الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
لَا يجوز التَّقْلِيد فِي معرفَة الله تَعَالَى والتوحيد والرسالة، ذكره القَاضِي وَابْن عقيل، وَأَبُو الْخطاب، وَذكره عَن عَامَّة الْعلمَاء، وَذكر
غَيره أَنه قَول جُمْهُور الْعلمَاء.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يجوز، وَبِه قَالَ ابْن عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري وَغَيرهمَا، ويعزى للحشوية.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَأَجَازَهُ بعض الشَّافِعِيَّة لإِجْمَاع السّلف على قبُول الشَّهَادَتَيْنِ من غير أَن يُقَال لقائلهما: هَل نظرت؟ وسَمعه ابْن عقيل من أبي الْقَاسِم بن التبَّان المعتزلي، وَأَنه يَكْفِي بطرِيق فَاسد.
قَالَ هَذَا المعتزلي: إِذا عرف الله وَصدق رسله، وَسكن قلبه إِلَى ذَلِك،
وَاطْمَأَنَّ بِهِ: فَلَا علينا من الطَّرِيق: تقليدا كَانَ، أَو نظرا، أَو اسْتِدْلَالا، حَتَّى إِن الطَّرِيق الْفَاسِد إِذا أَدَّاهُ إِلَى معرفَة الله تَعَالَى كفى، فَلَو قَالَ: أَنا أعرف الله تَعَالَى من طَرِيق أَنِّي دَعَوْت يَوْمًا فِي غَرَض لي فَكَانَ ذَلِك الْغَرَض، وَمَا دَعَوْت سواهُ فدلني على إثْبَاته.
قَالَ ابْن عقيل: أوجب قوم من أهل الحَدِيث والظاهرية التَّقْلِيد فِيمَا لم يعلم بالحس، وأبطلوا حجج الْعُقُول.
قَالَ الْغَزالِيّ فِي " المنخول ": (أثبت أَحْمد قِيَاس الشَّرْع دون قِيَاس الْعقل، وَعكس دَاوُد.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي " الْبُرْهَان ": قيل يحرم الْقيَاس النظري وَيجب الْقيَاس، قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل والمقتصدون من أَتْبَاعه، وَلَا يُنكرُونَ إفضاء النّظر إِلَى الْعلم، بل ينهون عَن ملابسته.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي " أُصُوله ": قَالَ ابْن عقيل: الْقيَاس [الْعقلِيّ] حجَّة يجب الْعَمَل بِهِ، وَيجب النّظر وَالِاسْتِدْلَال بِهِ بعد وُرُود الشَّرْع، وَلَا يجوز التَّقْلِيد، وَقد نقل عَن أَحْمد الِاحْتِجَاج بدلائل الْعُقُول، وَبِهَذَا قَالَ جمَاعَة الْفُقَهَاء والمتكلمين من أهل الْإِثْبَات.
وَذهب الْمُعْتَزلَة إِلَى وجوب النّظر وَالِاسْتِدْلَال قبل الشَّرْع، وَلما ورد
بِهِ كَانَ تَأْكِيدًا.
وَذهب قوم من أهل الحَدِيث، وَأهل الظَّاهِر إِلَى أَن حجج الْعُقُول بَاطِلَة، وَالنَّظَر حرَام، والتقليد وَاجِب انْتهى.
وَقَالَ أَبُو الْخطاب: " الْقيَاس الْعقلِيّ وَالِاسْتِدْلَال طَرِيق لإِثْبَات الْأَحْكَام الْعَقْلِيَّة، نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، وَبِه قَالَ عَامَّة الْعلمَاء ".
قلت: كَلَام أَحْمد فِي الِاحْتِجَاج بأدلة عقلية كثير، وَقد ذكر كثيرا مِنْهَا فِي كِتَابه " الرَّد على الزَّنَادِقَة والجهمية "، فمذهب أَحْمد: القَوْل بِالْقِيَاسِ الْعقلِيّ والشرعي. انْتهى كَلَام ابْن قَاضِي الْجَبَل.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَاحْتج أَحْمد بحجج الْعُقُول وَعَامة الْفُقَهَاء والأصوليين.
وَالْمَقْصُود أَن الْمَعْمُول بِهِ عِنْد أَحْمد وَأَصْحَابه اسْتِعْمَال الْقيَاس الْعقلِيّ فِي الْأَحْكَام الْعَقْلِيَّة كالقياس الشَّرْعِيّ، وَمَا نقل عَنهُ من إِنْكَاره فَهُوَ: مَا قَالَه وَرجع عَنهُ، أَو لم يَصح عَنهُ وَالله أعلم.
وَظَاهر خطْبَة إرشاد ابْن أبي مُوسَى: جَوَازه.
وَفِي " شرح الْمِنْهَاج " لمؤلفه عَن الْفُقَهَاء: يجوز مُطلقًا؛ " لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لم يسْأَل أحدا أسلم ".
نَقله عَنهُ ابْن مُفْلِح.
وَأطلق الْحلْوانِي وَغَيره من أَصْحَابنَا وَغَيرهم: منع التَّقْلِيد فِي أصُول الدّين، يَعْنِي فِي جَمِيع مَا يتَعَلَّق بأصول الدّين.
وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي أَوَائِل كِتَابه: قَالَ أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ فِي " شرح الْعمد ": لَا يجوز التَّقْلِيد فِي أصُول الْفِقْه، وَلَا يكون مُجْتَهد فِيهَا
مصيبا والمخطيء فِيهَا [ملوم] كأصول الدّين انْتهى.
وَقَالَهُ الْقَرَافِيّ.
اسْتدلَّ للْمَذْهَب الأول وَهُوَ الصَّحِيح: بأَمْره تَعَالَى بالتدبر والتفكر وَالنَّظَر، وَفِي " صَحِيح ابْن حبَان ":" لما نزل فِي آل عمرَان:: {إِن الَّذين كفرُوا وماتوا وهم} الْآيَات [آل عمرَان: 190 - 195] قَالَ: ويل لمن قرأهن وَلم يتدبرهن ويل لَهُ ويل لَهُ ".
وَالْإِجْمَاع على وجوب معرفَة الله تَعَالَى وَلَا تحصل بتقليد، لجَوَاز كذب الْمخبر واستحالة حُصُوله كمن قلد فِي حدث الْعَالم، وَكَمن قلد فِي قدمه.
وَلِأَن التَّقْلِيد لَو أَفَادَ علما إِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ بَاطِل، وَإِمَّا بِالنّظرِ فيستلزم الدَّلِيل وَالْأَصْل عَدمه، وَالْعلم يحصل بِالنّظرِ وَاحْتِمَال الْخَطَأ لعدم تَمام مُرَاعَاة القانون الصَّحِيح.
وَلِأَنَّهُ ذمّ التَّقْلِيد بقوله: {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} [الزخرف: 22] ، وَهِي فِيمَا يطْلب الْعلم، فَلَا يلْزم الْفُرُوع.