الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنْ كَانَ الْفُولُ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِاغْتِفَارِهِمْ ثُلُثَ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ بِاتِّفَاقِ الْحَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُ وَالرَّمَاصِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتِرَاطٌ فِي إجْزَاءِ إخْرَاجِ غَيْرِ التِّسْعَةِ، وَمِنْهُ الْقَطَانِيُّ انْفِرَادُهُ بِالِاقْتِيَاتِ، وَالْوُجُودِ، وَالثَّانِي اُشْتُرِطَ فِيهِ انْفِرَادُهُ بِالِاقْتِيَاتِ فَقَطْ، وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وُجِدَ الْقَمْحُ، وَاقْتِيتَ مَعَ الْفُولِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ جَزَّأَ مُعَشَّرَهُ قَتًّا عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، وَخَيَّرَ الْمُسْتَحِقَّ فِي أَخْذِ وَاحِدٍ مِنْهَا فَهَلْ يُجْزِئْهُ فِي الزَّكَاةِ أَفِدْنَا الْجَوَابَ؟ .
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ أَجْزَأَهُ فِيهَا.
[مَسَائِلُ الصِّيَامِ]
[الِاعْتِمَاد فِي ثُبُوتِ رَمَضَانَ وَشَوَّالَ عَلَى حِسَابِهِ سَيْرَ الْقَمَرِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الصِّيَامِ (مَا قَوْلُكُمْ) : فِيمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ، وَالدِّيَانَةِ مِنْ اعْتِمَادِهِ فِي ثُبُوتِ رَمَضَانَ، وَشَوَّالَ عَلَى حِسَابِهِ سَيْرَ الْقَمَرِ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِالْبَصَرِ، وَاتَّفَقَ لَهُ مِرَارًا صَوْمُهُ قَبْلَ عُمُومِ النَّاسِ بِيَوْمٍ، وَفِطْرُهُ قَبْلَهُمْ كَذَلِكَ، وَيُظْهِرُ ذَلِكَ لِخَوَاصِّهِ، وَأَحْبَابِهِ، وَيُقَلِّدُونَهُ فِيهِ، وَرُبَّمَا تَعَدَّى الْأَمْرُ لِغَيْرِهِمْ فَقَلَّدَهُ أَيْضًا، وَكَادَ أَنْ يَتَّسِعَ هَذَا الْخَرَقُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ سَاكِتُونَ عَلَيْهِ فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مُوَافَقَتُهُمْ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ ضَلَالٌ يَجِبُ إنْكَارُهُ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ حَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَتَحْرُمُ مُوَافَقَتُهُمْ فِيهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِطَرِيقِ الصَّوَابِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَالْآلِ، وَالْأَصْحَابِ نَعَمْ هُوَ ضَلَالٌ تَحْرُمُ مُوَافَقَتُهُمْ فِيهِ، وَيَجِبُ إنْكَارُهُ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ إذْ هُوَ هَدْمٌ لِلدِّينِ، وَمُصَادِمٌ لِصَرِيحِ حَدِيثِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَوُقُوعُهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى جَهْلِهِ الْمُرَكَّبِ، وَعَدَمِ دِيَانَتِهِ، وَاخْتِلَالِ عَدَالَتِهِ، وَدَنَاءَةِ هِمَّتِهِ، وَعَدَمِ مُرُوءَتِهِ، وَأَنَّ مَقْصُودَهُ الشُّهْرَةُ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] "، وَالْوَاقِعُ مِنْ هَذَا، وَأَتْبَاعِهِ لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُنَجِّي تَقْلِيدُهُمْ يَوْمَ الْأَهْوَالِ الْعُظْمَى، وَذَلِكَ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّلَ فِي صَوْمِهِ، وَفِطْرِهِ عَلَى الْحِسَابِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ النَّظَرِ إلَى الْأَهِلَّةِ، وَإِنَّمَا
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَأُغْمِيَ الْهِلَالُ هَلْ لَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى حِسَابِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ يَعْمَلُ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةٍ.
وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالنُّجُومِ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ سَمْتُ الْقِبْلَةِ، وَأَجْزَاءُ اللَّيْلِ جَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ.
