المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(سورة الأعراف) اختلف (1) في المراد بالأعراف في قوله تعالى: {وَعَلَى - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ٢

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: في أسباب النزول

- ‌(فاتحة الكتاب)

- ‌(سورة البقرة)

- ‌(سورة آل عمران)

- ‌(سورة النساء)

- ‌سورة المائدة

- ‌(سورة الأنعام)

- ‌(سورة الأعراف)

- ‌(سورة الأنفال)

- ‌(سورة براءة)

- ‌(سورة يونس)

- ‌(سورة هود)

- ‌(سورة يوسف)

- ‌(سورة الرعد)

- ‌(سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌(سورة الحجر)

- ‌(سورة النحل)

- ‌(سورة بني إسرائيل)

- ‌(سورة الكهف)

- ‌(سورة مريم)

- ‌(سورة الحج)

- ‌(سورة قد أفلح)

- ‌(سورة النور)

- ‌(سورة الفرقان)

- ‌(سورة الشعراء)

- ‌(سورة النمل)

- ‌(سورة القصص)

- ‌(سورة العنكبوت)

- ‌(سورة الروم)

- ‌(سورة لقمان عليه السلام

- ‌(سورة السجدة)

- ‌(سورة الأحزاب)

- ‌(سورة سبأ)

- ‌(سورة فاطر)

- ‌(سورة يس)

- ‌(سورة الصافات)

- ‌(سورة ص)

- ‌(سورة الزمر)

- ‌(سورة حم المؤمن)

- ‌(سورة حم السجدة

- ‌(سورة حم عسق

- ‌(سورة الزخرف)

- ‌(سورة الدخان)

- ‌(سورة حم الأحقاف)

- ‌(سورة الفتح)

- ‌(سورة الحجرات)

- ‌(سورة ق)

- ‌(سورة والذاريات)

- ‌(سورة والطور)

- ‌(سورة النجم)

- ‌(سورة القمر)

- ‌(سورة الواقعة)

- ‌(سورة الحديد)

- ‌(سورة المجادلة)

- ‌(سورة الحشر)

- ‌(سورة الممتحنة)

- ‌(سورة الصف)

- ‌(سورة الجمعة)

- ‌(سورة المنافقين)

- ‌(سورة التغابن)

- ‌(سورة الطلاق)

- ‌(سورة التحريم)

- ‌(سورة الملك)

- ‌(سورة "ن

- ‌(سورة نوح عليه السلام

- ‌(سورة الجن)

- ‌(سورة المزمل)

- ‌(سورة المدثر)

- ‌(سورة القيامة)

- ‌(سورة والمرسلات)

- ‌(سورة عم)

- ‌(سورة كورت)

- ‌(سورة المطففين)

- ‌(سورة انشقت)

- ‌(سورة سبح [اسم ربك الأعلى

- ‌(سورة الفجر)

- ‌(سورة الشمس)

- ‌(سورة الليل)

- ‌(سورة والضحى)

- ‌(سورة اقرأ)

- ‌(سورة القدر)

- ‌(سورة الزلزلة)

- ‌(سورة التكاثر)

- ‌(سورة أرأيت)

- ‌(سورة الكوثر)

- ‌(سورة النصر)

- ‌(سورة الإخلاص)

- ‌(سورة المعوذتين)

- ‌كتاب: تلاوة القرآن وقراءته

- ‌الباب الأول: (في التلاوة)

- ‌الفصل الأول: في الحث عليها

- ‌[الفصل الثاني: في آداب التلاوة

- ‌[الفصل الثالث: في تحزيب القرآن وأوراده

- ‌الباب الثاني: في القراءات

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من القراءات مفصلاً

- ‌كتاب: تأليف القرآن [وترتيبه وجمعه

- ‌كتاب: التوبة

- ‌كتاب: تعبير الرؤيا

- ‌الفصل الأول: في ذكر الرؤيا وآدابها

- ‌الفصل الثاني: فيما جاء من الرؤيا المفسرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

- ‌كتاب: التفليس

- ‌كتاب: [تمني الموت

- ‌حرف الثاء [

- ‌[كتاب: الثناء والشكر]

الفصل: ‌ ‌(سورة الأعراف) اختلف (1) في المراد بالأعراف في قوله تعالى: {وَعَلَى

(سورة الأعراف)

اختلف (1) في المراد بالأعراف في قوله تعالى: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} :

عن أبي مجلز قال: ملائكة وكلوا بالصور ليتميز الكافر من المؤمن.

