الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا حَرَّمَهُ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ، وَمَا جَانَسَهَا مِنْ آيَاتِ مَكَّةَ مُرْتَفِعٌ حُكْمُهَا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بَلْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِشَرِيعَةِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ، وَالنَّسَفِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] أَيْ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام كَالشُّحُومِ، وَالثُّرُوبِ، وَالسَّمَكِ، وَلُحُومِ الْإِبِلِ، وَالْعَمَلِ فِي السَّبْتِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْعَهُ مَا كَانَ نَاسِخًا لِشَرْعِ مُوسَى، وَثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ بِشَرْعِنَا بِنَهْيِ الْقُرْآنِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ مِمَّا حُرِّمَ فِي شَرْعِهِمْ اهـ وَقَالَ النَّسَفِيُّ قَالَ يَمَانُ بْنُ رَبَابَ هِيَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ اللُّحُومِ، وَالشُّحُومِ، وَكُلِّ ذِي ظُفُرٍ.
[حُكْمِ أَكْلِ الْفَسِيخِ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي حُكْمِ أَكْلِ الْفَسِيخِ الْمَعْرُوفِ بِمِصْرَ
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ حُكْمُهُ الْحُرْمَةُ لِنَجَاسَتِهِ بِشُرْبِهِ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ حَالَ وَضْعِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: " وَدَمٌ مَسْفُوحٌ وَإِنْ مِنْ سَمَكٍ فَمَا شَرِبَهُ مِنْ الْمِلْحِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ نَجِسٌ " وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي أَكْلِ الْيَهُودِ ذَا الظُّفُرِ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ وقَوْله تَعَالَى " {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] " الْآيَةُ حِكَايَةٌ عَنْ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ الْمَنْسُوخَةِ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ لَهُ تَذْكِيَتُهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَمَا وَجْهُ ذَلِكَ مَعَ إبَاحَتِهِ لَهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ أَكْلُ الْيَهُودِ ذَا الظُّفُرِ مُبَاحٌ وقَوْله تَعَالَى:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [الأنعام: 146] الْآيَةُ إخْبَارٌ عَنْ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ تَكْذِيبًا لَهُمْ فِي إنْكَارِهِمْ ذَلِكَ وَقَوْلِهِمْ " نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ " لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ شَيْئًا وَ {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] كَمَا أَطْبَقَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَعْبِيرُهُ تَعَالَى بِالْمَاضِي، وَتَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146] " فَإِنَّ الصِّدْقَ مِنْ خَوَاصِّ الْخَبَرِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ، وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ مَنْسُوخَةٌ بِشَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ هَذَا التَّحْرِيمُ الْمَحْكِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ مَنْسُوخًا نَسْخًا مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] " الْآيَةُ نَصٌّ فِي نَسْخِهِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] " وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ
أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَحَدُ إمَامَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِهِ عَقِبَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى " {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] وَمِنْ ذِي الظُّفُرِ مَا نَصُّهُ، وَلَيْسَ بِنَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ قَدْ نُسِخَتْ، وَلَكِنْ بِنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ كَانَ بِبَغْيِهِمْ، وَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْأَبَ، وَالْحَبِيبَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ عَلَى الِابْنِ، وَالْحَبِيبِ بِأَدْنَى ظُلْمٍ.
وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا كَانُوا يُخْفُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِاَللَّهِ عَلِمَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنْهُ إلَيْهِ اهـ. نَقَلَهُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَرَضُنَا مِنْهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ نُسِخَتْ، ثُمَّ نَقُولُ: بَلْ لَنَا بِذَلِكَ حَاجَةٌ؛ لِأَنَّا، وَإِنْ أَبَحْنَا لَهُمْ ذَا الظُّفُرِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَذْكِيَتُهُ لِمَا سَتَعْلَمُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ نَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَالْعَدَوِيُّ وَالدُّسُوقِيُّ، وَصَرَّحَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ بِنَسْخِ التَّحْرِيمِ الْمَحْكِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا إبَاحَةُ أَكْلِ الْيَهُودِ ذَا الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ فِي الْآيَةِ فِي شَرِيعَتِنَا إبَاحَةً مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ ذَبْحُهُ، وَلَا نَحْرُهُ، وَإِنْ ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ صَارَ مَيْتَةً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَيْنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ التَّذْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَلَوْ مِنْ الْكِتَابِيِّ اتِّفَاقًا؛ وَلِذَا لَا تُؤْكَلُ مَوْقُوذَتُهُ الَّتِي صَادَفَتْ وَقْذَتُهُ فِيهَا هَيْئَةَ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِيهِ لِاعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَهُ كَمَا لَا تُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي ذَبْحِ الْخِنْزِيرِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ؛ وَلِذَا شَرَطَ أَئِمَّتُنَا فِي صِحَّةِ ذَبْحِ، وَنَحْرِ الْكِتَابِيِّ فِعْلَهُ فِيمَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَهُ قَالُوا فَإِنْ ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ صَارَ مَيْتَةً مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَيْنَا إنْ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ بِشَرْعِنَا، وَإِنْ نُسِخَ كَذِي الظُّفُرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَهُودِ، وَأَلَّا يَثْبُتَ بِشَرْعِنَا بِأَنْ أَخْبَرَنَا هُوَ بِهِ فَقَطْ كُرِهَ لَنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي إخْبَارِهِ، وَأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ حِلَّهُ لَهُ فَيَتَأَتَّى مِنْهُ نِيَّةُ الذَّكَاةِ فِيهِ، وَاحْتِمَالُ صِدْقِهِ فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ فِيهِ فَتَوَسَّطْنَا بِالْكَرَاهَةِ، وَلَوْلَا الِاضْطِرَابُ مِمَّنْ وُسِمُوا بِالْعِلْمِ، وَتَصَدَّوْا لِلتَّعْلِيمِ، وَأَفْنَوْا عُمُرَهُمْ فِيهِ مَا تَعَرَّضْت لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ " {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ أَجْمَعِينَ صَلَاةً، وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
