الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَدْعُوِّ لَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ اعْتَنَى بِهِ فَدَعَا لَهُ بِأَضْعَافِ مِثْلِ مَا دَعَا بِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُمْتَنَعُ لِأَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ عليه الصلاة والسلام بَلْ كَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى احْتِيَاجِ غَيْرِهِ لِلرَّحْمَةِ مِنْهُ سبحانه وتعالى لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لِقُرْبِ مَكَانَتِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْإِجَابَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مُحَقَّقَةٌ وَغَيْرُهُ لِبُعْدِ رُتْبَتِهِ قَدْ لَا يَكُونُ مَظْنُونَهَا فَنَاسَبَ تَأْكِيدُ الدُّعَاءِ لَهُ وَتَكْرِيرُهُ رَجَاءً لِلْإِجَابَةِ انْتَهَى.
وَقَدْ نَصَّ ابْنُ نَاجِي فِي الْإِلْمَامِ بِمَا أَخْطَأَتْ فِيهِ الْعَوَامُّ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَاتِحَةَ فِي صَحَائِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكْرُوهٌ. وَسُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ عَمَّنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْته زِيَادَةً فِي شَرَفِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابَ: هَذَا مُخْتَرَعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْقُرَّاءِ لَا أَعْلَمُ لَهُمْ فِيهِ سَلَفًا وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ وَالشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ عَجْلُونٍ قَائِلًا قَدْ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِيهِ وَعَبَّرُوا بِعِبَارَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ كَقَوْلِهِمْ فِي صَحِيفَتِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ هَدْيِهِ أَوْ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مَا يُخِلُّ بِالْأَدَبِ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم وَمَا أَلْجَأَهُمْ إلَى ارْتِكَابِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ حَسَنَاتِ الْأُمَّةِ فِي صَحِيفَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُك» فَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُ ذَلِكَ وَالِاشْتِغَالُ بِمَا لَا رِيبَةَ فِيهِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَأْثُورِ فِي الشَّرْعِ مِمَّا يَكْفِينَا بِحَمْدِ اللَّهِ كَثْرَةً.
وَفِي كِتَابِ كَنْزِ الدَّاعِينَ أَجَازَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إهْدَاءَ ثَوَابِ الْقُرْآنِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ يَمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَرَاءَةٌ عَلَى الْجَنَابِ الرَّفِيعِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْفَارِضِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِعْيَارِ.
[تَرْكُ السُّنَّةِ لِكَوْنِ الْمُبْتَدِعِ يَفْعَلُهَا]
(وَسُئِلَ) عِزُّ الدِّينِ هَلْ يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَّةِ إذَا ثَبَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِكَوْنِ الْمُبْتَدِعِ يَفْعَلُهَا أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَنِ بِمُشَارَكَةِ الْمُبْتَدِعِ فِيهَا إذْ لَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ وَمَا زَالَ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ يُقِيمُونَ السُّنَنَ مَعَ الْعِلْمِ بِمُشَارَكَةِ الْمُبْتَدَعِينَ وَلَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَتُرِكَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَالسُّنَنُ الرَّاتِبَةُ وَصَلَاةُ الْأَعْيَادِ وَعِيَادَةُ الْمَرْضَى وَالتَّسْلِيمُ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَالصَّدَقَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَجَمِيعُ الْخَيْرَاتِ الْمَنْدُوبَاتِ.
وَسُئِلَ عَمَّنْ لَهُ أَخٌ فِي اللَّهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ شَيْخٌ يَرْجُو بَرَكَةَ زِيَارَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَفِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ الْمَقْصُودَةِ مُنْكَرَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا يَرَاهُ عِيَانًا وَمِنْهَا مَا يَعْلَمُ بِوُجُودِهِ وَفِي حَالِ سَفَرِهِ أَيْضًا لَا يَسْلَمُ مِنْ شَيْءٍ يُشَاهِدُهُ فَهَلْ يُكْرَهُ لِمِثْلِ هَذَا السَّفَرِ أَمْ مَا حُكْمُهُ وَهَلْ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ لِكَثْرَتِهِ.
