الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً فَأَنْت طَالِقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا الْمِائَةُ دِينَارٍ فَلَا أَرَى أَنْ يُقْضَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ هَاهُنَا صَدَقَةً وَلَا هِبَةً وَلَا عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهُ إنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ أَنْ يَعْجَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَارَثَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يُسْتَأْنَى بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمِائَةِ دِينَارٍ إنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا فَحَمَلَهُ مَحْمَلَ الْعِدَّةِ لَمَّا لَمْ يَقُلْ فِي مَالِي وَلَا ذَكَرَ أَنَّهَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا عَطِيَّةٌ فَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا إذْ لَيْسَتْ عَلَى سَبَبٍ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَوْعُودِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ التَّبْتِيلُ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ فِي مَالِي مِائَةُ دِينَارٍ عَطِيَّةً فَيُحْكَمُ لَهَا عَلَيْهِ بِهَا مَا لَمْ يَذْهَبْ، أَوْ يَمُتْ، أَوْ يُفْلِسْ كَمَا قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الَّذِي يَقُولُ: لَك مَا أَرْبَحُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ أَنْ يَقُولَ: الرَّجُلُ أَنَا أَفْعَلُ، وَأَمَّا إذَا قَالَ قَدْ فَعَلْت فَهِيَ عَطِيَّةٌ وَقَوْلُهُ لَك كَذَا وَكَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ قَدْ فَعَلْت مِنْهُ بِأَنَا أَفْعَلُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ. وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ لَعَلَّهُ يُرِيدُ مَا لَمْ يَذْهَبْ مَالُهُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنْ لَوْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ وَلَدْتِ غُلَامًا فَلَكَ مِائَةُ دِينَارٍ فِي مَالِي أَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَزِمَهُ بِلَا كَلَامٍ، وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الِالْتِزَامِ الْمُطْلَقِ فِي الْقَضَاءِ بِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ الْمُلْتَزِمُ، أَوْ يَمُتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[النَّوْعُ الثَّانِي الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ]
ُ بِفَتْحِ الزَّايِ كَقَوْلِك إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ، أَوْ بِبَعِيرِي الشَّارِدِ، أَوْ بِمَتَاعِي الضَّائِعِ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا وَكَانَ الْعَبْدُ، أَوْ الْبَعِيرُ، أَوْ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ، أَوْ يَعْلَمُ مَكَانَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُلْتَزِمِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَرَدُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِمَوْضِعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا إذْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْجَعْلِ.
وَقَدْ قَالُوا: إنَّ مِنْ شَرْطِ الْجَعْلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْفِعْلُ مِمَّا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ عَمَلُهُ وَمَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَلْزَمُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ إنْ غَسَّلْتَ هَذَا الْمَيِّتَ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَكَانَتْ صَرُورَةً ائْذَنْ لِي أَنْ أَحُجَّ، وَأَنَا أُعْطِيَك مَهْرِي الَّذِي عَلَيْك فَقَبِلَ وَتَرَكَهَا تَحُجُّ قَالَ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ، وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الدِّمْيَاطِيِّ عَنْهُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، وَأَمَّا إذَا عَلِمَتْ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْطَتْهُ مَالَهَا طَيِّبَةٌ بِذَلِكَ نَفْسُهَا وَقَوْلُهُ هَذَا مُفَسِّرٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا عَلِمْت أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ لَهَا، فَإِنَّمَا أَعْطَتْهُ مَالَهَا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ، رَاضِيًا بِذَلِكَ غَيْرَ مُعَاتِبٍ لَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَجِّ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا إذَا أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهِيَ صَرُورَةً فَحَلَّلَهَا زَوْجُهَا مِنْ حَجَّتِهَا، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَحَجَّتْ أَجْزَأَهَا ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ
وَعَنْ الَّتِي حَلَّلَهَا مِنْهَا زَوْجُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا إذْ لَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إلَّا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إذَا أَحْرَمَتْ دُونَ الْمِيقَاتِ، أَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ قَبْلَ وَقْتِ خُرُوجِ الْحُجَّاجِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ لَلَزِمَهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ بِالْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) فَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ الْمُلْتَزِمُ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَ الِالْتِزَامَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرَغِّبَهُ فِي الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ الْيَوْمَ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَنْ وَجَدَ آبِقًا، أَوْ ضَالًّا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جَعْلَ لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَفَ مَكَانَهُ فَدَلَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ طَلَبَ مَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ فِي شُرُوطِ الْجَعْلِ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ عَمَلُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ آبِقًا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَيْهِ كَالْجَعْلِ عَلَى الْحَرَامِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ، وَمَنْ رَدَّ آبِقًا، أَوْ ضَالَّةً مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جَعْلَ لَهُ عَلَى رَدِّهِ وَلَا عَلَى دَلَالَتِهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ النَّوَادِرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْجَعْلُ عَلَى طَلَبِ عَبْدٍ يَجْهَلُ مَكَانَهُ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ آبِقًا أَوْ ضَالًّا، أَوْ ثِيَابًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْجَعْلِ عَلَى رَدِّهِ وَلَا عَلَى أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَكَانِهِ بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا فَلَهُ الْجَعْلُ عَلِمَ بِمَا جُعِلَ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَكَلَّفَ طَلَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْهَا، وَإِنْ وَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ رَبُّهُ فِيهِ شَيْئًا فَانْظُرْ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ الْإِبَاقَ، وَقَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَلَهُ جَعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نَفَقَتُهُ بَذَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا، أَوْ لَمْ يَبْذُلْ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا كَذَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَكُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ طَلَبُ الْإِبَاقِ فَلَا جَعْلَ لَهُ وَلَا نَفَقَةَ قَوْلًا مُجْمَلًا اهـ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ رَبُّهُ فِيهِ جَعْلًا فَمَنْ جَاءَ بِهِ اسْتَحَقَّهُ عَلِمَ بِالْجَعْلِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَكَلَّفَهُ، أَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ سَمِعَهُ فَلَهُ الْجَعْلُ سَوَاءٌ كَانَ شَأْنُهُ أَوْ لَا، وَإِنْ جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ أَيْ فَيَكُونَ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَوْلُهُ فِي النَّوَادِرِ
وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ رَبُّهُ فِيهِ شَيْئًا إلَخْ هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَعَادَتُهُ التَّكَسُّبُ بِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِقَدْرِ تَعَبِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّهُ تَرَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتَهُ فَلَهُ نَفَقَتُهُ فَقَطْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ رَبُّهُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ اهـ.
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ فِي رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ عَلَى الْأُخَر فَتَنَازَعَا فَسَبَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ صَاحِبَ الدَّيْنِ فَطَلَبَ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ وَأَرَادَ أَخْذَ شَهَادَةِ مَنْ حَضَرَ فَرَغِبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ فِي الْعَفْوِ فَقَالَ لِلرَّاغِبَيْنِ لَهُ فِي الْعَفْوِ اعْقِدُوا لِي عَقْدًا وَتَشْهَدُونَ فِيهِ بِمَا عِنْدَكُمْ وَلَكُمْ عِنْدِي مَا تُرِيدُونَهُ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَشَهِدُوا لَهُ ثُمَّ اقْتَضَوْهُ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الْعَفْوِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِقَوْلِي لَكُمْ عِنْدِي مَا تُرِيدُونَهُ مِنْ وَجْهِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَبُ لَا فِي إسْقَاطِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي سَبْي فَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ يَلْزَمُهُ الْعَفْوُ إنْ سَأَلُوهُ إيَّاهُ بَعْدَ أَنْ شَهِدُوا لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلُوهُ أَوَّلًا فَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ لَكُمْ عِنْدِي مَا تُرِيدُونَهُ إنْ شَهِدْتُمْ لِي فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ.
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مِنْ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَهُ بِمَا سَمِعُوهُ وَاجِبَةٌ.
فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ الْمُلْتَزِمَ كَانَ يَعْلَمُ بِوُجُوبِ الْفِعْلِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُمْ فَلِذَلِكَ أَلْزَمُهُ ابْنُ رُشْدٍ الِالْتِزَامَ كَمَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَهْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَوْ يُقَالُ لَمَّا سَأَلَهُمْ كِتَابَةَ الشَّهَادَةِ، وَأَنْ يَعْقِدُوا لَهُ بِذَلِكَ عَقْدًا لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إذَا طَلَبَهَا مِنْهُمْ لَا أَنْ يَكْتُبُوا لَهُ بِهَا عَقْدًا، أَوْ لَعَلَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَى الْجَمَاعَةِ الرَّاغِبِينَ لَهُ فِي الْعَفْوِ لِوُجُودِ غَيْرِهِمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي هِيَ الْعَفْوُ لَمَّا كَانَتْ لِغَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ صَارَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ اللُّزُومِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْجَعْلِ عَلَى الْآبِقِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْجَاعِلُ وَالْمَجْعُولُ لَهُ جَاهِلَيْنِ بِمَوْضِعِهِ، فَإِنْ عَلِمَا بِمَوْضِعِهِ لَمْ يَجُزْ الْجَعْلُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْجَاعِلُ وَحْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْجَعْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْمَجْعُولُ لَهُ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَاعِلِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعْطَى قَدْرَ عَنَائِهِ وَقَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَفِي قَوْلِهِ: " إذَا عَلِمَا مَوْضِعَهُ لَمْ يَجُزْ " نَظَرٌ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَوْضِعَ بَعِيدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجَعْلَ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجَعْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا إذَا جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا وَعَلِمَهُ الْآخَرُ فَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجَعْلِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا إذَا عَلِمَا مَوْضِعَهُ.