الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُمكنهُ من الْفِعْل، بِخِلَاف التكليفي فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على ذَلِك، وَهَذَا الَّذِي قدمه الْبرمَاوِيّ.
قَوْله: {وأخف على أثقل، وَعكس القَاضِي، وَظَاهر " الرَّوْضَة ": سَوَاء} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَيتَوَجَّهُ فِي تَقْدِيم الأخف وَعَكسه احْتِمَالَانِ، وَذكر الْآمِدِيّ قَوْلَيْنِ؛ لِأَن الشَّرِيعَة سَمْحَة، وَثقله لتأكيد الْمَقْصُود مِنْهُ.
وَقَالَ فِي " الرَّوْضَة ": وَرجح قوم الْعلَّة لخفة حكمهَا.
وَعكس آخَرُونَ وَهِي ترجيحات ضَعِيفَة، فَظَاهره التَّسْوِيَة) .
وَالصَّحِيح أَن التكليفي الأخف يرجح على الأثقل، لقَوْله تَعَالَى:{يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} [الْبَقَرَة: 185]، وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام
".
وَقيل: يقدم الأثقل، لِأَنَّهُ أَكثر ثَوابًا، وَهُوَ الَّذِي نقلته عَن القَاضِي، وَلم أعلم الْآن من أَيْن نقلته، ثمَّ رَأَيْتنِي فِي " المسودة " الَّذِي يظْهر لي أَنِّي أخذت اخْتِيَار القَاضِي من كَلَام الطوفي فِي " مُخْتَصره " من قَوْله:" وَمَا اشْتَمَل على وَعِيد على غَيره احْتِيَاطًا عِنْد القَاضِي ".
فَإِنَّهُ ذكر فِي " الشَّرْح ": " إِذا تعَارض الحاظر والمبيح أَو مَا تضمن وعيدا أَو غَيره احْتمل الْخلاف، قَالَ: وَهُوَ شَبيه أَيْضا بِمَا سبق فِيمَا إِذا تَعَارَضَت فتيا مجتهدين عِنْد الْمُقَلّد هَل يَأْخُذ بالأخف أَو الأثقل؟ نظر إِلَى الدَّلِيل المتعارض هُنَاكَ، وَإِلَى الِاحْتِيَاط تَارَة، وَإِلَى عُمُوم التَّخْفِيف فِي الشَّرِيعَة أُخْرَى " انْتهى.
وَتقدم مَرَاتِب المفاهيم والمقدم مِنْهَا فِي آخر فَصله.
لما فَرغْنَا من التَّرْجِيح الْعَائِد إِلَى الْمَدْلُول، شرعنا فِي التَّرْجِيح الْعَائِد إِلَى أَمر خَارج، وَهُوَ تَرْجِيح بِأُمُور لَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا الدَّلِيل لَا فِي وجوده وَلَا فِي صِحَّته ودلالته، لَكِن يتَرَجَّح الدَّلِيل الْمُوَافق لدَلِيل آخر على الدَّلِيل الَّذِي لَا يُوَافقهُ دَلِيل آخر؛ لِأَن الظَّن الْحَاصِل من الدَّلِيلَيْنِ أقوى من الظَّن الْحَاصِل من دَلِيل وَاحِد، وَسَوَاء كَانَ مُوَافق لدَلِيل آخر من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس؛ لِأَن تَقْدِيم مَا لم يُوَافق ترك لشيئين الدَّلِيل وَمَا عضده، وَتَقْدِيم الْمُوَافق ترك لدَلِيل وَاحِد، وَلِهَذَا قدمنَا حَدِيث عَائِشَة:" فِي صَلَاة الْفجْر بِغَلَس " على حَدِيث [رَافع]" فِي الْإِسْفَار " لموافقته قَوْله: (حَافظُوا على
5 -
الصَّلَوَات} [الْبَقَرَة: 238] لِأَن من الْمُحَافظَة الْإِتْيَان بالمحافظة عَلَيْهِ الْمُؤَقت أول وقته.
إِذا علم ذَلِك فَقَالَ ابْن مُفْلِح بعد ذَلِك: (ثمَّ قيل: يقدم الْخَبَر على الأقيسة، وَقيل: بِالْمَنْعِ إِن تعدد أَصْلهَا وَإِلَّا فمتحدة.
قَالَ: وتعارض قُرْآن وَسنة وَأمكن بِنَاء كل مِنْهُمَا على الآخر - كخنزير المَاء - فَقَالَ القَاضِي: ظَاهر كَلَام أَحْمد يقدم ظَاهر السّنة لقَوْله: " السّنة تفسر الْقُرْآن وتبينه "، قَالَ: وَيحْتَمل عَكسه للْقطع بِهِ.
وَذكر أَبُو الطّيب للشَّافِعِيَّة وَجْهَيْن.
