المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأخرج الطيالسي (1)، والطبراني (2)، وأبو الشيخ (3)، وابن مردويه - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٢

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: في أسباب النزول

- ‌(فاتحة الكتاب)

- ‌(سورة البقرة)

- ‌(سورة آل عمران)

- ‌(سورة النساء)

- ‌سورة المائدة

- ‌(سورة الأنعام)

- ‌(سورة الأعراف)

- ‌(سورة الأنفال)

- ‌(سورة براءة)

- ‌(سورة يونس)

- ‌(سورة هود)

- ‌(سورة يوسف)

- ‌(سورة الرعد)

- ‌(سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌(سورة الحجر)

- ‌(سورة النحل)

- ‌(سورة بني إسرائيل)

- ‌(سورة الكهف)

- ‌(سورة مريم)

- ‌(سورة الحج)

- ‌(سورة قد أفلح)

- ‌(سورة النور)

- ‌(سورة الفرقان)

- ‌(سورة الشعراء)

- ‌(سورة النمل)

- ‌(سورة القصص)

- ‌(سورة العنكبوت)

- ‌(سورة الروم)

- ‌(سورة لقمان عليه السلام

- ‌(سورة السجدة)

- ‌(سورة الأحزاب)

- ‌(سورة سبأ)

- ‌(سورة فاطر)

- ‌(سورة يس)

- ‌(سورة الصافات)

- ‌(سورة ص)

- ‌(سورة الزمر)

- ‌(سورة حم المؤمن)

- ‌(سورة حم السجدة

- ‌(سورة حم عسق

- ‌(سورة الزخرف)

- ‌(سورة الدخان)

- ‌(سورة حم الأحقاف)

- ‌(سورة الفتح)

- ‌(سورة الحجرات)

- ‌(سورة ق)

- ‌(سورة والذاريات)

- ‌(سورة والطور)

- ‌(سورة النجم)

- ‌(سورة القمر)

- ‌(سورة الواقعة)

- ‌(سورة الحديد)

- ‌(سورة المجادلة)

- ‌(سورة الحشر)

- ‌(سورة الممتحنة)

- ‌(سورة الصف)

- ‌(سورة الجمعة)

- ‌(سورة المنافقين)

- ‌(سورة التغابن)

- ‌(سورة الطلاق)

- ‌(سورة التحريم)

- ‌(سورة الملك)

- ‌(سورة "ن

- ‌(سورة نوح عليه السلام

- ‌(سورة الجن)

- ‌(سورة المزمل)

- ‌(سورة المدثر)

- ‌(سورة القيامة)

- ‌(سورة والمرسلات)

- ‌(سورة عم)

- ‌(سورة كورت)

- ‌(سورة المطففين)

- ‌(سورة انشقت)

- ‌(سورة سبح [اسم ربك الأعلى

- ‌(سورة الفجر)

- ‌(سورة الشمس)

- ‌(سورة الليل)

- ‌(سورة والضحى)

- ‌(سورة اقرأ)

- ‌(سورة القدر)

- ‌(سورة الزلزلة)

- ‌(سورة التكاثر)

- ‌(سورة أرأيت)

- ‌(سورة الكوثر)

- ‌(سورة النصر)

- ‌(سورة الإخلاص)

- ‌(سورة المعوذتين)

- ‌كتاب: تلاوة القرآن وقراءته

- ‌الباب الأول: (في التلاوة)

- ‌الفصل الأول: في الحث عليها

- ‌[الفصل الثاني: في آداب التلاوة

- ‌[الفصل الثالث: في تحزيب القرآن وأوراده

- ‌الباب الثاني: في القراءات

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من القراءات مفصلاً

- ‌كتاب: تأليف القرآن [وترتيبه وجمعه

- ‌كتاب: التوبة

- ‌كتاب: تعبير الرؤيا

- ‌الفصل الأول: في ذكر الرؤيا وآدابها

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من الرؤيا المفسرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

- ‌كتاب: التفليس

- ‌كتاب: [تمني الموت

- ‌حرف الثاء [

- ‌[كتاب: الثناء والشكر]

الفصل: وأخرج الطيالسي (1)، والطبراني (2)، وأبو الشيخ (3)، وابن مردويه

وأخرج الطيالسي (1)، والطبراني (2)، وأبو الشيخ (3)، وابن مردويه (3)، عن ابن عباس قال:"آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وورث بعضهم من بعض، حتى نزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وتوارثوا بالنسب".

وأخرج ابن أبي حاتم (4)، عن سعيد بن جبير في قوله:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ} الآية، قال: نسخت هذه الآية ما كان قبلها من مواريث العقد والحلف والمواريث بالهجرة، وصارت لذوي الأرحام [83/ أ].

وأما حديث ابن عباس، فإنه أفاد أنه كان لا توارث بين الأعرابي والمهاجر، وهي غير هذه الصور فإنها صورة خاصة، وهي أن سكان البادية لا يرثون المهاجر [320/ ب].

(سورة براءة)

1 -

عَن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى "الأَنْفَالِ" وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ؟ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يَنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيءٌ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُولُ:"ضَعُوا هَذِهِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا" فَإِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذهِ هَؤُلَاءِ الآيةِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا". وَكَانَتِ الأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولَاً، وَكَانَتْ

(1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 118).

(2)

في "المعجم الكبير" رقم (11748) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 28) ورجاله رجال الصحيح.

(3)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 118).

(4)

في تفسيره (5/ 1743 رقم 9208).

ص: 164

قِصَّتُهَا شَبِيهَةٍ بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ سَطْراً بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهاَ فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ. أخرجه أبو داود (1) والترمذي (2)، ولم يذكر أبو داود: فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا. [ضعيف]

قوله: "وهي من المثاني".

أقول: قسموا (3) القرآن إلى طول ومثاني ومئين ومفصل، فالطول سبع من البقرة إلى آخر براءة، ثم المئين، وهي للسورة التي فيها المائة ونحوها، ثم المثاني سميت بذلك؛ لأنها ثنت المائين، أي: أتت بعدها، فالأنفال منها؛ لأنها سبع وسبعون آية، والمفصل من سورة القتال أو الحجرات أوقاف إلى آخره، وسؤال ابن عباس اشتمل على ثلاثة أشياء الأول: تقديم الأنفال على براءة، والثاني: لم قرن بينهما، والثالث: لِم لم يكتب البسملة بينهما. الرابع: لم وصفوها في سبع الطوال.

قوله: "في السبع الطول".

لفظ الترمذي (4) في سبع الطِّول، وهو الأولى على غير رأي الكوفيين.

قول عثمان: "كان رسول الله".

أقول: الأمران اللذان ذكرهما عثمان يشعرا إنما الفرق بينهما أنها تنزل الآيات فيأمر بوضعها [في السورة](5) أو الآية الواحدة، فكذلك، إلا أن قوله السور ذوات العدد يشعر بأنها تنزل السورة جميعها، فيقال ضعوها في السورة، وهذا لا يتم؛ لأن كل سورة منفصلة عن

(1) في "السنن" رقم (786) و (787).

(2)

في "السنن" رقم (3086). وهو حديث ضعيف.

(3)

انظر: "الإتقان"(1/ 61 - 62).

(4)

في "السنن"(5/ 272 رقم 3086).

(5)

زيادة من (ب).

ص: 165

الأخرى، فكأنه على حذف مضاف، أي: ضعوها بجنب السورة التي يذكر فيها، وأما الآية الواحدة فيأمر بوضعها في السورة الفلانية.

وفيه (1) دليل [321/ ب] على أن ترتيب الآيات غير توقيفي (2) لقوله: ضعوها في السورة، ولم يبين موضع وضعها.

قوله: "فظننت أنها منها" هو رد لقول ابن عباس أنها من المثاني وغيره من الأسئلة؛ لأنها مبنية على أن الأنفال سورة مستقلة، وعثمان أجاب بأنه ظنها بعضاً من براءة.

(1) وهو حديث ضعيف لا تقوم به الحجة التي ذهب إليها ابن الأمير، بل ترتيب الآيات توقيفي.

(2)

قال السيوطي في "الإتقان"(1/ 60) الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في "البرهان" - (1/ 353) وأبو جعفر بن الزبير في "مناسباته" وعبارته ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم، وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين، وقال الزرقاني في "مناهل العرفان"(1/ 346) انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف، كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، بل كان جبريل ينزل بالآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها، ثم يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم السورة التي تكون فيها الآية وموضع الآية من هذه السورة وكان يتلوه عليهم مراراً وتكراراً في صلاته وعظاته وفي حكمه وأحكامه، وكان يعارض جبريل كل عام مرة، وعارضه به في العام الأخير مرتين، كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف، وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئاً منه من الصحابة حفظه الآيات على هذا النمط، وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع يتدارسونه فيما بينهم، ويقرؤونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض، ويسمعه بعضه من بعض، بالترتيب القائم الآن، فليس لواحدٍ من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم، بل الجمع الذي كان على عهد أبي بكر لم يتجاوز نقل القرآن من العسب واللخاف وغيرها في صحف، والجمع الذي كان على عهد عثمان لم يتجاوز نقله من الصحف في مصاحف، وكلا هذين كان وفق الترتيب المخطوط المستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، أجل انعقد الإجماع على ذلك تاماً لا ريب فيه.

ص: 166

قوله: "من آخر القرآن نزولاً".

أقول: قال الحافظ في "الفتح (1) ": المراد بعضها أو معظمها، وإلا ففيها آيات كثيرة قبل سنة الوفاة النبوية، وأوضح من ذلك أن أول براءة نزلت عند فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر، وقد نزلت:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهي في سورة المائدة سنة عشر في حجة الوداع، فالظاهر أن المراد معظمها ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك، وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في تفسير:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} أنها آخر سورة نزلت، واذكر الجمع هناك. انتهى.

قوله: "ووضعتها في السبع الطوال".

أقول: عبارة (2) الترمذي بحذف (3) لام السبع كما تقدم، وفيه دليل أنه اجتهاد من عثمان وظن، وأن ترتيب بعض السور غير توقيفي.

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: وقال (4): هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس، ويزيد الفارسي هو من التابعين من أهل البصرة، ويزيد بن أبان الرقاشي من أهل البصرة، هو أصغر من يزيد الفارسي، ويزيد الرقاشي إنما يروي عن أنس. انتهى.

2 -

وَعَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: [بَلْ](5) هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ إِلَاّ ذُكِرَ فِيهَا. قَالَ

(1)(8/ 316 - 317).

(2)

في "السنن"(5/ 272 رقم 3086).

(3)

وليس فيه ما أشار إليه ابن الأمير.

(4)

في "السنن"(5/ 273).

(5)

سقط من المخطوط.

ص: 167

قُلْتُ سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. قَالَ: قُلْتُ فَالْحَشْرُ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ. أخرجه الشيخان (1). [صحيح]

3 -

وفي أخرى (2) قال: قُلْتُ سُوْرَةُ الْحَشْرُ؟ قَالَ: بَلْ سُوْرةُ النَّضِيرِ. [صحيح]

قوله: "وعن ابن جبير".

