الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب: تأليف القرآن [وترتيبه وجمعه
(1)]
قال ابن حجر (2): أي: جمع آيات السورة الواحدة، أو جمع السور مرتبة في المصحف.
قوله: "وترتيبه" أي: ترتيب سوره لما يأتي أن ترتيب الآيات (3) توقيفي، ويأتي ما يدل على خلافه (4).
قوله: "وجمعه" أي: ضم بعضه إلى بعض في المصحف.
1 -
عَنْ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقاَلَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيمامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ؛ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي كُلِّ الْمَواطِنِ، فَيَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، وإنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ أَفْعَلُ ما لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُراجِعُنِي في ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ في ذَلِكَ الَّذِي رَأَى، قالَ زَيْدٌ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ واجْمَعْهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَوالله لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ واللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصارِيِّ لَمْ أَجِدْها مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ، وَكَانَتِ
(1) زيادة من (ب).
(2)
في "فتح الباري"(6/ 39).
(3)
تقدم توضيحه مفصلاً.
(4)
تقدم الرد على ذلك، وأن ترتيب الآيات توقيفي بالإجماع.
الصُّحُفُ عِنْدَ أَبي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله تَعَالَى، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله تَعَالَى، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رضي الله عنهم. أخرجه البخاري (1) والترمذي (2). [صحيح]
وقوله: "اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ (3) " أي: كثر، "واللِّخَافُ (4) " جَمْعُ لَخْفَةٍ، وهي حجارة بيض رقاق. قوله:"عن زيد بن ثابت" هو زيد بن ثابت (5) بن الضحاك، من بني النجار من الأنصار، كان كاتباً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما مات قال ابن عباس: هكذا ذهاب العلماء، دفن اليوم علم كثير، وهو الفرضي العالم الكبير.
قوله: "مقتل أهل اليمامة" أي: عقب قتل من قتل من الصحابة في جهادهم مسيلمة الكذاب، وذلك أنه كان قد ادعى النبوة، وعظم أمره بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بارتداد كثير من العرب، فجهز إليه أبو بكر خالد بن الوليد [135/ أ] في جمع كثير من الصحابة، فحاربوه أشد محاربة إلى أن خذله الله وقتله، وقتل هنالك من الصحابة جماعة كثيرة.
قوله: "قد استحر"، بسين مهملة ساكنة، ومثناة فوقية مفتوحة، وحاء مهملة مفتوحة وراء مشددة. أي: كثر واشتد.
قوله: "لا وكيف أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(1) في صحيحه رقم (4679).
(2)
في "السنن" رقم (3103).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 356)، "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري (1/ 396).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 595).
(5)
"الاستيعاب" رقم (805) ط: الأعلام.
قال الخطابي (1): إنما لم يجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن في مصحف واحد، لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه، أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاءً بوعده الصادق بحفظه على هذه الأمة.
قوله: "العُسُب (2) " بمهملتين مضمومتين فموحدة، جمع عسيب، وهو جريد [464/ ب] النخل، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف [العريض](3)، واللخاف (4) بكسر اللام وتخفيف الخاء المعجمة، وفاء جمع لَخفة بفتح اللام وسكون المعجمة صفائح الحجارة الرقاق فيها عرض ورقة.
واعلم أنهم نقلوه فيما ذكر إلى أوراق وقراطيس.
قوله: "آخر سورة التوبة مع خزيمة" قال في أي مكتوبة مع كونها محفوظة عنده وعند غيره؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر. انتهى.
قلت: ولا يخفى أنه خلاف صريح كلام زيد سيما مع قوله الآتي: "ولم أجدها عند أحد غيره".
قوله: "أو أبي خزيمة" في الترمذي وعند أحمد "خزيمة" من غير شك.
قال الحافظ ابن حجر (5): الصواب أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية، واسمه الحارث بن خزيمة، والذي وجد معه آية الأحزاب خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين [135/ أ].
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 345).
(2)
انظر: "غريب الحديث" للهروي (3/ 156)، "الفائق" للزمخشري (2/ 431).
(3)
في المخطوط العرض، وما أثبتناه من "فتح الباري"(9/ 14).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 595).
(5)
في "فتح الباري"(8/ 345).
2 -
وَعَن الزُّهْرِي أَنَّ أنَسَ رضي الله عنه: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنهما فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا في الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ والنَّصارَى، فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَنَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ، وَعبد الله بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعاصِ، وَعبد الرَّحْمَنِ بْنَ الْحارِثِ بْنِ هِشَامٍ رضي الله عنهم فَنَسَخُوهَا، وَقَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ: إِذا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ، وَزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فاكْتُبُوهُ بِلِسانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ أَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ، وَأَمَرَ بِما سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ في كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. قالَ زَيْدَ رضي الله عنه: فَفَقَدْتُ آية مِنْ سُورةِ الأَحْزابِ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا، فالْتَمَسْتُهَا فَوَجَدْتُهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَهادَتْهُ بِشَهادَةِ (1) رَجُلَيْنِ، وَهِيَ:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا مِنَ الْمُصْحَفِ. أخرجه البخاري (2) والترمذي (3). [صحيح]
3 -
وفي رواية: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (4): وَاخْتَلَفُوا يَوْمَئِذٍ فِي التَّابُوتِ فَقَالَ زَيْدٌ: التَّابُوهُ، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْعاصِ: التَّابُوتُ، فَرَفَعُوا اخْتِلَافَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَالَ: اكْتُبُوهُ التَّابُوتُ فَإِنَّهُ بِلِسانِ قُرَيْشْ. [صحيح]
(1) أخرج القصة أبو داود في "السنن" رقم (3607)، والنسائي رقم (4647)، من حديث عمارة بن خزيمة.
(2)
في صحيحه رقم (4987، 4988).
(3)
في "السنن" رقم (3104).
(4)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3607)، و (3104).
قوله: "يحرق (1) " روى بالخاء المعجمة وبالمهملة، والإحراق إذا كان للصيانة لا للإهانة لا بأس به.
قوله في حديث الزهري: "أن حذيفة قدم على عثمان" كان قدومه من الشام فأفزعه اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: ما قال، قال له عثمان؟ وما ذاك؟ قال: غزوت أرمينية فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، ويأتون بما لم أسمع أهل العراق، وأهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما [465/ ب] لم أسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضاً.
[قوله](2): "فقال للرهط القرشيين" وهم (3) من عدى زيد بن ثابت فإنه أنصاري.
قوله: "فإنما نزل بلسانهم" يريد معظمه، وإلا ففيه بلسان غيرهم أشياء.
قال الداودي (4): أي: إذا اختلفتم من الهجاء لا الإعراب، وقيل: أراد الإعراب، وقيل: أرادهما معاً، ألا ترى أن لغة أهل الحجاز:{مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] فلم بشر.
قوله: "إلى كل أفق بمصحف".
قال أبو حاتم السجستاني (5): نسخوا سبعة مصاحف فأرسل بستةٍ إلى مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة، وبقي واحدة بالمدينة.
(1) انظر: "فتح الباري"(9/ 20 - 21).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
يعني: سعيداً، وعبد الله، وعبد الرحمن؛ لأن سعيد أُموي، وعبد الله أسدي، وعبد الرحمن مخزومي، وكلها من بطون قريش، "فتح الباري"(9/ 20).
(4)
انظر: "فتح الباري"(9/ 18، 22).
(5)
انظر: "المصاحف" لابن أبي داود (ص 34 - 35)، "فتح الباري"(9/ 20).
قوله: "أن يحرق" الأكثر (1) أنه بالخاء المعجمة والزاي، وقال ابن عطية: بالحاء المهملة، أي: والراء، ولبعض رواة البخاري بهما.
(فائدة): أول من سمى المصحف (2) مصحفاً عتبة بن مسعود، أخو عبد الله، والمصحف
مثلث الميم، والفرق بين الصحف والمصحف: أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها
القرآن في عصر أبي بكر، وكان سوراً مفرقة، كل سورة مرتبة بآياتها، لكن لم ترتب بعضها إثر
بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفاً.
4 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ بْن كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، قِيْلَ لأَنَسِ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي. أخرجه الشيخان (3) والترمذي (4). [صحيح]
5 -
وَفِي أُخْرَى لِلْبُخَارِي (5): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِيْلَ لَهُ: وَما الْمُحْكَمُ؟ قالَ الْمُفَصَّلُ. [صحيح]
قوله في حديث أنس: "أربعة كلهم من الأنصار" اختلف [466/ ب] في توجيهه، فإنه قد جمعه (6) جماعة سواهم، فقيل: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك، وقيل: قاله أنس باعتبار ما وصل إليه علمه، وجمع بعضهم أسماء من جمع القرآن من مجموع الروايات.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 20).
(2)
انظر: "فتح الباري"(9/ 30 - 32).
(3)
أخرجه البخاري رقم (3810) ومسلم رقم (2465).
(4)
في "السنن" رقم (3794).
(5)
في صحيحه رقم (5036).
(6)
انظر: "فتح الباري"(7/ 128).
فقال:
أُبي وسعد مع معاذ مجمع
…
وزيد أبو الدرداء ثم أبو زيد
وأبو زيد (1) هو: سعيد بن عبيد مصغر الأوسي البدري يعرف بسعيد القارئ.
وقيل: هو قيس بن السكن، ولذلك قال أنس: أحد عمومتي، وقال ابن معين: هو ثابت بن زيد بن مالك الأشهلي.
قوله: "المفصل" يأتي بيانه والخلاف من ابتدائه، وانتهاؤه سورة الناس اتفاقاً.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 127 - 128).