الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "أخرجهما الترمذي":
قلت: وقال في الآخر (1): حسن غريب. انتهى.
وقال (2) في الأول - أعني: حديث علي بن زيد -: هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة [74/ أ].
سورة المائدة
[قوله](3): سورة المائدة
1 -
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ بِن الخَطَّاب رضي الله عنه: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وإنَّا وَالله بِعَرَفَةَ فِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ. يَعْنِي:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} أخرجه الخمسة (4) إلا أبا داود. [صحيح]
قوله: "قالت اليهود":
قيل: هو كعب الأحبار، وجمعه باعتبار من كان معه على رأيه، أو أطلق هذه الصفة عليه إشارة إلى أن قوله عن ذلك وقع قبل إسلامه؛ لأن إسلامه كان في خلافة عمر [على المشهور، وأطلق عليه باعتبار ما مضى.
(1) في "السنن"(5/ 249).
(2)
أي: الترمذي في "السنن"(5/ 221).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (45) ومسلم رقم (3017) والترمذي رقم (3043) والنسائي رقم (3002، 5012)، وهو حديث صحيح.
قوله: "فقال عمر"] (1):
"إني لأعلم أي يوم أنزلت": يريد أنه يوم عيد أنزلها الله في يوم عيد الأسبوع، وهو الجمعة، وعيد العام، وهو يوم عرفة فقد جعل الله يوم نزولها عيداً أبداً.
قوله: "أخرجه الخمسة إلا أبا داود":
قلت: وقال الترمذي (2): هذا حديث حسن صحيح.
2 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
الآية. قَالَ: أُنزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ: فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ الَّذِي أَصَابَهُ. أخرجه أبو داود (3) والنسائي (4). [حسن]
قوله: "فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه":
أقول: لفظ النسائي: "فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل أليست للمسلم، فمن قتل وأفسد في الأرض، وحارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه لمن يمنعه [ذلك] (5) أن يقام فيه الحد الذي أصاب". انتهى.
وطريق أبي داود والنسائي عن علي بن الحسن [290/ ب] بن واقد عن أبيه مختلف فيهما.
(1) زيادة من (أ).
(2)
في "السنن"(5/ 250).
(3)
في "السنن" رقم (4372).
(4)
في "السنن" رقم (4046)، وهو حديث حسن.
(5)
زيادة من (أ).
واعلم أنه قال أكثر أئمة (1) التفسير: أن المحارب إذا آمن وأصلح قبل القدرة عليه سقط عنه جميع الحدود التي ذكرها الله تعالى، ولا يطالب بشيء منها في مال ولا دم، وكذلك لو أُمِّن بعد القدرة عليه لم يطالب بشيء.
قال الزجاج (2): جعل الله التوبة للكفار تدرأ عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم هي كون ذلك أدعى للدخول في الإيمان، فأما المسلم المحارب إذا تاب واستأمن من قبل القدرة عليه، فقال السدي (3): هو كالكافر إذا أمن لا يطالب بشيء إلا إذا أصيب عنده مال بعينه، فإنه يرد على أهله، وبهذا حكم علي [كرم الله وجهه](4) في حارثة بن بدر التميمي، وكان قد خرج محارباً فأتى سعيد بن قيس فانطلق سعيد بن قيس على علي عليه السلام وقال: يا أمير المؤمنين! ما جزاء من حارب وسعى في الأرض وفساداً؟ قال: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} قال: فإن تاب قبل أن يقدر عليه؟ قال: تقبل توبته. قال: فإنه حارثة بن بدر فأتاه به فأمنه وكتب له كتاباً.
وقال الشافعي: يسقط عنه بتوبته قبل القدرة عليه حد الله، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم ما كان قصاصاً أو مظلمة في مال. انتهى من الوسيط (5)[291/ ب].
3 -
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: مُرَّ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّماً مَجْلُوداً فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي كَتَابكُم؟ " قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ قَالَ لَهُ: "أنْشِدُكَ بِالله الَّذِي أنزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى! هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كتَابِكُمْ؟ ". فَقَالَ:
(1) انظر "جامع البيان"(8/ 381 - 382)"تفسير ابن كثير"(5/ 184 - 187).
(2)
في "معاني القرآن وإعرابه"(2/ 171).
(3)
انظر "جامع البيان"(8/ 393 - 394).
(4)
الأولى قوله رضي الله عنه.
(5)
"الوسيط في المذهب"(6/ 499).
"اللهمَّ! لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَني بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ نَجِدُه الرَّجْمَ، وَلكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الرَّجُلَ الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا فَنَجْتَمِعَ عَلَى شَيءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ مَكَان الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ! إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ". فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. أخرجه مسلم (1)، وهذا لفظه وأبو داود (2). [صحيح]
4 -
وفي أخرى لأبي داود (3) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هَذِهِ الآيَاتُ الثَّلَاثُ نَزَلَتْ فِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ. [حسن]
"والتحميم"(4): تسويد الوجه بالحمم، وهو الفحم.
قوله: "محمم": [قال](5) ابن الأثير (6): التحميم: تسويد الوجه من الحمم جمع: حممة وهي الفحمة.
(1) في "صحيحه" رقم (1700).
(2)
في "السنن" رقم (4448)، وهو حديث صحيح.
(3)
في "السنن" رقم (3576) وهو حديث حسن.
(4)
انظر "المجموع المغيث"(1/ 501).
(5)
زيادة يقتضيها السياق.
(6)
في "جامع الأصول"(2/ 117).
قوله: "نسود وجوههما ونحملهما":
قال النووي في "شرح مسلم"(1): هكذا في أكثر النسخ بالهاء واللام، وفي بعضها:"نجملهما" بالجيم المفتوحة، وفي بعضها:"نحممهما" بميمين، وكله متقارب، فمعنى الأول: نحملهما على جمل.
ومعنى الثاني: نجعلهما على جمل. ومعنى الثالث: نسود وجوههما بالحممة - بفتح الحاء وفتح الميم - وهذا الثالث ضعيف؛ لأنه قد قال قبله: "نسود وجوههما".
فإن قيل: كيف رجم اليهوديين أبالبينة أم بالإقرار؟
قلنا: الظاهر أنه بالإقرار؛ لأنه قد جاء في سنن أبي داود وغيره [أنهم شهدوا عليهم](2) أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها.
فإن صح هذا، فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا كفاراً فلا اعتبار بشهادتهم، وتعين أنهما أقرا بالزنا. انتهى (3).
قلت: ورواية أبي داود (4) التي أشار إليها قال المنذري (5): فيها مجالد بن سعيد وهو ضعيف.
هذا وفي الحديث دليل لوجوب حدّ الزنا على الكفار، وأنه يصح نكاحهم؛ لأنه لا يجب الرجم إلا على المحصن، فلو لم يصح نكاحه لم يثيب بنكاحه ولم يرجم.
(1)(12/ 208 -).
(2)
في (أ) أنه شهد عليهما.
(3)
كلام النووي في شرحه لصحيح مسلم (2/ 211).
(4)
في "السنن" رقم (4452) وهو حديث صحيح.
(5)
في مختصره رقم (4287).
وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع (1) الشريعة.
وفيه أن الكفار إذا ترافعوا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا.
قوله: "ما تجدون في التوراة؟ ":
قال العلماء (2): هذا السؤال ليس لتقليدهم، ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة [292/ ب] الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولهذا لم يخف عليه ذلك حين كتموه.
5 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ- وَكَانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ - فكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلاً مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُل مِنَ النَّضِيرِ رَجُلاً مِنْ قُرَيْظَةَ فُدِيَ بِمائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلاً مِنْ قُرَيْظَةَ فَقَالُوا: ادْفَعُوهُ إِلَيْنَا نَقْتُلْهُ. فَقَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنكُمُ محمدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَوْهُ، فَأُنْزِلَتْ:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وَالْقِسْطُ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ نَزَلَتْ:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} . أخرجه أبو داود (3) والنسائي (4). [ضعيف]
6 -
وفي أخرى لأبي داود (5): {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَنُسِخْت قَالَ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} . [إسناده حسن]
(1) انظر: "شرح الكوكب المنير"(1/ 512)"المحصول"(1/ 225)"الإبهاج"(1/ 182).
(2)
انظر "المفهم"(5/ 114)"التمهيد"(14/ 8 - 9، 10)"المغني"(12/ 317).
(3)
في "السنن" رقم (4494).
(4)
في "السنن" رقم (4732)، وهو حديث ضعيف.
(5)
في "السنن" رقم (3590) بإسناد حسن.
ولهما (1) في أخرى قال: قَالَ: كَانَ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا قَتَلُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَدَّوْا نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِذَا قَتَلَ بَنُو قُرَيْظَةَ مِنْ بَني النَّضِيرِ أَدَّوْا إِلَيْهِمُ الدِّيَةَ كَامِلَةً، فَسَوَّى بَيْنَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.
7 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ ليلاً حَتَّى نَزَلَ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فَأَخْرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي الله"(2). [حسن]
قوله في حديث عائشة: "أخرجه الترمذي":
قلت: وقال (3): هذا حديث غريب، وروى بعضهم [293/ ب] هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق كما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس، ولم يذكروا فيه عن عائشة.
فإن قيل: أليس قد شج رأسه، وكسرت رباعيته، وأوذي بضروب من الأذى؟ قيل: معناه: يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك.
وقيل: نزل هذا بعد أن شج رأسه، لأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن.
وقيل: المعنى: والله يخصك بالعصمة من بين الناس لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم قاله البغوي (4).
(1) أخرجه أبو داود رقم (3591) والنسائي رقم (4733)، وهو حديث حسن.
(2)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3046)، وهو حديث حسن.
قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(8/ 569) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1173 رقم 6615) والحاكم (2/ 313) والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 8).
(3)
أي: الترمذي في "السنن"(5/ 252).
(4)
في "معالم السنن"(3/ 79).
8 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي إِذَا أَصَبْتُ اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ لِلنِّسَاءِ، وَأَخَذَتْنِي شَهْوَتِي فَحَرَّمْتُ عَلَيَّ اللَّحْمَ. فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية (1). أخرجهما الترمذي. [صحيح]
قوله في حديث ابن عباس إلى قوله: "حلالاً عنده. أخرجه الترمذي".
قلت: وقال (2): هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم من حديث عثمان بن سعد مرسلاً، ليس فيه عن ابن عباس، ورواه خالد الحذاء عن عكرمة مرسلاً.
9 -
عَنْ عبد الله بِن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية. قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَنْتَ مِنْهُمْ". أخرجه مسلم (3) وهذا لفظه، والترمذي (4). [صحيح]
قوله: "أنت منهم
…
أخرجه الترمذي" (5): وقال (6): هذا حديث حسن صحيح.
(1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3054) وهو حديث صحيح.
قلت: أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(8/ 613) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1186 رقم 6687) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (11981).
(2)
في "السنن"(5/ 256).
(3)
في "صحيحه" رقم (2459).
(4)
كذا في المخطوط، والذي في "جامع الأصول"(2/ 119)، وفي رواية الترمذي قال: قال عبد الله: لما نزلت: وقرأ الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت منهم".
(5)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3053)، وهو حديث صحيح.
(6)
في "السنن"(5/ 255).
10 -
وله في أخرى عن البراء رضي الله عنه قَالَ: مَاتَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَلَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَالَ رِجَالٌ: كَيْفَ بِأَصْحَابِنَا وَقَدْ مَاتُوا يَشْرُبونَ الْخَمْرَ؟ فَنَزَلَتْ الآيَة. صححه الترمذي (1). [صحيح]
11 -
وَعَنْ عُمَرَ بِن الخَطَّاب رضي الله عنه أنَّه قَالَ: اللهمَّ بَيَّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَاناً شَافِيَاً. فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} فَدُعي عُمَرُ رضي الله عنه فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: اللهمَّ! بَيَّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَاناً شَافِيَاً. فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية، فَدُعي عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللهمَّ! بَيَّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَاناً شَافِيَاً. فَنَزَلَتِ آيَةَ الْمَائِدَةِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} فَدُعيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: انْتَهَيْنَا .. انْتَهَيْنَا. أخرجه أصحاب السنن (2). [صحيح]
[قوله في حديث عمر: "فنزلت الآية التي في البقرة":
أقول: في الآية التصريح بأن الإثم الكبير في الخمر والميسر، فالإثم كله حرام، فكيف وقد وصف بالكبر؟! قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} (3) فكيف لم يفهم عمر والصحابة التحريم سيما من آية البقرة؟ ولا يقال: إنه لما قيل:
(1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3052) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3050) وأبو داود رقم (3670) والنسائي رقم (5540)، وهو حديث صحيح.
(3)
سورة الأعراف الآية: (33).
{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} دل على عدم التحريم، لأنا نقول: ما من محرم إلا وفيه منافع كالسرقة ونحوها، فلا أدري ما وجه عدم فهم التحريم من آية البقرة.
قوله: "فنزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} الآية".
أقول: هذا بيان مفاسدها:
الأولى: وهي: إيقاع العداوة والبغضاء بين أمر الله بالتواد والتحاب، وسماهم إخوة:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} .
والثانية: الصد عن ذكر الله الذي خلق الله له عباده، فإنه من العبادة التي قال فيها:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (1).
وقوله: "وعن الصلاة": من عطف الخاص على العام؛ لشرف الخاص، ولما بين تعالى المفاسد علموا تحريمهما وانتهوا عنهما.
وفيه [294/ ب]: أن النهي إذا قرن بذكر مفاسده كان أوقع في [](2) عنه كما أن الأمر إذا ذكرت مصلحة فله كان أدعى للنفوس إلى فعله.
وفيه: أن المناهي لا تكون إلا لما في المنهي عنه من المفاسد، وأن النهي للتحريم، وفيها تقديم دفع المفاسد على جلب المصالح فإنه صرح تعالى بأن فيهما منافع، وهي مصلحة لكن عارضتها مفاسد أهم منها.
(1) سورة الذاريات الآية: (56).
(2)
كلمة غير واضحة في المخطوط، ولعلها الإنزجار.
وفيه: تعليم العباد الاتصاف بالإنصاف [فإنه](1) تعالى ذكر منافعهما مع مفسدة إثمهما، ولم يقل: ليس فيها منفعة، فالعبد ينصف إن راجع خصمه، وتبين له في كلامه أو فعله من حسن وقبيح] (2).
قوله: "أخرجه أصحاب السنن":
قلت: قال الترمذي (3): "انتهينا .. انتهينا": مكررة. قال: وقد روي عن إسرائيل مرسلاً. انتهى.
وقال ابن الأثير (4): إن التكرير من رواية الترمذي، وأن عند أبي داود والنسائي:"انتهينا" مرة واحدة.
12 -
وَعَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرَ فَقَالَ:"لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَاّ بَيَّنْتهُ لَكُمْ". فَلَمَّا سَمِعَوا ذَلِكَ أَرَمُّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ. قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: فَجَعَلْتُ أَنْظُر يَمِينًا وَشِمَالاً، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ. فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله! مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". فَقَالَ عُمَرُ رَضِينَا بِالله رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبَّيَاً، نَعُوْذُ بِالله مِنْ الْفِتَنِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَا رَأَيْت فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنِّي صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهمَا دُونَ الْحَائِطِ".
(1) في (ب) فإنها.
(2)
ما بين الحاصرتين زيادة من (ب).
(3)
في "السنن"(5/ 253 - 254 رقم 3049).
(4)
في "جامع الأصول"(2/ 122).
أخرجه الشيخان (1) والترمذي (2). [صحيح]
وزاد فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عبيد الله بْنُ عبد الله بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عبد الله بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْد الله بْنِ حُذَافَةَ: مَا رَأَيْتُ أَعَقَّ مِنْكَ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا يُقَارِفُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَ عبد الله بْنُ حُذَافَةَ: وَالله! لَوْ أَلْحقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ.
"والإحفاء"(3): في السؤال الاستقصاء والإكثار.
"وأرَمَّ"(4): بفتح الهمزة والراء إذا أطرق ساكتاً من خوف.
"والرهبة": الخوف والفزع.
[قوله في حديث أنس: "حتى أحفوه في المسألة فصعد ذات يوم" كأن في الكلام طي إذ صعوده ذات يوم لا يلائم للإحفاء في المسألة.
قوله: "ارموا وارهبوا":
أقول: كذا في نسخ التيسير بواو العطف وفي "الجامع"(5) بحرف التخيير: "أو رهبوا".
قوله: "بين يدي أمر قد حضر":
(1) أخرجه البخاري رقم (93) وأطرافه (540، 749، 4621، 6362، 6468، 6486، 7089، 7090، 7294، 7295) ومسلم في "صحيحه" رقم (2359).
(2)
في "السنن" رقم (3056).
(3)
انظر "النهاية في غريب الحديث"(1/ 401).
(4)
انظر الفائق في غريب الحديث (3/ 183).
(5)
(2/ 124) والذي فيه (و) العطف وليس (أو).
أقول: كأنهم قرب وفاته صلى الله عليه وسلم ولذا لفوا رؤوسهم وبكوا، ولفظ البخاري:"فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين"(1). يروى بالحاء المهملة وبالمعجمة، وهو تردد البكاء بصوت أغن، وبوب له البخاري (2) باب: قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ، ذكره في التفسير (3)، وذكره في كتاب العلم (4).
قوله: "قال عمر":
قال ابن بطال (5): فهم [295/ ب] عمر أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك فقال: "رضينا بالله رباً
…
" إلى آخره] (6).
قوله: "أحفوه": بمهملة ثم فاء. أكثروا عليه المسألة حتى جعلوه كالحافي. كما يقال: أحفاه في السؤال إذا ألح عليه، ويأتي تفسيره.
قوله: "فقال رجل من أبي": في "فتح الباري"(7) في كتاب العلم (8) من البخاري: أن الرجل عبد الله بن حذافة، وفي رواية قيس بن حذافة، وورد أنه كان يطعن في نسبه، وقام آخر فقال: أين أبي؟ فقال: في الدار. وقام آخر فقال: يا رسول الله! الحج علينا في كل عام؟ فقال له
(1) قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 538): الخَنينُ: ضربٌ من البكاء دون الانتحاب، وأصل الخنين: خروج الصوت من الأنف، كالحنين من الفم. وانظر:"المجموع المغيث"(1/ 624).
(2)
في "صحيحه"(8/ 280 الباب رقم 12 - مع الفتح).
(3)
برقم (4621).
(4)
برقم (93).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 188).
(6)
ما بين الحاصرتين زيادة من (ب).
(7)
(1/ 188).
(8)
في الباب رقم (29 - مع "الفتح").
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعك وما يؤمنك أن أقول: نعم. والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم فاتركوني ما تركتكم" فأنزل الله الآية: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} .
قوله: "لو ألحقني بعبد أسود للحقته":
أقول: قد يقال: هذا لا يتصور لأن الزنا لا يثبت به النسب، وأجيب: بأنه لم يبلغه هذا الحكم، أو يقال: أنه يتصور الإلحاق بعبد وطئها بشبهة، فيثبت النسب.
قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي وزاد":
قلت: وقال (1): هذا حديث حسن صحيح غريب. انتهى.
قوله: "وقال ابن شهاب": ظاهره أنه من زيادة الترمذي، ولم أجدها فيه، بل قال ابن الأثير (2): وأخرج الترمذي منه طرفاً يسيراً.
قلت: هو ما ذكرناه نعم ابن الأثير [296/ ب] ساق قال ابن شهاب
…
: إلى آخره بمثل ما انفرد به الترمذي، فالإيهام جاء من سياق المصنف.
13 -
وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ. وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيءٌ. وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ الْبِكْرُ تبكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ، بِأُنْثَى ثُمَّ تُثَنِّى بِأُنْثَى، وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ. وَالْحَامِ: فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ، فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ وَسَمَّوْهُ الْحَامِ. قَالَ: وقَالَ أبو هُريْرَة رضي الله عنه: قَالَ رسول الله
(1) في "السنن" رقم (5/ 256).
(2)
في "جامع الأصول"(2/ 124).
- صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لحُيٍّ الخزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ" أخرجه الشيخان (1). [صحيح]
"والقصب"(2): واحد الأقصاب، وهي الأمعاء.
قوله: "وعن ابن المسيب":
قال أبو عبيدة (3): جعلها - أي: البحيرة - قوم من الشاء خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي: شقوها، وتركت فلا يمسها أحد.
وقال آخرون (4): بل البحيرة الناقة كذلك، وخلوا عنها فلا تركب ولا يضربها فحل.
وقوله: "ولا يحلبها أحد": هكذا أطلقه هنا. وقال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء، ويجعلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها، وفيها قول آخر.
قوله: "والسائبة":
قال أبو عبيدة (5): كانت السائبة من جميع الأنعام [75/ أ] وتكون نزوراً للأصنام فتسيب ولا تحبس عن مرعى، ولا يركبها أحد.
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4623) ومسلم في "صحيحه" رقم (2856).
(2)
قاله ابن الأثير في "جامع الأصول"(2/ 128).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 284).
(4)
انظر "النهاية في غريب الحديث"(1/ 106) غريب الحديث للخطابي (1/ 50).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 284).
قوله: "البحيرة":
أقول: هو تفسير لما في الآية. وروي أن أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع أذانهما وخرم أذانهما قال صلى الله عليه وسلم: "فرأيته في النار يخبطانه بأخفافها، ويقضمانه بأفواههما".
قوله: "البحيرة": في "الكشاف"(1): كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، بحروا أذنها، أي: شقوها وحرموا ركوبها، ولا تطرد عن مرعى، ولا ماء، وإذا لقيها المعيّي - أي: الذي قد أعياه السفر وأتعبه - لم يركبها، وكان يقول الرجل: إذا قدمت من سفري أو بريت من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها.
وقيل (2): كان [297/ ب] الرجل إذا أعتق العبد قال: هو سائبة فلا عقل ولا ميراث بينهما، وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، واذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمي ظهره، فلا يركب، ولا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء، ولا مرعى. انتهى.
ولابن الأثير في "غريب الجامع"(3) نفسير غير هذا اكتفينا بالإشارة إليه عن نقله إلا أنه لم يفسر الوصيلة فيه، وفسرها في "النهاية" (4): بأنها الشاة إذا ولدت ستة أبطن اثنين اثنين،
(1)(2/ 303 - 304).
(2)
قاله الزمخشري في "الكشاف"(2/ 303).
(3)
في "جامع الأصول"(2/ 127 - 128).
(4)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 854).
وولدت في السابعة ذكراً وأنثى، قالوا: وصلت أخاها فأحلوا لبنها للرجال وحرموه على النساء، ثم ذكر تفسير آخر بلفظ: قيل (1): والكل غير ما في "الكشاف"، والله أعلم.