واستشكل بأن: الملائكة ليسوا ذكوراً ولا إناثاً، فلا يقال لهم: رجال!.

وأجيب: بأنه مثل قوله تعالى في حق الجن: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} .

كذا ذكره القرطبي في "التذكرة"(2): وليس بواضح، لأن الجن يتوالدون فلا يمتنع أن يقال فيهم ذكوراً وإناثاً، بخلاف الملائكة. انتهى.

1 -

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (3) رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ، فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا فتَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا، وَتَقُولُ:

الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ

فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ

فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} .

(1) في (أ) زيادة.

أقول: سميت به لقوله فيها: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} والأعراف سور الجنة، والرجال؛ قيل: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وعن أبي مجلز: أنهم ملائكة وردَّ بأن الملائكة

الجن يتوالدون ففيهم الذكور والإناث، ولا مانع من تسمية ذكورهم إذ هو في الآية للمشاكلة لما قال:{رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ} شاكله بقوله: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} .

(2)

بل هو في "الجامع لأحكام القرآن"(7/ 212).

(3)

هذا الحديث وبعده حديثين شرحهما في (أ - ب) فيه تقديم وتأخير، وكتبت الشرح على ترتيب الأحاديث، والله أعلم.

ص: 130

أخرجه مسلم (1) والنسائي (2). [صحيح]

قوله: "كانت المرأة تطوف":

أقول: ظاهره أنه أريد جنس المرأة، وأن كل امرأة طافت تقول ذلك فصوابه التنكير في ذلك، وأن يقال: حتى طافت امرأة فقالت، أو كانت بعض [304/ ب] النساء تقول عند طوافها، لأن المعروف أن هذا الرجز قالته امرأة واحدة كما ذكره السهيلي (3) في شرح السيرة ضباعة بنت عامر امرأة من بني عامر بن صعصعة.

قلت: شهد لما قاله السهيلي ما أخرجه عبد بن حميد (4) عن سعيد بن جبير قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة يقولون: لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها وطافت، ووضعت يدها على قبلها وقالت: اليوم يبدو بعضه أو كله

البيت.

قوله: "فتقول: من يعيرني تطوافاً":

في النهاية (5): هو على حذف مضاف، أي: ذا تطواف، ورواه بعضهم بكسر التاء قال: وهو الثوب الذي يطاف به، ويجوز أن يكون مصدراً.

[قوله في حديث ابن عباس: "تطواف":

(1) في "صحيحه" رقم (3028).

(2)

في "السنن" رقم (2956) وفي "الكبرى" رقم (11182).

قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(10/ 150 - 151) وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1464 رقم 8375) والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 323).

(3)

في "الروض الأنف"(1/ 232).

(4)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 78).

(5)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 126). وانظر الفائق للزمخشري (4/ 106).

ص: 131

أقول: بكسر المثناة الفوقية الثوب الذي يطاف فيه] (1).

قال النووي (2): كان أهل الجاهلية يطوفون عراة يرمون ثيابهم ويتركونها مرمية بالأرض لا يأخذونها أبداً يتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، وتسمى اللقى حتى جاء الإسلام فأمر الله بستر العورة، وقال:{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يطوف بالبيت عريان"(3).

قوله: "زينتكم":

أقول: أخرج ابن جرير (4) وغيره عن مجاهد قال: الزينة الثياب.

وأخرج ابن جرير (5) وغيره (6) عن طاوس قال: الشملة من الزينة.

[وأخرج](7) أبو داود (8) عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثياب دون، فقال:"ألك مال؟ " قال: نعم. قال: "من أيَّ المال؟ " قال: قد أتاني الله من الإبل والغنم، والخيل، والرقيق، قال:"فإذا أتاك الله فأبد أثر نعمته [عليك] (9) وكرامته".

