الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَالْأَكْثَر الْمَسْأَلَة الظنية الْحق فِيهَا وَاحِد عِنْد الله تَعَالَى، وَعَلِيهِ دَلِيل، وعَلى الْمُجْتَهد طلبه، فَمن أصَاب فمصيب وَإِلَّا فمخطيء مثاب، زَاد فِي " التَّمْهِيد ": ويطلبه حَتَّى يظنّ أَنه وَصله، وثوابه على قَصده واجتهاده لَا على الْخَطَأ، وَقَالَهُ ابْن عقيل، وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَبَعْضهمْ: على قَصده.
وَفِي " الْعدة " وَغَيرهَا: مخطيء عِنْد الله تَعَالَى وَحكما، وَقَالَ أَيْضا: مُصِيب فِي اجْتِهَاده مخطيء فِي تَركه للزِّيَادَة، وَعنهُ مُصِيب حكما كَابْن عقيل، وَقَالَ الشَّيْخ: من لم يحْتَج بِنَصّ فمخطيء عِنْده وَإِلَّا فَلَا، نَص عَلَيْهِ، وَقيل: لَا دَلِيل عَلَيْهِ كدفين يصاب، والأستاذ، وَأَبُو الطّيب، وَجمع، وَحكي عَن الشَّافِعِي، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمد: الدَّلِيل قَطْعِيّ ونقطع بخطأ مخالفنا، وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، والمزني، وَابْن شُرَيْح، كل مُجْتَهد مُصِيب، وَالْحق وَاحِد عِنْد الله، وَهُوَ الْأَشْبَه الَّذِي لَو نَص على الحكم لنَصّ عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ
دَلِيل، وَلم يُكَلف الْمُجْتَهد إِصَابَته، وَقَالَ بعض أَصْحَابه وَحكى عَن الشَّافِعِي: مُصِيب فِي الطّلب مخطيء فِي الْمَطْلُوب، والمعتزلة: كل مُجْتَهد مُصِيب، فَقيل: كالحنفية، وَقيل: حكم الله تَابع للظن لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَلم يُكَلف غير اجْتِهَاده، وَحكي عَن أبي حنيفَة، والأشعري، والباقلاني، وَنقل التصويب والتخطئة عَن الْأَرْبَعَة والأشعري} .
لخصت ذَلِك من كَلَام ابْن مُفْلِح و " التَّمْهِيد " وَغَيرهمَا، وَكَلَام ابْن مُفْلِح أوسع وَأكْثر نقلا فَإِنَّهُ قَالَ: " الْمَسْأَلَة الظنية: الْحق عِنْد الله وَاحِد، وَعَلِيهِ دَلِيل، وعَلى الْمُجْتَهد طلبه، فَمن أصَاب فمصيب وَإِلَّا فمخطيء مثاب عِنْد أَحْمد وَأكْثر أَصْحَابه، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ،
وَإِسْحَاق، والمحاسبي وَابْن كلاب، وَذكره أَبُو الْمَعَالِي عَن مُعظم الْفُقَهَاء، وَذكره ابْن برهَان عَن الْأَشْعَرِيّ.
زَاد فِي " التَّمْهِيد ": يَطْلُبهُ حَتَّى يعلم أَنه وَصله ظَاهرا، وَمرَاده يظنّ كَمَا ذكره هُوَ غَيره.
قَالَ: ثَوَابه على قَصده واجتهاده لَا على الْخَطَأ، وَقَالَهُ ابْن عقيل وَغَيره، وَبَعض الشَّافِعِيَّة.
وَبَعْضهمْ: على قَصده.
وَفِي " الْعدة " وَغَيرهَا: مخطيء عِنْد الله، وَحكما.
وَفِي " كتاب الرِّوَايَتَيْنِ " للْقَاضِي: مخطيء عِنْد الله.
وَفِي الحكم رِوَايَتَانِ:
إحدهما: مُصِيب.
وَجزم بِهِ ابْن عقيل عَن حنبلي - يَعْنِي نَفسه - وَأَخذهَا القَاضِي من قَول أَحْمد: لَا يَقُول لمُخَالفَة: مخطيء.
