيّ.
وَأورد على ذَلِك: " اجْتِهَاد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
فَإِنَّهُ لَا يُسمى فِي الْعرف فَقِيها وَلعدم الْإِذْن فِيهِ.
إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد بِالْحَدِّ اجْتِهَاد الْفَقِيه لَا مُطلق الِاجْتِهَاد " قَالَه الْبرمَاوِيّ
.
قَالَ فِي " الرَّوْضَة "، و " الْمُسْتَصْفى ": بذل المجهود فِي الْعلم بِأَحْكَام الشَّرْع.
وَمَعْنَاهُ للطوفي، فَإِنَّهُ قَالَ:" بذل الْجهد فِي تعرف الحكم الشَّرْعِيّ، ثمَّ قَالَ: والتام مِنْهُ: مَا انْتهى إِلَى حَال الْعَجز عَن مزِيد طلب ".
وَقَالَ الْآمِدِيّ: " هُوَ: استفراغ الوسع فِي طلب الظَّن بِشَيْء من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، على وَجه يحس من النَّفس الْعَجز عَن الْمَزِيد عَلَيْهِ ".
وَقَالَ الْقَرَافِيّ: " هُوَ: استفراغ الوسع فِي الْمَطْلُوب لُغَة، واستفراغ الوسع فِي النّظر فِيمَا يلْحقهُ فِيهِ لوم شَرْعِي اصْطِلَاحا ".
ومعانيها مُتَقَارِبَة إِن لم تكن مُتَسَاوِيَة.
قَوْله: {وَشرط الْمُجْتَهد وَهُوَ الْفَقِيه، الْعلم بأصول الْفِقْه،
وَمَا يستمد مِنْهُ، والأدلة السمعية مفصلة، وَاخْتِلَاف مراتبها، فَمن الْكتاب وَالسّنة مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ بِحَيْثُ يُمكنهُ استحضاره للاحتجاج بِهِ لَا حفظه، وَأوجب فِي " الْوَاضِح " معرفَة جَمِيع أصُول الْفِقْه وأدلة الْأَحْكَام، وَأوجب جمع وَنقل عَن الشَّافِعِي: حفظ جَمِيع الْقُرْآن، وَمَال إِلَيْهِ الشَّيْخ، وَمَعْرِفَة صِحَة الحَدِيث وَضَعفه، وَلَو تقليدا: كنقله من كتاب صَحِيح، والناسخ والمنسوخ مِنْهُمَا، وَمن النَّحْو واللغة مَا يَكْفِيهِ فِيمَا يتَعَلَّق بهما من نَص وَظَاهر، ومجمل، ومبين، وَحَقِيقَة، ومجاز، وَأمر، وَنهي، وعام، وخاص، ومستثنى ومستثنى مِنْهُ، وَمُطلق، ومقيد، وَدَلِيل الْخطاب، وَنَحْوه، وَالْمجْمَع عَلَيْهِ والمختلف فِيهِ، وَلم يذكرهُ فِي " التَّمْهِيد "، وَفِي " الْمقنع "، وَغَيره: و " أَسبَاب النُّزُول "، وَفِي " التَّمْهِيد " و " الْوَاضِح " و " الْمقنع "، وَغَيرهَا، وَمَعْرِفَة الله بصفاته الْوَاجِبَة لَهُ، وَمَا يجوز عَلَيْهِ وَيمْتَنع، لَا تفاريع الْفِقْه، وَعلم الْكَلَام، وَلَا معرفَة أَكثر الْفِقْه فِي الْأَشْهر} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: (الْمُفْتِي الْعَالم بأصول الْفِقْه وَمَا يستمد مِنْهُ، والأدلة السمعية مفصلة، وَاخْتِلَاف مراتبها - كَمَا سبق - أَي: غَالِبا ذكره جمَاعَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم.
وَفِي " الْوَاضِح ": يجب معرفَة جَمِيع أصُول الْفِقْه وأدلة الْأَحْكَام.
قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيرهم: يجب أَن يحفظ من الْقُرْآن مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ.
وَذكره فِي " الْوَاضِح " عَن الْمُحَقِّقين، وَأَن كثيرا من الْعلمَاء أوجب حفظ جَمِيعه.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَيعرف الْمجمع عَلَيْهِ والمختلف فِيهِ، وَلم يذكرهُ فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره.
وَاعْتبر بعض أَصْحَابنَا، وَبَعض الشَّافِعِيَّة: معرفَة أَكثر الْفِقْه، وَالْأَشْهر: لَا؛ لِأَنَّهُ نتيجته، والمستفتي إِن كَانَ مُجْتَهدا أَو محصلا لعلم مُعْتَبر للِاجْتِهَاد، فقد سبق، أَو عاميا، والمستفتى فِيهِ: الْمسَائِل الاجتهادية) انْتهى.
اشْترط فِي الْفَقِيه الْمُجْتَهد: أَن يكون بَالغا؛ لِأَن الصَّغِير لَيْسَ بكامل آلَة الْعلم حَتَّى يَتَّصِف بِمَعْرِِفَة الْفِقْه على وَجههَا، قَالَه فِي " جمع الْجَوَامِع " وشراحه، والبرماوي، وَغَيرهم.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة ": " فصل: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الصَّبِي يتَصَوَّر مِنْهُ الِاجْتِهَاد وَيصِح، وَعند الْمُعْتَزلَة: يجب عَلَيْهِ إِذا ميز الْإِتْيَان بالمعارف الْعَقْلِيَّة، حَتَّى إِذا مَضَت مُدَّة يُمكن فِيهَا الِاسْتِدْلَال وَلم يَأْتِ بالمعارف مَاتَ كَافِرًا " انْتهى.
وَأَن يكون عَاقِلا؛ لِأَن من لَا عقل لَهُ لَا يدْرك علما، لَا فقها وَلَا غَيره.
وَأَن يكون فَقِيه النَّفس، أَي: لَهُ قدرَة على اسْتِخْرَاج أَحْكَام الْفِقْه من أدلتها كَمَا يعلم ذَلِك من حد الْفِقْه - الْمُتَقَدّم أول الْكتاب -، فتضمن ذَلِك أَن يكون عِنْده سجية وَقُوَّة يقتدر بهَا على التَّصَرُّف بِالْجمعِ، والتفريق، وَالتَّرْتِيب، والتصحيح، والإفساد؛ فَإِن ذَلِك ملاك صناعَة الْفِقْه.
قَالَ الْغَزالِيّ: إِذا لم يتَكَلَّم الْفَقِيه فِي مَسْأَلَة لم يسْمعهَا ككلامه فِي مَسْأَلَة سَمعهَا فَلَيْسَ بفقيه.
وَأَن يكون عَارِفًا بأصول الْفِقْه وَهِي: الْأَدِلَّة الَّتِي يسْتَخْرج مِنْهَا أَحْكَام الْفِقْه، - وَقد سبق أَن أَدِلَّة الْفِقْه الْكتاب، وَالسّنة، وَمَا تفرع عَنْهُمَا - وَلَيْسَ المُرَاد أَن يعرف سَائِر آيَات الْقُرْآن وَأَحَادِيث السّنة، وَإِنَّمَا المُرَاد معرفَة مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ مِنْهُمَا، وَقد ذكر أَن الْآيَات خَمْسمِائَة، وَكَأَنَّهُم أَرَادوا
مَا هُوَ مَقْصُود بِهِ الْأَحْكَام بِدلَالَة الْمُطَابقَة، أما بِدلَالَة الِالْتِزَام: فغالب الْقُرْآن، بل كُله لَا يَخْلُو شَيْء مِنْهُ عَن حكم يستنبط مِنْهُ.
قَالُوا: لَا يشْتَرط حفظهَا، بل يشْتَرط أَن يكون عَارِفًا بمواضعها حَتَّى يطْلب مِنْهَا الْآيَة الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد حُدُوث الْوَاقِعَة، وَبِذَلِك قَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء.
