الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَائِنًا وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُسَلِّفَهُ وَلَا أَنْ تُؤَجِّرَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهَا مَالًا يَجِبُ قَبُولُهُ مِنْ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك.
وَأَمَّا إنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا، فَإِنْ أَرَادَ إلْزَامَهَا كِرَاءَ الْمَسْكَنِ، وَهُوَ لِغَيْرِهِ، أَوْ لَهُ وَسَمَّى الْكِرَاءَ لَزِمَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَسْكَنِهِ تَمَّ الْخُلْعُ وَلَا تَخْرُجُ وَلَا كِرَاءَ لَهُ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَرَى عَلَيْهَا الْأَقَلَّ مِنْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ، أَوْ مَا كَانَتْ تُكْتَرَى بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهَا لِمَسْكَنٍ لَهَا أَوْ لِأَبِيهَا وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا نَفَقَةَ نَفْسِهِ، أَوْ نَفَقَةَ غَيْرِهِ، أَوْ نَفَقَةَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ أَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ وَيَشْتَرِطَ الرَّجْعَةَ، أَوْ خَالَعَهَا وَشَرَطَ أَنَّهَا إنْ طَلَبَتْ شَيْئًا مِنْهُ عَادَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ شَرَطَ رَجْعَتَهَا فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَالْخُلْعُ يَلْزَمُهُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ إلَّا نِكَاحًا مُبْتَدَأً قَالَ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَا يَحِلُّ سُنَّةَ الْخُلْعِ قَالَهُ مَالِكٌ اهـ.
(فَرْعٌ) : وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابٍ فِيمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ لِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ أَخَذَ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَمْ لَا فَأَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَهِيَ عَلَى خُلْعِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يُشْبِهُ عَقْدَ الْبَيْعِ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ بِهِ نَفْسَهَا كَمِلْكِهَا زَوْجَهَا بِالنِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ الشَّرْطُ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ وَالْإِقَامَةِ فِيهِ، أَوْ تَرْكِ النِّكَاحِ وَشَبَهِهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمُبَاحِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ اهـ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ]
وَقَدْ جَعَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ) شَرْطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْقِيَامِ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الْعِوَضِ عِنْدَ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ، أَوْ مَا لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ لِكَوْنِهِ لَا يَئُولُ إلَى غَرَرٍ وَفَسَادٍ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ وَلَا إلَى إخْلَالٍ بِشَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ وَبَيْعِ الدَّارِ وَاسْتِثْنَاءِ سُكْنَاهَا أَشْهُرًا مَعْلُومَةً، أَوْ سَنَةً وَكَبَيْعِ الدَّابَّةِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ إلَى مَكَان قَرِيبٍ، فَهَذَا الْقِسْمُ مِنْ الشُّرُوطِ صَحِيحٌ لَازِمٌ يُقْضَى بِهِ مَعَ الشَّرْطِ وَلَا يُقْضَى بِهِ بِدُونِ شَرْطٍ إلَّا مَا كَانَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَيَتَأَكَّدُ مَعَ الشَّرْطِ.
فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ لَهُ دَارَانِ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَرْفَعَ عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُظْلِمَ عَلَيْهِ دَارِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِ الشَّمْسِ فِيهَا فَالْتَزَمَهُ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ لَازِمٌ اهـ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَذَكَرَهَا الْمُتَيْطِيُّ قَبْلَ بَابِ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا.
(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَاشْتِرَاطُ رَضَاعِ وَلَدِهَا وَنَفَقَتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي سَنَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ أَرْضَعَ لَهُ آخَرَ، وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِأُخْرَى تُرْضِعُ الْوَلَدَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَيْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الشَّرْطَيْنِ إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى، وَإِنْ مَاتَ الرَّضِيعُ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ وَأَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى كَوْنَ الرَّضَاعِ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ كَوْنَ الرَّضَاعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ مَا لَمْ تَمُتْ، وَإِنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِخُلْفِهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ شَرَطُوا أَنَّ الرَّضَاعَ يَبْطُلُ بِمَوْتِهَا أَوْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ دَخَلَهُ التَّحْجِيرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَمَةِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا يَجُوزُ لِذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ، وَإِنْ شَرَطُوهُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَمَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي دَخَلَهُ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ.
وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الشَّرْطِ نِيَّةٌ فَحَمَلَهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَأَجَازَهُ وَحَمَلَهُ بَعْدَهُ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَلَمْ يُجِزْهُ وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولُوا: إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى بَلْ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْمَضْمُونِ فَأَجَازَهُ وَحَمَلَهُ سَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ، مِثْلُ أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ فَتُبَاعَ فِيهِ عَلَيْهِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَهُ مَعَ كَوْنِ الرَّضَاعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَقَالَ كَيْفَ يُجِيزُ هَذَا، وَهُوَ لَا يُجِيزُ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ اعْتِرَاضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِزْهُ بَلْ حَمَلَ الْأَمْرَ فِي السُّكُوتِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا فِي عَيْنِ الْأَمَةِ اهـ.
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا اشْتَرَطَ الرَّضَاعَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُرْضِعُهُ مَا دَامَتْ حَيَّةً، فَإِذَا مَاتَتْ أَتَى الْمُشْتَرِي بِخُلْفِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيرًا عَلَى الْمُشْتَرِي أَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ رَادًّا لَهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِهَا بِأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّضَاعَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ هُوَ الظَّاهِرُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي رَضَاعَ الصَّبِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ الرَّضَاعَ
مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ رُشْدٍ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَأْتِيَ بِأُخْرَى تُرْضِعُ الصَّبِيَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فَتَأَمَّلْهُ.
وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ حَتَّى فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ.
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ كَوْنِ الصَّبِيِّ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا وَهْمٌ مِنْ مَالِكٍ، أَوْ أَمْرٌ رَجَعَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِقَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهَا فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَجَابَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْوَاهِمُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَسَبَ مَالِكًا إلَى الْوَهْمِ فِيهِ.
وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ رَبَّ الْأَمَةِ أَعْتَقَ وَلَدَهَا ثُمَّ بَاعَهَا، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَمْرِ رَضَاعِهِ إلَّا سَنَةٌ فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ بَقِيَّةَ رَضَاعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
(الثَّانِي) قَالَ سَحْنُونٌ لَا أَدْرِي لِمَ جَوَّزَ مَالِكٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهُوَ لَا يُجِيزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ وَلَكِنَّهَا مَسْأَلَةُ ضَرُورَةٍ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْأَمَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ عِنْدِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْغَرَرَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَمَةِ تَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ انْضَافَ إلَى أَصْلٍ جَائِزٍ، وَهُوَ بَيْعُ الْأُمِّ وَالْغَرَرُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الظِّئْرِ مُنْفَرِدٌ فَلَمْ يَجُزْ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ جُزَافًا فِي شَهْرٍ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَجَازَ كِرَاءَ نَاقَةٍ شَهْرًا وَاسْتِثْنَاءَ حِلَابِهَا فَالْغَرَرُ إذَا انْفَرَدَ يُمْنَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ تَبَعًا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا» وَقَالَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَفِيهَا تَمْرٌ مُؤَبَّرٌ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ إذَا انْضَافَ إلَى الْأَصْلِ وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَلَمْ يُرَ قُطْنُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قُطْنِهَا مُفْرَدًا، وَهُوَ مَحْشُوٌّ فِيهَا اهـ.
(الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ جَعَلَ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ كَالدَّيْنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَلَسِ وَتُقَدَّمُ عَلَى الْوَصَايَا وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِمَبْلَغِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ عَلَيْهِ لِعِتْقِهِ إيَّاهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ.
(فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ نِصْفِ الْأَمَةِ أَوْ الدَّابَّةِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَقَتَهَا سَنَةً، وَأَنَّهُ إنْ مَاتَتْ، أَوْ بَاعَهَا فَذَلِكَ لَهُ ثَابِتٌ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى نَصِّهَا فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَوَصَلَ بِهَا أَنَّ سَحْنُونًا أَنْكَرَهَا.
وَالْمَعْنَى عِنْدِي فِي مُخَالَفَةِ سَحْنُونَ لِمَالِكٍ أَنَّ مَالِكًا حَمَلَ قَوْلَهُ إنْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ فَطَعَامُهَا لَهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الطَّعَامِ بِمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ السَّنَةُ فَأَجَازَ ذَلِكَ إذْ لَا وَجْهَ لِلْكَرَاهَةِ فِيهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ نِصْفَ الْأَمَةِ، أَوْ الدَّابَّةِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى
وَنَفَقَتُهُ مَعْلُومَةٌ يَسْتَوْفِيهَا كَانَتْ الْأَمَةُ أَوْ الدَّابَّةُ بَاقِيَةً، أَوْ لَمْ تَكُنْ، فَبَعْضُ ثَمَنِ نِصْفِهَا نَفَقَتُهَا الْمَعْلُومَةُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ لِانْقِضَاءِ السَّنَةِ.
وَحَمَلَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَتْ الْأَمَةُ، أَوْ الدَّابَّةُ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ حَالًّا، أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ جَوَازَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِنَصٍّ لَا احْتِمَالَ فِيهِ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ الْأَمَةِ أَوْ نِصْفَ الدَّابَّةِ بِشَرْطِ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي سَنَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى النَّفَقَةِ شَيْئًا لَجَازَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ الثَّوْبِ، أَوْ الدَّابَّةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ الْمُشْتَرِي النِّصْفَ الْآخَرَ إلَى شَهْرٍ، وَعَلَى مَا فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، فَإِنْ مَاتَتْ الْأَمَةُ، أَوْ الدَّابَّةُ قَبْلَ السَّنَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهَا يَوْمَ بَاعَهُ لِفَوَاتِهِ بِالْمَوْتِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ لِمَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ نِصْفَ الرَّضِيعَةِ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَبِالنَّفَقَةِ عَلَى نِصْفِهَا الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ فِي السَّنَةِ.
فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نِصْفَ السَّنَةِ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِنِصْفِ سُدُسِ قِيمَةِ النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهَا يَوْمَ بَاعَهُ لِفَوَاتِهِ بِالْمَوْتِ كَانَ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاعَ نِصْفَ الْجَارِيَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَعَرْضُ قِيمَتِهِ دِينَارَانِ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ مِنْ النَّفَقَةِ بِمَوْتِ الرَّضِيعَةِ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الثَّمَنِ، وَهُوَ عَرْضٌ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْعَشَرَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَبِيعُ الْأَمَةَ، وَقَدْ أَعْتَقَ وَلَدًا لَهَا صَغِيرًا وَاشْتَرَطَ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَثْغَرَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ فَيَمُوتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الشَّرْطُ كِفَايَةَ مُؤْنَةِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَطْلُبُ بِهِ الزَّائِدَ فِي الثَّمَنِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا يَئُولُ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَشَرْطِ مَا يُؤَدِّي إلَى جَهْلٍ وَغَرَرٍ فِي الْعَقْدِ، أَوْ فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي الْمَثْمُونِ أَوْ إلَى الْوُقُوعِ فِي رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ فِي رِبَا النَّسَاءِ كَشَرْطِ مُشَاوِرَةِ شَخْصٍ بَعِيدٍ، أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، أَوْ إلَى مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ شَرْطِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ شَرْطِ زِيَادَةِ شَيْءٍ مَجْهُولٍ فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي الْمَثْمُونِ، فَهَذَا النَّوْعُ يُوجِبُ فَسْخَ الْبَيْعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَاتَتْ السِّلْعَةُ، أَوْ لَمْ تَفُتْ وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي إمْضَائِهِ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ قَائِمَةً رُدَّتْ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ قِيمَتُهَا بَلَغَتْ مَا بَلَغَتْ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُسَلِّفَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ، أَوْ الْعَكْسِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا دَامَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ مُتَمَسِّكًا بِهِ، فَإِنْ أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَوَاءٌ أَخَذَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ السَّلَفَ وَغَابَ عَلَيْهِ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَصِحُّ إسْقَاطُ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ مَا اشْتَرَطَهُ مِنْ السَّلَفِ وَيَغِيبُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ وَغَابَ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ ذَلِكَ وَرَدِّ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ مَا أَرَادَهُ مِنْ السَّلَفِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً بِيَدِ الْمُشْتَرِي.
