الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{الْأَرْبَعَة وَغَيرهم: لَا ينْقض حكم فِي مسالة اجتهادية، إِلَّا مَا سبق فِي أَن الْمُصِيب وَاحِد} .
وَذَلِكَ للتساوي فِي الحكم بِالظَّنِّ، وَإِلَّا نقض بمخالفة قَاطع فِي مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، إِلَّا مَا سبق فِي مَسْأَلَة أَن الْمُصِيب وَاحِد، وَذكره الْآمِدِيّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ عمل الصَّحَابَة، وللتسلسل فتفوت مصلحَة نصب الْحَاكِم.
وَلنَا: خلاف فِيمَن حبس فِي ثمن كلب، أَو خمر ذمِّي أراقه، هَل يُطلقهُ حَاكم بعده أم لَا؟ أم يتَوَقَّف ويجتهد فِي الصُّلْح، وَللشَّافِعِيّ كالآخرين.
وَلنَا: خلاف فِي نِكَاح بِلَا ولي، وَقَالَهُ بعض أَصْحَابنَا نَقله ابْن مُفْلِح، وَحَاصِله: أَنه يمْتَنع نقض حكم الِاجْتِهَاد بِغَيْرِهِ، بِاجْتِهَاد آخر، سَوَاء كَانَ من الْمُجْتَهد الأول أَو من غَيره، لما يلْزم على نقضه من التسلسل؛ إِذْ لَو جَازَ النَّقْض لجَاز نقض النَّقْض، وَهَكَذَا، فَيفوت مصلحَة حكم الْحَاكِم وَهُوَ قطع الْمُنَازعَة لعدم الوثوق حِينَئِذٍ بالحكم.
وَهُوَ معنى قَول الْفُقَهَاء فِي الْفُرُوع: لَا ينْقض الِاجْتِهَاد بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَن الصَّحَابَة أَجمعُوا على ذَلِك.
فَإِن أَبَا بكر حكم فِي مسَائِل بِاجْتِهَادِهِ، وَخَالفهُ عمر فَلم ينْقض أَحْكَامه، وَعلي خَالف عمر فِي اجْتِهَاده فَلم ينْقض أَحْكَامه، وَخَالَفَهُمَا عَليّ فَلم ينْقض أحكامهما، فَإِن أَبَا بكر سوى بَين النَّاس فِي الْعَطاء، فَأعْطى العبيد، وَخَالفهُ عمر ففاضل بَين النَّاس، وَخَالَفَهُمَا عَليّ فسوى بَين النَّاس، وَحرم العبيد، وَلم ينْقض أحد مِنْهُم مَا فعله من قبله.
قَوْله: {وينقض بمخالفة نَص كتاب أَو سنة، وَلَو آحَاد، خلافًا لقَوْل القَاضِي، أَو إِجْمَاع قَطْعِيّ لَا ظَنِّي فِي الْأَصَح، وَلَا قِيَاس وَلَو جليا خلافًا
لمَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَابْن حمدَان فِيهِ، زَاد مَالك: وَالْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، وينقض مُطلقًا وَقطع فِي " الْمُجَرّد "، و " الْمُغنِي " بِطَلَب ربه، وَعَن دَاوُد وَأبي ثَوْر: ينْقض مَا بَان خطأ، وَجَوَاز ابْن الْقَاسِم: نقض مَا بَان غَيره أصوب} .
لَا شكّ أَن الحكم ينْتَقض بمخالفة الْإِجْمَاع الْقطعِي، وَكَذَلِكَ بمخالفة النَّص من كتاب أَو سنة؛ لِأَنَّهُ قَضَاء لم يُصَادف شَرطه، فَوَجَبَ نقضه.
وَبَيَان مُخَالفَته للشّرط: أَن شَرط الحكم بِالِاجْتِهَادِ عدم النَّص بِدَلِيل خبر معَاذ؛ وَلِأَنَّهُ إِذا ترك الْكتاب وَالسّنة فقد فرط، فَوَجَبَ نقض حكمه.
