الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {بَاب} {تَرْتِيب الْأَدِلَّة والتعادل والتعارض وَالتَّرْجِيح} )
.
اعْلَم أَن هَذَا الْبَاب من مَوْضُوع النّظر للمجتهد وضروراته؛ لِأَن الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة مُتَفَاوِتَة فِي مَرَاتِب الْقُوَّة، فَيحْتَاج الْمُجْتَهد إِلَى معرفَة مَا يقدم مِنْهَا وَمَا يُؤَخر؛ لِئَلَّا يَأْخُذ بالأضعف مِنْهَا مَعَ وجود الْأَقْوَى.
اعْلَم أَنه لَهُ مَا انْتهى الْكَلَام فِي مبَاحث أَدِلَّة الْفِقْه الْمُتَّفق عَلَيْهَا والمختلف فِيهَا رُبمَا تعَارض مِنْهَا دليلان باقتضاء حكمين متضادين، فاحتيج إِلَى معرفَة التَّرْتِيب، والتعادل، والتعارض، وَالتَّرْجِيح، وَحكم كل مِنْهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يقوم بِهِ من هُوَ أهل لذَلِك وَهُوَ الْمُجْتَهد، فَلذَلِك قدم الْمُوفق، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، وَغَيرهم بَاب الِاجْتِهَاد
على هَذَا الْبَاب، لَكِن الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول " وَأَتْبَاعه قدمُوا التَّعَارُض والتراجيح على الِاجْتِهَاد؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُود، وَذَلِكَ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْمَقْصُود.
وَإِنَّمَا جَازَ دُخُول التَّعَارُض فِي أَدِلَّة الْفِقْه لكَونهَا ظنية على مَا يَأْتِي قَرِيبا تَفْصِيل ذَلِك وتحريره.
قَوْله: {التَّرْتِيب جعل كل وَاحِد من شَيْئَيْنِ فَأكْثر فِي رتبته الَّتِي يَسْتَحِقهَا} .
اعْلَم أَنه لما كَانَ الْبَاب مَقْصُودا لترتيب الْأَدِلَّة وتعادلها وتعارضها وترجيحها، وَجب الْكَشْف عَن حَقِيقَة التَّرْتِيب وَغَيره؛ لِأَنَّهَا شُرُوط فِي الِاجْتِهَاد، وَالْحكم عَلَيْهَا بالشرطية يَسْتَدْعِي سبق تصور ماهيتها؛ إِذْ التَّصْدِيق أبدا مَسْبُوق بالتصور، وَلما كَانَ التَّرْتِيب مصدر رتب يرتب ترتيبا عَرفْنَاهُ بمصدر مثله وَهُوَ الْجعل، وَقَوله: (كل وَاحِد من شَيْئَيْنِ فَأكْثر "؛ لِأَن التَّرْتِيب قد يكون فِي شَيْئَيْنِ فَقَط وَقد يكون فِي أَكثر، وَقَوله:
(فِي أَكثر) وَقَوله (فِي رتبته)، أَي: فِي مَوْضِعه أَو مَنْزِلَته، الَّتِي يَسْتَحِقهَا، أَي: يسْتَحق جعلهَا فِيهَا بِوَجْه من الْوُجُوه.
وَقد ذكر الْفُقَهَاء: تَرْتِيب الْأَقَارِب فِي نفقاتهم، وفطرهم، وولايتهم فِي النِّكَاح، وإرثهم وَغَيرهَا بِاعْتِبَار الْقرب.
قد تقدم أَن أَدِلَّة الشَّرْع: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس، وَغَيره من الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا، وَالْإِجْمَاع مقدم عَلَيْهَا جَمِيعهَا لوَجْهَيْنِ.
أَحدهمَا: كَونه قَاطعا مَعْصُوما من الْخَطَأ كَمَا سبق.
وَالثَّانِي: كَونه آمنا من النّسخ والتأويل، بِخِلَاف بَاقِي الْأَدِلَّة فَإِن النّسخ يلْحقهَا والتأويل يتَّجه عَلَيْهَا.
وَهُوَ أَنْوَاع: أَحدهَا: الْإِجْمَاع النطقي الْمُتَوَاتر فَهُوَ مقدم على غَيره.
ثمَّ يَلِيهِ الْإِجْمَاع النطقي الثَّابِت بالآحاد.
ثمَّ الْإِجْمَاع السكوتي الْمُتَوَاتر.
ثمَّ الْآحَاد كَذَلِك.