وَفِي " التَّمْهِيد " يَعْنِي لَا نقطع بخطئه.
وَبَعض أَصْحَابنَا: من لم يحْتَج بِنَصّ فمخطيء وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَهُوَ الْمَنْصُوص.
ثمَّ ذكر القَاضِي اخْتِلَاف أَصْحَابنَا: فِي أَصْحَاب الْجمل وصفين: هَل كِلَاهُمَا مُصِيب أم وَاحِد لَا بِعَيْنِه، أم عَليّ؟ على أوجه، وَأَنه يجب الْبناء على هَذَا الأَصْل، وَأَن نَص أَحْمد الْوَقْف.
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لم يرد أَحْمد الْوَقْف الْحكمِي، بل الْإِمْسَاك خوف الْفِتْنَة؛ وَلِهَذَا بنى قتال الْبُغَاة على سيرة عَليّ.
وَقَالَ القَاضِي فِي أثْنَاء الْمَسْأَلَة: هُوَ مُصِيب فِيمَا فعله من الِاجْتِهَاد، مخطيء فِي تكره للزِّيَادَة عَلَيْهِ.
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: وَبِه ينْحل الْإِشْكَال، وَعند المريسي، والأصم، وَابْن علية: الدَّلِيل قَطْعِيّ ونقطع بخطأ مخالفنا.
قَالَ فِي " التَّمْهِيد ": حَكَاهُ بَعضهم عَن الشَّافِعِي.
وَاخْتَارَهُ [أَبُو الطّيب] ، والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ.
وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمد فِي حَاكم حكم فِي مُفلس أَن صَاحب الْمَتَاع أُسْوَة الْغُرَمَاء " يرد حكمه ".
وَفِي " الْعدة ": لاعْتِقَاده خلاف النَّص، لَا أَنه يقطع بِإِصَابَة وَخطأ.
وَفِي " الْخلاف ": ظَاهره: لَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد.
وَقَالَ فِيهَا فِي مَسْأَلَة الظفر: إِن سوغنا الِاجْتِهَاد فِيهِ لم يَأْخُذهُ بِلَا حكم وَإِلَّا أَخذه: كمغصوب، وَذكر - أَيْضا - أَنه لَا ينْقض بالآحاد لعدم الْقطع، وَفِي أثْنَاء الْمَسْأَلَة ذكر نقضه لمُخَالفَة النَّص.
وجزموا فِي الْفُرُوع بنقضه:
مِنْهُم " الرِّعَايَة " - إِلَّا ظَاهر " الْفُصُول "، واحتمالا فِي " الْكَافِي " فِي - مَسْأَلَة الْمُفلس - بنقضه بِنَصّ آحَاد خلاف الْأَشْهر هُنَا.
وَجزم صَاحب " الرِّعَايَة " - فِي أصُول الْفِقْه -: لَا ينْقض إِلَّا بقاطع مَعَ أَنه ذكر نقضه بتقليد غَيره.
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: يقطع فِي بعض الْمسَائِل، وعَلى هَذَا يَنْبَنِي نقض الحكم، وَخَالف أَحْمد فِي مسَائِل وَتوقف فِي أُخْرَى.
وَكَذَا قَالَه ابْن حَامِد: " لَا خلاف عَن أبي عبد الله أَن الْأَخْذ بِالرَّأْيِ مَعَ الْخَبَر مَقْطُوع بخطئه وَيرد عَلَيْهِ ".
وَمَا قَالَه صَحِيح قَالَه أَحْمد فِي قتل مُؤمن بِكَافِر.
وَقَالَ: إِنَّمَا لَا يرد حكم الْحَاكِم إِذا اعتدلت الرِّوَايَة وَذكر قَوْله عليه السلام: " من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ مَرْدُود "، فَمن عمل خلاف السّنة رد عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو الطّيب: أمْنَعهُ من الحكم بِاجْتِهَادِهِ وَلَا أنقضه.
وَذكر الْآمِدِيّ عَن الإِسْفِرَايِينِيّ وَابْن فورك: أَنه ظَنِّي.