[قوله في حديث ابن المسيب: "رأيت عمرو بن عامر":
أقول: كان عمرو بن عامر الخزاعي] (2) أول من أدخل الأصنام الحرم، وحمل الناس على عبادتها، وكانت العرب قد جعلته رباً لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة؛ لأنه كان يطعم الناس ويكسوهم في الموسم، وربما نحر عشرة آلاف بدنه وكسا عشرة آلاف حلة، وكان يلت السويق على صخرة معروفة تسمى: صخرة اللات، ويقال: إن الذي كان يلت من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو: إنه لم يمت، ولكن دخل الصخرة فأمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتاً يسمى اللات.
ويقال: إنه أقام أمره وأمر ولده على هذا ثلاثمائة سنة بمكة فلما مات سميت تلك الصخرة اللات، محففة التاء وأعدت فيما يعبد.
14 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَني سَهْمٍ مَعَ تميمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَميمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْليَائِهِ فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وإنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. قَالَ: وَفِيهِمْ
(1) قال ابن الأثير في "غريب الحديث"(2/ 854)، وقيل: إن كان السابع ذكراً ذبح وأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها، ولم تذبح، وكان لبنها حراماً على النساء.
(2)
في (ب) قوله: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي.
نَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية". أخرجه البخاري (1)، وأبو داود (2)، والترمذي (3). [صحيح]
"والجام" الإناء "وتخويصه" أن تجعل عليه صفائح من ذهب كخوص النخل.
قوله في حديث ابن عباس: "مع تميم الداري".
أقول: هو تميم بن أوس (4) بن خارجة السبائي أبو رقية، له رواية، ولا يعرف لعدي (5) بن بداء إسلام. قاله الكاشغري [298/ ب].
قوله: "وفيهم نزلت: (يا أيها الذين آمنوا) ".
أقول: كان نزولها سنة عشر كما ذكر العامري في البهجة (6)] (7)[76/ أ].
قوله: "وعن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم
…
" إلى آخره.
هذا الحديث من مراسيل ابن عباس، لأنه لم يحضر القصة، وقد جاء في بعض الطرق أنه رواها عن تميم، بيّن ذلك الكلبي.
(1) في صحيحه رقم (2780).
(2)
في "السنن" رقم (3606).
(3)
في "السنن" رقم (3060).
(4)
انظر: "الإصابة"(1/ 487 رقم 838)، "تهذيب التهذيب"(4/ 212)"الكاشف"(1/ 167).
(5)
انظر: "فتح الباري"(5/ 411).
(6)
في "بهجة الحافل"(2/ 83 - 84).
(7)
من بين الحاصرتين في (أ) متقدم بصفحة وموضعه هنا كما في (ب).
من قوله: قوله: وعن ابن المسيب
…
إلى قوله: في البهجة.
قوله: "والرجل".
هو: بُديل - بضم الباء فدال مهملة فمثناة تحتية مصغر بدل - ابن أبي مارية السهمي مولى عمرو بن العاص.
وفي الترمذي (1): يقال له: بديل بن أبي مريم، والكاشغري: بديل هو ابن أبي مارية. وقيل: بزيل، بالزاي.
قوله: "فقام رجلان".
هما: عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان.
15 -
وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُنْزِلَتِ المَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ خُبْزًا وَلحْمًا، فَأُمِرُوا أَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ، فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا لِغَدٍ، فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ". أخرجه الترمذي (2). [سنده ضعيف]
قوله في حديث عمار: "أخرجه الترمذي":
قلت: وساقه بأطول مما ساقه "المصنف" من حديث ابن عباس عن تميم الداري قال (3): هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو نصر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث هو عند ابن الكلبي سمعت محمد بن سعيد يقول: محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النصر، وقد تركه أهل العلم، ولا يعرف لسالم أبي النصر المدني رواة عن أبي صالح مولى أم هانئ.
(1) في "السنن"(5/ 28) الحديث رقم (3059).
(2)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3061) بسند ضعيف.
قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(9/ 128) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1245 رقم (7022).
(3)
أي: في "السنن"(5/ 259).