أقول: أي: سعيد التابعي المعروف.

وقوله: "سورة التوبة (3) " سميت بذلك لذكر الله تعالى فيها توبته على النبي والمهاجرين والأنصار، والثلاثة الذين خلفوا، وهي تسمى به.

فقول ابن عباس: "بل هي الفاضحة (4) " بيان لاسم ثان لها، وفي كلام ابن عباس دليل على أن أسماء [322/ ب] السور ليس (5) بتوقيف إذ لو كانت أسمائها [توقيفية](6) لما جاز أن يعدل عن اسم سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم به إلى غيره كما لا يخفى.

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4882) ومسلم رقم (3031).

(2)

أخرجها البخاري في صحيحه رقم (4883).

(3)

اشتهرت هذه السورة باسم سورة التوبة وبذلك كتبت في أكثر المصاحف، وكتب التفسير والسنة، وقد وردت تسميتها في كلام الصحابة رضوان الله عليهم. وهي من الأسماء التوقيفية لهذه السورة.

(4)

وهي من الأسماء الاجتهادية لهذه السورة. انظر "الإتقان"(1/ 173).

وقد وردت هذه التسمية في كتب التفسير: كتفسير الماوردي، والزمخشري، وابن عطية وابن الجوزي، والرازي، والقرطبي، والنسفي، والكلبي، والبيضاوي وغيرهم.

(5)

بل بعضها توقيفي مثل: التوبة براءة، وبعضها اجتهادي كالفاضحة، سورة العذاب، سورة المقشقشة، سورة البحوث، سورة المنفرة.

(6)

في الأصل بياض ولعلها ما أثبتناه.

ص: 168

وقال البيضاوي (1): لها أسماء وعدَّ لها ثلاثة عشر اسماً، أخّر منها المقشقشة [البحوث](2) والمبعثرة، والمبيرة، والحاضرة، والمنكلة، والمخزية، والفاضحة، والمدمدمة، والمشردة، وسورة العذاب، فالقشقشه من النفاق، وهو التبري منه والبحث عن أحوال المنافقين وإثارتها، والحفر عنها، وما يخزيهم ويفضحهم وينكلهم ويشردهم ويدمدم عليهم. انتهى.

قلت: تعدد هذه الأسماء يشعرك أن أسماء (3) السور ليست كلها توقيفية.

4 -

وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ أَبَا بَكْر رضي الله عنه: بعثه في الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذَّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ،

(1) في تفسيره (1/ 394).

(2)

في (ب) والمبحوثة.

(3)

قال السيوطي في "الإتقان"(1/ 166) وقد ثبت أن جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك.

وقال الزركشي في "البرهان"(1/ 270): ينبغي البحث عن تعداد الأسامي، هل هو توقيفي أو بما يظهر من المناسبات؟ فإن كان الثاني فلن يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسمائها وهو بعيد.

فالزركشي يرى ومن خلال النص المتقدم أن أسماء السور توقيفية حتى لو تعددت أسماؤها، بينما يرى السيوطي أن الاسم الذي عرفت واشتهرت به السورة هو المراد بالتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أما بقية الأسماء، فقد ورد تسميتها عن بعض الصحابة.

انظر "التحبير في علم التفسير"(ص 369)"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 375)"الاتقان"(1/ 172 - 173).

ص: 169

وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعَلِيٍّ بن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبراءَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءةَ، أَنْ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ (1).

5 -

وفي رواية (2): "وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ الأَكبَرُ الْحَجُّ، [وَإِنَّمَا قِيلَ: الْحَجُّ الأَكبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ: الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الأَصْغَرُ. قَالَ: فَنبَذَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمْ يَحُجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ مُشْرِكٌ، فَأنْزَلَ الله تَعَالَى فِي الْعَامِ الَّذِي نبَذَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ] (3) [فَلا يَقْرُبوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهم هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ)) الآيَة، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُوَافُونَ بِالتِّجَارَةِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، فَلَمَّا حَرَّمَ الله تَعَالَى عَلى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قُطِعَ عَلَيْهِمْ مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُوَافُونَ بِهَا، فَقَالَ الله تَعَالَى:(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ)) ثُمَّ أَحَلَّ فِي الآيَةِ الَّتِي تَتْبَعُهَا الْجِزْيَةَ وَلَمْ تَكُنْ تُؤْخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَعَلَهَا عِوَضًا مِمَّا مَنَعَهُمْ مِنْ مُوَافَاةِ الْمُشْرِكِينَ بِالتِّجَارَةِ. فَقَالَ الله - عزوجل -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآيَةَ، فَلَمَّا أَحَلَّ الله ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلِمُوا أَنْ قَدْ

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (369، 1622، 3177، 4363، 4655، 4656، 4657) ومسلم في "صحيحه" رقم (435/ 1347) والنسائي رقم (2957، 2958).

(2)

أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (1946).

وأخرجه البخاري رقم (3177) ومسلم رقم (1347) والنسائي رقم (2957) و (2958).

(3)

ما بين الحاصرتين ليست في البخاري ومسلم، وإنما ذكرها السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 127) ونسبها إلى البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن مردويه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 170

عَاضَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا خَافُوا، وَوَجَدُوا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُوَافُونَ بِهِ مِنَ التِّجَارَةِ] (1) ". أخرجه الخمسة إلا الترمذي.

6 -

وَفِي أُخْرَى للنِّسَائِي (2) رحمه الله: قَالَ أَبو هُرَيْرَة رضي الله عنه: "جِئْتُ مَعَ عِليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبرَاءَةَ قِيلَ مَا كُنْتُمْ تُنَادُونَ؟ قَالَ: كُنَّا نُنَادِي: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَاّ نَفْسٌ مُؤْمِنةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَوْ أَمَدُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَرَسُولُهُ وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي أَيْ بُحَّ". [صحيح]

قوله: "بأن أبا بكر بعثه".

أقول: قال الطحاوي (3): هذا مشكل؛ لأن علياً عليه السلام هو المأمور بالتأذين، فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة.

وأجيب بأن أبا بكر كان أمير الناس في هذه الحجة، وعلي له التأذين خاصة ولم يطقه وحده، واحتاج إلى من يعينه على ذلك، فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه.

قوله: "يؤذنون".

أقول: التأذين: الإعلام، وقد سمي ممن كان مع أبي بكر في تلك الحجة سعد بن أبي وقاص وجابر.

(1) هذا الجزء من الحديث، أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1777 رقم 10020) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 167) لابن أبي حاتم، وابن مردويه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

في "السنن" رقم (2958) وهو حديث صحيح.

قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 313 - 314) وأحمد في "المسند"(13، 356).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 225).

ص: 171

قوله: "ولا يطوف بالبيت عريان".

أقول: قال الحافظ في "الفتح (1) ": روى سعيد بن منصور (2)، والترمذي (3)، والنسائي (4)، والطبري (5)، من طريق أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع قال: سألت علياً بأي شيء بعثت؟ قال: بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلم ومشرك في الحج بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر. انتهى.

وظاهره أنه كان [323/ ب] يؤذن بهذه الكلمات ويأتي بعضها في الحديث قريباً.

قوله: "ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب".

أقول: قال العلماء (6): الحكمة في ذلك - أي: في تخصيص علي بالأذان - أن عادة العرب جرت أن لا ينقض العهد إلا من عقده، أو من هو منه بسبيل من أهل بيته، فأجراهم على عادتهم في ذلك.

قوله: "ولا يحج بعد العام مشرك"[84/ أ].

أقول: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فالآية صريحة في منعهم عن دخول المسجد الحرام، ولو لم يقصدوا الحج، لكن

(1)(8/ 319).

(2)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 125).

(3)

في "السنن" رقم (871، 3092).

(4)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 125).

(5)

في "جامع البيان"(11/ 315) وهو حديث صحيح.

(6)

ذكره الحافظ في "فتح الباري"(8/ 321).

ص: 172

لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه، فيكون ما وراءه بالأولى في المنع، والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله.

قوله: "وكان المشركون يوافون بالتجارة".

أقول: أي يأتون بها إلى مكة، إذ هي بلدة رزقها مجلوب من غيرها كما قال الخليل:{إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (1). وانقطاع المشركين عنهم سبب خوفهم العيلة، فوعدهم الله بالغنى من فضله إن شاء. [324/ ب].

وقوله: "وفي رواية: يوم الحج الأكبر يوم النحر".

قال الحافظ في "الفتح (2) ": قوله: "ويوم الحج الأكبر يوم النحر" هو قول حميد بن عبد الرحمن، استنبطه من قول الله:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} ومن مناداة أبي هريرة بذلك بأمر أبي بكر يوم النحر، فدل على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر، ورواية شعيب توهم أن ذلك فيما نادى به أبو هريرة، وليس كذلك، فقد تظافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان ينادي به هو ومن معه من قبل أبي بكر شيئان: منع حج المشركين، ومنع طواف العريان، وأن علياً أيضاً كان ينادي بهما، وكان يزيد: من كان له عهد فعهده إلى مدته، وأنه لا يدخل الجنة إلا مسلم.

قوله: "وإنما قيل: الحج الأكبر

" إلى آخره.

(1) سورة إبراهيم الآية 37.

(2)

(8/ 321).

ص: 173

أقول: في حديث ابن عمر عند أبي داود (1) رفعه وأصله في الصحيح (2)، أنه صلى الله عليه وسلم قال:"أي يوم هذا؟ " قالوا: هذا يوم النحر. قال: "هذا يوم الحج الأكبر".

قوله: "من أجل قول الناس: العمرة الحج الأصغر".

أقول: في "الفتح (3) ": واختلف في المراد بالحج الأصغر، فالجمهور على أنه العمرة، وجعله الطبري (4) عن جماعة من التابعين. [325/ ب].

وعن مجاهد (5): الحج الأكبر القران، والأصغر الإفراد.

وقيل (6): يوم الحج الأصغر يوم عرفة، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وذكر أقوالاً أخر.

قوله: "فنبذ أبو بكر".

أقول: قال الحافظ (7): هو مرسل من قول حميد بن عبد الرحمن، والمراد أن أبا بكر أفصح لهم بذلك.

قوله: "حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة".

(1) في "السنن" رقم (1945) وهو حديث صحيح.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1742) معلقاً.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3058) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1748 رقم 9227).

(3)

(8/ 321).

(4)

في "جامع البيان"(11/ 338 - 340).

(5)

أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 338).

(6)

انظر "معالم التنزيل"(4/ 12 - 14). "جامع البيان"(11/ 235 - 237).

(7)

في "الفتح"(8/ 321).

ص: 174

أقول: قال الحافظ (1): فيه تجوز؛ لأنه أمر أن يؤذن ببضع وثلاثين آية منها منتهاها عند قوله تعالى: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} ، ثم ساق روايات منها:"أنه صلى الله عليه وسلم بعثه بثلاثين أو أربعين (2) " وفيها عن علي عليه السلام روايتان أنه بعثه بأربعين (3) آية.

قوله: "فأجله أو أمده".

أقول: شك من الراوي واستدل بهذا على أن قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} مختص بمن لم يكن له عهداً أصلاً، وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته، وظاهره، ولو كانت زائدة على أربعة أشهر، وقد روى الطبري (4) عن أبي إسحاق أنهم صنفان:

صنف: كان له عهد دون أربعة أشهر، فأمهل تمام أربعة.

وصنف: كانت مدة عهده بغير أجل، فقصرت على أربعة أشهر.

وروي أيضاً عن ابن عباس (5): أن الأربعة الأشهر أجل من كان له عهد مؤقت وقدره يزيد عليها، وأن من ليس له عهد فانقضاؤه في سلخ المحرم، لقوله:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية، والأربعة الأشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم؛ لأنها نزلت في شوال.

(1)(8/ 319).

(2)

أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 309).

(3)

أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(1/ 321 - 322).

(4)

في "جامع البيان"(11/ 304 - 305).

(5)

أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 306 - 307).

ص: 175

وقيل (1): هي عشرون من ذي الحجة ومحرم، وصفر، وربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر؛ لأن التبليغ كان في يوم النحر قام علي عليه السلام عند [327/ ب] جمرة العقبة فقال: أيها الناس! إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم. قالوا: بماذا؛ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية، أي: من أول براءة ثم قال: أمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده.

7 -

وَعَن (2) عَليّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، فَقَالَ يَوْمُ النَّحْرِ" وروى (3) موقوفاً عليه وهو أصح. [صحيح]

8 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فِيْهَا،. فَقَالَ:"أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " فقَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ. فَقَالَ: "هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ". أخرجه أبو داود (4). [صحيح]

قوله في حديث ابن عمر: "أخرجه أبو داود".

أقول: وقال المنذري (5): وأخرجه ابن ماجه (6) والبخاري (7) تعليقاً.

(1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1746) وابن جرير في "جامع البيان"(11/ 308) عن السدي.

وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 265) وابن جرير في "جامع البيان"(11/ 309) عن قتادة.

(2)

في "السنن" رقم (957، 3088) وهو حديث صحيح.

(3)

أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (958 - 3089).

(4)

في "السنن" رقم (1945) وهو حديث صحيح.

(5)

في "المختصر"(2/ 406).

(6)

في "السنن" رقم (3058).

(7)

في "صحيحه" رقم (1742).

ص: 176

9 -

وعن ابن أبي أوفى (1) رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرُ يَوْمُ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ تُهْرَاقُ فِيْهِ الدِّمَاءُ، وَيُوضَعُ فِيْهِ الشَّعْرُ، وَيُقْضَى فيهِ التَّفَثُ، وَيَحِلُّ فِيْهِ الْحَرَامً. أخرجه رزين رحمه الله.

"وَقَضَاءُ التّفَثِ (2) " هو إذهاب الشعر والدرن والوسخ.

قوله في حديث ابن أبي أوفى: "أخرجه رزين".

أقول: قد عرفناك ما في هذا غير مرة. وابن الأثير (3) بيض له على قاعدته وفي "الدر المنثور (4) " أنه أخرجه عبد الرزاق، (5) وسعيد (6) بن منصور، وابن أبي شيبة (7)، وابن جرير (8)، وأبو الشيخ (9)، إلا أنه ليس فيه "ويقضي فيه التفث".

10 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ مِنْ عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ بَعَثَ أَبا بَكْرٍ رضي الله عنه عَلى الْحَجِّ فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْعَرْجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ ثُمَّ اسْتَوَى لِيُكَبَّرَ فَسَمِعَ الرُّغْوَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَوَقَفَ عَلَى التَّكْبِيرِ فَقَالَ هَذِهِ رُغْوَةُ نَاقَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْجَدْعَاءِ؛ لَقَدْ بَدَا

(1) انظر "جامع البيان"(11/ 325 - 326).

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 191): التفث: هو ما يفعله المحرم بالحج إذا حلَّ كقص الشارب والأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة وقيل: هو إذهاب الشعث والدرن والوسخ مطلقاً، وانظر "الفائق" للزمخشري (3/ 28).

(3)

في "جامع الأصول"(2/ 157).

(4)

(4/ 128).

(5)

في تفسيره (1/ 268).

(6)

في سننه (1007 - تفسير).

(7)

في مصنفه القسم الأول من الجزء الرابع (439 - 440).

(8)

في "جامع البيان"(11/ 327).

(9)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 128).

ص: 177

لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجِّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَنُصَلّيَ مَعَهُ فَإِذَا عَليٌّ رضي الله عنه عَلَيْهَا - فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَمِيرٌ أَمْ رَسُولٌ؟ فَقَالَ لَا، بَلْ رَسُولٌ أَرْسَلني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِبَرَاءَةَ أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاسِ فِي مَوَاقِفِ الْحَجِّ؛ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ قَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ كيْفَ يَنْفِرُونَ وَكَيْفَ يَرْمُونَ فَعَلّمَهُمْ مَنَاسِكِهِمْ حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَامَ عَلِيٌّ كَرَّمَ الله وَجْهَهُ فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ كَانَ يَوْمُ النَّحْر فَأَفَضْنَا فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ عَنْ إِفَاضَتْهِمِ وَعَنْ نَحْرِهِمْ وَعَنْ مَنَاسِكِهِمْ، فَلَما فَرَغَ قَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ الأَوَّلُ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ يَنْفِرُونَ وَكيْفَ يَرْمُونَ فَعَلَّمَهُمْ مَنَاسِكَهُمْ فَلَّمَا فَرَغَ قَامَ عَليٌّ رضي الله عنه فَقَرَأَ بَرَاءةَ عَلَى النَاسِ حَتَّى خَتَمَهَا". أخرجه النسائي (1). [إسناده ضعيف]

قوله في حديث جابر: "لما رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر".

أقول: الجعرانة: بفتح الجيم، وقد تكسر العين وتشدد الراء [85/ أ] قال الشافعي (2): والتشديد خطأ موضع بين مكة والطائف سميت بريطة بنت سعد وكانت تلعب بالجعرانة، وهي المراد بقوله تعالى:{كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} قاله [في](3) القاموس (4).

وقد اعتمر صلى الله عليه وسلم منها عند رجوعه من حرب هوازن والطائف، وذلك في شوال من عام الفتح في السنة الثامنة، إلا أنه قال الحافظ في "الفتح" (5): اتفقت الروايات أن حجة أبي بكر في التاسعة.

(1) في "السنن" رقم (2993) بإسناد ضعيف

(2)

انظر: "البيان" للعمراني (4/ 309 - 310).

(3)

زيادة يستلزمها السياق.

(4)

"القاموس المحيط"(ص 467). وانظر "النهاية في غريب الحديث"(1/ 269).

(5)

(8/ 322).

ص: 178

وقال ابن كثير (1): في هذه الرواية [327/ ب] يريد رواية (2) جابر: غير أنه من جهة أن الأمير عام الجعرانة كان عتاب بن أسيد، وأما حجة أبي بكر فكانت في التاسعة.

قال ابن حجر (3): يمكن رفع الإشكال بأن المراد بقوله: "ثم أمر أبا بكر" أي: بعد أن رجع إلى المدينة وطوى ذكر من ولي الحج لسنة ثمان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من العمرة إلى الجعرانة توجه هو ومن معه إلى المدينة، إلى أن جاء أوان الحج، فأمر أبا بكر على الحج وذلك سنة تسع، وليس المراد أنه أمر أبا بكر أن يحج في السنة التي كانت فيها عمرة الجعرانة.

قوله: "بالعرج (4) ".

أقول:- بفتح العين المهملة وسكون الراء - منزل بطريق مكة منه عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجي الشاعر.

قوله: "ثوب بالصبح".

(1) في تفسيره (7/ 139) حيث قال: وقال عبد الرزاق بن معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم زمن حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر، قال أبو هريرة: ثم اتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم علياً وأقره أن يؤذن ببراءة، وأبو بكر على الموسم كما هو أو قال: على هيئته.

ثم قال ابن كثير: وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد، فأما أبو بكر إنما كان أميراً سنة تسع.

(2)

بل من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، انظر ما تقدم، و"فتح الباري"(8/ 322).

(3)

في "الفتح"(8/ 322).

(4)

قاله ابن الأثير في "جامع الأصول"(2/ 158)، وانظر:"النهاية في غريب الحديث"(2/ 179).

ص: 179

أقول: أي: أبو بكر، والمراد أقام الصلاة، وهو مغير صيغة أي: وقع التثويب بها ففي القاموس (1): التثويب: الدعاء إلى الصلاة أو تثنية الدعاء، أو أن يقول في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين، والإقامة والصلاة بعد الفريضة. انتهى.

والقرينة هنا: أن أريد الإقامة قوله: ليكبر، أي: تكبيرة الإحرام.

قوله: "الرغوة (2) ".

أقول: مصدر رغا البعير صوت.

قوله: "الجدعاء (3) ".

أقول: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة فعين كذلك هي المقطوعة الأذن، قيل: ولم تكن مقطوعة الأذن، وإنما كان هذا اسماً لها.

قوله: "قبل التروية" هو الثامن من ذي الحجة، تقدم وجه تسميته بذلك.

قوله: "فقرأ على الناس سورة براءة حتى ختمها".

أقول: تقدم القدر [328/ ب] الذي قرأه من أوائلها، وفي مسند أحمد (4):"لما نزلت عشر آيات من براءة بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة" وقد قدمنا رواية

(1)"القاموس المحيط"(ص 81).

(2)

انظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 230)"النهاية في غريب الحديث"(1/ 670).

(3)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 242).

(4)

في "المسند"(1/ 151 - زوائد المسند).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 29) وقال رواه عبد الله بن أحمد، وفيه محمد بن جابر السحيمي، وهو ضعيف وقد وثق.

ص: 180

انها ثلاثون آية أو أربعون، والمراد بختمها ختم الآيات التي أرسل بها، قال الحافظ (1): كان علي عليه السلام يقرأها في المواطن الثلاثة.

11 -

وَعَنْ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ يعني: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)} إِلَاّ ثَلَاثَةٌ، وَمَا بَقِيَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَاّ أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ تُخْبِرُونَا أَخْبَارَاً لَا نَدْرِي مَا هِيَ، تَزْعُمُونَ أَنْ لَا مُنَافِقَ إلا أربعة، فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ، أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَاّ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. أخرجه البخاري (2). [صحيح]

"الْأَعْلَاقُ (3) " جمع عَلْقَ، وهو الشيء النفيس.

قوله: "وعن زيد بن وهب

قاتلوا أئمة الكفر".

أقول: هم (4) رؤساؤه، وهم الذين نقضوا العهد وهموا بإخراج الرسول في قول ابن عباس (5): وهم أبو جهل، وأمية بن خلاف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان، وسهيل بن عمرو، والتخصيص لهم، لأنهم الذين كانوا يحرضون أصحابهم على البقاء على الكفر.

(1) في "الفتح"(8/ 320).

