الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامَ الْحَطَّابِ فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ الصَّوْمِ، وَالْفِطْرُ بِسَمَاعِ صَوْتِ الْمِدْفَعِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّهُ لَا يُضْرَبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَحُكْمُهُ بِهِ، وَإِعْلَامُهُ حَاكِمَ السِّيَاسَةِ بِذَلِكَ كَإِيقَادِ الْقَنَادِيلِ فِي الْمَنَائِرِ، وَكَذَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي الْفِطْرِ، وَالْإِمْسَاكِ كُلَّ لَيْلَةٍ لِتَوْكِيلِهِمْ عَلَى الْأَمْرِ بِضَرْبِهِ مُسْلِمًا عَارِفًا بِالْوَقْتِ فَصَارَ كَالْأَذَانِ بِحَيْثُ إنْ قُدِّمَ عَلَى الْوَقْتِ أَوْ أُخِّرَ عَنْهُ يُنْكِرُهُ النَّاسُ، وَصَارَ الْمُؤَذِّنُونَ، وَالنَّاسُ مُعْتَمَدِينَ عَلَيْهِ أَشَدَّ مِنْ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى الْمِيقَاتِيِّ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ.
[شَرِبَ الدُّخَانَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ شَرِبَ الدُّخَانَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: نَعَمْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إنْ وَصَلَ لِجَوْفِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ، وَطْئًا، وَإِنْزَالًا، وَالْإِفْطَارُ بِمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ اهـ.
وَفِي الْمُخْتَصَرِ، وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِفَمٍ فَقَطْ عَبْدُ الْبَاقِي، وَوَصَلَ لِجَوْفِهِ وَقَالَ قِبَلَ الدُّخَانِ الَّذِي يُشْرِبُ مُفْطِرٌ إذْ هُوَ مُتَكَيِّفٌ، وَيَصِلُ إلَى الْحَلْقِ بَلْ إلَى الْجَوْفِ أَحْيَانًا، وَيُقْصَدُ اهـ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ: وَصِحَّتُهُ بِتَرْكِ مَا يَصِلُ الْمَعِدَةَ مُطْلَقًا أَوْ الْحَلْقَ مِنْ مَائِعٍ أَوْ دُخَانٍ، ثُمَّ قَالَ كَفَرَ مُنْتَهِكُ رَمَضَانَ بِإِدْخَالٍ مِنْ فَمٍ فَقَطْ، وَلَوْ دِرْهَمًا اهـ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي وَضْعِ الدُّخَانِ فِي الْفَمِ بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى، وَالْأَسْنَانِ، وَمَجِّ الرِّيقَ الْمُتَغَيِّرَ بِهِ هَلْ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ إنْ كَانَ عَمْدًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَضْعُ الدُّخَانِ فِي الْفَمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مُضَادٌّ لِحَقِيقَةِ الصِّيَامِ الَّتِي هِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ، وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّكَيُّفِ بِهِ تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ مَضْغًا، وَيَصِلُ طَعْمُهُ لِلْحَلْقِ، وَيَتَكَيَّفُ بِهِ الدِّمَاغُ مِثْلَ تَكَيُّفِهِ بِالدُّخَانِ الَّذِي يُمَصُّ بِالْعُودِ أَوْ يُتَنَشَّقُ بِهِ مِنْ الْأَنْفِ أَوْ أَشَدُّ فَلَا شَكَّ فِي إفْطَارِهِ الصَّائِمَ، وَإِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ الْكُبْرَى إنْ كَانَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ عَمْدًا بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، وَالْفِطْرُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْفِطْرِ بِدَهْنِ الرَّأْسِ إذَا وَصَلَ طَعْمُهُ لِلْحَلْقِ مِنْ الْمَسَامِّ، وَبِاسْتِنْشَاقٍ بِبُخَارِ الْقِدْرِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِلْعَوَامِّ، وَإِذَا سَمِعُوا قَوْلَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ أَوْ تَوَقُّفِهِ فِي ذَلِكَ اسْتَغْرَبُوهُ، وَنَسَبُوهُ لِلْجَهْلِ، وَقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ، وَمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ تَتَكَيَّفُ بِهِ دِمَاغُهُ تَكَيُّفًا شَدِيدًا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا، وَيَتَضَرَّرُ لِتَرْكِهِ تَضَرُّرًا شَدِيدًا يُشْرِفُ بِهِ عَلَى الْهَلَاكِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُفَطِّرُهُ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؟ ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَضْغِ الْعِلْكِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّ الْعِلْكَ لَا حَرَارَةَ فِيهِ مِثْلَ الدُّخَانِ
