الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَارِثِ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُنَفِّذُوهَا، فَإِنْ نَفَّذُوهَا ثُمَّ ادَّعَوْا الْجَهْلَ فَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيمَا أَنْفَذَ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ جَهِلَ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الِابْنِ الَّذِي فِي عِيَالِ الرَّجُلِ فَأَذِنَ لَهُ فِي مَرَضِهِ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ نَفَّذَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْجَهْلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ إلَّا أَنْ يُحَقِّقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ أَنْفَذَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: بِغَيْرِ يَمِينٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ جَهِلَ ذَلِكَ اهـ. الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَزِمَ إجَازَةُ الْوَارِثِ فِي مَرَضٍ لَمْ يَصِحَّ بَعْدَهُ إلَّا لِتَبَيُّنِ عُذْرٍ بِكَوْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ، أَوْ دَيْنِهِ أَوْ سُلْطَانِهِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ يَجْهَلُ مِثْلُهُ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ لَا بِصِحَّةٍ، وَلَوْ لِكُفْرٍ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: إذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ إذْنُ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يَحْلِفُ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ أَبِيهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ خِيفَةً مِنْهُ أَنْ يَصِحَّ فَيَقْطَعُ عَنْهُ مَعْرُوفَهُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي الِابْنِ الْكَبِيرِ فِي عِيَالِهِ قَوْلَانِ، وَعَلَى الرُّجُوعِ يَحْلِفُ مَا أَجَازَ إلَّا خَوْفًا مِنْهُ اهـ. وَحُكْمُ غَيْرِ الِابْنِ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ: إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ إذَا كَانَ الْمُجِيزُ مَالِكًا لِأَمْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَرَكَ إرْثَهُ لِشَخْصٍ فِي حَيَاةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ وَهَبَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَنْ تَرَكَ إرْثَهُ لِشَخْصٍ فِي حَيَاةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، أَوْ وَهَبَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ مَا أَرِثُ مِنْ فُلَانٍ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَفُلَانٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَاسْتَوْهَبَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ مِيرَاثَهُمَا مِنْهُ فَفَعَلَتَا وَوَهَبَتَا لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ مَاتَ فَلِمَنْ تَرَاهُ قَالَ أَرَاهُ لِلْمَرْأَتَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَفْعَلَ الرَّجُلُ مِثْلَ هَذَا أَيَسْأَلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مِثْلُ مَا قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَنْ يُحِبُّ مِنْ وَرَثَتِهِ سِوَاهُمَا وَغَيْرِهِمَا إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى مِيرَاثِهِمَا مِنْهُ سِوَى ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى مَاتَ كَانَ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَ وَرَثَتَهُ أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، أَوْ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَأَذِنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَلْزَمْ فِيمَا أَذِنُوا لَهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَقَدْ مَضَى فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ الْقَوْلُ مُسْتَوْفًى فِي هِبَةِ الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضٍ الْمَوْرُوثَ، أَوْ فِي صِحَّتِهِ اهـ. وَنَصُّ
مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ.
وَلَا أَعْرِفُ نَصَّ خِلَافٍ فِي أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ جَائِزَةٌ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَالْحَبْسِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت أَظُنُّهُ يَسِيرًا لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ هَذَا الْقَدْرَ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ الْمَيِّتَ إذَا قَالَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ إنَّ فُلَانًا لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ تَهَبَ لِي مِيرَاثَك فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّاهُ لَهُ الْمَيِّتُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهَبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِيرَاثَهُ لِمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَهُ لَهُ الْمَيِّتُ، أَوْ لَا يُسَمِّيَهُ لَهُ وَمَا فِي رَسْمِ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إذَا مَرَرْنَا بِهِ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا اسْتَأْذَنَ بَعْضَ وَرَثَتِهِ فِي أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِهِمْ فَأَذِنُوا لَهُ لَزِمَهُمْ إذَا لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِحُكْمِ الْمَالِكِ لِلْمِيرَاثِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ التَّحْجِيرُ عَلَى مُوَرِّثِهِ، فَإِذَا رَفَعَ عَنْهُ التَّحْجِيرَ بِالْإِذْنِ لَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَالِ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ يَقُومُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ إنَّ الْوَارِثَ إذَا وَهَبَ لِمُوَرِّثِهِ فِي مَرَضِهِ مِيرَاثَهُ مِنْهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ إذْ لَوْ أَجَازَ هِبَتَهُ لَهُ لَقَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ إلَّا مِيرَاثُهُ مِنْهُ. قَالَ فَكَمَا لَا تَجُوزُ لَهُ هِبَتُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ.
لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ لِمُوَرِّثِهِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَصْدَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِيَرْفَعَ التَّحْجِيرَ عَنْهُ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْ الْوَرَثَةِ إذْ لَا يَحْتَاجُ هُوَ إلَى هِبَةٍ إذَا صَحَّ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا إنْ مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ حَتَّى مَاتَ رَجَعَتْ إلَى الْوَاهِبِ، وَإِذَا وَهَبَ لِغَيْرِهِ، فَقَدْ مَلَّكَهُ بِالْهِبَةِ مَا وَهَبَهُ إيَّاهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَهَبَهُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَلِهِ الْآنَ، وَإِنَّمَا وَهَبَهُ لَهُ بِشَرْطِ مِلْكِهِ لَهُ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ كَمَا قَالَ إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ مَلَكْته فَهُوَ لِفُلَانٍ فَلَا فَرْقَ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ بَيْنَ صِحَّةِ الْمَوْرُوثِ وَمَرَضِهِ فِي هِبَةِ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ مِنْهُ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ وَتَحْصُلُ عَلَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ قَالَ عِيسَى وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مَالِكٍ أَمْرَهُ تَصَدَّقَ عَلَى آخَرَ مِثْلِهِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ وَالْأَبُ بَاقٍ أَيَجُوزُ لَهُ فَقَالَ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا وَلَا أَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا كَمْ يَكُونُ دِينَارًا بَلْ لَا يَدْرِي مَا هُوَ، وَهُوَ أَعْلَمُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ مَعْنَاهُ لَا أَرَى أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَيْهِ: أَيْ لَا يَلْزَمُهُ
ذَلِكَ وَلَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا كَمْ يَكُونُ، وَإِنَّمَا قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ قَدْرَ مَا وَهَبَ لَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ إذَا لَمْ يَهَبْهُ الْيَوْمَ فَيَكُونُ قَدْ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ يَوْمَ يَمُوتُ أَبُوهُ فَيَجِبُ لَهُ مِيرَاثًا كَمَنْ قَالَ إنْ وَرِثْت فُلَانًا، أَوْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: هُوَ الْيَوْمَ حُرٌّ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ خِلَافُ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَالْحَبْسِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت أَظُنُّ أَنَّهُ يَسِيرٌ، وَلَوْ عَلِمْت أَنَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مَا وَهَبْته وَشَبَهَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَتَانِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِوَاهِبٍ لِمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاهِبٌ لَهُ إذَا مَلَكَهُ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَاخْتَلَفَتَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا مَاتَ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَدْرِ يَوْمَ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمْ يَكُونُ يَوْمَ الْمَوْتِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ يَكُونُ هَذَا الْمِقْدَارَ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ.
وَمِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَعْنَى رِوَايَةِ أَصْبَغَ أَنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا إنَّ الصَّدَقَةَ وَالْأَبُ بَاقٍ، فَإِنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ فِي بَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ فَتَجُوزُ فِيهِ هِبَتُهُ، وَإِنَّمَا لَهُ فِي مَرَضِهِ التَّحْجِيرُ عَلَيْهِ فِي أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ، أَوْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، فَهَذَا الَّذِي إذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ لَزِمَهُ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَأَمَّا أَنْ يَهَبَهُ هُوَ لِأَحَدٍ فَلَا قَالَ وَفِي الْمُوَطَّإِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ مُوَرِّثِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ الَّذِي فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ جَائِزٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ عِنْدِي فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَقَعَتْ فِي صِحَّةِ الْمُوَرِّثِ قَبْلَ مَرَضِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَتَّفِقَ لِلرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ بَعْضِهَا عَلَى التَّفْسِيرِ لِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَنَقُولُ عَلَى هَذَا: إنَّهُ إذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي صِحَّةِ الْمَوْرُوثِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا نَصَّ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ بِالْمَعْنَى إذْ لَا فَرْقَ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ.
وَإِذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَظُنُّهُ النِّصْفَ، أَوْ الرُّبْعَ فَيَكُونُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الَّذِي يَجْهَلُ قَدْرَ الْمَالِ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَشُكُّ فِيمَا بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ قَدْ رَضِيَ بِهِبَةِ أَكْثَرِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَالْحَبْسِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ
يَقُولُ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ وَأَشْهَدَ لَهُ وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ بَدَا لِلْمُتَصَدِّقِ وَقَالَ إنِّي كُنْتُ حِينَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَا أَدْرِي مَا أَرِثُ نِصْفًا، أَوْ رُبْعًا وَلَا أَدْرِي مَا عَدَدُ ذَلِكَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَلَا مِنْ الرَّقِيقِ وَلَا مَا سَعَةُ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِينَ وَعَدَدِ الْأَشْجَارِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِي مَوْرِثِي مِنْ أَبِي وَمَا أَرِثُ مِمَّا تَرَكَ رَأَيْت ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُنْت ظَنَنْت بِأَنَّهُ دُونَ ذَلِكَ، وَأَنَا لَا أُجِيزُ الْآنَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ تَبَيَّنَ مَا قَالَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُسْرَ أَبِيهِ وَلَا وَفْرَهُ لِغِيبَةٍ كَانَتْ عَنْهُ رَأَيْت أَنْ يَحْلِفَ مَا ظَنَّ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِأَبِيهِ وَيُسْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ ذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَحَبَّ، أَوْ كَرِهَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى فِي سَمَاعِ عِيسَى.
