الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[النَّوْعُ السَّادِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ]
ُ بِفَتْحِ الزَّايِ كَقَوْلِك لِشَخْصٍ إنْ بَنَيْت بَيْتَك أَوْ إنْ تَزَوَّجَتْ فَلَكَ كَذَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ فَهُوَ لَازِمٌ إذَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا أَنَّهُمْ لَاحَظُوا فِي هَذَا كَوْنَهُ فِي مَعْنَى الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَجَعَلُوهُ لَازِمًا لَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الْآنَ.
قَالَ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَسَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِهِ: أَصْلِحْ نَفْسَك وَتَعَلَّمْ الْقُرْآنَ وَلَك قَرْيَتِي فُلَانَةُ فَيُصْلِحُ نَفْسَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَمُوتُ أَبُوهُ، وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْ الْحَوْزَ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِ أَبِيهِ هَلْ تَرَى الصَّدَقَةَ لَهُ جَائِزَةً؟ قَالَ: لَا إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ هَكَذَا إلَّا أَنْ يُعْرَفَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِإِشْهَادٍ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِقَوْمِ: اشْهَدُوا أَنَّهُ إنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَقَدْ وَهَبْته، أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِعَبْدِي، أَوْ قَرْيَتِي فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ إذَا كَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَوْزًا لَهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيضِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلِابْنِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ قَوِيٍّ مِثْلِ مَا وَصَفْت لَك مِنْ الْإِشْهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَك قَرْيَتِي فُلَانَةُ تَمْلِيكُهُ إيَّاهَا بِإِصْلَاحِهِ لِنَفْسِهِ وَتَعَلُّمِهِ الْقُرْآنَ وَلَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ هَلْ يَمْلِكُ، أَوْ لَا يَمْلِكُ مَعَ إضَافَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَالَ لَهُ بِهَذِهِ اللَّامِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا لَامَ الْمِلْكِ فَقَالَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَقَالَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَمَالُهُ مِلْكًا لِأَبِيهِ فَلَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ قَرْيَتِي فُلَانَةُ تَسْكُنُهَا أَوْ تَرْتَفِقُ بِمَرَافِقِهَا، أَوْ تُنْفِذُ أَمْرَك فِيهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَنْقُلُ مِلْكَهُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِهَا، أَوْ وَهَبْتهَا لَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَتَجُوزُ لَهُ الْهِبَةُ وَتَصْلُحُ لَهُ حِيَازَةٌ إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مَا أَوْجَبَ لَهُ الْقَرْيَةَ مِنْ إصْلَاحِهِ نَفْسَهُ وَتَعَلُّمِهِ الْقُرْآنَ عِوَضًا لَهَا فَمَضَى لَهُ دُونَ حِيَازَةٍ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ أَعْطَى زَوْجَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ دَارِهِ عَلَى أَنْ تُسْلِمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِيهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِابْنِهِ إنْ تَزَوَّجْتَ فَلَكَ جَارِيَتِي فُلَانَةُ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ إذَا تَزَوَّجَ فَهِيَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِذَلِكَ قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ إنْ فَلَّسَ، وَإِنْ مَاتَ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ فِيهَا شَيْءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ قَالَ لَك مِائَةُ دِينَارٍ إنْ تَزَوَّجْتَ كَانَ هُوَ وَالْغُرَمَاءُ سَوَاءً فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ مِنْ
الْغُرَمَاءِ، وَأَنَّهُ يُحَاصِصُ بِالدَّيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَمَعْنَاهُ إذَا وُهِبَتْ لَهُ الْهِبَةُ.
(فَرْعٌ) وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْ السِّلْعَةَ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنِّي وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ بِعْتهَا بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَيْتهَا مِنِّي فَالنُّقْصَانُ عَلَيَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ وَتَحْصِيلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يَقُولَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ.
فَأَمَّا إنْ بَاعَ السِّلْعَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ سِلْعَتَهُ، أَوْ جَارِيَتَهُ مِنْ الرَّجُلِ بِثَمَنٍ يُسَمِّيه لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَقَعَ وَعَثَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَاتِ فَسَخَ، وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَ بِبَيْعٍ، أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ، أَوْ مَوْتٍ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَوْ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَقِيلَ إنَّهُ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ.
وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بَيْعِهَا بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ رِبْحٍ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُ فَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ إنْ مَاتَتْ وَتُرَدُّ إلَيْهِ إنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ أَسْوَاقٍ أَوْ عَيْبٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ وَيَكُونُ لَهُ الثَّمَنُ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ إنْ فَاتَتْ بِالْبَيْعِ، كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي بَيْعِهِ إيَّاهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْوَاضِحَةِ.
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَوَّتَهَا الْمُبْتَاعُ بِهِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ عِتْقٍ إنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ حَمْلٍ إنْ كَانَ أَمَةً فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَقِيلَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْهِبَةِ، أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ الْإِحْبَال مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهَا بَيْعُ فَاسِدٌ وَيَرَاهَا فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ إنَّهَا أَيْ السِّلْعَةَ تَكُونُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَتَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْقَبْضِ عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي مَوْطِئِهِ اهـ. وَقَبِلَ الْبَاجِيُّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ الْقَوْلَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فَتَأَمَّلْهُ.
فَرْعٌ) إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى صِفَةٍ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى خِلَافِ الصِّفَةِ فَأَرَادَ رَدَّهُ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ بِعْ وَلَا وَضَيْعَةَ عَلَيْك فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ فِيمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ فَلَمَّا ذَهَبَ يَقْبِضُهُ وَجَدَهُ مُسَوَّسًا فَسَخِطَهُ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ بِعْ وَلَا وَضَيْعَةَ عَلَيْك فَحَمَلَهُ فِي سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ حَادِثٌ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيُعْطِي الْمُشْتَرِيَ أُجْرَتَهُ فِيمَا حَمَلَهُ وَشَخَصَ بِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ عَلَى أَنْ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تَكُونُ الْمُصِيبَةُ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ الطَّعَامَ مُسَوَّسًا وَجَبَ نَقْضُ الْبَيْعِ فَقَوْله لَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ لَمَّا وَجَبَ رَدُّهُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ اهـ.
قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَقَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك أَيْ بِعْ وَالنُّقْصَانُ عَلَيَّ فَهُوَ أَمْرٌ قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَعْرُوفُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ أَوْ بَعْدَمَا انْتَقَدَ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ: اُنْقُدْنِي وَبِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ إنَّهُ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ عُيُوبٌ وَخُصُومَاتٌ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ.
وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ مَسْأَلَةٌ: قُلْت فَالرَّجُلُ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ طَعَامًا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَاسْتَغْلَاهُ فَقَالَ لِلْبَائِعِ فَقَالَ لَهُ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك ثُمَّ قَالَ لَهُ بِعْ عَشَرَةَ أَرَادِبَ فَمَا نَقَصَ مِنْهَا وَضَعْت لَك مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ بِحِسَابِ ذَلِكَ كَأَنْ اشْتَرَى مِنْهُ مِائَةَ إرْدَبٍّ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا فَبَاعَ الْعَشَرَةَ بِدِينَارَيْنِ فَوَضَعَ عَنْهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ يَشْتَرِي طَعَامًا نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ مَعْنَاهُ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ طَعَامًا بِثَمَنٍ نَقْدًا، أَوْ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ.
وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَسَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْ كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَوَضَعَ عَلَى الْمُبْتَاعِ الْعَشَرَةَ الَّتِي انْتَقَصَ فِي الطَّعَامِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَضِيعَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ
قَدْ قَبَضَ ثَمَنَ الطَّعَامِ مِنْهُ وَغَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّ إلَيْهِ مِنْهُ مَا انْتَقَصَ فِي ثَمَنٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ؛ لِأَنَّ مَا رُدَّ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ يَكُون سَلَفًا وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يَكُونُ ثَمَنًا لِلطَّعَامِ فَيُتَّهَمَانِ عَلَى الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ أَوْ لَمْ يَكُونَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَهَذَا فِيمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْمَنْعِ مِنْ الذَّرَائِعِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُبْتَاعُ الْوَضِيعَةَ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُتَّهَمَانِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ، وَلَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْعَشَرَةَ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَشَرَةَ وَلَا يَفْسَخُ الْبَيْعَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَا لَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ وَلَا قَصَدَا إلَيْهِ اهـ.
فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُبْتَاعِ: بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: اُنْقُدْنِي الْآنَ الثَّمَنَ ثُمَّ بِعْ وَمَهْمَا نَقَصَ أُعْطِيك بَدَلَهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَدْ وَقَعَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ قَالَ لِلْمُبْتَاعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يَكُونَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْوَضِيعَةِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا إنْ كَانَا لَمْ يَقْصِدَا الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ.
وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَدْ وَقَعَ نَقْدًا ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ بِعْ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ وَلَا يُتَّهَمَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، فَإِنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِكَلَامِهِ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ الثَّانِي حُكْمُ مَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ انْتَقِدْنِي الثَّمَنَ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك وَفَعَلَ ذَلِكَ وَنَقَدَهُ ثُمَّ بَاعَ بِنُقْصَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ، فَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النُّقْصَانَ إنْ كَانَ انْتَقَدَ، وَأَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَنْتَقِدْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُغْبَنْ فِي الْبَيْعِ غَبْنًا بَيِّنًا وَبَاعَ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ حَتَّى تَحُولَ الْأَسْوَاقُ، فَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى حَالَتْ الْأَسْوَاقُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ أَشْهَبُ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَسْأَلُ عَنْ الْمُبْتَاعِ يُقَالُ لَهُ بِعْ وَلَا وَضِيعَةَ عَلَيْك ثُمَّ يَقُولُ: وَضَعْت كَذَا وَكَذَا أَيُصَدِّقُ قَالَ إذَا جَاءَ بِمَا يُشْبِهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي النُّقْصَانِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُصَدِّقَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسْتَنْكَرُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَأَبِقَ، أَوْ مَاتَ فَقِيلَ إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَقِيلَ إنَّهُ