الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
الاستقراء نوع من أَنْوَاع الِاسْتِدْلَال، وَهُوَ: تتبع أَمر كلي من جزئيات، ليثبت الحكم لذَلِك الْكُلِّي، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحدهمَا: استقراء تَامّ، وَهُوَ: إِثْبَات حكم فِي جزئي لثُبُوته فِي الْكُلِّي، نَحْو: كل جسم متحيز، فَإنَّا استقرأنا جَمِيع جزئيات الْجِسْم فَوَجَدْنَاهَا منحصرة فِي الجماد والنبات وَالْحَيَوَان، وكل من ذَلِك متحيز، فقد أَفَادَ هَذَا الاستقراء الحكم يَقِينا فِي كلي وَهُوَ الْجِسْم، الَّذِي هُوَ مُشْتَرك بَين الجزئيات، فَكل جزئي من ذَلِك كلي يحكم عَلَيْهِ بِمَا يحكم بِهِ على الْكُلِّي إِلَّا صُورَة النزاع، فيستدل بذلك على صُورَة النزاع، وَهُوَ مُفِيد للْقطع بِأَنَّهُ الْقيَاس، فَإِن الْقيَاس المنطقي الْمُفِيد للْقطع عِنْد الْأَكْثَر.
قَالَ الْهِنْدِيّ: وَهُوَ حجَّة بِلَا خلاف.
وَلذَلِك قُلْنَا فِي الْمَتْن: وَهُوَ حجَّة بِلَا نزاع.
هَذَا النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ الاستقراء النَّاقِص، وَهُوَ الَّذِي تتبع فِيهِ أَكثر الجزئيات لإِثْبَات الحكم الْكُلِّي الْمُشْتَرك بَين جَمِيع الجزئيات، بِشَرْط أَن لَا يتَبَيَّن الْعلَّة المؤثرة فِي الحكم، وَيُسمى هَذَا عِنْد الْفُقَهَاء بإلحاق الْفَرد بالأعم الْأَغْلَب، وَيخْتَلف فِيهِ الظَّن باخْتلَاف الجزئيات، فَكلما كَانَ الاستقراء فِي أَكثر، كَانَ أقوى ظنا.
وَقد اخْتلف فِي هَذَا النَّوْع.
فَاخْتَارَ بعض أَصْحَابنَا، وَصَاحب " الْحَاصِل "، والبيضاوي، والهندي، وَغَيرهم: أَنه حجَّة، لكنه يُفِيد الظَّن لَا الْقطع، لاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك الجزئي مُخَالفا لباقي الجزئيات المستقرأة.
وَقَالَ الرَّازِيّ: الْأَظْهر أَنه لَا يُفِيد الظَّن إِلَّا بِدَلِيل مُنْفَصِل، ثمَّ بِتَقْدِير الْحُصُول يكون حجَّة.
وَبِهَذَا يعلم أَن الْخلاف الْوَاقِع فِي أَنه يُفِيد الظَّن أَو لَا؟ أَن الظَّن الْمُسْتَفَاد مِنْهُ هَل يكون حجَّة.
ورد الْبرمَاوِيّ كَلَام الرَّازِيّ.
وَقد مثله ابْن مُفْلِح، والبيضاوي، وَغَيرهمَا بقولهمَا: الْوتر يصلى على الرَّاحِلَة فَلَا يكون وَاجِبا؛ لأَنا استقرأنا الْوَاجِبَات: الْقَضَاء وَالْأَدَاء من الصَّلَوَات الْخمس، فَلم نر شَيْئا مِنْهَا يُؤدى على الرَّاحِلَة.
وَالدَّلِيل على أَنه يُفِيد الظَّن: أَنا إِذا وجدنَا صورا كَثِيرَة دَاخِلَة تَحت نوع واشتركت فِي حكم، وَلم نر شَيْئا مِمَّا يعلم أَنه مِنْهَا خرج عَن ذَلِك الحكم، أفادتنا تِلْكَ الْكَثْرَة قطعا ظن الحكم بِعَدَمِ الْأَدَاء على الرَّاحِلَة فِي مثالنا هَذَا من صِفَات ذَلِك النَّوْع، وَهُوَ الصَّلَاة الْوَاجِبَة، وَإِذا كَانَ مُفِيدا للظن، كَانَ الْعَمَل بِهِ وَاجِبا.