(2)

في "صحيحه" رقم (4658).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 248).

(4)

انظر: "جامع البيان"(11/ 363) تفسير ابن كثير (7/ 155).

(5)

انظر: "فتح الباري"(8/ 320) تفسير ابن كثير (11/ 363 - 364).

ص: 181

قال الحافظ في "الفتح (1) ": وتعقب بأن أبا جهل، وعتبة، وأمية، قتلوا ببدر، وإنما ينطبق تفسير الآية على ما أنزلت وهو هي، فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما جميعاً.

قوله: "إلا أربعة".

أقول: قال الحافظ (2): لم أقف على تسميتهم.

قوله: "فقال الأعرابي" كذلك قال (3): لم يقف على اسمه.

قوله: "أصحاب محمد" بالنصب على أنه منادى (4).

قوله: "ينقران".

أقول: بموحدة، أي: ينقبون، قال الخطابي (5): وأكثر ما يكون النقر في الخشب والصخور يريد بالنون.

قوله: "أعلاقنا".

أقول: بالعين المهملة والقاف - أي: نفائس (6) أموالنا -. فأجاب عليه بأن هؤلاء ليسوا منافقين، بل يسمون فساقاً.

قوله: "أحدهم شيخ كبير".

(1)(8/ 333).

(2)

في "فتح الباري"(8/ 333).

(3)

أي: الحافظ ابن حجر في "الفتح"(8/ 333).

(4)

قال الحافظ في "الفتح"(8/ 333) بنصب أصحاب على النداء مع حذف الأداة أو هو بدل من الضمير في إنكم.

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 333).

(6)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 248).

ص: 182

أقول: قال الحافظ (1): لم أقف على تسميته لو شرب الماء البارد لما وجد برده أي لذهاب شهوته، وفساد معدته فلا يفرق بين الألوان والطعوم [329/ ب].

قوله: "عِلْق" بكسر العين المهملة وسكون اللام - الشيء النفيس (2).

قلت: هو على ما ضبطناه. [و](3) قال ابن التين (4): ووجدته [في بعض الروايات](5) مضبوطاً بالغين المعجمة [ولا وجه له، انتهى، ووجدته في نسخة الدمياطي بخطه بالغين المعجمة أيضاً](6).

وذكره شيخنا ابن الملقن ويمكن توجيهه بأن الأغلاق جمع غلق بفتحتين وهو الباب الذي يغلق على البيت، ويفتح بالمفتاح، ويطلق الغلق على الحديدة التي تجعل في الباب ويعمل فيها القفل، فيكون قوله:(ويسرقون أغلاقنا) إما على الحقيقة فإنه إذا تمكن من سرقة الغلق توصل إلى فتح الباب، أو فيه مجاز الحذف. أي: يسرقون ما في أغلاقنا.

12 -

وَعَن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلَامِ إِلَاّ أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجَّ. وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلَامِ إِلَاّ أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، ولكنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَنْزَلَ الله عز وجل {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ

(1) في "الفتح"(8/ 323 - 324).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 248).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 333).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

زيادة من (أ).

ص: 183

وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآيَةَ". أخرجه مسلم (1)[صحيح]

قوله في حديث النعمان بن بشير: "فقال رجل: لا أبالي".

أقول: هو العباس (2) بن عبد المطلب، والآخر: هو عثمان بن طلحة بن شيبة بن عثمان، والثالث: هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام[86/ أ].

قوله: "سقاية الحاج".

أقول: الراوية ما كانت من شيء يستقه الحاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان العباس ابن عبد المطلب يليها في الجاهلية والإسلام، والآية حكمت لعلي عليه السلام بأفضلية الجهاد، وإن كان قوله:{لَا يَسْتَوُونَ} فيه احتمال لكن قرينة السياق تقضي بأفضلية الجهاد.

13 -

وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:"يَا عَدِيُّ! اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ"، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قَالَ: "إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ". أخرجه الترمذي (3). [حسن]

(1) في صحيحه رقم (1879).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 319) وابن جرير في "جامع البيان"(11/ 378) والطبراني في "الأوسط" رقم (423) وابن أبي حاتم في تفسره (6/ 1767) والواحدي في "أسباب النزول"(ص 182) والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 158).

(2)

أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 381) عن السدي.

(3)

في "السنن"(3095) وهو حديث حسن.

قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 417).

ص: 184

قوله في حديث عدي: "الصليب" في القاموس (1): الصليب العلم والذي للنصارى.

قوله: "كان إذا أحلوا لهم شيئاً [330/ ب] استحلوه".

أقول: فسماهم تعالى أرباباً؛ لأن التحليل والتحريم من خواص الإله كما قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (2) فجعل التحليل والتحريم افتراءً عليه من قائلهما.

فإن قلت: قد يستنبط المجتهد من الأدلة تحريم شيء أو تحليله.

قلت: كونه من الأدلة هو من عند الله؛ لأنه أمر بالنظر فيها لإثبات الأحكام وإنما الكلام فيمن حرم وحلل غير مستند إلى شيء.

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: وقال (3): هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث.

14 -

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أنَّا بِأَبِي ذَرًّ رضي الله عنه فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ كُنْتُ بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي هَذِهِ الآيَةِ:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، فكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلَام فِي ذَلِكَ، فكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَنِ أَقْدُمِ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُهَا فكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ،

(1)"القاموس المحيط"(ص 135).

(2)

سورة النحل الآية (116).

(3)

في "السنن"(5/ 278).

ص: 185

فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا، فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ عَبْدَاً حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وأَطَعْتُ. أخرجه البخاري (1). [صحيح]

قوله في حديث زيد بن وهب: "بالربذة (2) ".

أقول: بالراء والموحدة مفتوحتين بعدهما معجمة مكان معروف بين مكة والمدينة وهو إليها أقرب نزل به أبو ذر في عهد عثمان ومات به [وإنما](3) مسألة زيد بن وهب عن ذلك؛ لأن مبغضي عثمان كانوا يشيعون أن عثمان نفى أبا ذر فبين له أبو ذر أن نزوله بالربذة كان باختياره.

نعم، أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه المذكور، قاله الحافظ في "الفتح"(4).

قوله: "بالشام".

أقول: أي دمشق وكان معاوية عاملاً عليها لعثمان فوقع بينه وبن معاوية ما ذكر كان أبو ذر يحدث أهل الشام ويقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده، فكتب معاوية إلى عثمان إن يكن لك بالشام حاجة فابعث إلى أبي ذر فكتب إليه عثمان أن اقدم علي فقدم (5).

قوله: "فكثر علي الناس".

(1) في "صحيحه" رقم (1406) و (4660).

قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 434) وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1789) والنسائي في "الكبرى" رقم (11218).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 625).

(3)

في (ب) مكررة.

(4)

(3/ 274).

(5)

انظر: "فتح الباري"(3/ 274 - 275).

ص: 186

أقول: في رواية الطبري (1) أنهم [331/ ب] كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام، فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام.

قوله: "ولو أمروا علي عبداً حبشياً".

أقول: أخرج أحمد (2) وأبو يعلى (3) عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف تصنع إذا أخرجت منه يعني مسجد المدينة"؟ قال: آتي الشام، قال:"فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ " قال: أعود إليه. أي: إلى المسجد النبوي. قال: "كيف تصنع إذا أخرجت منه؟ " قال: اضرب بسيفي قال: "ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشداً تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك".

15 -

وعَنَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: وَقَالَ لَهُ أَعْرَابيٌّ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ - عزوجل - {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتها وَيْلٌ لَهُ، هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا الله طُهْرًا لِلأَمْوَالِ. أخرجه البخاري (4) ومالك (5). [صحيح]

16 -

وعنده (6): سُئِلَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّي زَكَاتَهُ. [موقوف صحيح]

قوله في حديث ابن عمر: "يكنزون".

(1) في "جامع البيان"(11/ 434).

(2)

في "مسنده"(5/ 156) بسند ضعيف.

(3)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(3/ 275).

(4)

في "صحيحه" رقم (1404، 4661).

(5)

(1/ 256)

(6)

أي مالك في "الموطأ"(1/ 256 رقم 11) وهو موقوف صحيح.

ص: 187

أقول: قال الزجاج (1): الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال ويجوز عند التقييد أن يقال: عنده كنز عِلْم، والاكتناز: حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساه به ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله الفتوح [وقدَّر نصب](2) الزكاة.

فعلى هذا المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها.

قال ابن عبد البر (3): وروي عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن الكنز كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش، فهو كنز مذموم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك، وخالفه في ذلك جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال:"هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أنت تطوع" انتهى.

قال الحافظ (4): والظاهر أن ذلك كان أول الأمر كما قال ابن عمر وقد استدل [332/ ب] له ابن بطال (5) بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} : ما فضل عن الكفاية.

قلت: ولا يخفى أن سورة التوبة نزلت في غزوة تبوك وهي آخر غزوة وصدرها نزل سنة تسع وأن أنصباء الزكاة وبعث المصدقين ومعرفة مقاديرها كان قبل ذلك إلا أن يدعى أن زكاة النقدين تأخر بيان مقدار نصابهما، وهو بعيد جداً إلا أن يدعى أن آية الكنز هذه نزلت (6)

(1) انظر: معاني القرآن وإعرابه (2/ 445).

(2)

في (ب) وقدّر أنصب.

(3)

في "الاستذكار"(9/ 123 رقم 12692، 12694).

(4)

في "الفتح"(3/ 273).

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (3/ 405).

(6)

انظر: "فتح الباري"(3/ 273).

ص: 188

في صدر الإسلام ووضعها في سورة براءة [مراتب (1)] آيات السورة بناءً على أن ترتيبها ليس بتوقيفي (2) كما أن في هذه السورة بيان المصارف ومعلوم أن بيانها قد كان متقدماً على سنة تسع.

وفي "الإتحاف (3) " على الكشاف: أنه أفرط أبو ذر فلم يستثن شيئاً، وظاهر الآية معه وفرط الناس فقالوا: المراد لا ينفقون منها ربع عشرها في السنة وخير الأمور أوساطها ونظيرها: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ليس المراد أن لا يستثني لحظة من الزمان إلا جاهد فيها ولا يملكون درهماً إلا ينفقونه، بل المراد التوجه والإقبال على الإنفاق في الجملة، والزيادة والنقص على حسب الداعي إلى ذلك فكم مال يتوجه إليه استغراق حراسة الثغور وإنفاق المال بلا حاصر لخشية استئصال العدو وتقاعد الناس عن الفرض، وهذه السورة برمتها في ثورة الجهاد وشدة الحاجة حال إعانة الحملة بالنفس والمال، وسائر آياتها دالة [333/ ب] على ذلك لم ينقم عليهم عدم إخراج الزكاة فقط، بل المطلوب أعم من ذلك، وهو واضح في جيش العسرة الذي شدد فيه على الممسك لنفسه وماله، وعلى الجملة ينفقونها في مواضع الإنفاق بحسب الحال إلى كل ثم لا يصح إلا أن تكون الآية في أهل الكتاب؛ لأنه لا زكاة عليهم بل هي في أهل الإسلام خاصة (4).