قُلْت: فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ وَهَبَهُ فِي حَالِ مَرَضِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَزِمَهُ أَيْضًا وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ نَصُّ خِلَافٍ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ سَمَاع عِيسَى وَلَيْسَ الْأَخْذُ عِنْدَهُ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ وَهَبَهُ فِي صِحَّةِ مُوَرِّثِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يُعْرَفُ نَصًّا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَحُمِلَ سَمَاعُ عِيسَى بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَيْهِ: فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّزُومِ إذَا وَهَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ اللُّزُومَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْمَوَّازِيَّةِ وَهِيَ نَصٌّ فِي اللُّزُومِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَهَبَهُ مُوَرِّثُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ رُبُعٌ، أَوْ سُدُسٌ، أَوْ وَهَبَهُ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ أَوْ جِدَارٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْغَرَرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ يَجُوزُ لَا فِي الْبَيْعِ اهـ فَظَاهِرُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ حِينَ الْهِبَةِ، أَوْ مَرِضَ أَمَّا لَوْ كَانَ صَحِيحًا فَلَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ مَا وَهَبَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ وَالْأَبُ بَاقٍ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا وَلَا يَقْضِي بِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ فِيهِ.
وَلَوْ وَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ إلَّا إذَا ظَنَّهُ يَسِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَثِيرٌ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ تَمَامَهُ.
قُلْت: وَقَدْ أَوْمَأَ فِي قَوْلِهِ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ اللُّزُومِ، وَإِنْ كَثُرَ وَمَا أَحْسَنُ قَوْلِهَا، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَجْعَلْ وَقَوْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذْ لَوْ شَاءَ لَاسْتَثْبَتَ اهـ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ الْهِبَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِجَهْلِ قَدْرِهِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْلَ بِقَدْرِ الْمَوْرُوثِ لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَنَصَّهُ مِنْ النَّوَادِرِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَعْرِفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هِبَةَ الْمَجْهُولِ
جَائِزَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَجُوزُ هِبَةُ الْمَجْهُولِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَثِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ اللَّخْمِيُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ وَالصَّدَقَةُ بِهِ مَاضِيَةٌ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْعَطِيَّةِ خَوْفَ النَّدَمِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي لُزُومِ هِبَةِ مَا جُهِلَ قَدْرُهُ مِنْ إرْثٍ نَاجِزٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَائِلًا: وَلَوْ ظَهَرَتْ كَثْرَتُهُ.
الثَّانِي: عَدَمُ اللُّزُومِ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَالثَّالِثُ: اللُّزُومُ إنْ عَرَفَ قَدْرَ جَمِيعِ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ، وَلَوْ جَهِلَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَيِّتِ وَعَدَمُ اللُّزُومِ إذَا جَهِلَ قَدْرَ الْمَالِ، وَلَوْ عَرَفَ قَدْرَ نَصِيبِهِ وَعَزَاهُ لِابْنِ فَتُّوحٍ عَنْ بَعْضِهِمْ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ثُمَّ قَالَ حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ فِي بَابِ الْقَطَائِعِ فِي جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ رِوَايَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الْعَرَايَا حَكَى مُحَمَّدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ. وَقَالَ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ مِنْ الْمُلَقَّبِينَ بِالْفُقَهَاءِ: فِي هِبَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَهَبَ مَجْهُولًا وَقَالَ مَا ظَنَنْت هَذَا الْمِقْدَارَ هَلْ لَهُ رَدُّهُ أَمْ لَا اهـ.
وَيَعْنِي ابْنُ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا أَصْلٌ ثَانٍ لَا يَعُودُ بِالْخِلَافِ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ، وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي إلْزَامِهِ كُلَّ مَا ظَهَرَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ مَا ظَنَّ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ وَهَبَهُ اهـ.
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَهَبُهُ مِنْ قَرِيبِهِ عَلَى الْجَزْمِ مِنْ الْآنَ، وَأَمَّا لَوْ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ وَقَالَ إنْ مَلَكْت الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
(الثَّانِي) إذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ لِمُوَرِّثِهِ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْوَاهِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَمَّى لَهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ الْوَجْهَ الَّذِي سَأَلَهُ إنْفَاذَهُ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَ الْإِنْفَاذُ مِنْ الْوَاهِبِ الْوَارِثِ، وَلَوْ قَالَ أَعْطَيْته أَوْصِ بِهِ لِفُلَانٍ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِوَارِثٍ آخَرَ، فَإِنْ أَنْفَذَهُ مَضَى، وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ فَهُوَ رَدٌّ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ: وَلَوْ وَهَبَ مِيرَاثًا فَأَنْفَذَ الْمَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْوَاهِبِ اهـ.
(الثَّالِثُ) هِبَةُ الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ لِمُوَرِّثِهِ إنَّمَا تَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَسَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلُ