الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ أدل شَيْء على اعْتِبَار الْعَادة فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِذْ بنى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
التَّضْمِين على مَا جرت بِهِ الْعَادة.
وَقيل: وَيَنْبَنِي على هَذِه الْقَاعِدَة مَا اعْتَمدهُ إمامنا وأصحابنا فِي أقل سنّ الْحيض للْمَرْأَة، وَأَقل الْحيض وَالطُّهْر، وأكثرهما، وَثمن الْمثل، وكفء النِّكَاح، وَأكْثر مُدَّة الْحمل وأقلها، وَسن الْيَأْس، وَمهر الْمثل.
وَضَابِط كل فعل
رتب عَلَيْهِ الحكم، وَلَا ضَابِط لَهُ فِي الشَّرْع وَلَا فِي اللُّغَة: كإحياء الْموَات، والحرز فِي السّرقَة، وَالْأكل من بَيت الصّديق، وَمَا يعد قبضا، وإيداعا، وَإِعْطَاء، وهدية، وغصبا، وَالْمَعْرُوف فِي المعاشرة، وانتفاع الْمُسْتَأْجر.
وَمن ذَلِك أَيْضا: الرُّجُوع للْعَادَة فِي تَخْصِيص عين أَو فعل أَو مِقْدَار، يحمل اللَّفْظ عَلَيْهِ: كالألفاظ فِي الْأَيْمَان، والأوقاف، والوصايا، والأقارير، والتفويضات، وَإِطْلَاق الدِّينَار، وَالدَّرَاهِم، والصاع، وَالْمدّ، والوسق، والقلة، وَالْأُوقِية، وَإِطْلَاق النُّقُود فِي الْحمل على الْغَالِب، وَصِحَّة المعاطاة بِمَا يعده النَّاس بيعا، وَهَذَا كثير لَا ينْحَصر فِي عد.
ومأخذ هَذِه الْقَاعِدَة وموضعها من أصُول الْفِقْه فِي قَوْلهم: الْوَصْف الْمُعَلل بِهِ قد يكون عرفيا، أَي: من مقتضيات الْعرف، وَفِي بَاب
التَّخْصِيص فِي تَخْصِيص الْعُمُوم بِالْعَادَةِ، وَتقدم ذَلِك مَبْسُوطا.
قَوْله: {وَجعل الْمَعْدُوم كالموجود احْتِيَاطًا} .
هَذِه من جملَة الْقَوَاعِد الْمُتَقَدّمَة.
وَقد قَالَ الْقَرَافِيّ: إِعْطَاء الْمَعْدُوم حكم الْمَوْجُود، كالمقتول تورث عَنهُ الدِّيَة، وَإِنَّمَا تجب بِمَوْتِهِ، وَلَا تورث عَنهُ إِلَّا إِذا دخلت فِي ملكه، فَيقدر دُخُولهَا قبل مَوته.
وَتقدم ذَلِك بعد عدم التَّأْثِير فِي الْوَصْف فِي الْفَائِدَة.
تَنْبِيه: قيل: تدخل قَاعِدَة: " إدارة الْأُمُور فِي الْأَحْكَام على قَصدهَا ".
فِي قَاعِدَة: أَن الْعَادة محكمَة؛ فَهِيَ مَأْخُوذَة مِنْهَا، وَجعل من قَالَ ذَلِك عذرا للْقَاضِي حُسَيْن فِي عدم ذكرهَا.
قَالُوا: لِأَن الْعَادة [محكمَة] فَإِن غير الْمَنوِي من غسل وَصَلَاة وَكِتَابَة مثلا لَا يُسمى فِي الْعَادة غسلا وَلَا قربَة وَلَا عقدا.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " وَلَا يخفى مَا فِي ذَلِك من نظر.
وَقيل: مَأْخُوذ من قَاعِدَة: الضَّرَر يزَال؛ لِأَن من توجه عَلَيْهِ شَيْء بِدَلِيل إِذا تَركه أَو فعله لَا يقْصد امْتِثَال الْأَمر، حصل لَهُ الضَّرَر بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الذَّم فيزال بِالنِّيَّةِ.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الآخر من النّظر، بل لَو أخذت من قَاعِدَة: الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ كَانَ أقرب؛ لِأَن الأَصْل عدم ذَلِك الشَّيْء، فَلَا يُصَار إِلَى جعله مُعْتَبرا إِلَّا بِوَاسِطَة تَرْجِيح المتردد فِيهِ بِقصد أَن يُخَالف الأَصْل ".