(1) في (ب) قوله قطواف.

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 116) وانظر المجموع شرح المهذب (8/ 25).

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 3) والبخاري رقم (1622) ومسلم رقم (435/ 1347).

(4)

في "جامع البيان"(10/ 150).

(5)

في "جامع البيان"(10/ 154).

(6)

كعبد الرزاق في تفسيره (1/ 228).

(7)

زيادة يقتضيها السياق.

(8)

في "السنن" رقم (4063).

قلت: وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2006) والنسائي رقم (5223، 5224، 5394)، وهو حديث صحيح.

(9)

في (ب) عليه، والصواب ما أثبتناه من مصادر الحديث.

ص: 132

2 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قَالَ حَمَّاد رحمه الله: وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ بِطَرَفِ إِبْهَامِهِ عَلَى أَنْمُلَةِ إِصْبَعِهِ الْيُمْنَى. قَالَ: فَسَاخَ الْجَبَلُ: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} . أخرجه الترمذي (1) وصححه.

قوله في حديث أنس: "قال حماد": هو أحد [الرواية](2).

قوله: "وأمسك سليمان":

أقول: هو سليمان بن حرب أحد الرواة لحديث أنس، هذا وكان حكى فعل أنس حين صور له ذلك.

وحديث أنس هذا أخرجه أبو الشيخ (3) وابن مردويه (3) من طريق ثابت عن أنس وفيه: فقال حميد: ما تريد إلى هذا؟ فضرب في صدره. وقال: من أنت يا حميد؟ وما أنت يا حميد يحدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت: ما تريد إلى هذا.

وأخرج ابن جرير (4)[و](5) غيره (6) عن ابن عباس: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر، {جَعَلَهُ دَكًّا} قال: تراباً، {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} قال: مغشياً عليه.

(1) في "السنن" رقم (3074) وهو حديث صحيح.

(2)

كذا في المخطوط (أ - ب) ولعل الصواب الرواة.

(3)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 118).

(4)

في "جامع البيان"(10/ 427).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

كابن أبي حاتم في "تفسيره"(5/ 1560) رقم (8937، 8941) والبيهقي في كتاب الرؤية كما في "الدر المنثور"(3/ 119) وابن أبي عاصم في السنة رقم (484).

ص: 133

وأخرج ابن جرير (1) عنه أيضاً: "فلم يزل صعقاً ما شاء الله، ثم أفاق فقال: سبحانك [305/ ب] ثبت إليك وأنا أول المسلمين".

قوله: "فساخ (2) ": بالسين المهملة والخاء المعجمة، يقال: ساخت قوائم الدابة إذا ذهبت [303/ ب] في الأرض.

قوله: "أخرجه الترمذي وصححه":

أقول: قال (3): هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة.

3 -

وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ قَولُه تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية. قَالَ: سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّ الله تَعَالى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرَّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرَّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله عز وجل إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ". أخرجه الأربعة (4) إلا النسائي. [ضعيف الإسناد]

(1) في "جامع البيان"(10/ 427).

(2)

قاله ابن الأثير في "جامع الأصول"(2/ 140).

(3)

في "السنن"(5/ 265).

(4)

أخرجه أبو داود رقم (4703) والترمذي رقم (3075) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11190) وأحمد (1/ 399) ومالك في "الموطأ"(2/ 98) والبغوي في "شرح السنة"(77) وفي المعالم (3/ 297) وهو حديث ضعيف الإسناد.

ص: 134

قوله في حديث مسلم بن يسار: "فاستخرج منه ذرية

" إلى آخره:

الحديث مروي من طرق عديدة لا يبعد دعوى تواتر معناها. وللناس كلام كثير في ذلك أكثرهم حملها على المجاز كالزمخشري (1) ومن تبعه، وحملها آخرون على الحقيقة، وقد

(1) قال الزمخشري في "الكشاف"(2/ 529): وقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} من باب التمثيل والتخييل قال السعدي في تفسيره (2/ 175 - 176).

• يقول تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: أخرج من أصلابهم ذريتهم، وجعلهم يتناسلون، ويتوالدون، قرناً بعد قرن.

أي: أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} أي: قررهم، بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار بأنه ربهم، وخالقهم ومليكهم.

قالوا: {بَلَى} قد أقررنا بذلك، فإن الله تعالى، فطر عباده على الدين الحنيف القيم.

فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكنا لفطرة قد تغير وتبدل، بما يطرأ على العقول من العقائد الفاسدة،

ولهذا: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} .

أي: إنما امتحناكم، حتى أقررتم، بما تقرر عندكم من أن الله تعالى ربكم خشية أن تنكروا يوم القيامة، فلا تقررا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة الله ما قامت عليكم، ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون.

فاليوم قد انقطعت حجتكم، وثبتت الحجة البالغة لله عليكم.

أو تحتجون أيضاً بحجة أخرى، فتقولون:{إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} فحذونا حذوهم، وتبعناهم في باطلهم. {فَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)} ، فقد أودع الله في فطركم ما يدلكم على أن ما مع آبائكم، باطل، وأن الحق ما جاءت به الرسل، وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه. =

ص: 135

أطلبنا البحث وبينا وجه القولين في ذيل الأبحاث (1) المسددة - بحمد الله - فمن أراد ذلك راجعه.

وهذا الحديث إخبار من الله بأنه لا يدخل أحد من ولد آدم جنةً ولا ناراً إلا بعمله ولذا قال: "وبعمل أهل كذا يعملون" أي: باختيارهم وإخباره بأنهم من أهل كذا إخبار عما علمه من عملهم قبل إيجادهم، وأن هذا للعلم [78/ أ].

قوله في حديث عمر: "خلقت هؤلاء للجنة":

= نعم قد يعرض للعبد من أقوال آبائه الضالين، ومذاهبهم الفاسدة، ما يظنه هو الحق، وما ذاك إلا لإعراضه عن حجج الله وبيناته وآياته الأفقية، والنفسية. فإعراضه ذلك وإقباله على ما قاله المبطلون ربما يصيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق.

هذا هو الصواب في تفسير هذه الآيات.

وقد قيل: إن هذا يوم أخذ الله الميثاق على ذرية آدم حين استخرجهم من ظهره، وأشهدهم على أنفسهم، فشهدوا بذلك. فاحتج عليهم بما أمرهم به في ذلك الوقت، على ظلمهم في كفرهم، وعنادهم في الدنيا والآخرة.

ولكن ليس في الآية ما يدل على هذا، ولا له مناسبة، ولا تقتضيه حكمة الله تعالى. والواقع شاهد بذلك.

فإن هذا العهد والميثاق الذي ذكروا أنه حين أخرج الله ذرية آدم من ظهره حين كانوا في عالم كالذر، لا يذكره أحد ولا يخطر ببال آدمي. فكيف يحتج الله عليهم بأمر ليس عندهم به خبر، ولا له عين ولا أثر؟!!

ولهذا لما كان هذا أمراً واضحاً جلياً، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ} أي: نبينها ونوضحها {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)} إلى ما أودع الله في فطرهم، وإلى ما عاهدوا الله عليه فيرتدعوا عن القبائح.

(1)

انظر "الأبحاث المسددة"(ص 101 - 102).

ص: 136

أقول: اللام فيها وفي قوله: "للنار" لام العاقبة مثلها في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (1)، ومثل قوله:

لدوا للموت وابنوا للخراب

ودليل هذا التأويل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (2) مصرح بأن الحكمة في خلق الثقلين أن يعبدوه تعالى فمن عبده كان من أهل الجنة مئالاً، ومن لم يعبده كان من أهل النار مئالاً.

فهو إذا علم أن العبد مئاله [إلى](3) الجنة رزقه الإقبال بقلبه على عمل أهل الجنة، وهي طاعة الله فعمل مختاراً.

وإذا علم أن مئاله إلى النار خذله، فعمل بعمل أهل النار، فآل حاله إليها.

وإلا فإنه يدعو الفريقين إلى عبادته ويرسل إليهم رسله، وقد سبق علمه بالشقي منهم والتقي، لكن سَبْقُ علمه لا ينافي اختيار العبد، وسبق علمه بذلك كسبق علمه بما يخلقه هو تعالى ويوجده وهو مختار فيما يخلقه ويوجده.

قوله: "أخرجه الأربعة إلا النسائي":

قلت: قال (4) الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر.

قال: وقد ذكره بعضهم بين مسلم بن يسار و [بين](5) عمر رجلاً مبهماً. انتهى.

(1) سورة القصص الآية: (8).

(2)

سورة الذاريات الآية: (56).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في "السنن" رقم (5/ 266).

(5)

زيادة من (أ).

ص: 137

قلت: فهو مرسل إلا أن الأحاديث المرفوعة في ذلك كثيرة صحيحة، وقد ذكر المصنف حديث أبي هريرة الآتي، وذكر في الدر المنثور (1) منها شطراً واسعاً، وفيها أنهم خرجوا في هيئة الذر، ولذا يقال له: عالم الذر.

وقيل: إن الذي مسح (2) ملك [306/ ب] من الملائكة فأضيف الفعل إلى المسيب.

[والحديث مروي من طرق عديدة لا يبعد دعوى تواتر معناها، وللناس كلام كثير](3).

(1)(3/ 601 - 602).

(2)

بل قد ثبت في الحديث الصحيح أن الله عز وجل مسح على ظهر آدم، وهو مسح على حقيقته يليق بجلال الله وعظمته.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة

".

[الترمذي رقم (3076) وابن أبي حاتم في "السنة" (205) والحاكم في "المستدرك" (2/ 325) وصححه. ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح].

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول من جحد آدم إن الله تعالى لما خلقه مسح ظهره، فأخرج منه ما هو من ذراري إلى يوم القيامة، فعرضهم عليه

".

[ابن أبي عاصم في "السنة"(204) وأحمد في "المسند"(227 - شاكر) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، ويتقوى بما قبله.

قال ابن القيم في "مختصر الصواعق"(2/ 171): وورد لفظ اليد في القرآن والسنة، وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط

وأنه مسح ظهر آدم بيده.

(3)

زيادة من (ب).

ص: 138

4 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا خَلَقَ الله آدَمَ عليه السلام مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: أَي رَبِّ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنيهِ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: دَاوُدُ قَالَ: رَبِّ! كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً قَالَ: أَيْ رَبِّ! زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَلَمَّا انْقَضَى عُمْرُ آدَمَ عليه السلام إلا أَرْبِعين جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ آدَمُ: أَوَ لم يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟ قَالَ: فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرَّيَّتُهُ وَنَسِىَ آدَمُ فَأَكَلَ مِن الشَّجَرَة فَنَسِيَتْ ذُرَّيَّتُهُ، وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرَّيَّتُهُ" أخرجه الترمذي (1) وصححه. [صحيح]

قوله في حديث أبي هريرة: "فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة":

فإن قلت: الآية قاضية بأنه تعالى أخذ من ظهور [79/ أ] بني آدم جميعاً لا من ظهر آدم، فكيف تطبيق الحديث على الآية؟

وأجيب: بأنه لا مانع أن يؤخذ كل من ظهر أبيه، والمجموع من ظهر آدم فتكون [تلك](2) الإخراجة التي خرجت دفعةً مثل هذا الإخراج [307/ ب] المفرق أو نحوه.

والحديث يحتمل ذلك، وليس بصريح في خلافه، ويرشد إليه قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} (3) فخلق الأبناء ضمناً في خلق الآباء.

(1) في "السنن" رقم (3076)، وهو حديث صحيح.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

سورة الأعراف الآية: (11).

ص: 139

فإن قلت: وما الحكمة في هذا الإيجاد في عالم الذر؟

قلت: إذا ثبت الحكم عن الله وجب قبوله، وإن لم يعرفنا حكمته، فإنه لا علم لنا إلا ما علمنا، لكنه هنا قد تفضل علينا بذكر الحكمة هو أخذ العهد عليهم بقوله:{وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أي: أنت ربنا، قال:{شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} الآية.

فحكمته أخذ الميثاق عليهم.

إن قلت: هذا الميثاق لا يذكره بنو آدم في دار الدنيا، وإنما أخذه الله لئلا تدعى الغفلة عن الربوبية يوم القيامة كما صرحت به الآية.

قلت: اقتضت حكمة الله أن ينسي العباد ذلك العهد في هذه الدار، ويخلفه بالأدلة الدالة على مثله حتى كأنهم مخاطبون بذلك الخطاب في كل آن، ثم قد صار مذكوراً لنا الآن بإخبار الله تعالى لنا، وإخبار رسوله صلى الله عليه وسلم فيذكرون العهد يوم القيامة كما يذكرون دقيق أعمالهم وجليلها مع نسيانهم الآن لأكثرها كما قال تعالى:{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)} (1) فيذكر هذا العهد.

وهذا العهد أقر كل بني آدم أن الله خالقه وخالق السموات، ومنزل الغيث:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (2)، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} (3) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ

(1) سورة الانفطار الآية: (5).

(2)

سورة الزخرف الآية: (87).

(3)

سورة الزخرف الآية: (9).

ص: 140

مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (1)، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ [308/ ب] وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (2).

وهذه هي فطرة [الله](3) التي فطر الناس عليها، "وكل مولود يولد على الفطرة"(4) وهي الإقرار بالربوبية لله، وذهب الزمخشري (5) ومن تبعه كالبيضاوي (6) وأبي السعود (7)[إلى](8) أن الآية مجاز.

قال جار الله (9): وإشهادهم على أنفسهم وقوله: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} من باب التمثيل والتخييل، ومعنى ذلك: أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أنت ربنا: "شهدنا على أنفسنا" وأقررنا بوحدانيتك، وباب التمثيل واسع في كلام الله ورسوله، وفي كلام العرب إلى آخر كلامه.

(1) سورة العنكبوت الآية: (63).

(2)

سورة يونس الآية: (31).

(3)

سقط من (ب).

(4)

أخرجه "البخاري" رقم (1359) و (1385) و (4775) ومسلم رقم (2658) وأحمد (2/ 393) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح.

(5)

في "الكشاف"(2/ 529).

(6)

في "تفسيره"(1/ 581).

(7)

في "تفسيره"(3/ 267).

(8)

زيادة من (أ).

(9)

في "الكشاف"(2/ 529).

ص: 141

والذي ألجأ أئمة التفسير إلى ارتكاب المجاز (1): أن هذا عهد لا يذكره بنو آدم، وتقدم الجواب عنه.

قالوا: ولأنه لا يؤخذ العهد إلا على من كلف، وأدرك ما يقال له.

وجوابه: لا مانع أنه تعالى كمل عقولهم، وعرفوا ما يقال لهم، والإيمان بالله وحكمته لا تأبى ذلك، وفي المسألة مباحث طويلة.

قوله: "وبيصاً": [أقول](2) بفتح الواو فموحدة فمثناة تحتية فصاد مهملة بريقاً ولمعاناً.

قوله: "فجحد آدم":

أقول: الجحد: إنكار الجاحد ما هو عالم به، ولا لوم على آدم عليه السلام في ذلك، فقد ثبت في الحديث القدسي:"إن العبد يكره الموت وأن الله يكره مساءة عبده المؤمن"(3) فلم يجعل تعالى كراهة الموت ذنباً، فإنه كراهة جبلية طبيعية بشرية، ولا ينافيه حديث:"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"(4) فإنه ليس فيه إلا الإخبار بأن [309/ ب] محبة لقاء الله سبباً لمحبة الله لقاءه، والكاره للموت كاره لكربه وشدائده لا للقاء الله.

(1) تقدم رده.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

أخرجه "البخاري" في "صحيحه" رقم (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه "البخاري" رقم (6508) ومسلم رقم (2686) من حديث أبي موسى الأشعري.

وأخرجه أحمد في "المسند"(3/ 107) من حديث أنس رضي الله عنه.

وأخرجه أحمد في "المسند"(5/ 316) من حديث عبادة بن الصامت.

وأخرجه أحمد في "المسند"(6/ 44) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 142

قوله: "فجحد بنو آدم":

أقول: فيه أن طباع الآباء يرثها في الغالب الأبناء في الطباع والأخلاق، ولذا قال بنو إسرائيل لمريم:{مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)} (1) فأنكروا أن تأتي بخلاف ما كان عليه قراباها، وفي عكسه قال إخوة يوسف:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (2)، فلا يستنكر إن أتى منه ما أتى من أخيه شقيقه، ولذا قيل:

يَنْشَو الصَّغيرُ على ما كان والده

إنَّ [العروق](3) عليها تَنْبتُ الشَّجرُ

ثم لا أدري هل أعطي آدم الأربعين بعد الجحد أم أقام الله عليه بينة هبته، وكانت [](4) فمن وجد أحد الأمرين ألحقه.

قوله: "ونسي آدم":

أقول: إشارة إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} ولا لوم عليه في النسيان لأنه جبلي لا يخلو عنه البشر إنما يؤمر العبد بالاحتراز عن أسبابه، والغفلة عن التحفظ عنها، فنسيت ذريته، أي: كان من طبائعها النسيان، وظاهره أن الجحد والنسيان لولا صدورهما عن أبي البشر لما اتفق ذلك لأولاده كما فسرته آنفاً.

(1) سورة مريم الآية: (27).

(2)

سورة يوسف الآية: (77).

(3)

كذا في المخطوط، والذي في "جمهرة الأمثال"(2/ 380) الأصول.

(4)

كلمة غير مقروءة.

ص: 143

قوله: "وخطي آدم": أي: ارتكب الخطيئة. والذي يظهر لي أنه أريد بنسيان الذرية نسيانهم العهد الذي أخذ عليهم في الآية الذي ورد الحديث تفسيراً لها، وذكره هنا لذلك، والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم[80/ أ]، [310/ ب].

[قوله](1): "بأكله الشجرة": [فارتكبت](2) الخطايا ذريته، ونرجو أن يوفق للتوبة كما وفق آدم كما قال تعالى:{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)} (3).

واعلم أن هذا سيأتي في حرف الخاء المعجمة في بدء الخلق، وفيها زيادات منها أنه كتب عُمْر كلّ إنسان بين عينيه، وأن عُمر داود كُتب أربعين سنة فزاده آدم من عمره ستين، وكان عمر آدم ألف سنة.

والحديث أخرجه الترمذي (4) عن أبي هريرة أيضاً إلا أنه قال (5): وهذا الحديث حسن صحيح، وقال في الحديث الآتي: حسن غريب. وما وصفه بالصحة مقدم على ما وصفه بالغرابة، فهذه الرواية أرجح من الآتية.

قلت: والذي أظنه أنه انقلب على بعض الرواة فجعل الأربعين عمر داود والستين هبة آدم، وهو بالعكس كما صرحت به هذه الرواية التي صححها الترمذي، ويؤيد الانقلاب أنه تعالى قد علم طبعاً أن داود سيجعله نبياً، وثبتت حكمته تعالى أن لا يرسل نبياً إلا بعد بلوغه سن الأربعين، فلو كتب عمر داود أربعين لما تم إرساله نبياً، ولا أنزل عليه [الزبور](6)

(1) زيادة من (ب).

(2)

في (ب) فارتكب.

(3)

سورة طه الآية (122).

(4)

في "السنن" رقم (3076)، وهو حديث حسن.

(5)

في "السنن"(5/ 267).

(6)

في (أ) الإنجيل.

ص: 144

وجعله الله خليفة، فلا بد، وأن يكون قد كتب عمره زيادة على الأربعين، وهي العشرون، فالانقلاب في متون الأحاديث [قد اتفق في أحاديث](1) ويؤيده أنا لم نجد رواية في "الدر المنثور"(2) بأن عمر داود أربعون مع توسعه في النقل، بل كل ما فيه من الروايات أنه ستون.

إن قلت: إنه تعالى قدر [311/ ب] نبوته بعد علمه أن آدم يهب له عشرين عاماً تكون فيه نبوته وخلافته.

قلت: هذا ينبني على أن هبة آدم تمت لداود، وقد قدمنا لك أنه لم يأت ما يدل على ردها لآدم، ولا على عدمه إلا أن في رواية أخرجها ابن أبي حاتم (3)، وابن منده (4) وأبو الشيخ (5) في [العظمة](6) وابن عساكر (5) عن أبي هريرة، وفيه أنه قال آدم:"فزده من عمري أربعين سنة قال: [أ] (7) تفعل يا آدم؟! قال: نعم. يا رب. قال: فنكتب ونختم إنا إن كتبنا وختمنا لم نغير. قال: فافعل أي رب! " الحديث. فيحتمل أنه تعالى ما كتبه وختمه، ولم يغيره وجب، فلا ترد الهبة.

قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (8): هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. [انتهى](9).

(1) زيادة من (أ).

(2)

(3/ 600 - 604).

(3)

في "تفسيره"(5/ 1612 - 1613).

(4)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 622 - 623).

(5)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 623).

(6)

في (ب) العطية.

(7)

زيادة من (أ).

(8)

في "السنن"(5/ 267).

(9)

زيادة من (أ).

ص: 145

5 -

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ عليها السلام طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكانَ لَا يَعِيشُ لهَا وَلَدٌ. فَقَالَ: سَمِّيهِ عبد الحَارِثِ. فَإنَّه يَعِيْش، فَسَمَّتْهُ فَعَاشَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ". أخرجه الترمذي (1). [ضعيف]

قوله: "فَسَمَّتْهُ فعاش":

أقول: وكان إبليس يسمى في الملائكة الحارث، وأنزل الله في ذلك:{فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} إلى قوله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} (2) يريد بالشرك تسمية الولد بعبد الحارث أطلق الشرك على المعصية، وهو يطلق عليها كثيراً.

وأخرج ابن جرير (3) عن ابن عباس قال: "كانت حواء تلد لآدم أولاداً فتعبدهم لله عبد الله، وعبيد الله، ونحو ذلك فيصيبهم الموت، فأتاها إبليس وآدم فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش، فولدت ولداً فسمياه عبد الحارث".

وأخرج ابن جرير (4) وابن المنذر (5).

(1) في "السنن" رقم (3077) وهو حديث ضعيف.

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 11) والحاكم (2/ 545) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(5/ 1631) والطبراني في الكبير رقم (6895).

(2)

سورة الأعراف الآية: (189 - 190).

(3)

في "جامع البيان"(10/ 624).

(4)

في "جامع البيان"(10/ 621 - 622).

(5)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 623).

ص: 146

و [ابن](1) أبي [312/ ب] حاتم (2) وغيرهم (3) عن سعيد بن جبير مثله بأطول منه، وفيه:"فسمته عبد الحارث، وكان اسمه في الملائكة الحارث".

وفي الباب [روايات](4) بمعناه كثير [ة](5).

قوله: "أخرجه الترمذي":

قلت: وقال (6): هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصمد لم يرفعه. انتهى.

6 -

وَعَن ابن الزُّبَيْر رضي الله عنهما قَالَ: مَا نَزَلَتْ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ. أخرجه البخاري (7) وأبو داود (8). [صحيح]

7 -

وفي أخرى لهمَا (9): أَمَرَ الله نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ.

قوله: "في أخلاق الناس": [صحيح]

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

في "تفسيره"(5/ 1634 رقم 8654).

(3)

انظر "الدر المنثور"(3/ 624 - 625).

(4)

زيادة من (أ).

(5)

زيادة من (أ).

(6)

في "السنن"(6/ 268).

(7)

في "صحيحه" رقم (4643).

(8)

لم يخرجه أبو داود.

(9)

أخرجه "البخاري" في "صحيحه" رقم (464) والترمذي في "السنن" رقم (4787).

ص: 147