الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله في حديث عكرمة: "فلم أر أحداً يعمل بذلك بعده" لا يريد أنها منسوخة، بل يريد أنه لم يبق للاستئذان حاجة لارتفاع سببه وعلته.
(سورة الفرقان)
1 -
عن ابن عباس (1) رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] قَالَ: الظَّالِمُ عُقْبَةُ بنُ أَبي مُعَيْطٍ، وَيَعْنِي بِالْخَليلِ أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ، وَقِيلَ أُبيٌّ، وَذَلِكَ أَنَّ عُقْبَةَ صَنَعَ طَعَامَاً فَدَعَا أَشْرَافَ قُرَيْشَ، وَكَانَ فِيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَامْتَنَعَ أَنْ يَطعَمَ أوْ يَشْهدَ عُقْبَةُ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ فَفَعلَ، فَأَتَاهُ أَمَّيَةُ بنُ خَلْفِ أَوْ أُبيٌّ، وَكَانَ خَلِيلَهُ، وقالَ أَصَبَأْتَ؟ قالَ: لَا؛ وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلي أَوْ يَطْعَمَ مِنْ طَعَامِي، قَالَ: فَقَالَ مَا كُنْتُ أَرْضَى حَتَّى تَأْتِيَهُ فتَبْصُقَ فِي وَجْهِهِ، فَفَعَلَ عُقْبَةُ، فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْراً كَافِراً. أخرجه رزين.
"الصَّبْرُ" حبس القتيل على السلاح.
قوله في حديث ابن عباس: "عقبة بن أبي معيط"[أي](2) ابن أبي أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
قوله: "صبراً" قيل: الصبر هو أن تمسك من ذوات الروح شيئاً حياً ثم ترميه بشيء حتى يموت، وكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبراً.
(1) انظر: "الدر المنثور"(56/ 250 - 252).
(2)
زيادة من (أ).
قوله: "أخرجه رزين" تقدم الكلام على عبارته، والحديث أخرجه أبو نعيم (1) من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس لفظه: "كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً ودعا إليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثم دعا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه، فقال: ما أنا من الذي يأكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فقال: اطعم يا ابن أخي! فقال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول، فتشهد بذلك وطعم من طعامه، فبلغ ذلك [383/ ب] أبي بن خلف، فأتاه وقال: صبوت يا عقبة! وكان خليله، قال: لا والله ما
(1) في "دلائل النبوة"(ص 404، 405) وهو حديث موضوع.
أخرج ابن جرير في "جامع البيان"(15/ 440 - 441) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 68) وفي مصنفه رقم (9731) عن قتادة وعثمان الجزري، عن مقسم في قوله:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} قال: اجتمع عقبة بن أبي معيط، وأبي ابن خلف، وكانا خليلين، فقال أحدهما لصاحبه، بلغني أنك أتيت محمداً، فاستمعت منه، والله لا أرضى عنك حتى تتفل في وجهه وتكذبه، فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبراً، وأما أبي بن خلف، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد في القتال، وهما اللذان أنزل الله فيهما:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} وهو مرسل صحيح الإسناد.
وقال ابن كثير في "تفسيره"(10/ 302): وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} [الأحزاب: 66 - 68] ، فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، وبعض على يديه قائلا:{يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)} [الفرقان: 27 - 28] لمن صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما.
صبوت، ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل من طعامي إلا أن أتشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فتشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل عقبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف" فأسر عقبة يوم بدر، فقتل صبراً، ولم يقتل من الأسارى يومئذٍ غيره (1).
2 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" قَالَ فَأَنْزَلَ الله عز وجل تَصْدِيقَاً لِذَلِكَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] " أخرجه الخمسة (2). [صحيح]
قوله في حديث ابن مسعود: "تصديقاً لذلك" وقد دخل قتل الولد مخافة أن يأكل تحت عموم: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (3)، والزنا بحليلة الجار دخل تحت عموم (لا يزنون) وإنما خص حليلة الجار لزيادة قبحه.
(1) في هامش المخطوط (ب) ما نصه: كذا قال الإمام محمد الأمير، وقد روى أهل السير أن ممن قتل صبراً في بدر: النضر بن الحارث التي تقول أخته للنبي صلى الله عليه وسلم من أبيات لها:
ما كان ضرك لو مننت وربما
…
من الفتى وهو الغيظ المحنق
والقصة مشهورة تمت:
قلت: انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 448).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6001) ومسلم رقم (86، 142) وأبو داود رقم (2310) والترمذي رقم (3182، 3183) والنسائي رقم (4013، 4014، 4015).
(3)
سورة الفرقان الآية 68.