الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
قَالَ ابْن مُفْلِح: أطلق أَحْمد القَوْل بِهِ فِي مَوَاضِع.
قلت: قَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ: " اسْتحْسنَ أَنه يتَيَمَّم لكل صَلَاة، وَالْقِيَاس: أَنه بِمَنْزِلَة المَاء حَتَّى يحدث أَو يجد المَاء ".
وَقَالَ فِي رِوَايَة بكر بن مُحَمَّد فِيمَن غصب أَرضًا فزرعها: " الزَّرْع لصَاحب الأَرْض وَعَلِيهِ النَّفَقَة، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء يُوَافق الْقيَاس، وَلَكِن اسْتحْسنَ أَن يدْفع إِلَيْهِ النَّفَقَة ".
وَقَالَ فِي رِوَايَة صَالح فِي الْمضَارب إِذا خَالف فَاشْترى غير مَا أَمر بِهِ صَاحب المَال: " فَالرِّبْح لصَاحب المَال، وَلِهَذَا أُجْرَة مثله، إِلَّا أَن يكون الرِّبْح يُحِيط بأجره مثله فَيذْهب، وَكنت أذهب إِلَى أَن الرِّبْح لصَاحب المَال ثمَّ استحسنت هَذَا ".
وَيَأْتِي مثله غير ذَلِك قَرِيبا فِي التَّعْرِيف الأول.
وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّة.
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي: لم ينص عَلَيْهِ مَالك، وَكتب أَصْحَابنَا مَمْلُوءَة مِنْهُ، كَابْن قَاسم، وَأَشْهَب، وَغَيرهمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: " اسْتحْسنَ الْمُتْعَة ثَلَاثِينَ درهما ".
وَثُبُوت الشُّفْعَة إِلَى ثَلَاث، وَترك شَيْء من الْكِتَابَة، وَأَن لَا تقطع يمنى السَّارِق أخرج يَده الْيُسْرَى فَقطعت، والتحليف على الْمُصحف.
وَالْأَشْهر عَنهُ: إِنْكَاره، وَقَالَهُ أَصْحَابه.
وَقَالَ: " من اسْتحْسنَ فقد شرع ".
وَهُوَ بتَشْديد الرَّاء، أَي: نصب شرعا على خلاف مَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله، وَأنْكرهُ على الْحَنَفِيَّة.
وَعَن أَحْمد: " الْحَنَفِيَّة تَقول: نستحسن هَذَا وَنَدع الْقيَاس، فتدع مَا نزعمه الْحق بالاستحسان، وَأَنا أذهب إِلَى كل حَدِيث جَاءَ وَلَا أَقيس عَلَيْهِ ".
قَالَ القَاضِي: هَذَا يدل على إِبْطَاله.
وَقَالَ أَبُو الْخطاب: إِنَّمَا أنكر اسْتِحْسَانًا بِلَا دَلِيل، قَالَ: وَمعنى " أذهب إِلَى مَا جَاءَ وَلَا أَقيس "، أَي: أترك الْقيَاس بالْخبر، وَهُوَ الِاسْتِحْسَان بِالدَّلِيلِ انْتهى.
وأوّل أَصْحَاب الشَّافِعِي كَلَام الشَّافِعِي بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك بِدَلِيل، لكنه سَمَّاهُ اسْتِحْسَانًا، لَا عده حسنا.
وَلَا يُنكر التَّعْبِير بذلك، وَيُقَال لِلْقَائِلين بِهِ إِن عنيتم مَا يستحسنه الْمُجْتَهد بعقله من غير دَلِيل كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِي عَن أبي حنيفَة.
قَالَ الشِّيرَازِيّ: " هُوَ الصَّحِيح فِي النَّقْل عَنهُ ".
فَأمر عَظِيم، وَقَول فِي الشَّرِيعَة لمُجَرّد التشهي وتفويض الْأَحْكَام إِلَى عقول ذَوي الآراء، وَقد قَالَ تَعَالَى:{وَمَا اختلفتم فِيهِ من شَيْء فَحكمه إِلَى الله} [الشورى: 10] ، وَلَكِن أَصْحَابه يُنكرُونَ هَذَا التَّفْسِير عَنهُ.
وَإِن عنيتم جَوَاز لفظ الِاسْتِحْسَان فَقَط فَلَا إِنْكَار فِي ذَلِك، فَإِن الله تَعَالَى يَقُول:{الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} [الزمر: 18] .
وَفِي الحَدِيث: " مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن "، وَالْكتاب وَالسّنة مشحونان بِنَحْوِ ذَلِك.
لكِنهمْ لَا يقصدون هَذَا الْمَعْنى، فَلَيْسَ لكم أَن تحتجوا بِمثلِهِ على الِاسْتِحْسَان بِالْمَعْنَى الَّذِي تريدونه.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، والدارمي، عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَمن رَفعه فقد أَخطَأ، وَرَفعه من حَدِيث أنس سَاقِط لَا يحْتَج بِهِ، وعَلى تَقْدِير صِحَّته فَالْمُرَاد بِهِ إِجْمَاع الْأمة ورأيهم حسنه بِالدَّلِيلِ الَّذِي قَامَ لَهُم.
قَوْله: {وَهُوَ لُغَة: اعْتِقَاد الشَّيْء حسنا} .
الِاسْتِحْسَان، استفعال من الْحسن: اعْتِقَاد الشَّيْء حسنا.
وَإِنَّمَا قُلْنَا [اعْتِقَاد] الشَّيْء حسنا، وَلم نقل الْعلم بِكَوْن الشَّيْء حسنا؛ لِأَن الِاعْتِقَاد لَا يلْزم مِنْهُ الْعلم الْجَازِم المطابق لما فِي نفس الْأَمر، إِذْ قد يكون الِاعْتِقَاد صَحِيحا إِذا طابق الْوَاقِع، وَقد يكون فَاسِدا إِذا لم يُطَابق، وَحِينَئِذٍ قد يستحسن الشَّخْص شَيْئا بِنَاء على اعْتِقَاده وَلَا يكون حسنا فِي نفس الْأَمر، وَقد يُخَالِفهُ غَيره فِي استحسانه، فَلَو قيل: الْعلم بِكَوْن الشَّيْء حسنا يخرج مِنْهُ مَا لَيْسَ حسنه حَقًا فِي نفس الْأَمر، وَإِذا قُلْنَا: اعْتِقَاد الشَّيْء حسنا تنَاول ذَلِك.
قَالَ الطوفي فِي " مُخْتَصره " وَتَبعهُ بعض أَصْحَابه وتابعناهم: وأجود مَا قيل فِيهِ: إِنَّه الْعُدُول بِحكم الْمَسْأَلَة عَن نظائرها لدَلِيل شَرْعِي خَاص بِتِلْكَ الْمَسْأَلَة.
قَالَ الطوفي: " مِثَاله قَول أبي الْخطاب فِي مَسْأَلَة الْعينَة: وَإِذا اشْترى مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن الأول: لم يجز اسْتِحْسَانًا، وَجَاز قِيَاسا، فَالْحكم فِي نَظَائِر هَذِه الْمَسْأَلَة من الربويات: الْجَوَاز، وَهُوَ الْقيَاس، لَكِن عدل بهَا عَن نظائرها بطرِيق الِاسْتِحْسَان، فمنعت، وَحَاصِل هَذَا يرجع إِلَى تَخْصِيص الدَّلِيل بِدَلِيل أقوى مِنْهُ فِي نظر الْمُجْتَهد.
قَالَ ابْن المعمار الْبَغْدَادِيّ: مِثَال الِاسْتِحْسَان مَا قَالَه أَحْمد رحمه الله: إِنَّه يتَيَمَّم لكل صَلَاة، اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاس أَنه بِمَنْزِلَة المَاء حَتَّى يحدث.
وَقَالَ: يجوز شِرَاء أَرض السوَاد وَلَا يجوز بيعهَا.
قيل لَهُ: فَكيف يَشْتَرِي مِمَّن لَا يملك البيع؟
فَقَالَ: الْقيَاس هَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَان.
وَكَذَلِكَ يمْنَع من بيع الْمُصحف وَيُؤمر بِشِرَائِهِ استحسانه ".
وَقيل: دَلِيل ينقدح فِي نفس الْمُجْتَهد يعجز عَن التَّعْبِير عَنهُ، وَهُوَ لبَعض الْحَنَفِيَّة.
قَالَ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة ": " مَا لَا يعبر عَنهُ لَا يدرى أوهم أَو تَحْقِيق ".
قَالَ ابْن مُفْلِح: " وَمرَاده مَا قَالَ الْآمِدِيّ: يرد إِن شكّ فِيهِ وَلَا عمل بِهِ اتِّفَاقًا.
وَمرَاده النَّاظر لَا المناظر ".
قَالَ الطوفي عَن هَذَا الْحَد: وَهُوَ هوس إِلَى طرف من الْجُنُون، حَيْثُ هُوَ كَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ.
ورده ابْن الْحَاجِب: بِأَنَّهُ إِذا لم يتَحَقَّق بِكَوْنِهِ دَلِيلا فمردود اتِّفَاقًا، وَإِن تحقق فمعتبر اتِّفَاقًا.
قيل: وَفِيمَا قَالَه نظر، لِأَنَّهُ قد يُقَال على الشَّك الأول لَا معنى لكَونه لم يتَحَقَّق، لِأَن الْغَرَض أَنه عِنْدهم دَلِيل على الشق الثَّانِي، لَا نسلم أَن مَا لَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ من الْأَدِلَّة يعْمل بِهِ.
ورده الْبَيْضَاوِيّ: " بِأَنَّهُ لَا بُد من ظُهُوره ليتميز صَحِيحه من [فاسده] "، فَإِن مَا ينقدح فِي نفس الْمُجْتَهد قد يكون وهما لَا عِبْرَة بِهِ.
قيل: وَفِيه نظر؛ لِأَن هَذَا إِنَّمَا يقْدَح فِيمَا يكون فِي المناظرة، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى عمل الْمُجْتَهد بِهِ فَإِنَّهُ انقدح عِنْده أَنه دَلِيل فَعمل بِهِ وَأفْتى بِهِ، وَإِن لم يقدر على التَّعْبِير عَنهُ فَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِي الرَّد: إِن المنقدح فِي نفس الْمُجْتَهد إِنَّمَا يمتاز عَن غَيره من الْأَدِلَّة لكَونه لَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ، وَلَكِن ذَلِك لَا يقْدَح فِي كَونه دَلِيلا، فَيمكن التَّمَسُّك بِهِ وفَاقا فَأَيْنَ الِاسْتِحْسَان الْمُخْتَلف فِيهِ؟
فَقَالَ الْكَرْخِي، وَالْقَاضِي فِي " الْعدة "، وَالْقَاضِي يَعْقُوب: ترك الحكم لحكم أولى مِنْهُ.