فَأَجَابَ: أَمَّا الزِّيَارَةُ وَالْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُتْرَكَانِ لِمَا يُشَاهَدُ مِنْ الْمَنَاكِرِ إذْ لَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي خُرُوجِهِ بِيَدِهِ أَوْ لِسَانِهِ فَعَلَ وَحَصَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَجْرِ الصَّلَاةِ وَالزِّيَارَةِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مَأْجُورًا عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَكَذَلِكَ الْغَزْوُ مَعَ الْفَجَرَةِ إنْ قَدَرَ عَلَى
إنْكَارِ فُجُورِهِمْ أَنْكَرَهُ وَحَصَلَ عَلَى ثَوَابِ الْإِنْكَارِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ كَرِهَهُ بِقَلْبِهِ وَأُثِيبَ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكْرَهُهُ تَعْظِيمًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ عز وجل وَلَوْ تَرَكَ الْحَقَّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ لَتَرَكَ النَّاسُ كَثِيرًا مِنْ أَدْيَانِهِمْ، وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْحَرَمَ وَفِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ صَنَمًا وَكَانَتْ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَتَحَرَّجَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِهِمَا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] كَيْ لَا يُتْرَكَ حَقٌّ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ جَمَعَ تَهْلِيلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ثُمًّ يَقْرَؤُهُ كَمَا تُقْرَأُ السُّورَةُ هَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
وَعَنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ» الْحَدِيثُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ صِحَّتِهِ أَوْ نَفْيِ كَمَالِهِ وَمَا وَجْهُ الْمُخْتَارِ وَكَيْفَ يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ صِدْقَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ فِي مَحَبَّتِهِ عليه الصلاة والسلام.
فَأَجَابَ: أَمَّا جَمْعُ التَّهْلِيلِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ رَتَّبَهُ عَلَى تَرْتِيبِ السُّوَرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ نَكَّسَهُ كُرِهَ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إنْ وَقَعَ فِي آيَاتِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي السُّوَرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا كُرِهَ وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْعَامَّةُ وَالِاقْتِدَاءُ بِالسَّلَفِ أَوْلَى مِنْ إحْدَاثِ الْبِدَعِ، وَأَمَّا فَضْلُ حُبِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حُبِّ نَفْسِهِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الْإِيمَانِ دُونَ أَصْلِهِ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَجَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ مِنْ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ لِلْحُبِّ سَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا الشَّرَفُ وَالْكَمَالُ، وَالثَّانِي الْإِنْعَامُ وَالْإِفْضَالُ فَلَا شَكَّ أَنَّ نَفْسَهُ صلى الله عليه وسلم أَكْمَلُ الْأَنْفُسِ وَأَشْرَفُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ عَلَى قَدْرِ كَمَالِهِ وَأَمَّا الْإِنْعَامُ وَالْإِفْضَالُ الْمَرْبُوطُ بِالْأَسْبَابِ الْعَادِيَةِ لِأَحَدِنَا فَمِنْ إنْعَامِهِ عَلَيْنَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْنَا أَنَّهُ عَرَّفَنَا بِرَبِّنَا وَمَا أَشْرَفَهُ لَنَا وَكَانَ سَبَبًا فِي فَوْزِنَا بِدَارِ الْقَرَارِ وَالْخَلَاصِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ مَا تَقَاعَدْنَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْفَلَاحِ إلَّا بِسَبَبِهَا وَلَا وَقَعْنَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْقَبَائِحِ إلَّا بِطَلَبِهَا وَشَهْوَتِهَا وَأَمَّا مَا يَخْتَبِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي تَفْضِيلِ حُبِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حُبِّهَا فَبِأَنْ يَتَأَمَّلَ مَا مُنِحَ لَهُ مِنْ الْقُدْوَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْأَخْلَاقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الرَّسُولِ وَأَخْلَاقُهُ أَحْسَنَ عِنْدَهُ وَأَحَبَّ مِنْ رُكُوبِ هَوَى نَفْسِهِ فَهُوَ مُفَضِّلٌ لِلرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عَدَمِ تَقْدِيمِ أَغْرَاضِهِ الدَّنِيئَةِ عَلَى أَخْلَاقِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الْعَلِيَّةِ السَّنِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ أَمْ النَّظَرُ فِي الْعِلْمِ أَفْضَلُ.
