الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبطله أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": بِأَن الْقُوَّة للأدلة لَا للْأَحْكَام.
وَقَالَ القَاضِي - أَيْضا - والحلواني: القَوْل بأقوى الدَّلِيلَيْنِ.
وَاخْتَارَ أَبُو الْخطاب: أَن كَلَام أَحْمد يَقْتَضِي أَنه عدُول عَن مُوجب قِيَاس لقياس أقوى.
وَاخْتَارَهُ فِي " الْوَاضِح ".
وَقيل: الْعُدُول عَن حكم الدَّلِيل إِلَى الْعَادة لمصْلحَة النَّاس: كشرب المَاء من السقاة، وَدخُول الْحمام من غير تَقْدِير المَاء.
ورد ذَلِك: بِأَن الْعَادة إِن ثَبت جريانها بذلك فِي زَمَنه صلى الله عليه وسلم َ -
فَهُوَ ثَابت بِالسنةِ، أَو فِي زمانهم من غير إِنْكَار فَهُوَ إِجْمَاع، وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُود
.
وَقيل: ترك قِيَاس لقياس أقوى مِنْهُ.
وأبطله فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره: أَنه لَو تَركه لنَصّ كَانَ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي مُقَدّمَة " الْمُجَرّد ": ترك قِيَاس لما هُوَ أولى مِنْهُ أَوْمَأ إِلَيْهِ أَحْمد.
وَقد ظهر مِمَّا تقدم أَنه لَا يتَحَقَّق اسْتِحْسَان مُخْتَلف فِيهِ، وَإِن تحقق اسْتِحْسَان مُخْتَلف فِيهِ، فَمن قَالَ بِهِ فقد شرع، كَمَا قَالَ الشَّافِعِي.
قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: وَلَا نزاع معنوي فِي ذَلِك.
قَوْله: {وَعند الْحَنَفِيَّة يثبت بالأثر: كسلم، وَإِجَارَة، وَبَقَاء
صَوْم نَاس، وبالإجماع وبالضرورة: كتطهير الْحِيَاض، وَسموا مَا ضعف أَثَره قِيَاسا وَالْقَوِي اسْتِحْسَانًا} .
أَي: قِيَاسا مستحسنا لقُوَّة أَثَره: كتقديمه فِي طَهَارَة سِبَاع الطير، وَقدمُوا قِيَاسا ظهر فَسَاده واستتر أَثَره على اسْتِحْسَان ظهر أَثَره واستتر فَسَاده: كالركوع بدل سُجُود التِّلَاوَة للخضوع الْحَاصِل بِهِ، لِأَن السُّجُود لم
يُؤمر بِهِ لعَينه فَلم يشرع قربَة مَقْصُودَة.
وَفرقُوا بَين الِاسْتِحْسَان بِالثَّلَاثَةِ الأول، بِالْقِيَاسِ الْخَفي بِصِحَّة التَّعْدِيَة بِهِ دونهَا: كالاختلاف فِي ثمن مَبِيع قبل قَبضه لَا يحلف بَائِع قِيَاسا؛ لِأَنَّهُ مُدع، وَيحلف اسْتِحْسَانًا لإنكاره تَسْلِيمه بِمَا يَدعِيهِ مُشْتَر فيتعدى إِلَى الْوَارِث وَالْإِجَارَة، وَبعد قَبضه يثبت الْيَمين بالأثر فَلم يَتَعَدَّ إِلَى وَارثه وَإِلَى حَال تلف مَبِيع.
وَكَذَا قَالُوا: وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَمثل هَذَا لم يقل بِهِ أَحْمد، وَالشَّافِعِيّ، وَالله أعلم، قَالَه ابْن مُفْلِح.
قَالَ: (وَإِن ثَبت اسْتِحْسَان مُخْتَلف فِيهِ فَلَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَالْأَصْل عَدمه، وَقَوله تَعَالَى:{وَاتبعُوا أحسن مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} [الزمر: 55] ، لَا نسلم أَن هَذَا مَا أنزلهُ فضلا عَن كَونه أحسن وَلم يفسره بِهِ أحد.
" وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن " سبق فِي الْإِجْمَاع وَهُوَ المُرَاد قطعا.
وَنَازع ابْن عقيل الْحَنَفِيَّة وَقَالَ: الْقيَاس: هُوَ وضع الِاسْتِحْسَان، وَأَنه يتَصَوَّر الْخلاف مَعَهم فِي ترك الْقيَاس للْعُرْف وَالْعَادَة، وَاحْتج بِأَن الْقيَاس حجَّة فَلَا يجوز تَركه لعرف طاريء كَغَيْرِهِ) انْتهى.
قَالَ الشَّيْخ الْمُوفق فِي " الْمُغنِي " وَمن تبعه: بل عَلَيْهِ الْأَصْحَاب " والحيل كلهَا مُحرمَة لَا تجوز فِي شَيْء من الدّين.
وَهُوَ: أَن يظْهر عقدا مُبَاحا يُرِيد بِهِ محرما مخادعة وتوسلا إِلَى فعل مَا حرم الله، واستباحة محظوراته، أَو إِسْقَاط وَاجِب، أَو دفع حق، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ رحمه الله: إِنَّهُم ليخادعون الله كَمَا يخادعون صَبيا، لَو كَانُوا يأْتونَ الْأَمر على وَجهه كَانَ أسهل عَليّ.
فَمن ذَلِك: لَو كَانَ لرجل عشرَة صحاحا وَمَعَ آخر خمس عشرَة مكسرة، فاقترض كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا مَعَ صَاحبه، ثمَّ تباريا توصلا إِلَى بيع الصِّحَاح بالمكسرة مُتَفَاضلا، أَو بَاعه الصِّحَاح بِمِثْلِهَا من المكسرة، ثمَّ وهبه الْخَمْسَة الزَّائِدَة، أَو اشْترى مِنْهُ بهَا أُوقِيَّة صابون، وَنَحْوهَا مِمَّا يَأْخُذهُ بِأَقَلّ من قِيمَته، أَو اشْترى مِنْهُ بِعشْرَة إِلَّا حَبَّة من الصَّحِيح بِمِثْلِهَا من المكسرة، أَو اشْترى مِنْهُ بالحبة الْبَاقِيَة ثوبا قِيمَته خَمْسَة دَنَانِير، وَهَكَذَا لَو أقْرضهُ مِنْهُ شَيْئا، وَبَاعه سلْعَة بِأَكْثَرَ من قيمتهَا، أَو اشْترى مِنْهُ سلْعَة بِأَقَلّ من قيمتهَا توسلا إِلَى أَخذ عوض عَن الْقَرْض.
فَكل مَا كَانَ من هَذَا على وَجه الْحِيلَة هُوَ خَبِيث محرم، وَبِهَذَا قَالَ مَالك.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة، وَالشَّافِعِيّ: هَذَا كُله وأشباهه جَائِز إِذا لم يكن مَشْرُوطًا فِي العقد.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: يكره أَن يدخلا عَلَيْهِ.
ثمَّ قَالَ الْمُوفق: وَلنَا أَن الله تَعَالَى عذب أمة بحيلة احتالوها فمسخهم قردة، وَسَمَّاهُمْ معتدين، وَجعل ذَلِك نكالا وموعظة لِلْمُتقين ليتعظوا بهم، ويمتنعو من مثل أفعالهم " وَأطَال فِي ذَلِك، ذكره فِي الشَّرْح آخر الرِّبَا وَالله أعلم.