وَبنى القَاضِي عَلَيْهَا خبرين مَعَ أَحدهمَا ظَاهر قُرْآن وَالْآخر ظَاهر سنة، ثمَّ ذكر نَص أَحْمد تَقْدِيم الْخَبَرَيْنِ.
وَذكر الْفَخر إِسْمَاعِيل أَيهمَا يقدم، على رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَا ابْن عقيل، وَبنى الأولى عَلَيْهَا) .
وتحرير ذَلِك إِذا كَانَ أحد الدَّلِيلَيْنِ سنة وَالْآخر كتابا، فَإِن أمكن الْعَمَل بهما عمل، وَإِلَّا قيل: يقدم الْكتاب فَإِنَّهُ أرجح، وَقيل: تقدم السّنة لِأَنَّهَا بَيَان لَهُ، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد كَمَا تقدم.
مِثَاله قَوْله صلى الله عليه وسلم َ - فِي الْبَحْر: " الْحل ميتَته "، فَإِنَّهُ عَام فِي ميتَة الْبَحْر حَتَّى خنزيره مَعَ قَوْله تَعَالَى:{قل لَا أجد فِي مَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحا أَو لحم خِنْزِير} [الْأَنْعَام: 145] ، يتَنَاوَل خِنْزِير الْبَحْر، فتعارض عُمُوم الْكتاب وَالسّنة فِي خِنْزِير الْبَحْر، فَقدم بَعضهم الْكتاب فحرمه، وَقَالَهُ من أَصْحَابنَا أَبُو عَليّ النجاد.
وَبَعْضهمْ السّنة فأحله، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد وَعَلِيهِ جَمَاهِير أَصْحَابه فِي حلّه.
يرجح بِمَا وَافق عمل أهل الْمَدِينَة وَإِن لم يكن حجَّة، لكنه يقوى بِهِ.
وَقد رجح أَحْمد " نِكَاح الْمحرم بعملهم "، وَقَوله:" مَا رَوَوْهُ ثمَّ عمِلُوا بِهِ أصح مَا يكون ".
وَاخْتَارَهُ فِي " التَّمْهِيد "، كالشافعية لأَنهم أعرف، وَالظَّاهِر بقاؤهم على مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ وَأَنه نَاسخ لمَوْته بَينهم.
وَذكر القَاضِي، وَابْن عقيل، وَأَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، والطوفي: لَا يرجح بذلك كَغَيْرِهِ.
رد: بِالْفرقِ.
وَرجح الْحَنَفِيَّة بِعَمَل الْكُوفَة إِلَى زمن أبي حنيفَة قبل ظُهُور الْبدع.
وَفِي " التَّمْهِيد ": مَا أَقَامَ بِهِ الصَّحَابَة أَخذ بِهِ إِلَى أَن ظَهرت الْبدع،
وَهُوَ مَا كَانَ [زمن] الْخُلَفَاء نَحْو الْبَصْرَة والكوفة، قَالَ: وَقَالَهُ الْجِرْجَانِيّ.
قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": " إِذا تعَارض نصان وَقد قَالَ أهل الْمَدِينَة بِأَحَدِهِمَا، فَلَا يكون ذَلِك تَرْجِيحا لَهُ، خلافًا لبَعض الشَّافِعِيَّة فِي قَوْلهم: يرجح بِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يرجح بقول أهل الْكُوفَة خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة.
حجَّة الأول: أَن الْأَمَاكِن لَا تَأْثِير لَهَا فِي زِيَادَة الظنون، فَلَا فرق بَين قَول أهل الْمَدِينَة والكوفة وَغَيرهَا فِي عدم التَّرْجِيح بِهِ.
حجَّة الثَّانِي: أَن إطباق الجم الْغَفِير على الْعَمَل على وفْق أحد الْخَبَرَيْنِ يفِيدهُ تَقْوِيَة وَزِيَادَة ظن فيرجح بِهِ، كموافقة خبر آخر، وَلِأَن اتِّفَاق أهل البلدين الْمَذْكُورين قد اخْتلف فِي كَونه إِجْمَاعًا، فَإِن كَانَ فَهُوَ مُرَجّح لَا محَالة، وَإِن لم يكن إِجْمَاعًا فأدنى أَحْوَاله أَن يكون مرجحا، كَالظَّاهِرِ، وَالْقِيَاس، وَخبر الْوَاحِد.
قلت: هَذَا هُوَ الظَّاهِر.
وَقَوْلهمْ: لَا تَأْثِير للأماكن فِي زِيَادَة الظنون.
قُلْنَا: نَحن لَا نرجح بالأماكن، بل بأقوال الجم الْغَفِير من عُلَمَاء أَهلهَا، وَهُوَ مُفِيد لزِيَادَة الظَّن بِلَا شكّ " انْتهى.
قَوْله: {وبعمل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة عِنْد أَحْمد وَأَصْحَابه، وَقيل: بِأبي بكر