إِذا علم ذَلِك فَإِنَّهُ ينْقض بمخالفة نَص كتاب الله أَو سنة وَلَو آحادا، كَقَتل مُسلم بالكافر، فَيلْزمهُ نقضه، نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد.
وَقيل: لَا ينْقض حكمه إِذا خَالف غير سنة متواترة، وَهُوَ أحد قولي القَاضِي أبي يعلى.
وَالْإِجْمَاع إجماعان.
إِجْمَاع قَطْعِيّ فينقض بمخالفته قطعا.
وَإِجْمَاع لَا ينْقض بمخالفته على الصَّحِيح، قدمه فِي " الْفُرُوع "، و " الرِّعَايَة الْكُبْرَى "، وَغَيرهمَا.
وَقيل: ينْقض، وَهُوَ ظَاهر كَلَام كثير من الْأَصْحَاب.
وَلَا ينْقض إِذا خَالف قِيَاسا وَلَو جليا على الصَّحِيح من الْمَذْهَب، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر وَقَطعُوا بِهِ.
وَقيل: ينْقض إِذا خَالف قِيَاسا نصا جليا وفَاقا لمَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَابْن حمدَان فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "، زَاد مَالك: ينْقض بمخالفة الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة.
وَعَن دَاوُد وَأبي ثَوْر: ينْقض جَمِيع مَا بَان لَهُ خَطؤُهُ؛ " لِأَن عمر رَضِي
الله عَنهُ كتب إِلَى أبي مُوسَى لَا يمنعك قَضَاء قَضيته بالْأَمْس، ثمَّ راجعت نَفسك فِيهِ الْيَوْم، فهديت لمرشد، أَن تراجع فِيهِ الْحق، فَإِن الرُّجُوع إِلَى الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل.
وَلِأَنَّهُ خطأ فَوَجَبَ الرُّجُوع عَنهُ.
وَجوز ابْن الْقَاسِم بعض مَا بَان غَيره أصوب، وَهُوَ قريب من الَّذِي قبله.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: " إِذا بَان أَن الحكم خَالف ذَلِك ارْتَفع حكم الِاجْتِهَاد.
وَبَعْضهمْ يعبر عَن ذَلِك: بنقضه؛ وَهُوَ مجَاز؛ لِأَنَّهُ قد تبين أَن لَا حكم، بل وَلَا ارْتِفَاع؛ لِأَنَّهُ فرع الثُّبُوت إِلَّا أَن يُرَاد ارْتِفَاع ظن الحكم ".
تَنْبِيه: حَيْثُ قُلْنَا: ينْقض، فَإِن كَانَ فِي حق الله تَعَالَى: كَالطَّلَاقِ، وَالْعتاق، وَنَحْوهمَا نقضه؛ لِأَن لَهُ النّظر فِي حُقُوق الله، وَإِن كَانَ يتَعَلَّق بِحَق آدَمِيّ فَالصَّحِيح أَنه - أَيْضا - ينْقضه، وَلَا يحْتَاج فِي نقضه إِلَى صَاحبه وَطَلَبه.
وَقَالَ القَاضِي فِي " الْمُجَرّد "، والموفق فِي " الْمُغنِي "، و " الشَّارِح "، وَابْن رزين: لم ينْقضه إِلَّا بمطالبة صَاحبه؛ لِأَن الْحَاكِم لَا يَسْتَوْفِي حَقًا لمن لَا ولَايَة عَلَيْهِ بِغَيْر مُطَالبَته، فَإِن طلب صَاحبه ذَلِك نقضه.
قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَحكمه بِخِلَاف اجْتِهَاده بَاطِل وَلَو قلد غَيره، وَذكره الْآمِدِيّ اتِّفَاقًا.