وَقَالَ قوم: لَا دَلِيل عَلَيْهِ كدفين يصاب.
وَعند أبي حنيفَة، وَأَصْحَابه، والمزني: كل مُجْتَهد مُصِيب، وَالْحق وَاحِد عِنْد الله، وَهُوَ الْأَشْبَه الَّذِي لَو نَص الله على الحكم لنَصّ عَلَيْهِ وَعَلِيهِ دَلِيل، وَلم يُكَلف الْمُجْتَهد إِصَابَته بل الِاجْتِهَاد.
قَالَ بعض أَصْحَابه: فَهُوَ مُصِيب ابْتِدَاء، أَي: فِي الطّلب، مخطيء انْتِهَاء، أَي: فِي الْمَطْلُوب، وَحَكَاهُ بَعضهم عَن الشَّافِعِي.
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: كل مُجْتَهد مُصِيب.
فَقيل: كالحنفية.
وَقيل: حكم تَابع لظن الْمُجْتَهد لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَلم يُكَلف عَن اجْتِهَاده، وَحكي عَن أبي حنيفَة، وَقَالَهُ الباقلاني.
وَحكى عَن الْأَشْعَرِيّ قَوْلَيْنِ:
أَحدهمَا: كَقَوْلِه، وَذكره أَبُو الْمَعَالِي عَن مُعظم الْمُتَكَلِّمين، وَابْن عقيل عَن أَكثر الأشعرية.
وَبنى ابْن الباقلاني على هَذَا قَوْله: لَيْسَ فِي الأقيسة المظنونة تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير، وَإِنَّمَا المظنون بِحَسب الاتفاقات.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهِي هفوة عَظِيمَة هائلة.
وَعَن الجبائي: لَا يجْتَهد وَيتَخَيَّر من الْأَقْوَال.
واستنبطه ابْن الباقلاني من كَلَام الشَّافِعِي.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهُوَ خرق للْإِجْمَاع.
وَعَن بَعضهم: لصالح الْأمة الْإِفْتَاء بالتشهي.
وَعَن قوم: إِن أفتى مُجْتَهد أَو غَيره وبذل وَسعه يُرِيد التَّقَرُّب إِلَى الله فمصيب.
قَالَ: وطرده قوم فِي مسالك الْمَعْقُول.
وَحَكَاهُ بَعضهم عَن دَاوُد، والظاهرية.
وَذكر الْآمِدِيّ: أَنه نقل التصويب والتخطئة عَن الشَّافِعِي، وَأبي حنيفَة، وَأحمد، والأشعري.
وخرجه ابْن عقيل من دلَالَته على استفتاء غَيره بِلَا حَاجَة، بِخِلَاف حكم أَحْمد بِصِحَّة الصَّلَاة خَلفهم للْحَاجة لصِحَّة صَلَاة عَامي خلف مُجْتَهد فِي الْقبْلَة، وَلَا يجوز أَن يدله إِلَى غَيرهَا.
وَأَخذه بعض أَصْحَابنَا من قَول أَحْمد لمن سمى - كتاب الِاخْتِلَاف - سمه كتاب السعَة، وَهُوَ مَأْخَذ بعيد.
فَهَذَا النَّقْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الْعلمَاء.
اسْتدلَّ لِلْقَوْلِ الأول وَهُوَ الصَّحِيح: بقوله تَعَالَى: {ففهمناها سُلَيْمَان} [الْأَنْبِيَاء: 79] فتخصيصه دَلِيل اتِّحَاد الْحق، وإصابته وَلَا نَص،
وَإِلَّا لما اخْتلفَا، أَو ذكر فَنقل، وَلِأَنَّهُ وريث النُّبُوَّة بعده، وَإِنَّمَا يُوصف بالفهم المشتبه.
وَفِي " صَحِيح الْحَاكِم ": أَن سُلَيْمَان عليه السلام قَالَ: " أَسأَلك حكما يُوَافق حكمك "، وَلما عزي إِلَى سُلَيْمَان وَلَا سمي باسم تفيهم.