وَقيل: هِيَ قَاعِدَة برأسها نقلهَا العلائي عَن بعض الْفُضَلَاء، كَمَا تقدم، ودليلها حَدِيث عمر:" الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ "، وَرُبمَا أخذت من قَوْله تَعَالَى:{وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} [الْبَيِّنَة: 5] ، وَمن قَوْله
تَعَالَى: {إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى} [اللَّيْل: 20] ، وَمن هَذِه الْمَادَّة أَحَادِيث كَثِيرَة ذكر فِيهَا ابْتِغَاء وَجه الله، وَتقدم كَلَام أبي دَاوُد فِي الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَغَيره.
وَحَدِيث " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " أعمها وَأَعْظَمهَا؛ لِأَن أَفعَال الْعُقَلَاء إِذا كَانَت مُعْتَبرَة فَإِنَّمَا تكون عَن قصد.
وَأَيْضًا: فقد ذهب كثير من الْعلمَاء إِلَى أَن [أول] الْوَاجِبَات على الْمُكَلف الْقَصْد إِلَى النّظر الْموصل إِلَى معرفَة الله تَعَالَى كَمَا تقدم ذَلِك، فالقصد سَابق دَائِما.
وَسَوَاء فِي اعْتِبَار الْقَصْد فِي الْأَفْعَال الْمُسلم وَالْكَافِر، إِلَّا أَن الْمُسلم يخْتَص بِقصد التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى فَلَا تصح هَذِه النِّيَّة من كَافِر، بِخِلَاف نِيَّة الِاسْتِثْنَاء، وَالنِّيَّة فِي الْكِنَايَات، وَنَحْو ذَلِك.
وَقد تكلم الْحَافِظ الْعَلامَة ابْن رَجَب وَغَيره على حَدِيث عمر كلَاما شافيا، ونشير إِلَى شَيْء من ذَلِك، فَمِنْهُ: أَنهم اخْتلفُوا فِي تَقْدِير مَعْنَاهُ، فَقيل: من دلَالَة الْمُقْتَضى لَا بُد فِيهِ من تَقْدِير لصِحَّة هَذَا الْكَلَام.
وأرباب هَذَا القَوْل اخْتلفُوا:
فَقَالَ بَعضهم: يقدر صِحَة الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، أَو اعْتِبَارهَا أَو نَحْو ذَلِك.
وَقيل: يقدر كَمَال الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ.
وَقَالَ كثير من الْمُحَقِّقين: لَيْسَ من دلَالَة الْمُقْتَضى، وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير شَيْء أصلا؛ لِأَن الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة تَنْتفِي بِانْتِفَاء ركنها أوشرطها، فَإِذا لم يكن الْعَمَل بنية فَهُوَ صُورَة عمل لَا عمل شَرْعِي فصح النَّفْي، فَلَا حَاجَة لتقدير.
وَبِالْجُمْلَةِ: فمما تدخل فِيهِ النِّيَّة: الْعِبَادَات جَمِيعهَا: الْوضُوء عندنَا، وَالتَّيَمُّم، وَالْغسْل، وَالصَّلَاة: فَرضهَا ونفلها، عينهَا وكفياتها، وَالزَّكَاة، وَالصِّيَام وَالِاعْتِكَاف، وَالْحج، فرض الْكل، ونفله، وَالْأُضْحِيَّة، وَالْهَدْي، وَالنُّذُور، وَالْكَفَّارَات، وَالْجهَاد، وَالْعِتْق، وَالتَّدْبِير، وَالْكِتَابَة، بِمَعْنى أَن حُصُول الثَّوَاب فِي هَذِه الْأَرْبَعَة يتَوَقَّف على قصد التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى.
بل يسري هَذَا إِلَى سَائِر الْمُبَاحَات إِذا قصد بهَا التَّقْوَى على طَاعَة الله، أَو التَّوَصُّل إِلَيْهَا كَالْأَكْلِ، وَالنَّوْم، واكتساب المَال، وَالنِّكَاح، وَالْوَطْء فِيهِ، وَفِي الْأمة إِذا قصد بهَا الإعفاف، أَو تَحْصِيل الْوَلَد الصَّالح وتكثير الْأمة.
وَقد ذكر الْبرمَاوِيّ أَحْكَام النِّيَّة واستقصاها فأجاد وَأفَاد، فَمن أرادها فليعاودها.
فارغة