الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِلْجَاعِلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَأَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ مَنْفَعَةٌ كَانَتْ لِلْجَاعِلِ، أَوْ غَيْرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنْ جِئْتَ بِعَبْدِ فُلَانٍ الْآبِقِ فَلَكَ كَذَا لَكَانَ جَعْلًا صَحِيحًا وَالْتِزَامًا لَازِمًا؟ وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْفَعَةٍ لِلْجَاعِلِ إمَّا عَاجِلًا، أَوْ آجِلًا، أَوْ عَاجِلًا وَآجِلًا وَلِذَلِكَ لَمْ يُمَثِّلُوا لِلْفِعْلِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ إلَّا بِنَحْوِ قَوْلِهِمْ أَصْعَدْ هَذَا الْجَبَلَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[النَّوْعُ الْخَامِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزِمِ]
ِ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْمُلْتَزَمِ لَهُ لِلْمُلْتَزِمِ، أَوْ لِغَيْرِهِ شَيْئًا وَتَمْلِيكُهُ إيَّاهُ نَحْوُ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك، أَوْ دَارَك، أَوْ فَرَسَك، فَقَدْ الْتَزَمْتُ لَك بِكَذَا أَوْ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا الشَّيْءُ الَّذِي يُسَمِّيه، أَوْ فَقَدْ أَسْقَطْتَ عَنْك الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك، أَوْ إنْ أَعْطَيْت ذَلِكَ لِفُلَانٍ، أَوْ إنْ أَسْقَطْت الدَّيْنَ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ فَلَكَ عَبْدِي الْفُلَانِيُّ، أَوْ دَارِي، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ بَابِ هِبَةِ الثَّوَابِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا سَمَّى فِيهَا الثَّوَابَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَلَمْ يَحْكُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمِ عَلَيْهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَهْلِ وَالْغَرَرِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ مِمَّا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ.
وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْضًا كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا آبِقًا وَلَا بَعِيرًا شَارِدًا وَلَا جَنِينًا وَلَا ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَعَامَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَرْدَبًّا مِنْ الْقَمْحِ فَلَكَ عِنْدِي قِنْطَارٌ مِنْ السَّمْنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَالطَّعَامَانِ حَاضِرَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ كَقَوْلِهِ إنْ الْتَزَمَتْ لِي بِثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ فِي ذِمَّتِي عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، أَوْ إنْ أَسْقَطْت عَنِّي الدَّيْنَ الَّذِي لَك عَلَيَّ فَلَكَ فِي ذِمَّتِي كَذَا وَكَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّلَ أَحَدُهُمَا بِأَجْلٍ مَجْهُولٍ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ مُمَيِّزًا وَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَائِعًا رَشِيدًا.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَعْطَيْتنِي، أَوْ إنْ مَلَكْتنِي، أَوْ إنْ وَهَبْتنِي، أَوْ إنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيَّ مِمَّا يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ حَتَّى لَفْظُ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يُقْضَى فِيهَا بِالثَّوَابِ إذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ لَزِمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ
فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ فِي الْمَرْأَةِ تَضَعُ عَنْ زَوْجِهَا مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهَا مَنْزِلَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ.
(الثَّانِي) إذَا قَالَ الْمُلْتَزِمُ بِكَسْرِ الزَّايِ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك فُلَانًا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ قَدْ أَعْطَيْتُك ذَلِكَ أَوْ قَدْ فَعَلْت، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْعَطَاءِ، فَإِنْ أَجَابَهُ الْآخَرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ، فَقَدْ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا الْتَزَمَهُ بِالْقَوْلِ الصَّادِرِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَالثَّوَابُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ لَا أَرْضَى، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَك هَلْ تَرْضَى أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ بِهِ مَا أَرَادَ إلَّا اخْتِبَارُهُ، وَلَمْ يُرِدْ إيجَابَ الِالْتِزَامِ، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَهُ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أَوْقَفَ سِلْعَتَهُ لِلسَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ: قَدْ رَضِيَتْ فَقَالَ لَا أَرْضَى، فَإِنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ سَاوَمَ عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَيَبْرَأُ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ.
وَكَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَبِيعُك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرِيهَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ لَا أَرْضَى، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَشْتَرِي مِنْك سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُك فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَرْضَى أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ انْقَضَى الْمَجْلِسُ ثُمَّ جَاءَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ لِلْمُلْتَزِمِ وَقَالَ لَهُ قَدْ رَضِيت فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَزِمَ مَا الْتَزَمَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَتَى فِي الْتِزَامِهِ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي اللُّزُومَ، وَلَوْ انْقَضَى الْمَجْلِسَ كَقَوْلِهِ مَتَى أَعْطَيْتنِي هَذَا فَلَكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ أَيُّ وَقْتٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ أَقِفْ فِي جَمِيعِ هَذَا عَلَى نَصٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ بِالْقَوْلِ فَلِلْمُلْتَزَمِ لَهُ الِامْتِنَاع مِنْ التَّسْلِيم حَتَّى يُسْلَم لَهُ الْمُلْتَزِم مَا الْتَزَمَهُ كَالْبَيْعِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَاف الَّذِي فِي هِبَة الثَّوَاب؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ صَرَّحَ بِالْعِوَضِ صَارَ حُكْمه حُكْم الْبَيْع عَلَى أَنَّ مَذْهَب الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْمَنْع مِنْ قَبَضَ الْهِبَة حَتَّى يَقْبِض الثَّوَاب خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ.
(الرَّابِعُ) إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدَك أَوْ سِلْعَتَك فَلَكَ عَلَيَّ أَنْ أُرْضِيَكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ اشْتِرَاطُ الثَّوَابِ دُونَ تَعْيِينِهِ كَقَوْلِهِ أَهَبُك هَذَا عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا رَضِيَ بِهِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قَالَ لَا أَرْضَى بِهَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي أَعْطَاهُ، فَإِنْ كَانَ دُونَ قِيمَةِ سِلْعَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ قِيمَةِ سِلْعَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ: إنَّ فِيهِ إرْضَاءً لَهُ فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْعِدَّةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) إذَا قَالَ لَهُ إنْ بِعْتنِي سِلْعَتَك بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا أَوْ، فَقَدْ الْتَزَمْت لَك كَذَا وَكَذَا
فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي سِلْعَةً بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْمَبِيعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْمُلْتَزِمِ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ مَنْفَعَةَ شَيْءٍ مِنْ دَارٍ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوُ إنْ أَسْكَنْتَنِي دَارَك سَنَةً، أَوْ سِنِينَ مُسَمَّاةً، أَوْ أَسْكَنْت فُلَانًا فِيهَا سَنَةً، أَوْ سِنِينَ مُسَمَّاةً فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ إنْ أَخَدَمْتنِي عَبْدَك، أَوْ إنْ أَعْطَيْتنِي ثَوْبَك أَلْبَسُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، أَوْ إنْ حَمَلْتنِي عَلَى دَابَّتِك إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَكَ كَذَا، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً وَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فَلَا يَجُوزُ إنْ أَسْكَنْتنِي دَارَك مُدَّةَ حَيَاتِي، أَوْ حَيَاتِك، أَوْ حَيَاةِ زَيْدٍ، أَوْ إلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ وَقُدُومُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا، أَوْ إنْ أَسْكَنْتنِي دَارَك فَلَكَ عَبْدِي الْآبِقُ، أَوْ بَعِيرِي الشَّارِدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَسْكَنْتُك دَارِي عَلَى أَنْ أَسْكُنَ دَارَك، لَا أَسْكَنْتُك دَارِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى أَنْ أَسْكُنَ دَارَك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ بِخَمْسَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَتَّى يُبَيِّنَ مُدَّةَ السِّنِينَ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ عَمَلًا يَعْمَلُهُ الْمُلْتَزَمُ لَهُ لِلْمُلْتَزِمِ، أَوْ لِغَيْرِهِ نَحْوُ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ، أَوْ بَعِيرِي الشَّارِدِ، أَوْ إنْ حَفَرْت لِي بِئْرًا فِي أَرْضِي، أَوْ إنْ جِئْت بِعَبْدِ فُلَانٍ، أَوْ بَعِيرِهِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجَعْلِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَحْصُلَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزِمِ بِكَسْرِ الزَّايِ، أَوْ لِمَنْ اشْتَرَطَ الْعَمَلَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، وَأَنْ لَا يُضْرَبَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ، وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ مَعْلُومًا مِمَّا يَجُوزُ كَوْنُهُ جَعْلًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْجَعْلِ.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ لِأَجْلِ مَا الْتَزَمَهُ لَهُ الْمُلْتَزِمُ نَحْوُ قَوْلِ الشَّخْصِ لِلْحَاضِنَةِ إنْ أَسْقَطْتِ حَقَّك مِنْ الْحَضَانَةِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا وَكَمَسْأَلَةِ إعْطَاءِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْجَعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِنَذْكُرَ فُرُوعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ.
(فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ زَوْجَتُهُ مَالًا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا، فَإِنْ كَانَ فِرَاقُهَا بِقُرْبِ الْعَطِيَّةِ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ، وَإِنْ كَانَ فِرَاقُهَا بَعْدَ أَنْ طَالَ الْأَمَدُ وَمَا يُرَى أَنَّهَا بَلَغَتْ الْغَرَضَ فِي مُقَامِهَا لَمْ تَرْجِعْ، وَإِنْ طَالَ، وَلَمْ تَبْلُغْ مَا يُرَى أَنَّهَا دَفَعَتْ الْمَالَ لِمِثْلِهِ كَانَ لَهَا مِنْ الْمَالِ بِقَدْرِ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ فِيمَا يُرَى. وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَسْقَطَتْ عَنْ زَوْجِهَا صَدَاقَهَا عَلَى أَنْ
لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَطَلَّقَهَا بِحَضْرَةِ ذَلِكَ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يُرَى أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا لِمَكَانِ ذَلِكَ لَمْ تَرْجِعُ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْبَغُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِحِدْثَانِ الْإِسْقَاطِ لِيَمِينٍ نَزَلَتْ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ الْيَمِينَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ لِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَسْقَطَتْ صَدَاقَهَا لِمَعْنًى وَلِتَبْقَى زَوْجَةً فِي عِصْمَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا أَعْطَتْهُ، وَلَوْ أَعْطَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ قُرْبَ تَزْوِيجِهِ، أَوْ بَعْدَ اهـ. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هِبَةِ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا وَقَبِلَاهُ.
فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا، فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي الَّذِي سَأَلَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَقَالَتْ أَخَافُ أَنْ تُطَلِّقَنِي فَقَالَ مَا أَفْعَلُ فَتَضَعُ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَقَالَ مَالِكٌ أَرَى لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَالَ الزَّمَانُ وَتَبَيَّنَ صِحَّةُ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَ فَلَا أَرَى لَهَا شَيْئًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا سَأَلَهَا الزَّوْجُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَضَعَهُ عَنْهُ وَتَسْكُتَ، أَوْ تَقُولَ إنَّمَا أَضَعُهُ عَنْك عَلَى أَنَّك إنْ طَلَّقْتنِي رَجَعْتُ عَلَيْك، فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ إنْ طَلَّقَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُولَ لَهُ إنَّمَا أَضَعُهُ عَلَى أَنَّك لَا تُطَلِّقنِي أَبَدًا، أَوْ عَلَى أَنَّك مَتَى طَلَّقْتنِي رَجَعْت عَلَيْك بِصَدَاقِي فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا مَتَى طَلَّقَهَا كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، أَوْ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ.
وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الَّتِي تَقُولُ لِزَوْجِهَا إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ عَلَيَّ فَصَدَاقِي عَلَيْك صَدَقَةٌ فَيَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا بِالْقُرْبِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِصَدَاقِهَا بِخِلَافِ الَّذِي يَقُولُ: لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي لِي صَدَاقَك فَتَضَعُهُ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، وَقَدْ مَضَى الْفَرْقُ هُنَاكَ اهـ.
وَمَسْأَلَةُ أَصْبَغَ الَّتِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهَا فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ فِيهَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْبَغَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِيَمِينٍ إلَخْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالشَّيْخِ خَلِيلٍ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَلَمْ يَزِدْ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا عَلَى أَنْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي مَعَهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الَّذِي يَقُولُ: لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي لِي صَدَاقَك فَقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَصَدَّقَتْ عَلَيْهِ بِالصَّدَاقِ عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى فِي اشْتِرَاطِهَا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يُوفِ لَهَا بِذَلِكَ وَطَلَّقَهَا بِالْقُرْبِ وَجَبَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي سَأَلَ زَوْجَتَهُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا فَتَضَعُهُ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ قَدْ لَزِمَتْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الصَّدَاقَ فَتَرْكُهَا إنَّمَا هُوَ فِرَارٌ مِنْ تِلْكَ الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَنْظُرَ لِنَفْسِهَا فَتَقُولَ: لَا أَتْرُكُ لَك الصَّدَاقَ إلَّا عَلَى