(1) غير مقروءة في المخطوط.

(2)

تقدم توضيحه.

(3)

وهو قيد التحقيق.

(4)

أخرج ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 432) عن ابن عباس: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} يقول: هم أهل الكتاب وقال: هي خاصة وعامة. =

ص: 189

17 -

وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: نُزِلَتْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ اتَّخذْنَاهُ؟ فَقَالَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم:"أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ صَالِحَةٌ تُعِيْنُ المُؤْمِنَ عَلَى إِيمَانِهِ". أخرجه الترمذي (1). [حسن]

قوله في حديث ثوبان: "في بعض أسفاره".

أقول: لعله سفره في غزوة تبوك إلا أنه مشكل لما ذكرناه.

قوله: "أفضله".

أقول: أي المال، وهذا من جواب السائل بخلاف ما يترقب من الأسلوب الحكيم (2) وذلك لأن اللسان الذاكر [98/ أ] والقلب الشاكر، والمرأة، ليس من المال، فالضمير في أفضله يعود إلى الاتخاذ الدال عليه قوله.

قوله: "وزوجة صالحة".

أقول: هكذا لفظه في الجامع (3) أيضاً.

= قال ابن جرير يعني بقوله: هي خاصة وعامة، هي خاصة في المسلمين في من لم يؤدِّ زكاة ماله منهم، وعامة في أهل الكتاب؛ لأنهم كفار لا تقبل منهم نفقاتهم إن أنفقوا.

(1)

في "السنن" رقم (3094) وهو حديث حسن.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1856) وأحمد (5/ 282) وابن جرير في "جامع البيان"(11/ 428).

(2)

وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده، تنبيهاً على أن الأولى بالقصد، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم به.

انظر: "معجم البلاغة العربية"(ص 280).

(3)

في "جامع الأصول"(2/ 164 رقم 655).

ص: 190

ولفظ الترمذي (1): "زوجة مؤمنة تعينه على إيمانه".

قوله: "أخرجه الترمذي".

قلت: قال عقيبه (2): هذا حديث حسن، سألت محمد بن إسماعيل، وقلت له: سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان؟ قال: لا. قلت له: ممن سمع من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمع من جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وذكر غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى كلامه.

قلت: فهو حديث منقطع.

18 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ، فَقَالَ يَا رَسُولَ الله! إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكَ هَذِهِ الآيَةُ، فَقَالَ:"إِنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَاّ لِيُطَيَّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ، وَذَكَرَ كَلْمَةً لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ". فَكَبَّرَ عُمَرُ رضي الله عنه، ثُمَّ قَالَ لَهُ:"أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ". أخرجه أبو داود (3). [ضعيف]

19 -

وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي النُّورِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)} . أخرجه أبو داود (4). [حسن]

(1) في "السنن" رقم (3094).

(2)

أي: الترمذي في "السنن"(5/ 278).

(3)

في "السنن" رقم (1664) وهو حديث ضعيف.

(4)

في "السنن" رقم (2771) وهو حديث حسن. =

ص: 191

20 -

وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِي رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا؛ فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا مُرَاءٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنْ صاعِ هَذَا، فَنَزَلَتِ:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} الآيَةَ. أخرجه الشيخان (1)[والنسائي (2)](3). [صحيح]

قوله في حديث أبي مسعود البدري: "آية الصدقة".

أقول: قال الحافظ (4): كأنه يشير إلى قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} .

و"نحامل" أي: يحمل على ظهره بالأجرة، وماضيه حامل كسافر، وفي النهاية (5) أي يتكلف الحمل بالأجرة فنكتسب ما نتصدق به.

قوله: "فجاء رجل بشيء كثير".

أقول: هو عبد الرحمن (6) بن عوف، وضمير قالوا للمنافقين.

= قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 480) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1806) والنحاس في "ناسخه"(ص 506).

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1415، 4668) ومسلم رقم (1018).

(2)

في "السنن" رقم (2529).

قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 593) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1850) وابن حبان في صحيحه رقم (3338، 3376).

(3)

زيادة من "جامع الأصول"(2/ 166).

(4)

في "الفتح"(3/ 283).

(5)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 434) وانظر: "المجموع المغيث"(1/ 500).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 284) و (8/ 331).

ص: 192

وقوله: "وجاء رجل"، هو أبو عقيل (1) بفتح أوله واسمه حبحاب بمهملتين بينهما موحدة ساكنة، وقيل: بجيمين، وقيل: فيه غير ذلك.

21 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا تُوُفّيَ عبد الله بنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَباهُ فَأَعْطَاهُ؛ ثُمَّ سَأَلهُ أَنْ يُصَلّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِيُصَلّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا خَيَّرَنِي الله تَعَالَى فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ"، قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَصلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فأَنْزَلَ الله تَعَالَى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} إلى قوله: {فَاسِقُونَ (84)} . أخرجه الخمسة إلا أبا داود (2). [صحيح]

وزاد الترمذي: فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ.

(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 284) و (8/ 331).

قلت: وأخرج ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 591) عن قتادة قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} الآية، قال: أقبل عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله فتقرب به إلى الله، فلمزه المنافقون، فقالوا: ما أعطى ذلك إلا رياً وسمعةً، فأقبل رجل من فقراء المسلمين يقال له: حبحاب أبو عقيل، فقال: يا نبي الله! بتُّ أجر الجرير على صاعين من تمر، أما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فها هو ذا، فقال المنافقون: والله إن الله ورسوله لغنيان عن هذا، فأنزل الله في ذلك القرآن:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} الآية.

انظر "فتح الباري"(8/ 331).

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1269) ومسلم رقم (2400) و (2774) والترمذي رقم (3098) والنسائي رقم (1900) وابن ماجه رقم (1523). وهو حديث صحيح.

ص: 193

قوله في حديث ابن عمر: "لما توفي عبد الله بن أُبَيًّ".

أقول: كانت وفاته بعد منصرفهم من تبوك في شهر القعدة سنة تسع.

قال: ابنه هو عبد الله بن عبد الله (1) كان من المخلصين.

قوله: "فأعطاه" أي: قميصه، قيل: وإنما لم ينهه الله عن التكفين في قميصه، ونهاه عن الصلاة؛ لأن الضنة بالقميص يكون مخلاً بالكرم؛ لأنه مكافأة له لإلباسه العباس قميصه حين أسر ببدر، والصلاة دعاء للميت واستغفار له، وهو منهي عنه في حق الكافر.

قوله: "إنما خيري [ربي] (2) ".

أقول: استشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه، واتفاق الشيخين وسائر من خرج على الصحيح على تصحيحه.

قال ابن التين (3): مفهوم الآية تزل فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني (4) صحة الحديث وكذا إمام الحرمين (5) والغزالي (6) وسبب ذلك أن الذي يفهم من الآية إنما هو

(1) أخرج الطبري في "جامع البيان"(11/ 599) عن الشعبي، قال: دعا عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنازة أبيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"من أنت؟ " قال: الحباب بن عبد الله بن أبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، إن الحباب هو الشيطان".

وانظر "فتح الباري"(8/ 334).

(2)

في (أ) الله.

(3)

كذا في المخطوط، والذي في "فتح الباري" (8/ 338) قال ابن المنير: مفهوم الآية: زلت فيه الأقدام، حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث.

(4)

في "التقريب والإرشاد"(3/ 340، 344).

(5)

في "البرهان"(1/ 458) حيث قال: هذا لم يصححه أهل الحديث. انظر "فتح الباري"(8/ 338).

(6)

في "المستصفى"(3/ 421) حيث قال: والأظهر أنه غير صحيح.

ص: 194

التسوية بين الاستغفار وتركه كما فهم عمر لما يقتضيه سياق القصة من قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} إلى آخره، وحمل السبعين على المبالغة.

وأقوى ما أجيب به عن ذلك أن قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا} إلى آخره لم ينزل مع أول الآية بل تراخى نزوله ففهم صلى الله عليه وسلم من ذلك القدر النازل ما هو الظاهر [335/ ب] من أن (أو) للتخيير، وأن العدد لا مفهوم له ولا إشكال حينئذٍ [ذكره في التوشيح] (1) قلت: قوله: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} إخبار بعدم المغفرة قد أفاد الحكم قبل نزول علته وهي: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا} إلى آخره، فلم يرتفع الإشكال.

وفي الإتحاف (2) قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} إن قلت: المراد بالتركيب الأول استواء الاستغفار وعدمه وبالثاني المبالغة لا العدد المخصوص، فما وجه ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه حمل [الأول](3) على التخيير والثاني على حقيقة العدد؟ والحاصل أنه حملهما على الحقيقة دون المجاز الذي دل المقام على أنه المراد.

قلت: أحسن ما فتح الله به بعد الزمن الطويل، وعدم الظفر من كلام الناس بما يشفي أنه من حمل كلام المتكلم على أخفى معنييه إظهاراً للطمع في فصله والاشفاق مما دل عليه المقام من الشدة نحو: مثل الأمير من حمل على الأدهم والأشهب.

وفدت الأخيلية على الحجاج فأمر بعض خدمه أن يعطيها مائة، فقالت: مُره أن يجعلها أدما، فقال الخادم: إنما أراد الأمير الشاء، فقال الحجاج: اجعلها أدما فأخذت مائة من الإبل

(1) زيادة من (أ).

(2)

تقدم ذكره.

(3)

في (ب) الأولى.

ص: 195

بهذه الصيغة، ونظائرها كثيرة في الواقعات لو تتبعتها لحصلت على أمثلة كثيرة قد نزلت من اللطف بمكان، ونجعل الحديث النبوي أسها ومنارها. انتهى.

قلت: هو كلام حسن إلا أنه يبقى فيه بحثين:

الأول: أنه كيف يحمله صلى الله عليه وسلم على التخيير والمبالغة مع أنه ما تم الكلام إلا بقوله: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم} فبعد هذا النفي المؤكد لا يبقى طمع.

الثاني (1): أن الطمع يتصور في الممكن كالأمثلة الذي ذكرها، والمغفرة للكافر غير ممكنة شرعاً بعد إخبار الله أنه لن يغفر لهم.

والأقرب أن الحديث من المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله والمتشابه من الحديث ثابت كالمتشابه من القرآن كما صرح به الأئمة.

22 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ هَذ الآيَةُ فِيهِمْ". أخرجه أبو داود (2) والترمذي (3). [ضعيف]

قوله في حديث أبي هريرة: "نزلت في أهل قباء".

(1) انظر: "فتح الباري"(8/ 339 - 340).

(2)

في "السنن" رقم (44).

(3)

في "السنن" رقم (3100).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (357) وهو حديث ضعيف، وقد صححه الألباني.

انظر: "تلخيص الحبير"(1/ 112).

ص: 196

أقول: هم بنو عمرو بن عوف، وقد سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال [336/ ب]:"ما الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟ " فقالوا: الاستنجاء بالماء بعد الحجارة، فقال:"هو ذلكم فعليكموه"(1).

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي".

قلت: وقال الترمذي (2): هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي أيوب (3) وأنس بن مالك (4)، ومحمد بن عبد الله بن سلام (5).

23 -

وَعَنْ عِليٍّ بنْ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْتَغْفِرُ لأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ: أَتَسْتَغْفِرُ لأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَالَ: اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَهُوَ مُشْركٌ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} " الآية. أخرجه الترمذي (6) والنسائي (7). [حسن]

(1) انظر: "جامع البيان"(11/ 692 - 693).

(2)

في "السنن"(5/ 281).

(3)

أخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (355) عن أبي أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، أن هذه الآية نزلت:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار! إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم؟ قالوا: نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، ونستنجي بالماء، قال: فهو ذاك فعليكموه". وهو حديث صحيح.

(4)

انظر: التعليقة المتقدمة.

(5)

أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(11/ 689 - 690) وأحمد (6/ 6) والبخاري في تاريخه (1/ 18) وابن أبي شيبة (1/ 53).

(6)

في "السنن" رقم (3101).

(7)

في "السنن" رقم (2036). وهو حديث حسن.

ص: 197

قوله في حديث علي عليه السلام: "فنزلت".

أقول: وروى الشيخان (1) عن ابن المسيب أنها نزلت في شأن أبي طالب لما حضرته الوفاة فقال رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك".

وروى الحاكم (2) وغيره (3): أنها نزلت لما زار رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه واستأذن ربه في الدعاء لها.

وجمع بين الأحاديث بتعدد النزول.

قوله: "أخرجه أبو داود (4) والترمذي".

قلت: وقال (5): حديث حسن، وفي الباب عن سعيد بن المسيب عن أبيه. انتهى [88/ أ].

24 -

وَعَنِ ابْنِ شَهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عبد الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عبد الله بْنَ كَعْبٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِىَ، قَالَ: وَكَانَ أَعْلَمُ قَوْمِهِ وَأَوْعَاهُمْ لَأَحَادِيثِ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يحدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوة تَبُوكَ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لم أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ إِلَاّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي قَدْ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهُا، إِنَّمَا خَرَجَ

(1) أخرجه البخاري رقم (3884، 4675) ومسلم رقم (24/ 40) قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(12/ 20) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1894) والبيهقي في "الدلائل"(2/ 342).

(2)

في "المستدرك"(2/ 236).

(3)

كابن جرير في "جامع البيان"(12/ 23) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1893 - 1894) وابن كثير في تفسيره (7/ 296).

(4)

في هامش (ب) ما نصه: كذا في الأم، ولعله النسائي.

(5)

في "السنن"(5/ 281).

ص: 198

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ الله تَعَالَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهُمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، وَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ تَبُوكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَئِذٍ، وَالله مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَم يَكُنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يُرِيْدُ غَزْوَةً إَلَّا وَرَّى بَغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ فَغَزَاهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَاوز، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَا لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمُ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ: يُرِيدُ بِذَلِكَ الدِّيوَانَ، قَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ، وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ طَابَتِ الثَّمَارُ وَالظِّلَالُ فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ، فتجَهَّزَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي أنَّا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمادَى بِي حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم غادِيًا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ؟ فَيَا لَيْتَنِي كُنْتُ فَعَلْتُ؛ ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، وَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَحْزُنُنِي أَنَّى لَا أَرَى لِي أُسْوَةً إِلَاّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ الله تَعَالَى مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ:"مَا فَعَلَ كعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ الله! حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ، وَالله يَا رَسُولَ الله! مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَاّ خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلاً مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ". فَإِذَا هُو أبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ كَعْبُ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ

ص: 199

رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ حَضَرني بَثِّي فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ، وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلَّ ذِي رَأْىٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أنجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أبدًا، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَه، وَأصبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً، فَقَبِلَ مِنْهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ تبَسَّمَ تبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ:"تَعَالَ"، فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بينَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي "مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! وَاللهِ إِنَي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ الله تَعَالَى أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو عَفْوَ الله تَعَالَى فِيْهِ، وَالله مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَالله مَا كُنْتُ قَط أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّى حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِىَ الله تَعَالَى فِيكَ". فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَالله مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا لَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ، فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَكَ؛ قَالَ: فَوَالله مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأُكَذِّبَ نَفْسِي قَالَ ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ مَعِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ،- قَالَ - فَذَكَرُوا لِي رَجُليْنِ صَالِحَينِ قَدْ شِهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ قَالَ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا

ص: 200

صَاحِبَايَ فَاسْتكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ وَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّى، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ؟ فَوَالله مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ! أَنْشُدُكَ بِالله هَلْ تَعْلَمَ أَنِّي أُحِبُّ الله وَرسُولَهُ؟ قَالَ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَقَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجدَارَ فَبَيْنَا أنَّا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ نَبَطِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِطَّعَامِ يَبِيعُهُ فِي الْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُه: وَهَذا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ؛ فتيمَّمْتُ بِهِ التَّنُّورَ فَسَجرْتُه بِهَا حَتَّى إِذَا مَضتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ فإِذَا رَسُولُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتكَ. قَالَ فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبَنَّهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِىَ الله فِي هَذَا الأَمْرِ، وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ "لَا وَلكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ". قَالَتْ: إِنَّهُ وَالله مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَوَالله مَا زَالَ يَبْكِى مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهلي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ؟ فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ: لَا أَسْتَأْذِنُهُ فِيهَا، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ؟ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِىَ عَنْ كَلَامِنَا،

ص: 201

فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ الله تَعَالَى مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَل سَلْعٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ! أَبْشِرْ! قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَلِمْت أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِتَوْبَةِ الله عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى الْجَبَلَ فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرني نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَالله مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، فَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنَّئُونِي بِالتَّوْبَةِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عبيد الله يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَالله مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ:"أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ فَقُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ الله أَمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ فَقَالَ:"لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ الله تَعَالَى" وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ فَكَأَنَّه قِطْعَةُ قَمَرٍ، قَالَ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بين يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى الله وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خيرٌ لَكَ"، فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنَّ الله إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَاّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَالله مَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ الله فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَاهُ، وَالله مَا تَعَمَّدْتُ كَذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ مَا قُلت لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِيَ الله تَعَالَى فِيمَا بَقِىَ، قَالَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى:(لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) حتى بلغ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حَتَّى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللَّهَ

ص: 202

وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}. قَالَ كَعْبٌ: وَالله مَا أَنْعَمَ الله تَعَالَى عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، إِنَّ الله قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، قَالَ الله تَعَالَى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)} قَالَ كَعْبٌ: كُنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى الله تَعَالَى فِيهِ بِذَلِكَ، قَالَ الله عز وجل {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ الله مِمَّا خُلِّفْنَا تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. أخرجه الخمسة (1)[صحيح]

"الرَّاحِلةُ" الجمل والناقة القويان على الأحمال والأسفار، "وَالتَّوْرِيةُ" إخفاء الشيء وإظهار غيره، "وَالمَفَاوِزُ" جمع مفازة، وهي البرية القفز "وَجَلَا لِلنَّاسِ أَمْرَهُمْ" أظهره "وَوَجَّهَهُم" جهتهم التي يستقبلونها ومقصدهم، "وَالصَّعَرُ" بمهملتين مفتوحتين الميل "والتَّجْهِيزُ" المبادرة إلى الشيء في أول وقته، "وَاسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ" أي تتابع الاجتهاد في السير "والتَّمَادِي" التغافل والتأخر، "وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ" تباعد، وأشار به إلى ما بينه وبينهم من المسافة، "وَطَفِقتُ" مثل جعلت.

(1) أخرجه البخاري رقم (4418، 4676، 6690) ومسلم رقم (2769) وأبو داود رقم (2202، 2273، 3317، 4600) والنسائي رقم (3422، 3426).

وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(12/ 59 - 65) والطيالسي في مسنده (1034) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1899، 1905).

ص: 203

"وَالْأُسْوَةُ" بضم الهمزة وكسرها: القدوة "والْمَغْمُوصُ" المشار إليه بالعيب، "وَنَظَرَ فُلَانٌ فِي عَطْفَيْه" إذا أعجب بنفسه، "وَيَزُولُ بِهِ السَّرَاب" أي يظهر شخصه خيالاً فيه، "وَالَّلمْزُ" العيب "وَالْقَافِلُ" الراجع من سفره إلى وطنه "وَالْبثُّ" أشد الحزن "وَأَظَلَّ قَادِمَا" إذا دنا "وَزَاحَ عَنَّي" زال "وَأَجْمَعْتُ صِدْقهُ" أي عزمت عليه "وَالْمَخَلَّفُونَ" المتأخرون عن الغزو.

"وَالْبضْعُ" ما بني الثلاث إلى التسع من العدد "وَكّلَ سَرَائرَهُمْ" ردها إلى علم الله، "والظَّهْرُ" هنا عبارة عما يركبه "وَجِدَ" من الموجدة وهي: الغضب "وَالتَّأْنِيبُ" الملامة والتوبيخ، "وَالْاسْتِكَانَةُ" الخضوع "وَتَسَوَّرْتُ الجِدَارَ" علوته "المُضيْعَةُ" مفعلة من الضياع وهو الاطراح، ومثله الهوان، "وَالمُوَاسَاةُ" المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق ونحوهما.

"والتَيَمُّمُ" القصد "وَاسْتَلْبَثَ" أبطأ "وَالرَّحبُ" السعة "وَأَوْفَى" أشرف "وَسَلْعٌ" جبل في المدينة "وَالرَّكْضُ" ضرب الراكب الفرس برجله ليسرع العدو"وَآذَنَ" أعلم "وَأَتأَمَّمُ" أقصد "وَالْفَوْجُ" الجماعة من الناس "وَيَبْرُقُ وَجْهُهُ" إذا لمع وظهرت عليه أمارات السرور، "وَأَنْخَلِعَ مِنْ مَالي" أي أخرج من جميعه، وسمى جيش تبوك جيش العسرة؛ لأن الناس ندبوا إليه في شدة الحر فعسر عليهم وكان وقت إدراك الثمار "وَالرِّجْسُ" النجس "وَالْإرْجَاءُ" التأخير.

قوله: "في حديث ابن شهاب" - وهو محمد بن مسلم الزهري -[337/ ب].

قوله: "أوعاهم (1) " أي: أحفظهم.

قوله: "تواثقنا على الإسلام" أي: أخذ بعضنا على بعض الميثاق.

قوله: "وما أحب أن لي بها مشهد بدر" لأنها كانت سبب ظهور الإسلام وإعلاء كلمة الله.

(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 866).

ص: 204

قوله: "فجلي للناس أمرهم" بالتخفيف والتشديد، أي: كشف وعرف.

قوله: "يريد بذلك الديوان" هذا مدرج من كلام الزهري.

قوله: "أصعر (1) " بالمهملتين، أي: أميل.

قوله: "فقال رجل" هو عبد الله بن أويس السلمي - بفتحتين - قاله الواقدي.

قوله: "كن أبا خيثمة" بالخاء المعجمة فمثناة فمثلثة، لفظه لفظ الأمر ومعناه الدعاء كما تقول: أسلم. أي [338/ ب]: سلمك الله. قاله السهيلي (2).

وقال ثعلب (3): العرب تقول: كن زيداً، أي: أنت زيد.

وقال القاضي (4) عياض: والأشبه عندي أن (كن) هنا للتحقيق والوجود. أي: لتوجد يا هذا الشخص أبا خيثمة حقيقة.

وقول القاضي هو الصواب، وهو معنى قول صاحب التحرير: اللهم اجعله أبا خيثمة! واسم أبي خيثمة عبد الله، وقيل: مالك بن قيس.

وروى أن أبا خيثمة بلغ شبابه، وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل وبسطت له الحصير، وقربت له الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضجر والربح ما هذا بخير.

فقام فرحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه فمد رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق فإذا براكب [عراهاه](5) السراب، فقال:"كن أبا خيثمة" فكان هو ففرح به واستغفر له.

(1) انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين"(44/ 13) للحميدي، "النهاية"(2/ 32).

(2)

في "الروض الأنف"(4/ 195).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 119).

(4)

ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 278).

(5)

هكذا رسمت في المخطوط ولعلها اعتراه.

ص: 205

وقوله: "مبيضاً" بكسر [الباء](1) لابس الثوب الأبيض، ويقال: هم المبيضة والمسودة بالكسر، ويجوز أن يكون مبيضاً بسكون الباء، وبتشديد الضاد من البياض [339/ ب] وقوله:"يزول (2) به السراب" أي: يرفعه ويظهره، يقال: زال به السراب إذا ظهر شخصه فيرى خيالاً.

قوله: "بضعة وثمانين رجلاً".

قال الواقدي (3): إن هذا العدد كان من منافقي الأنصار وأن المعذرين من الأعراب أيضاً اثنان وثمانون رجلاً من بني غفار وغيرهم.

قوله: "قد أعطيت جدلاً" أي: فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما نسب إلي بما يقبل ولا يرد.

قوله: "مرارة بن الربيع"[97/ أ]، [مرارة] (4) بضم الميم ورائين الأولى منهما خفيفة العمري: بفتح العين المهملة نسبة إلى بني عمرو بن عوف، ويقال فيه: مرارة بن ربيعة كما قاله السهيلي (5).

(1) في (ب) الياء.

(2)

"النهاية في غريب الحديث"(1/ 736). "الفائق" للزمخشري (2/ 136).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 119).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

في "الروض الأنف"(4/ 198).

ص: 206

قال ابن حجر (1): [وهو وفي مسلم ابن ربعي في رواية [وهو خطأ](2)] (3).

"وهلال بن أمية الواقفي" بقاف ثم فاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس.

وذكر ابن أبي حاتم (4): أن سبب تخلف مرارة أنه كان له حائط حين زهى، فقال في نفسه: قد غزوت قبلها، فلو أقمت عامي هذا، فلما تذكر ذنبه قال: اللهم إني قد تصدقت [340/ ب] به في سبيلك، وأما سبب تخلف هلال كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت [عندهم هذا العام](5) فلما تذكر قال: اللهم إن لك علي أن لا أرجع إلى أهل ولا مال.

قوله: "قد شهدا بدراً".

قيل: فيه رد على من أنكر شهودهما بدراً، وأول من أنكر (6) ذلك الأثرم صاحب الإمام أحمد وتبعه جماعة وادعوا أن جملة قد شهدا بدراً مدرجة في حديث كعب.

(1) في "الفتح"(8/ 119).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

كذا في المخطوط، والذي في "الفتح" (8/ 119) وقوله:"ابن الربيع" هو المشهور، ووقع في رواية لمسلم:"ابن ربيعة" وفي حديث مجمع بن جارية عند ابن مردويه مرارة بن ربعي، وهو خطأ.

(4)

في تفسيره (6/ 1904).

قال الحافظ في "الفتح"(8/ 119) وكذا وقع عند أبي حاتم من مرسل الحسن من تسميته "ربيع بن مرارة" وهو مقلوب، وذكر فيه هذا المرسل أن سبب تخلفه.

(5)

في (أ) هذا العام عندهم.

(6)

وهو خطأ، بل ممن جزم بأنهما شهدا بدراً أبو بكر الأثرم، انظر "فتح الباري"(8/ 120)"زاد المعاد"(3/ 504 - 505).

ص: 207

قلت: قال ابن القيم في "الهدي (1) ": إن هذا مما عد في أوهام الزهري فإنه لا يعلم عن أحد من أهل المغازي والسير [البتة](2) ذكر هذين الرجلين في أهل بدر لا ابن إسحاق ولا موسى بن عقبة ولا الأموي ولا الواقدي، ولا أحد ممن عد أهل بدر ولذلك ينبغي أن لا يكونا من أهل فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر حاطباً ولا عاتبه وقد جسَّ عليه وقال لعمر لما هم بقتله:"وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وأين ذنب التخلف من ذنب الجس. انتهى كلامه.

وتعقبه الحافظ ابن حجر (3) فقال: قلت: ليس ما استدل به بواضح؛ لأنه يقتضي أن البدري إذا جنى جناية [341/ ب] ولو كثرت لا يعاقب عليها وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب فلي قصة حاطب قد جلد قدامه بن مظعون [أي] (4): لما شرب الخمر - وهو بدري كما تقدم وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً ولا هجره؛ لأنه قبل عذره في كونه غريباً خشية على أهله وولده، وأراد أن يتخذ عندهم يداً فعذره لذلك، بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنَّه لم يكن لهم عذر أصلاً، انتهى كلام ابن حجر فرد كلام ابن القيم، وأن من شهد بدراً كغيره يعاقب على ذنبه، وأنه إنما لم يعاقب صلى الله عليه وسلم حاطباً؛ لأنه قبل عذره لا لأنه من أهل بدر، فأقر كلام ابن القيم في أن حاطباً ما عوتب ولا هجر وخالفه في العلة وأنها قبول عذره.

قلت: وهذا منهما رحمهما الله عجيب فإنه ذهل ابن القيم وابن حجر في كون حاطباً لم يعاتبه صلى الله عليه وسلم فإن الله وقع منه عتاب لحاطب من أشد العتاب وأعظم مما أتى في آيات الكتاب فإنه أنزل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [342/ ب] تُلْقُونَ

(1) في "زاد المعاد"(3/ 505).

(2)

زيادة من (أ).

(3)

في "الفتح"(8/ 120).

(4)

في (أ) الحد.

ص: 208

إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)} (1)، وما زال تعالى ينزل العتاب على أساليب وضرب للأمثال بالخليل وقومه حتى ختم السورة بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} (2) الآية.

فأي عتاب أوجع من هذا العتاب؟ وكيف وهو عتاب من الرب تعالى تذوب له القلوب!

ويعلم أن الجسَّ من أعظم الذنوب بلغة أشرف خلق الله بكلام إلهي يجب إبلاغه إلى كل مكلف من الإنس والجان وتدوم تلاوته بكل لسان فكيف أنه صلى الله عليه وسلم ما عاتب حاطباً.

وأما قول ابن القيم (3): ولا هجره. أي: كما هجر الثلاثة.

فجوابه أن العقوبات للذنوب ليست نوعاً واحداً حتى تعين بل أنواع العقوبات كثيرة جرت بتعددها حكمة الله وعلمه فعاقب تعالى على الجسّ أعظم عقوبة بالعتاب الذي تولاه والوعيد والتهديد والتشديد، وعاقب الثلاثة بأمر العباد بهجرهم وترك مكالمتهم ومخاطبتهم وهي من عظيم العقوبات أن يصير بين الأحياء كالأموات.

ويظهر لي - والله أعلم - أن خصوصية هذه العقوبة بالثلاثة أنهم اختاروا لأنفسهم هجر رَسُولِ الله [343/ ب]صلى الله عليه وسلم وهجر المسلمين بتخلفهم عنهم والبقاء في الخالفين والقاعدين [98/ أ] مع كونهم آثمين، فكان جزاءهم من جنس ما اختاروه بأن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بأن يهجروهم وهو بين ظهورهم، يلاقونهم فلا يكالمونهم ولا يجالسونهم، ولا يدنون منهم، والمؤمنون في هجرهم إياهم مثابون وبه مأمورون، وكان لسان

(1) سورة الممتحنة الآية (1).

(2)

سورة الممتحنة الآية (13).

(3)

في "زاد المعاد"(3/ 505).

ص: 209

القدر يقول لهم: اخترتم لأنفسكم هجر الرسول وأصحابه بالتخلف عنهم وأنتم آثمون، فهم الآن يهجرونكم وهم مثابون ولا يكالمونكم وهم لأمر الله فيكم ممتثلون فذوقوا ما طلبتم من هجرٍ ضاقت به عليكم الأرض بما رحبت، ولكنه آل بكم رحمة الله إلى قبول التوبة برحمته أنه أرحم الراحمن، وأسرار الله وحكمه لا تحيط به العقول، ولا تتناهى، بل يعطي تعالى كلاً من فضله فإني لم أقف على هذا لأحد، فلله الحمد ونسأله المزيد.

قوله: "أيها الثلاثة" بالرفع وموضعه، نصب على الاختصاص كما قاله سيبويه (1)، "فما هي الأرض التي أعرف".

قال ابن القيم (2): هذا التنكر يجده الخائف، والحزين، والمفهوم في الأرض، وفي الشجر، والنبات، حتى يجده فيمن لا يعلم حاله من الناس، ويجده المذنب العاصي بحسب جرمه حتى في خلق زوجته وولده، ودابته، ويجده الإنسان في نفسه، فتتنكر له نفسه فما هي نفسه التي يعرفها، وهذا سر من الله لا يخفى [إلا على قلب ميت وعلى حسب حياة القلب يجده هذا والوحشة](3).

قوله: "خمسين ليلة"[344/ ب] هي قريب العدة التي فارقوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه خرج من المدينة في خامس رجب ورجع إليها في رمضان.

قوله: "هل حرك شفتيه برد السلام".

(1) انظر: "الكتاب"(2 - 240 - 243). و"فتح الباري"(8/ 120).

(2)

في "زاد المعاد"(3/ 506 - 507).

(3)

كذا العبارة في المخطوط، والذي في "زاد المعاد"(3/ 507) إلا على من هو ميت القلب، وعلى حسب حياة القلب يكون إدراك هذا التنكر والوحشة، وما لجرحٍ بميتٍ إيلام.

ص: 210

أقول: ليس فيه إخبار (1) بالرد ولا بعدمه، فمن جزم وقال: إنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يرد عليه لعموم النهي عن كلامهم.

وفيه أن السلام كلام فمن حلف أن لا يكلم فلاناً فسلم عليه أو ردَّ عليه سلاماً حنث.

وفيه ترك السلام على المبتدعة ونحوهم، وهذا بناءً على أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام، واستدل له ابن القيم (2) أنه لو كان الرد واجباً لأسمعه صلى الله عليه وسلم إياه.

قوله: "حائط أبي قتادة".

أبو قتادة اسمه: الحارث بن ربعي السلمي، وقيل: النعمان، شهد بدراً وما بعدها، وبدراً في قول.

قوله: فقال: "الله ورسوله أعلم".

قال القاضي (3): لعل أبا قتادة لم يرد تكليمه بهذه الكلمة؛ لأنه منهي عن كلامه، وإنما قال ذلك لنفسه لما ناشده الله فقال أبو قتادة: ذلك مظهراً لاعتقاده لا ليسمعه.

قوله: "نَبَطي" أي: بالنون والموحدة، مفتوحات، والنبط هم قوم العرب دخلوا في العجم والروم واختلف أنسباهم، وفسدت ألسنتهم، ويقال لهم: النبط والأنباط، سموا بذلك إذ همهم بأنباط الماء، أي: استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة ومنزلهم البطائح (4).

(1) قال الحافظ في "الفتح"(8/ 120) لم يجزم كعب بتحريك شفتيه عليه السلام، ولعل ذلك بسبب أنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل.

(2)

(3/ 508) وإليك نص العبارة.

فيه دليل على أن الرد على من يستحق الهجر غير واجب، إذ لو وجب الرد لم يكن بد من إسماعه.

(3)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 279).

(4)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 704). "الفائق" للزمخشري (3/ 402)"فتح الباري"(8/ 120 - 121).

ص: 211

قوله: "قلت: هذا أيضاً من البلاء".

أي: من ابتلاء الله واختباره لإيمانه، ومحبته لله ورسوله، وإظهاراً للصحابة أنه ليس عن ضعف إيمان؛ لأنه هجر رسول الله صلى الله [345/ ب] عليه وآله وسلم والمسلمين، وأنه ليس ممن تحمله الرغبة في الجاه والملك مع هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين له على مفارقة دينه، وهذا فيه تبرئة الله له من النفاق، وبيان صحة إيمانه، ولذا بادر بتسجير التنور بالصحيفة، وإتلافها خشية الفساد (1) من إبقائها لئلا تبقى سبباً للوسوسة بما فيها، وهذا كإراقة العصير خشية أن يتخمر، وهكذا تجب المسارعة إلى تحريق كتب الزنادقة والباطنية وكل ما فيه ضلالة كفصوص (2) ابن عربي وفتوحه (3).

(1) انظر: "زاد المعاد"(3/ 509)"فتح الباري"(8/ 121).

(2)

فصوص الحكم: من مؤلفات ابن عربي، زعم أنه ألقاه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ألقاه إليه الشيطان؛ لأن فيه من الكفر والإلحاد ما قد بينه ابن تيمية في حقيقة الاتحاديين.

قال أبو العلاء غففي في مقدمة (الفصوص): له طريقة في تأويل الآيات فيها تعسف وشطط ويعمد إلى تعقيد البسيط، وإخفاء الظاهر لأغراض في نفسه.

ويقول "نيكولسون" في وصف أسلوب ابن عربي إنه يأخذ نصاً من القرآن أو الحديث ويؤوله بالطريقة التي نعرفها في كتابات فيلون اليهودي، وأريجن الاسكندري.

وقد طبع الكتاب (سنة 365 هـ) - دار إحياء الكتب العربية - مجلد واحد، الجزء الأول فيه نص كتاب الفصوص، والجزء الثاني تعليقات عليه لأبي العلاء عفيفي.

انظر: حاشية "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن تيمية (ص 192) تحقيق د/ عبد الرحمن عبد الكريم اليمي. كتب ليست من الإسلام (7/ 11، 27، 46).

(3)

"الفتوحات المكية"، من أكبر مؤلفات ابن عربي، وآخرها تأليفاً، ألفها في فترة إقامته في مكة، ثم كتبها ثانية بدمشق، وذكر أنه زاد عليها زيادات لا توجد في النسخة الأولى. =

ص: 212

وتائيه ابن الفارض (1) وشروحها، وكتاب الجيلي (2). فكلها مضادة لما أنزل الله تعالى قلبت معاني ألفاظ القرآن إلى غيرها ما أنزلها به من الهدى والبينان وصيرته من وحي الشياطين داعياً للكفر والضلالات.

وقوله: "وسجرته" أي: أوقدته.

(نكتة): اتفق لي سنة (74) لعله في رجب منها أنه أتاني إنسان من أهل العلم بكتاب قد بهره ما فيه من المضادة لما فيه القرآن ومن أمارة الشر والهذيان، فقال لي: انظروا هذا [99/ أ]!! فنظرته، فرأيت فيه كل عجاب وهو كتاب الجيلي الذي سماه "الإنسان الكامل" وكنت قد عرفته من مدة فزادني تأمله يقيناً بوجوب إحراقه وإليه مضموماً "المضنون به عن غير أهله" كتاب منسوباً إلى الغزالي، ولم أكن قد رأيته قبل ذلك، وإذا هو أنجس طريقةً، وأخبث في الحقيقة، فحرقتهما على انضاج مأكول بنارهما، وأكلت ذلك المطبوخ لقصد علة كانت معي فزالت بحمد الله. وقد ذكر نحو هذه [346/ ب] القضية العلامة المقبلي رحمه الله، وأن الإمام

= الكتاب مطبوع في أربع مجلدات كبيرة/ ط: دار الكتب العربية المصرية، ويكاد يشتمل كل ما أورده ابن عربي في مؤلفاته الأخرى.

قال ابن كثير في "البداية والنهاية"(13/ 249) فيه - كتاب "الفتوحات" - ما يعقل وما لا يعقل، وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف وما لا يعرف.

"كشف الظنون"(2/ 1238).

(1)

هو عمر بن علي مرشد المصري، أشهر المتصوفين، توفي سنة (632 هـ/ 1235 م).

(2)

الجيلي ويقال: الجيلاني، هو عبد القادر بن موسى، مؤسس الطريقة القادرية في التصوف توفي (سنة 561 هـ).

ص: 213

المتوكل إسماعيل بن القاسم رحمة الله صنع نحو هذا في كتاب "الفصوص" وأطعم بناره طعاماً لامرأة كانت بها علة فزالت (1).

قال المقبلي (2): أنه حكى هذا لبعض من يعظم ابن عربي، فقال: هذا من بركات الشيخ.

قلت: فيقال له فتحرق المصاحف القرآنية، وتجعل حطباً يطبخ بها لأمراض البرية، وهكذا فليكن الضلال!!!

قوله: "فإني رجل شاب" أي: أقدر على خدمة نفسي وأخاف على نفسي من حدة الشباب أن أصيب امرأتي وقد نهيت عنها.

قوله: "فخررت لله ساجداً" هذا هو سجود (3) الشكر قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: "واستعرت ثوبين".

قال الواقدي (4): استعارهما من أبي قتادة.

قوله: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك"(5) استشكل بيوم إسلامه فيقدر استثناؤه، وقيل: لأن يوم توبته مكملاً ليوم إسلامه.

(1) انظر: "العلم الشامخ"(ص 573 - 574).

(2)

انظر: "العلم الشامخ"(ص 570 - 573).

(3)

عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجداً شكراً لله تعالى.

[أخرجه أحمد (5/ 45) وأبو داود رقم (2774) والترمذي رقم (1578) وابن ماجه رقم (1394)]، وهو حديث حسن.

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 122).

(5)

قال الحافظ في "الفتح"(8/ 122) استشكل هذا الإطلاق بيوم إسلامه، فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه وهو خير أيامه فقيل: هو مستثنى تقديراً، وإن لم ينطق به لعدم خفائه، والأحسن في الجواب أن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه.

ص: 214

قوله: "فقام طلحة بن عبيد الله".

قال ابن إسحاق: إنه كان أخاً لكعب في الأخوة بين (1) المهاجرين [347/ ب] والأنصار.

قوله: "قطعة قمر" شبهه بقطعة منها لا بكلها مع أنه المعهود؛ لأن القصد إلى موضع الاستنارة وهو الجبين، وفيه يظهر السرور، فناسب أن يشبه ببعض القمر.

قوله: "إنما أنخلع من مالي" أي: أخرج منه فنهاه صلى الله عليه وسلم وأمره بإمساك بعضه خوفاً عليه من التضرر بالفقر والندم عليه.

قوله: "أبلاه الله" أي: أنعم عليه والإبلاء والبلاء يكون في الخير والشر، وإذا أطلق البلاء يكون في الشر غالباً، فإن أريد الخير قيد كما قيد هنا بأحسن.

قوله: "أن لا أكون كذبته كلمة". (لا) زائدة (2) كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} (3).

وقوله: "فأهلك" بكسر اللام، وفتحها شاذ.

قوله: " [أو] (4) التورية (5) " إخفاء الشيء وإظهار غيره أصلها، وراء كأنه جعل الشيء وراء ظهره.

(1) قال ابن حجر في "الفتح"(8/ 122): والذي ذكره أهل المغازي، أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير آخا طلحة في أخوة المهاجرين، فهو أخو أخيه.

(2)

ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(8/ 284 - 285).

(3)

سورة الأعراف الآية (12).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 843)"غريب الحديث" للهروي (1/ 197).

ص: 215

وقال النووي في "الأذكار (1) " التورية: أن يقصد بالعبارة مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ. انتهى.

وقال القاضي عياض [348/ ب] في "الشفاء (2) " على قوله: "ورَّى بغيرها": ليس فيه خلف في القول، وإنما هو ستر مقصده، لئلا يأخذ عدوُّه حذره، وكتم وجه ذهابه بذكر السؤال عن موضع آخر، والبحث عن إخباره والتعريض بذكره، لا أنه يقول: تجهزوا إلى موضع كذا أو وجهتنا إلى موضع كذا خلاف مقصده، فهذا لم يكن؛ والأول ليس فيه خبر يدخله الخلف. انتهى.

25 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} نسختها:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} . أخرجه أبو داود (3). [حسن]

(1)(2/ 918).

(2)

(2/ 780 - 781).

(3)

في "السنن" رقم (2505) وهو حديث حسن.

قال ابن جرير في "جامع البيان"(12/ 73 - 74).

والصواب من القول في ذلك عندي أن الله عنى بها الذين وصفهم بقوله: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} الآية، ثم قال جل ثناؤه: ما كان لأهل المدينة الذين تخلفوا عن رسول الله، ولا لمن حولهم من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد معه، أن يتخلفوا خلافه، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ندب في غزوته تلك كل من أطاق النهوض معه إلى الشخوص إلا من أذن له، أو أمره بالمقام بعده، فلم يكن لمن قدر على الشخوص التخلف، فعدد جل ثناؤه من تخلف منهم، فأظهر نفاق من كان تخلفه منهم نفاقاً، وعذر من كان تخلفه كان لعذر، وتاب على من كان تخلفه تفريطاً من غير شك ولا ارتياب في أمر الله، إذ تاب من خطأ ما كان منه من الفعل، فأما التخلف عنه في حال استغنائه، فلم يكن محظوراً، إذ لم =

ص: 216