وَأَمَّا النَّظَرُ فِي أَمْرِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ مِنْ كَمَالِهَا دُونَ رُؤْيَةِ أَهِلَّتِهَا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي إذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّلَ فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ عَلَى ذَلِكَ فَيَسْتَغْنِي عَنْ النَّظَرِ إلَى الْأَهِلَّةِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ إذَا أُغْمِيَ الْهِلَالُ هَلْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا فَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ يَعْمَلُ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِمَامِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَلَا يُتَّبَعُ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كُنْت أُنْكِرُ عَلَى الْبَاجِيِّ نَقْلَهُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِتَصْرِيحِ أَئِمَّتِهِمْ بِلَغْوِهِ حَتَّى رَأَيْتُهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ، وَقَدْ رَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَأَطَالَ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ، وَقَاعِدَةُ رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة
وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِسَابِ قَالَ سَنَدٌ إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ، وَلَا يَجُوزُ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] الِاهْتِدَاءُ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ، وَلِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ قَالَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْجَزْمُ قَالَ، وَالْحَاسِبُ، وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ، وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ، وَهُوَ مَنْ يَرَى أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعَ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا مَعًا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ.
قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ أَيْ فِي ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ بِحِسَابِهِ أَيْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِشَرْطِ الْإِغْمَاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْمَعْلُومِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ لِفَرْقِ الْإِمَامِ الْقَرَافِيُّ بَيْنَهُمَا قَالَ، وَالْفَرْقُ هَاهُنَا، وَهُوَ عُمْدَةُ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى نَصَّبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَكَذَلِكَ
بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ فَمَنْ عَلِمَ سَبَبًا بِأَيِّ طَرِيقٍ لَزِمَهُ حُكْمُهُ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ، وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَلَمْ يَجْعَلْ خُرُوجَهَا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ بَلْ نَصَّبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ هُوَ السَّبَبُ فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَحْصُلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «صُومُوا لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» ، وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لَمَيْلِهَا اهـ.
وَقَدْ قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَحْوُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْفَتْوَى، وَالْعَمَلِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ، وَطَرْحِ الشَّاذِّ، وَالضَّعِيفِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا نَذْكُرُ وُجُودَ رِوَايَةٍ بِجِوَارِ الْعَمَلِ بِالْحِسَابِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة بَلْ نَعْتَرِفُ بِهَا فِي الْمَذْهَبَيْنِ، وَلَكِنَّهَا شَاذَّةٌ فِيهِمَا، وَمُقَيَّدَةٌ بِخَاصَّةِ النَّفْسِ، وَبِالْغَيْمِ فَبَانَ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ضَلَالٌ لَا يُوَافِقُ حَتَّى الرِّوَايَةَ الشَّاذَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَجَاهَرُونَ بِالصَّوْمِ أَوْ الْفِطْرِ قَبْلَ النَّاسِ، وَيَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ مَعَ الصَّحْوِ، وَعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ لِضَعْفِ نُورِ الْهِلَالِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ بِالْحُكْمِ زَجْرُهُمْ، وَتَأْدِيبُهُمْ أَشَدَّ الزَّجْرِ، وَالْأَدَبِ لِيَنْسَدَّ بَابُ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْخَلَلِ فِي رُكْنِ الدِّينِ، وَمُخَالَفَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَعَ قَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ قَطْعًا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَا، وَيُطْرَحُ كَلَامُ أَهْلِ الْحِسَابِ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُعْمَلُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ، وَيُطْرَحُ كَلَامُ أَهْلِ الْحِسَابِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ، وَنَصُّهُ: لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَقَالَ أَهْلُ الْحِسَابِ إنَّهُ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ قَطْعًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ أَمْرٌ قَطْعِيٌّ، وَالشَّهَادَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ، وَقَدْ سُئِلَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ الْكَبِيرُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورِ.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ رَدَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيُؤَيِّدُ الْمُنَازِعَ فَرْقُ الْقَرَافِيُّ الْمُتَقَدِّمُ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ الشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ ثَبَتَتْ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ، وَالْعِشْرِينَ الَّذِي تَلِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةُ فَهَلْ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَمْ لَا؟ لَمَّا اُشْتُهِرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا لَمْ يُرَ الْقَمَرُ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ تَامًّا لَمْ يُرَ يَوْمَيْنِ.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُشْتُهِرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ عَوَّلَ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَنَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ مَغِيبِ الْقَمَرِ ثَالِثَ لَيْلَةٍ مِنْ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَهَلْ هُوَ قَادِحٌ فِي الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم -