الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَرَّحَ فِي نَذْرِهِ بِلَفْظِ لِلَّهِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِهِ؛ لِأَنَّ لِلنَّذْرِ صِيغَتَيْنِ: لِلَّهِ عَلَيَّ وَعَلَيَّ بِدُونِ لِلَّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا سِنَّ الضَّحِيَّةِ، وَلَا السَّلَامَةُ مِنْ عُيُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَإِهْدَاءُ ثَوَابِهِ لِرُوحِ الْوَلِيِّ، وَلَا يَدْفَعُهَا حَيَّةً بَلْ يَذْبَحُهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَلَا يُطْعِمُ مِنْهَا الْغَنِيَّ، وَلَا يَحْسِبُ نَفَقَتَهَا، وَلَهُ إبْقَاؤُهَا حَيَّةً وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ لَحْمِهَا وَيَفْعَلُ بِهَا حِينَئِذٍ مَا شَاءَ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَهَا لِلْمَسَاكِينِ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَمَّا إنْ قَصَدَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ وَنَحْوَهُمْ كَمَا هِيَ عَادَةُ فَلَاحِي مِصْرَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسُئِلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ الدَّرْدِيرِيُّ بِمَا نَصُّهُ: وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ أَوْ لِوَلِيٍّ شَاةً الْأَكْلُ مِنْهَا وَإِطْعَامُ الْغَنِيِّ أَوْ لَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّذْرُ إنْ عَيَّنَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ جَازَ الْأَكْلُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْأَغْنِيَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ.
[فِيمَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ إتْيَانِ خَادِمِ الضَّرِيحِ لِلزَّائِرِ بِتُرَابٍ يَنْثُرُهُ عَلَيْهِ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ إتْيَانِ خَادِمِ الضَّرِيحِ لِلزَّائِرِ بِتُرَابٍ يَنْثُرُهُ عَلَيْهِ أَوْ زَيْتٍ يَتَمَسَّحُ بِهِ يُوهِمُهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ بَرَكَةً لِأَجْلِ غَرَضِ الدُّنْيَا فَهَلْ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الزَّيْتُ مِنْ الْوَقْفِ فَفِيهِ حُرْمَةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: صَرْفُ الْوَقْفِ فِي غَيْرِ مَا أَذِنَ فِيهِ الْوَاقِفُ، وَأَمَّا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ لِخَادِمِ ضَرِيحِ الْوَلِيِّ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ دَافِعِهِ الصَّدَقَةُ لَا الْمُعَاوَضَةُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا بَرَكَةَ فِي التَّمَسُّحِ بِتُرَابِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَبَقِيَّةِ الزَّيْتِ الَّذِي يُوقَدُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ إنَّمَا الْبَرَكَةُ فِي التَّفَكُّرِ فِي أَحْوَالِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ.
قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي مَبْحَثِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْ الزَّائِرِ أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ دَاخِلِ الدَّرَابِيزِ الَّتِي هُنَاكَ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ مَحَلُّ احْتِرَامٍ وَتَعْظِيمٍ فَيُنَبِّهُ الْعَالِمُ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ هُنَاكَ فَتَرَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَطُوفُ بِالْمَوْضِعِ الشَّرِيفِ كَمَا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ وَيُقَبِّلُهُ وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ مَنَادِيلَهُمْ وَثِيَابَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَمَا كَانَ سَبَبُ عِبَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأَصْنَامَ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ التَّمَسُّحَ بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بِجُدْرَانِ الْمَسَاجِدِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَبَرَّكُ بِهِ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ وَلِمُخَالِفَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ التَّعْظِيمِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ عَظَّمَ عليه الصلاة والسلام نَتَّبِعُهُ فِيهِ
فَتَعْظِيمُ الْمُصْحَفِ قِرَاءَتُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ لَا تَقْبِيلُهُ، وَلَا الْقِيَامُ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَالْمَسْجِدُ تَعْظِيمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لَا التَّمَسُّحُ بِجُدْرَانِهِ وَكَذَلِكَ الْوَرَقَةُ يَجِدُهَا الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ فِيهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَرْفِيعُهُ إزَالَةُ الْوَرَقَةِ مِنْ مَوْضِعِ الْمَهَانَةِ إلَى مَوْضِعِ تَرَفُّعٍ فِيهِ لَا تَقْبِيلُهَا، وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مُلْقًى بِالْأَرْضِ بَيْنَ الْأَرْجُلِ تَعْظِيمُهُ أَكْلُهُ لَا تَقْبِيلُهُ، وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ تَعْظِيمُهُ اتِّبَاعُهُ لَا تَقْبِيلُ يَدِهِ وَقَدَمِهِ، وَلَا التَّمَسُّحُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ تَعْظِيمُهُ بِاتِّبَاعِهِ لَا بِالِابْتِدَاعِ عِنْدَهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ تُدْعَى عِنْدِنَا بِالْفَقِيرَةِ تَدَّعِي أَنَّ الشَّيْخَ الْفُلَانِيَّ الْمَيِّتَ يَنْزِلُ عَلَيْهَا وَيَتَرَدَّدُ إلَيْهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ بِالزِّيَارَةِ وَالْإِهْدَاءِ فِي يَوْمٍ مَعْلُومٍ كَالْجُمُعَةِ وَعِنْدَ حُضُورِ الزَّائِرِينَ تُحْضِرُ لَهُمْ الشَّيْخَ وَيُكَلِّمُهُمْ بِمَا فِي أَسْرَارِهِمْ وَغَيْرِهِ فَهَلْ هَذَا حَقِيقَةٌ أَوْ كِهَانَةٌ كَمَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ سِحْرٌ، فَعَلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ مَنْعُهَا، وَأَخْذُهَا الدَّرَاهِمَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا حَقِيقَةٌ إنَّمَا هُوَ كِهَانَةٌ أَوْ سِحْرٌ وَحَاشَا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُطَهَّرِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنْ تَصْدُرَ عَنْهُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْقَبَائِحِ بَلْ هُمْ مُتَأَدِّبُونَ مَعَ الشَّرْعِ وَاقِفُونَ مَعَ حُدُودِهِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، عَلَى أَنَّ الْأَمْوَاتَ مِنْهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِي أُمُورِ الْأَحْيَاءِ لِانْتِقَالِهِمْ إلَى عَالَمٍ آخَرَ فِي غَايَةِ الْمُبَايَنَةِ لِعَالَمِ الْأَحْيَاءِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُونَ فِي أُمُورِ الْأَمْوَاتِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْغَوْثِ سَيِّدِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّبَّاغُ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَنَصُّ الْإِبْرِيزِ عَنْهُ فِيمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْأَحْيَاءُ مِنْ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ دِيوَانَ الصَّالِحِينَ، ثَانِيهَا أَنَّهُ لَا تَقَعُ مَعَهُمْ مُشَاوِرَةٌ فِي أُمُورِ الْأَحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لَهُمْ فِيهَا وَقَدْ انْتَقَلُوا إلَى عَالِمٍ آخَرَ فِي غَايَةِ الْمُبَايَنَةِ لِعَالَمِ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا تَقَعُ مَعَهُمْ الْمُشَاوَرَةُ فِي أُمُورِ عَالَمِ الْأَمْوَاتِ اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَمَّنْ يَخُطُّ فِي الرَّمَلِ وَيُخْبِرُ بِالْمُغَيَّبَاتِ مَا نَصُّهُ: عَصَمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَلَا عَدَلَ بِنَا رَبُّك عَنْ سَوَاءِ الْمَحَبَّةِ وَجَعَلَنَا لِكِتَابِهِ مُتَّبِعِينَ وَبِهَدْيِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُهْتَدِينَ لَا مُشَارِك لِلَّهِ تَعَالَى فِي غَيْبِهِ وَاسْتَأْثَرَ بِمَعْرِفَتِهِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْبِيَاءَهُ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ فَالتَّصْدِيقُ بِهِ كُفْرٌ وَقَدْ أَكْذَبَ اللَّهُ تَعَالَى مُدَّعِيَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْمُسْتَبِدُّ بِعِلْمِ ذَلِكَ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ فَقَالَ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا الْآيَةَ، وَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الْآيَةَ وَقَالَ: