الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْن حمدَان فِي " آدَاب الْمُفْتِي ": " الْمُجْتَهد فِي نوع من الْعلم من عرف الْقيَاس وشروطه، فَلهُ أَن يُفْتِي فِي مسَائِل مِنْهُ قياسية لَا تتَعَلَّق بِالْحَدِيثِ، وَمن عرف الْفَرَائِض، فَلهُ أَن يُفْتِي فِيهَا وَإِن جهل بِأَحَادِيث النِّكَاح.
وَقيل: يجوز ذَلِك فِي الْفَرَائِض دون غَيرهَا.
وَقيل: بِالْمَنْعِ فيهمَا، وَهُوَ بعيد " انْتهى.
فَذكر قولا مَخْصُوصًا بالفرائض كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامه فِي " التَّمْهِيد " الْمُتَقَدّم.
قَوْله: {يجوز اجْتِهَاده صلى الله عليه وسلم َ -
فِي أَمر الدُّنْيَا، وَوَقع إِجْمَاعًا قَالَه ابْن مُفْلِح} .
وَذَلِكَ " لقصته
صلى الله عليه وسلم َ - مَعَ الْأَنْصَار لما رَآهُمْ يُلَقِّحُونَ نَخْلهمْ وَقَوله لَهُم: لَو تَرَكْتُمُوهُ، فَتَرَكُوهُ، فطلع شيصا، فَقَالَ لَهُم عَن ذَلِك، فأخبروه بِمَا قَالَ لَهُم قبل ذَلِك، فَقَالَ: أَنْتُم أعلم بدنياكم مَعَ أَنِّي لم أجد حِكَايَة الْإِجْمَاع إِلَّا لِابْنِ مُفْلِح، وَهُوَ الثِّقَة الْأمين وَلَكِن لَيْسَ بمعصوم.
الْكَلَام على ذَلِك فِي أَمريْن:
أَحدهمَا: هَل يجوز ذَلِك أم لَا؟ وَإِذا قُلْنَا بِالْجَوَازِ، فَهَل يجوز شرعا وعقلا أم شرعا فَقَط؟
وَالثَّانِي: هَل وَقع ذَلِك أم لَا؟
أما الأول: وَهُوَ الْجَوَاز وَعَدَمه فَقيل أَقْوَال:
أَصَحهَا، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور: الْجَوَاز، وَعَلِيهِ أَحْمد، وَالشَّافِعِيّ،
وَأكْثر أصحابهما، وَالْقَاضِي أَبُو يُوسُف، وَعبد الْجَبَّار، وَأَبُو الْحُسَيْن، وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الرَّازِيّ، وَأَتْبَاعه كالبيضاوي.
قَالَ ابْن الْحَاجِب: " إِنَّه الْمُخْتَار ".
وَعَزاهُ الواحدي إِلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء، قَالَ: وَلَا حجَّة للمانع فِي قَوْله: {إِن أتبع إِلَّا مَا يُوحى إِلَيّ} [الْأَنْعَام: 50]، فَإِن الْقيَاس على الْمَنْصُوص بِالْوَحْي: اتِّبَاع الْوَحْي.
وَمنعه أَكثر الْمُعْتَزلَة.
[قَالَ] ابْن مُفْلِح، كَأبي عَليّ الجبائي وَابْنه أبي هَاشم، وَأكْثر الأشعرية.
وَاخْتَارَهُ من أَصْحَابنَا أَبُو حَفْص العكبري، وَابْن حَامِد، وَقَالَ: هُوَ قَول أهل الْحق.
وَذكر القَاضِي ظَاهر كَلَام أَحْمد فِي رِوَايَة عبد الله {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} [النَّجْم: 3] .
وَذكر الشَّافِعِي أول " رسَالَته " فِيهِ خلافًا.
وَجوزهُ فِيهَا القَاضِي أَبُو يعلى أَيْضا: فِي أَمر الْحَرْب فَقَط.
وَحَكَاهُ فِي " الْمَحْصُول " قولا: يجوز فِيمَا يتَعَلَّق بالحروب دون غَيرهَا كالجبائي.
وَتوقف بعض أَصْحَابنَا، وَغَيرهم.
وَحَكَاهُ فِي " الْمَحْصُول " عَن أَكثر الْمُحَقِّقين انْتهى.
وشذ قوم فَقَالُوا: يمْتَنع عقلا، وَحَكَاهُ الباقلاني وَأَبُو الْمَعَالِي فِي " التَّلْخِيص " عَنْهُم.
وَأما الثَّانِي: وَهُوَ الْوُقُوع، وَهُوَ قَوْلنَا فِي الْمَتْن {وَوَقع} .
فِيهِ - أَيْضا - مَذَاهِب:
أَحدهَا: أَنه وَقع، وَهُوَ الصَّحِيح، اخْتَارَهُ من أَصْحَابنَا ابْن بطة،
وَذكر عَن أَحْمد نَحوه.
وَالْقَاضِي وَقَالَ: أَوْمَأ إِلَيْهِ أَحْمد.
وَأَبُو الْخطاب، وَابْن عقيل، وَابْن الْجَوْزِيّ، والموفق فِي " الرَّوْضَة "، وَابْن حمدَان، والطوفي، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه فِي الِاسْتِدْلَال بالوقائع وَغَيرهم،
وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّة، وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، وَغَيرهم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه لم يَقع.
وَالْقَوْل الثَّالِث: الْوَقْف، لتعارض الْأَدِلَّة، حَكَاهُ ابْن الْعِرَاقِيّ، وَغَيره.
اسْتدلَّ للْجُوَاز والوقوع، وَهُوَ الصَّحِيح: بِأَنَّهُ لَا يلْزم مِنْهُ محَال، وَلأَجل مشاركته لأمته، فَظَاهر قَوْله تَعَالَى:{فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} [الْحَشْر 2] ، فَيكون مَأْمُورا بِالْقِيَاسِ، وَأَيْضًا: فَالْعَمَل بِالِاجْتِهَادِ أشق على النَّفس؛ لأجل بذل الوسع فَيكون أَكثر ثَوابًا، فَلَا يكون ذَلِك حَاصِلا لبَعض الْأمة وَلَا يحصل لَهُ صلى الله عليه وسلم َ -.
فَظَاهر قَوْله تَعَالَى: {وشاورهم فِي الْأَمر} [آل عمرَان: 159] ، وَطَرِيق الْمُشَاورَة الِاجْتِهَاد.
وَفِي " صَحِيح مُسلم ": " أَنه اسْتَشَارَ فِي أسرى بدر، فَأَشَارَ أَبُو بكر بِالْفِدَاءِ، فأعجبه، وَعمر بِالْقَتْلِ، فجَاء عمر من الْغَد وهما يَبْكِيَانِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ - أبْكِي للَّذي عرض عَليّ أَصْحَابك من أَخذهم الْفِدَاء "، فَأنْزل الله تَعَالَى:{مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض} [الْأَنْفَال: 67]، وَأَيْضًا:{عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} [التَّوْبَة: 43] .
قَالَ فِي " الْفُنُون ": هُوَ من أعظم دَلِيل لرسالته إِذْ لَو كَانَ من عِنْده ستر
على نَفسه أَو صَوبه لمصْلحَة يدعيها، فَصَارَ رُتْبَة لهَذَا الْمَعْنى [كسلبه الْخط] .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لما سقت الْهَدْي "، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِيمَا لم يُوح إِلَيْهِ فِيهِ بِشَيْء.
وَاسْتدلَّ: {بِمَا أَرَاك الله} [النِّسَاء: 105]، أَي: بِمَا جعل الله لَك رَأيا، لِأَن [الإراءة] لَيست الْإِعْلَام، وَإِلَّا لذكر الْمَفْعُول الثَّالِث لذكر الثَّانِي.
رد: مَا مَصْدَرِيَّة فَلَا ضمير، وَيجوز حذف المفعولين، وَلَو كَانَت مَوْصُولَة حذف الثَّالِث للثَّانِي.
وَاسْتدلَّ أَيْضا: بقول الْعَبَّاس: " إِلَّا الْإِذْخر "، فَقَالَ:" إِلَّا الْإِذْخر ".
وَلما سَأَلَهُ الْأَقْرَع بن حَابِس عَن الْحَج ألعامنا هَذَا أم لِلْأَبَد؟ قَالَ: لِلْأَبَد، وَلَو قلت لِعَامِنَا لَوَجَبَتْ ".
وَلما قتل النَّضر بن الْحَارِث جَاءَت أُخْته وَقَالَت:
(مُحَمَّد ولأنت نجل كَرِيمَة
…
من قَومهَا والفحل فَحل معرق)