وَفِي " إرشاد ابْن أبي مُوسَى ": لَا، للْخلاف فِي الْمَدْلُول وَيَأْثَم.
وَيَنْبَغِي هَذَا فِيمَن قضى بِخِلَاف رَأْيه نَاسِيا لَهُ لَا إِثْم وَينفذ كَقَوْل أبي حنيفَة.
وَعند أبي يُوسُف: يرجع عَنهُ وينقضه، كَقَوْل الْمَالِكِيَّة، وَالشَّافِعِيَّة.
وبناه فِي " شرح الْخصاف " على جَوَاز تَقْلِيد غَيره.
نقل أَبُو طَالب إِذا أَخطَأ بِلَا تَأْوِيل فليرده وَيطْلب صَاحبه فَيَقْضِي بِحَق ".
قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَإِن حكم مقلد بِخِلَاف إِمَامه، فَإِن صَحَّ حكم الْمُقَلّد انبنى نقضه على منع تَقْلِيد غَيره، ذكره الْآمِدِيّ وَهُوَ وَاضح، وَمَعْنَاهُ لبَعض أَصْحَابنَا ".
وَمرَاده ابْن حمدَان، وَذكر كَلَام ابْن هُبَيْرَة.
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ للمقلد أَن يحكم بِخِلَاف مَذْهَب إِمَامه، كَمَا أَن الْمُجْتَهد لَيْسَ لَهُ أَن يحكم بِغَيْر اجْتِهَاده سَوَاء، فَإِن حكم الْمُقَلّد بِخِلَاف قَول إِمَامه، انبنى على أَنه هَل يجوز لَهُ تَقْلِيد غَيره أم لَا؟
فَإِن منعنَا نقض، وَإِن جَوَّزنَا فَلَا، قَالَه الْآمِدِيّ، وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح كَمَا تقدم.
لَكِن قَالَ الْغَزالِيّ: إِنَّا إِذا منعنَا من قلد إِمَامًا أَن يُقَلّد غَيره، وَفعل وَحكم بقوله فَيَنْبَغِي أَن لَا ينفذ قَضَاؤُهُ؛ وَلِأَنَّهُ فِي ظَنّه أَن إِمَامه أرجح. انْتهى.
وَهَذَا مُوَافق لظَاهِر مَا قَالَه ابْن حمدَان: أَن مُخَالفَة الْمُفْتِي نَص إِمَامه كمخالفة نَص الشَّارِع.
مَعَ أَن ظَاهره أَنه غير الْمُقَلّد بل هُوَ مفت؛ فَيكون الْمُقَلّد بطرِيق الأولى.
إِذا قُلْنَا بِنَقْض الِاجْتِهَاد فالنظر فِيهِ حِينَئِذٍ فِي أَمريْن:
أَحدهمَا: فِيمَا يتَعَلَّق بِنَفسِهِ.
وَالثَّانِي: فِيمَا يتَعَلَّق بِغَيْرِهِ.
أما الأول: فَهُوَ مَا يتَعَلَّق بِنَفسِهِ، فَإِذا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى حكم فِي حق نَفسه، ثمَّ تغير اجْتِهَاده، كَمَا إِذا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى صِحَة النِّكَاح بِلَا ولي، ثمَّ تغير اجْتِهَاده، فَرَأى أَنه بَاطِل فَالْأَصَحّ التَّحْرِيم مُطلقًا، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن الْغَزالِيّ، وَلم ينْقل غَيره.
وَقيل: لَا تحرم مُطلقًا، حَكَاهُ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ".
وَالْقَوْل الثَّالِث: إِن حكم بِهِ لم تحرم وَإِلَّا حرمت وَهُوَ الَّذِي قَالَه القَاضِي أَبُو يعلى، والموفق ابْن قدامَة، وَابْن حمدَان، والطوفي، والآمدي، وَجزم بِهِ الْبَيْضَاوِيّ والهندي؛ لِئَلَّا يلْزم نقض الِاجْتِهَاد بِالِاجْتِهَادِ، وَأَيْضًا: اسْتِدَامَة حلهَا بِخِلَاف معتقده خلاف الْإِجْمَاع.
وَأما الثَّانِي: وَهُوَ مَا يتَعَلَّق بِغَيْرِهِ، فَإِذا أفتى مُجْتَهد عاميا بِاجْتِهَاد، ثمَّ تغير اجْتِهَاده لم تحرم عَلَيْهِ على الْأَصَح، وَقَالَهُ أَبُو الْخطاب، وَالشَّيْخ موفق الدّين، والطوفي، وَظَاهر كَلَام ابْن مُفْلِح؛ لِأَن عمله بفتواه كَالْحكمِ، وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا اجْتهد وَحكم فِي وَاقعَة، ثمَّ تغير اجْتِهَاده بعد ذَلِك: فَالْحكم بِالْأولِ بَاقٍ على مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَكَذَا إِذا أفتاه أَو قَلّدهُ.
وَعند الشَّافِعِيَّة، وَابْن حمدَان: تحرم.
قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَهُوَ مُتَّجه كالتقليد فِي الْقبْلَة ".
وَفِي " الرِّعَايَة ": احْتِمَال وَجْهَيْن.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره عَن هَذِه: " فَكَمَا سبق فِيمَا يتَعَلَّق بِنَفسِهِ.
وَقَالَ الْهِنْدِيّ: إِن اتَّصل حكم قبل بِغَيْر اجْتِهَاده، فَكَمَا سبق فِي الْمُجْتَهد فِيمَا يتَعَلَّق بِنَفسِهِ.
وَإِن لم يتَّصل بِهِ فَاخْتَلَفُوا، وَالْأولَى القَوْل بِالتَّحْرِيمِ، وَمِنْهُم من لم يُوجِبهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نقض الِاجْتِهَاد بِالِاجْتِهَادِ ".
قَوْله: {وَإِن لم يعْمل بفتواه لزم الْمُفْتِي إِعْلَامه، فَلَو مَاتَ قبله اسْتمرّ فِي الْأَصَح} .
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": " أما إِن لم يعْمل بفتواه لزم الْمُفْتِي تَعْرِيفه.
فَإِن لم يعْمل وَمَات الْمُفْتِي فاحتمالان.
فِي " التَّمْهِيد ": الْمَنْع لتردد بَقَائِهِ عَلَيْهَا لَو كَانَ حَيا.
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: فعلى هَذَا لَو كَانَ حَيا لم يجز، وَهُوَ بعيد.
وَالْجَوَاز: للظَّاهِر) .
وَقَالَ فِي " فروعه ": اسْتمرّ فِي الْأَصَح، وَهُوَ الْمُعْتَمد.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي " الرَّوْضَة ": يُعلمهُ سَوَاء كَانَ قبل الْعَمَل أَو بعده حَيْثُ يجب النَّقْض.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: إِن كَانَ عمل بِهِ لم يلْزمه إِعْلَامه، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَن يعرفهُ إِن تمكن مِنْهُ، لِأَن الْعَاميّ إِنَّمَا يعْمل بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَول الْمُفْتِي، وَمَعْلُوم أَنه فِي تِلْكَ الْحَالة لَيْسَ ذَلِك قَوْله.
يجوز تَقْلِيد الْمَيِّت كتقليد الْحَيّ؛ لِأَن قَوْله بَاقٍ فِي الْإِجْمَاع، وَهَذَا قَول جُمْهُور الْعلمَاء.
وَفِيه يَقُول الإِمَام الشَّافِعِي: " الْمذَاهب لَا تَمُوت بِمَوْت أَرْبَابهَا " انْتهى.
وكالحاكم وَالشَّاهِد لَا يبطل حكمه بِمَوْتِهِ، وَلَا شَهَادَته بِمَوْتِهِ.
وَقيل: لَيْسَ لَهُ تَقْلِيده مُطلقًا وَهُوَ وَجه لنا وللشافعية، وَذكره ابْن عقيل عَن قوم من الْفُقَهَاء الْأُصُولِيِّينَ.
وَاخْتَارَهُ فِي " التَّمْهِيد " فِي أَن عُثْمَان لم يشرط عَلَيْهِ تَقْلِيد أبي بكر وَعمر، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول ".
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (بل من [تَأمل] كَلَام " الْمَحْصُول " يخرج لَهُ مِنْهُ أَن يمْنَع التَّقْلِيد مُطلقًا.
فعلى الأول: وَهُوَ جَوَاز التَّقْلِيد لَو كَانَ الْمُجْتَهد الْحَيّ دون الْمَيِّت، احْتمل أَن يُقَلّد الْمَيِّت لأرجحيته، وَاحْتمل أَن يُقَلّد الْحَيّ بحياته، وَاحْتمل التَّسَاوِي.
وَحكى الْهِنْدِيّ قولا رَابِعا فِي الْمَسْأَلَة، وَهُوَ التَّفْصِيل بَين أَن يكون الحاكي عَن الْمَيِّت أَهلا للمناظرة، وَهُوَ مُجْتَهد فِي مَذْهَب الْمَيِّت فَيجوز، وَإِلَّا فَلَا) .
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": " وَإِن بَان خَطؤُهُ فِي إِتْلَاف بمخالفة قَاطع ضمن لَا مستفتيه، وَفِي تضمين [مفت] لَيْسَ أَهلا وَجْهَان ".
وَقَالَ فِي " أُصُوله ": " وَإِن عمل بفتياه فِي إِتْلَاف فَبَان خَطؤُهُ قطعا ضمنه لَا مستفتيه، وَإِن لم يكن أَهلا للفتيا وَجْهَان.
وَعند الإِسْفِرَايِينِيّ وَغَيره: يضمن الْأَهْل فَقَط.
وَيتَوَجَّهُ فِيهِ: كمنتهب مَعَ غَاصِب " انْتهى.
الصَّحِيح أَنه يضمن، إِذا لم يكن أَهلا بل أولى بِالضَّمَانِ مِمَّن لَهُ أَهْلِيَّة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه لَا يضمن، اخْتَارَهُ ابْن حمدَان فِي " آدَاب الْمُفْتِي "، وَهُوَ بعيد جدا.
قَالَ ابْن الْقيم فِي " أَعْلَام الموقعين " عَن هَذَا القَوْل: " لم أعرف هَذَا القَوْل لأحد قبل ابْن حمدَان " انْتهى.
قلت: الَّذِي يَنْبَغِي أَن ينظر إِن كَانَ المستفتي يعلم أَنه لَيْسَ أَهلا للفتيا واستفتاه لم يضمن؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي على نَفسه، وَإِن لم يُعلمهُ ضمن الْمُفْتِي.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: " لَو عمل بفتواه فِي إِتْلَاف، ثمَّ بَان أَنه أَخطَأ، فَإِن لم يُخَالف الْقَاطِع لم يضمن؛ لِأَنَّهُ مَعْذُور، وَإِن خَالف الْقَاطِع ضمن.
وَأما مَا نَقله النَّوَوِيّ عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق: أَنه إِن كَانَ أَهلا للْفَتْوَى ضمن وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَن المستفتي حِينَئِذٍ مقصر، وَلَكِن لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْقَيْد هُنَا؛ لِأَن الْكَلَام فِي الْمُجْتَهد.
ثمَّ قَالَ النَّوَوِيّ: يَنْبَغِي أَن يتَخَرَّج على قَول الضَّمَان بالغرور، أَو يقطع بِعَدَمِ الضَّمَان مُطلقًا، إِذا لم يُوجد مِنْهُ إِتْلَاف وَلَا ألجيء إِلَيْهِ بإلزام " انْتهى.