وَنقل عَن الإِمَام الشَّافِعِي: أَنه يجب حفظ جَمِيع الْقُرْآن، وَمَال إِلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين.
قَالَ الطوفي: " وَالصَّحِيح أَن هَذَا التَّقْدِير غير مُعْتَبر، وَأَن مِقْدَار أَدِلَّة الْأَحْكَام غير منحصرة، فَإِن أَحْكَام الشَّرْع كَمَا تستنبط من الْأَوَامِر والنواهي؛ تستنبط من الْقَصَص والمواعظ وَنَحْوهَا، وَقل أَن يُوجد فِي الْقُرْآن آيَة إِلَّا ويستنبط مِنْهَا شَيْء من الْأَحْكَام، وَكَأن من حصرها فِي خَمْسمِائَة كالغزالي وَغَيره إِنَّمَا نظرُوا إِلَى مَا قصد مِنْهُ بَيَان الْأَحْكَام دون مَا استفيدت مِنْهُ، وَلم يقْصد بِهِ بَيَانهَا " انْتهى.
وَقد قيل: إِن آيَات الْأَحْكَام مائَة آيَة، حَكَاهُ ابْن السُّيُوطِيّ فِي شرح منظومته " جمع الْجَوَامِع ".
وَحكى الْبَغَوِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} [الْبَقَرَة: 269]" عَن الضَّحَّاك أَنه قَالَ: فِي الْقُرْآن مائَة آيَة وتسع آيَات ناسخة ومنسوخة، وَألف آيَة حَلَال وَحرَام، لَا يسع الْمُؤمنِينَ تركهن حَتَّى يتعلموهن " انْتهى.
وَأوجب ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": معرفَة جَمِيع أصُول الْفِقْه وأدلة الْأَحْكَام.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْجَوْزِيّ: من حصل أصُول الْفِقْه وفروعه فمجتهد، وعَلى الأول لَا بُد أَن يعرف أَحَادِيث الْأَحْكَام، أَي: يعرف موَاضعهَا، وَإِن لم يكن حَافِظًا لمتونها كَمَا قُلْنَا فِي الْقُرْآن.
فَإِذا اجْتمعت فِيهِ الشُّرُوط، اشْترط فِيهِ أَن يعرف مواقع الْإِجْمَاع حَتَّى لَا يُفْتِي بِخِلَافِهِ، فَيكون قد خرق الْإِجْمَاع.
وَلم يذكر ذَلِك أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ".
وَيَنْبَغِي أَيْضا: أَن يعرف كَلَام الصَّحَابَة، وفتاويهم ليعتمد الْأَقْوَى مِنْهَا لَا سِيمَا إِن قُلْنَا: إِن قَوْلهم حجَّة.
وَأَن يعرف النَّاسِخ والمنسوخ فِيمَا يسْتَدلّ بِهِ على تِلْكَ الْوَاقِعَة الَّتِي يُفْتِي بهَا من آيَة أَو حَدِيث حتىلا يسْتَدلّ بِهِ إِن كَانَ مَنْسُوخا، وَلَا يشْتَرط أَن يعرف جَمِيع النَّاسِخ والمنسوخ فِي سَائِر الْمَوَاضِع، كَمَا سبق نَظِيره فِي الْإِجْمَاع.
وَقد صنف فِي نَاسخ الْقُرْآن ومنسوخه: أَبُو جَعْفَر النّحاس، وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ، ومكي صَاحب الْإِعْرَاب، وَمن الْمُتَقَدِّمين: هبة الله [بن سَلامَة] ،
وَمن أَصْحَابنَا: ابْن الزَّاغُونِيّ، وَابْن الْجَوْزِيّ.
وَفِي نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه: الإِمَام الشَّافِعِي، وَابْن قُتَيْبَة، وَابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ، وَغَيرهم.