فَأَجَابَ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَالْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمَصْلَحَةُ الْقُرْآنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى
الْقَارِئِ وَمَا عَمَّتْ مَصْلَحَتُهُ وَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى فَاعِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَجَابَ الْمَازِرِيُّ بِقَوْلِهِ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ الْبَقَرَ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَلْزَمُهُ فِي زَكَاتِهَا وَنِصَابِهَا وَكَذَلِكَ مَنْ يَمْلِكُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ أَوْ النَّقْدَيْنِ أَوْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ وَكَذَا أَصْحَابُ الزُّرُوعِ وَالنَّخِيلِ وَيَجِبُ عَلَى التَّاجِرِ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِنْ تِجَارَتِهِ وَمَا يَفْسُدُ مِنْهَا وَيَجِبُ عَلَى الصَّرَّافِ أَنْ يَعْلَمَ أَبْوَابَ الرِّبَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّرْفِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ صَانِعٍ أَنْ يَعْرِفَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحِرْفَتِهِ مِمَّا يَكْثُرُ وَيَطَّرِدُ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْرِفَةُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْآخَرِ فَيَقُومُ بِهَا وَكَذَا الْخَبَّازُ وَالنَّسَّاجُ وَالْفَلَّاحُ يَلْزَمُهُمْ مَعْرِفَةُ مَا يَلْزَمُهُمْ الْقِيَامُ بِهِ قَالَ وَيَتَعَيَّنُ مِنْ الْقُرْآنِ الْفَاتِحَةُ وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَعَلُّمُ مَا الْإِنْسَانُ بِصَدَدِهِ وَمَدْفُوعٌ إلَيْهِ فَتَعَلُّمُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَعَلُّمُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْفُتْيَا وَالْأَقْضِيَةِ وَالْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمَصْلَحَةُ الْقُرْآنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْقَارِئِ وَمَا عَمَّتْ مَصْلَحَتُهُ وَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ قَاصِرَةً عَلَى فِعْلِهِ انْتَهَى.
قِيلَ يُؤَيِّدُ هَذَا فِي الْمَعْنَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمْ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ قُرَّاؤُهُ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ وَيُضَيِّعُونَ أَحْكَامَهُ الْحَدِيثُ.
(وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَيُّمَا أَفْضَلُ تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ أَوْ حَجُّ التَّطَوُّعِ؟
فَأَجَابَ حَجُّ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُقِيمُ بِهِ فَرْضَهُ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ دِرَاسَةُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْقَارِئَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحْكَامَهُ وَتَفْسِيرَهُ لَمْ يُغْنِهِ الْقُرْآنُ تِلَاوَةً وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْفَائِدَةُ الْعَظِيمَةُ وَلَكِنْ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَفْضَلُ.
(وَسُئِلَ) ابْنُ رُشْدٍ هَلْ تَصِحُّ الْمُنَاظَرَةُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ عَنْ أَحَدٍ وَلَا عِنْدَهُ كُتُبٌ يُصَحِّحُهُ وَكَيْفَ لَوْ نَاظَرَ فِيهِ بِكِتَابٍ صَحِيحٍ لَمْ يَرْوِهِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَعْنِ بِالْعِلْمِ وَلَا سَمِعَهُ وَلَا رَوَاهُ الْجُلُوسُ لِتَعْلِيمِهِ الْمُوَطَّأَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً وَلَوْ قَرَأَهَا وَتَفَقَّهَ عَلَى الشُّيُوخِ فِيهَا أَوْ حَمَلَهَا أَجَازَهُ فَقَطْ جَازَ أَنْ يُعَلِّمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الشُّيُوخِ مِنْ مَعَانِيهَا وَأَنْ يَقْرَأَهَا إذَا صَحَّحَ كِتَابَهُ عَلَى رِوَايَةِ شَيْخِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَيْضًا عَمَّنْ عَدِمَ إمَامًا يَسْتَفْتِيه فَيَنْظُرُ فِي الدَّوَاوِينِ الْمَشْهُورَةِ هَلْ يَعْمَلُ بِمَا فِيهَا وَهَلْ يُلْزَمُ الْعَامُّ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا فِي نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِهِ وَإِذَا سَأَلَ الْعَامِّيُّ مُفْتِيًا وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ هَلْ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَكَيْفَ لَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَفْتَى أَحَدُهُمَا بِمَا يُرِيدُ وَأَفْتَى الْآخَرُ بِمَا لَا يُرِيدُ.
فَأَجَابَ إذَا عَدِمَ الْإِنْسَانُ مَنْ يُفْتِيه فَلْيَرْجِعْ لِمَا فِي الْكِتَابِ لِلضَّرُورَةِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي الْكُتُبِ لِمَنْ لَا يَدْرِي لَا يُنَجِّي مِنْ الْخَطَأِ فِيهِ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ النَّازِلَةَ لَا يَجِيءُ بِهَا نَصُّ الْكِتَابِ إلَّا نَادِرًا وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ شَبِيهٌ بِهَا وَبِتِلْكَ الْمُشَابَهَةِ يَغْلَطُ بَعْضُ النَّاسِ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا شَيْئًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَيُخْرِجُهَا
عَنْ سَبَبِهَا مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِالْأُصُولِ الَّتِي قَالَ بِهَا الْقَوْمُ فَيَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ وَيَقَعُ فِي الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَلْ يَلْزَمُ الْعَالِمُ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا فَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي تَجُوزُ لَهُ بَعْدَ عِلْمِهَا وَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُقَلِّدَهُ مِثْلَهُ فَالْجَمِيعُ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك مِنْ الْخَطَرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ تَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا فَلَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ، وَفَرْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَّبِعَ مَا تَبَيَّنَتْ لَهُ حُجَّتُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ فِيهَا وَجْهٌ وَآلَ إلَى الْوُقُوفِ وَخَافَ دُخُولَ خَطَأٍ أَوْ شُبْهَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُهُ أَمْ لَا وَتَقْلِيدُهُ حِينَئِذٍ وَاسِعٌ وَإِذَا كَانَ بِالْبَلَدِ إمَامَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ جَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّهُمَا أَحَبَّ أَعْلَمُهُمَا أَوْ الْآخَرُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَعْلَمِ وَلَمْ يَجِبْ إذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى عَالِمٌ وَفِي الْبَلَدِ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَيْضًا هَلْ يُسْتَفْتَى مَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ الْمُسْتَعْمَلَةَ مِثْلَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ دُونَ رِوَايَةٍ أَوْ كُتُبَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا تُوجَدُ لَهَا رِوَايَةٌ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ مَنْ قَرَأَهَا عَلَى الشُّيُوخِ وَأَحْكَمَ مَعَانِيَهَا وَفَهِمَ أُصُولَهَا بِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْكَمَ وَجْهَ الْقِيَاسِ وَعَرَفَ النَّاسِخَ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَسَقِيمَ السُّنَّةِ مِنْ صَحِيحِهَا وَفَهِمَ مِنْ اللِّسَانِ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْخِطَابَ جَازَتْ فَتْوَاهُ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَسَائِلِ بِاجْتِهَادِهِ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ فَلَا تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى فِي النَّوَازِلِ بِرَأْيِهِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ عَالِمٍ بِرِوَايَةٍ فَيُقَلِّدُهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا اخْتِلَافٌ فَمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ، وَجَازَ لِلْحَاكِمِ الْقَضَاءُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ اسْتَوْفَى شَرَائِطَ الِاجْتِهَادِ وَيُقَلِّدُهُ الْقَاضِي فِي فَتْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي قِرَاءَتِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِفْتَاؤُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى قَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ الْحَدِيثُ وَفِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَأَفْتَوْهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» وَقَدْ أَدْرَكْنَا هَذَا الزَّمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ يَشْتَغِلُ بِطَرَفٍ مِنْ الْعِلْمِ إذَا وَجَدَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَصْحَابِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِفْتَاءُ عَالِمِ الْبَلَدِ وَهَلْ لِمَنْ كَانَ بِهَذَا الْوَصْفِ إذَا سَأَلَهُ عَامِّيٌّ عَنْ فَرْعٍ يَعْرِفُ النَّقْلَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَيَحِلُّ لِلْعَامِّيِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ مَعْرُوفًا لِبَعْضِ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ جَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَا يَذْكُرُ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِأَمْرٍ آخَرَ وَمُقَيَّدًا بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْأَلَ الْمُفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْلِيقِ عَلَى شَرْطٍ وَقَيْدٍ آخَرَ يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ الْمُفْتِي لَمْ يَجُزْ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ بِالْتِزَامِ الْأَشَدِّ الْأَقْوَى الْأَجْوَدِ فَإِنَّ مَنْ عَزَّ عَلَيْهِ دِينُهُ تَوَرَّعَ وَمَنْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ تَبَدَّعَ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إجَابَةِ الْقَاضِي