وَالْأَطْرَوْنَ، وَلَيْسَ لَهُ بُخَارٌ يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّ مَنْ تَبَخَّرَ بِدَوَاءٍ، وَوَجَدَ طَعْمَ دُخَانِهِ فِي حَلْقِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ كَمَنْ اكْتَحَلَ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، وَوَجَدَ طَعْم ذَلِكَ فِي حَلْقِهِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مَنْ اسْتَنْشَقَ بُخَارَ قِدْرِ الطَّعَامِ فَقَدْ أَفْطَرَ قَالُوا؛ لِأَنَّ بُخَارَ الطَّعَامِ لَهُ جِسْمٌ يَتَقَوَّى بِهِ الدِّمَاغُ فَيَحْصُلُ بِهِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَمَ أَقْرَبُ لِلْحَلْقِ مِنْ الْأَنْفِ، وَمِنْ مَسَامِّ الرَّأْسِ، وَأَوْسَعُ مِنْهُمَا، وَأَنَّ الْأَصْلَ، وَالْغَالِبَ، وَالْمُشْتَهَى الْإِيصَالُ مِنْهُ، وَأَنَّ الِانْتِهَاكَ بِهِ أَشَدُّ فَلِذَا قُصِرَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي حَادِثَةٍ فِي سَنَةِ إحْدَى وَثَمَانِينَ هِيَ أَنَّهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَضَرَ خَبَرٌ مِنْ الشَّامِ فِي التِّلِغْرَافِ لِبَعْضِ الثُّغُورِ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الشَّامِ رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَفْتَى مُفْتِيهِ بِالْعَمَلِ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَالْحُكْمِ بِثُبُوتِ الشَّهْرِ فِي ذَلِكَ الثَّغْرِ، وَحَكَمَ قَاضِيهِ بِذَلِكَ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ بَعْضِ حَوَاشِي التَّنْوِيرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَهْلُ الْقُرَى بِسَمَاعِ الْمَدَافِعِ أَوْ رُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ قَاضِي الْمِصْرِ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعَمَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَيْرِ رَمَضَانَ بَعِيدٌ إذْ لَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ عَادَةً لَيْلَةَ الشَّكِّ إلَّا لِثُبُوتِ رَمَضَانَ اهـ. وَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْقُطْرِ الشَّامِيِّ عَارَضُوا ذَلِكَ غَايَةَ الْمُعَارَضَةِ، وَرَدُّوا الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةَ قَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ مُسْتَدِلِّينَ بِعِبَارَةٍ مَنْ الْكُتُبِ الْمُحَرَّرَةِ فَهَلْ يُعَوَّلُ عَلَى الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْمُعَارِضِينَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ وَلَكُمْ الثَّوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُعَوَّلُ عَلَى الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ سَلَاطِينَ الْمُسْلِمِينَ وَضَعُوا التِّلِغْرَافَ لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ مِنْ الْبِلَادِ الْقَرِيبَةِ، وَالْبَعِيدَةِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ جِدًّا، وَأَقَامُوا لِأَعْمَالِهِ أَشْخَاصًا مُسْلِمِينَ، وَأَنْفَقُوا عَلَى ذَلِكَ أَمْوَالًا جَسِيمَةً، وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ السُّعَاةِ، وَإِرْسَالِ الْمَكَاتِيبِ غَالِبًا فَصَارَ قَانُونًا مُعْتَبَرًا فِي ذَلِكَ يُخَاطِبُ بِهِ السَّلَاطِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي مُهِمَّاتِ الْأُمُورِ، وَتَبِعَهُمْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْحَطَّابِ، وَغَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ انْتَظَرُوا هِلَالَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَرَوْهُ، وَأَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ وَقَدْ بَلَغَهُمْ بِالسِّلْكِ ثُبُوتُ رَمَضَانَ فِي مِصْرَ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ بِهِ، وَإِنَّ الْحُكْمَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