كَتَبَ إلَيَّ بَعْضُ الْإِخْوَانِ مَا نَصُّهُ: إنَّك أَزَلْت فِي مَسْأَلَةِ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ - غِطَاءَ جَهْلٍ كَانَ عَلَى آبَاءِ أَمْثَالِنَا، وَنَحْنُ عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ إلَى أَنْ كَشَفْتَهُ بِسَنَا نُورِكَ، وَفَيْضِ اللَّهِ عَلَيْكَ مِنْ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ عَلَى الْيَهُودِ بِشَرْعِنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّكَ دَخَلْت بِهَذَا تَحْتَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَلَكِنْ أَسْتَعْلِمُكَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا وَرَدَ عَلَى فِكْرِي، وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ حِكَايَةٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ يُنَاقِضُهُ
قَوْله تَعَالَى " {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] لِأَنَّ ظُلْمَهُمْ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ نَقْضِهِمْ الْمِيثَاقَ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَبُهْتَانِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ وَقَوْلِهِمْ إنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ سَبَبٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَالتَّحْرِيمُ وَقَعَ فِي التَّوْرَاةِ كَمَا اقْتَضَاهُ آيَتُهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَظُلْمُهُمْ هَذَا بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَالسَّبَبُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمُسَبِّبِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ فِي تَفْسِيرٍ قَوْله تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ {أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] أَيْ، وَكَانَ إحْلَالُهَا لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} [الأنعام: 146] الْآيَةَ اهـ. وَالتَّوْرَاةُ نَزَلَتْ جُمْلَةً لَمْ يَنْسَخْ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 93] الْآيَةَ لِقَوْلِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ نَزَلَ لَمَّا قَالَ الْيَهُودُ إنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانَهَا {كُلُّ الطَّعَامِ} [آل عمران: 93] الْآيَةَ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهَا " {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ تَكْذِيبًا لَهُمْ فِي ادِّعَائِهِمْ التَّحْرِيمَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وقَوْله تَعَالَى {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} [آل عمران: 93] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي التَّوْرَاةِ، وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [الأنعام: 146] حِكَايَةً عَنْ التَّوْرَاةِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ غَرَضِي بِالْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَحْرِيرَ كَوْنِ تَحْرِيمِ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ وَقَعَ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ سِوَاهَا إذَا لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ إنَّمَا كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُمَا إبْطَالَ مَا اعْتَقَدَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَقَدْ تَبِعْت فِي قَوْلَيْ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي إخْبَارٌ عَنْ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ - عِبَارَةَ الْإِمَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُنَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَهِيَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ فَتُوَافِقُ عِبَارَتِي فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، وَشَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ تَصْدُقُ بِمَا عُلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ بِمَا عُلِمَ مِمَّا نَزَلَ عَلَى مُوسَى بَعْدَهَا إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ تَحْرِيمَ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانِهَا عَلَى الْيَهُودِ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ حُرِّمَ عَلَى نُوحٍ قَبْلَهُمْ، وَأَنَّهُ دَامَ إلَى إبْرَاهِيمَ حَتَّى قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَتَسْتَحِلُّ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مِمَّا نَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَلَيْنَا الْيَوْمَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَكَذَّبَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ} [آل عمران: 93] الْآيَاتِ.
وَأَمَّا تَحْرِيمُ ذِي الظُّفُرِ، وَمَا مَعَهُ فَكَانَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَحَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِآيَتَيْ النِّسَاءِ، وَالْأَنْعَامِ تَكْذِيبًا لَهُمْ، وَرَدًّا عَلَيْهِمْ فِي إنْكَارِهِمْ ذَلِكَ وَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وَأَحِبَّاؤُهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا شَيْئًا إنَّمَا حَرَّمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَرَعًا، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِوُقُوفِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ، وَنَصُّهُ وقَوْله تَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} [آل عمران: 93]