فَأَمَّا إنْ فَاتَتْ فَلَا يُفِيدُ الْإِسْقَاطُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ، فَإِنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَإِنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ السَّلَفُ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِسْقَاطُ قَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ، أَوْ بَعْدَ فَوَاتِهَا.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ ثَمَنًا قَضَاهُ، وَإِنْ هَلَكَ وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ وَقَعَ هَذَا الشَّرْطُ وَفَاتَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَفْسُدُ بِهَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَالْحُكْمُ فِيهِ الْفَسْخُ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ شَاءَا، أَوْ أَبَيَا وَيَصِحُّ فِي فَوَاتِهَا بِالْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ إذْ قَدْ يَقُولُ كَثِيرًا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْفَسْخُ: لَا أُحِبُّ هَذَا وَأَكْرَهُهُ وَشَبَهَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اهـ.
وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَزَادَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هَذَا حَرَامٌ وَيُرَدُّ، فَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَوْلُهُ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ صَرِيحًا مِنْ قَوْلِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ:" فَيَصِحُّ فِي فَوَاتِهَا بِالْقِيمَةِ " فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَصَوَابُهُ وَيُفْسَخُ فِي فَوَاتِهَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ صَحَّ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَضَى بِالثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ قُلْت الْأَظْهَرُ حَمْلُ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ مُقْتَضَى الْحُكْمِ فِي عَدَمِ الطَّلَبِ فِي الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، فَإِذَا مَاتَ عَدِيمًا فَلَا مَيْسَرَةَ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهُمْ خِلَافُ مُقْتَضَى الْحُكْمِ عَلَى مَا قَالَهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الْمَدِينِ، وَهَذَا عِنْدِي غَرَرٌ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُبَايَعَاتِ إنَّمَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَمَقْصُودُ النَّاسِ بِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ اهـ.
قُلْت: مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ. وَأَمَّا الدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَأْجِيلِهِ إلَى مَوْتٍ، أَوْ فِرَاقٍ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَنُوفِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْمٍ مِنْهَا مَنْعُ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً إلَى الْمَيْسَرَةِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُلُولِ اهـ. وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فَهُوَ غَرَرٌ لَا يَحِلُّ اهـ.
وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَ وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَافَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ حَالٌّ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ فَفِيهَا الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ حَمِيلًا إنْ سَافَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ: وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا إلَى أَجَلٍ وَشَرَطَ إنْ لَمْ يُقْبِضْهُ الثَّمَنَ فِي الْأَجَلِ فَالْعَبْدُ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُ الْعَبْدِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا عَتَقَ، وَإِنْ حَلَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ رَقَّ وَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَاهَا مُدَّعٍ فَثَمَنُهَا رَدٌّ عَلَيَّ بِغَيْرِ خُصُومَةٍ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا يُعْجِبُنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا فَاسِدًا لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَقَوْلُهُ اشْتَرَطَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ الْكِتَابُ وَقَرَّرَهُ الشَّرْعُ الْمُبِينُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى دُونَ بَيِّنَةٍ اهـ. مُخْتَصَرًا.
قُلْت: وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ تُرَدَّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمُوَظَّفَةِ أَيْ الَّتِي عَلَيْهَا خَرَاجٌ يُسَلِّمُهُ الْمُشْتَرِي كُلَّ سَنَةٍ، وَقَدْ أَطَالَ الْمُوَثِّقُونَ الْكَلَامَ فِيهَا وَلَخَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا قُرِّرَ عَلَيْهَا عِنْدَ إحْيَائِهَا، أَوْ قُرِّرَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَقَالَ إنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَرْضِ الَّتِي قُرِّرَ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ إحْيَائِهَا قَالَ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ
بِأَرْضِ الْخَرَاجِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي قُرِّرَ عَلَيْهَا شَيْءٌ بَعْدَ إحْيَائِهَا فَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْمُوَثِّقُونَ أَرْضَ الْوَظِيفَةِ وَأَرْضَ الطَّبْلِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلْجَهْلِ فِي الثَّمَنِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ) مَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهِيَ بُيُوعُ الشُّرُوطِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِبَيْعِ الثُّنْيَا قَالَ: مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُهَا، أَوْ لَا يَهَبُهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَ الْجَارِيَةَ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَعْزِلَ عَنْهَا، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُرْكِبَهَا الْبَحْرَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَيْهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّحْجِيرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ: فَهَذَا النَّوْعُ اُخْتُلِفَ فِيهِ إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا دَامَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الشَّرْطَ صَحَّ الْبَيْعُ هَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ كَانَ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَقُومَ السِّلْعَةُ بِالشَّرْطِ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ فَمَا كَانَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الْأَجْزَاءِ يَرْجِعُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الثَّمَنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْبُيُوعِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ وَتَكُونُ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الْفَوَاتِ.
قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ شِرَاءُ السِّلْعَةِ عَلَى الْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يَمْضِي الْبَيْعُ إنْ رَضِيَ مُشْتَرِطُ الْخِيَارِ بِتَرْكِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِذَلِكَ لَيْسَ بِتَرْكٍ مِنْهُ لِلشَّرْطِ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ لِلْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ الْفَاسِدِ اهـ.
قُلْت: وَلِهَذَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَجَعَلْنَاهَا مِمَّا يُؤَدِّي إلَى خَلَلٍ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ هَذَا حُكْمُ هَذَا الْبَابِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: إذَا بَاعَ الْأَمَةَ وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، أَوْ صِيَامٌ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، فَهَذَا يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتْرُكَ الشَّرْطَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا يَمِينٌ قَدْ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا عَنْهُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ
ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَزَا الْأُولَى لِلْمُقَدِّمَاتِ وَالثَّانِيَةَ لِرَسْمِ الْعُشُورِ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُمَا جَمِيعًا فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُهُ فِيهِ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَبْيَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَكْمِيلٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَيْعُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ بِالشِّرَاءِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي الْعِتْقِ، أَوْ يَشْتَرِطُ الْعِتْقَ وَلَا يُفِيدُهُ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ قَالَ وَأَيُّ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي صِفَةِ وُقُوعِ الْعِتْقِ وَفِي شَرْطِ النَّقْدِ.
فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حُرًّا بِنَفْسِ الْبَيْعِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عِتْقٍ، وَإِنْ مَاتَ بِفَوْرِ الْعَقْدِ مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُوَرَّثُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ اهـ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي وَالْتَزَمَ ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ، فَإِنْ أَلَدَّ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُعْتَقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِعِتْقٍ جَدِيدٍ لَكِنْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ اشْتَرَى فَإِمَّا أَعْتَقَهُ وَإِلَّا أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَالنَّقْدُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ اهـ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي الْعِتْقِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً بَيْعٌ وَتَارَةً سَلَفٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَدْرَ مَا يَسْتَخِيرُ فِيهِ وَيَسْتَشِيرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعِتْقِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَرُدَّ عَبْدَهُ وَيَنْقُضَ الْبَيْعَ، أَوْ يَتْرُكَ الشَّرْطَ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِيَارَ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعِتْقِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ، فَإِنْ أَلَدَّ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَيَجُوزُ النَّقْدُ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ بِقُرْبٍ فَلَا كَلَامَ لِلْبَائِعِ وَسَوَاءٌ كَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ بَعْدَ قِيَامِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَطَلَبِهِ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ قَبْلَ حُصُولِ عَيْبٍ فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ
أَوْ بَعْدَ حُصُولِ الْعَيْبِ فِيهِمَا بَلْ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ قَبْلَ عِتْقِهِمَا بِقُرْبِ الْعَبْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا لَهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ عِتْقِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ، فَإِنْ قَامَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ قُرْبَهُ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ عَبْدِهِ، أَوْ أَمَتِهِ وَنَقْضُ الْبَيْعِ، أَوْ تَرْكُ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا لِأَجْلِ تَرْكِ الشَّرْطِ فَذَلِكَ لَهُمَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ صَحِيحَيْنِ لَمْ يَدْخُلْهُمَا عَيْبٌ، وَإِنْ دَخَلَهُمَا عَيْبٌ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَهُمَا مَعِيبَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ يَغْرَمَ لِلْبَائِعِ مَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ مِلْكًا لَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِتَأْخِيرِ الْعِتْقِ إلَى شَهْرٍ وَنَحْوِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ عَالِمٍ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَرْضَى عِتْقَهُمَا مَعِيبَيْنِ وَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُمَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْبَائِعُ بِقُرْبٍ بَلْ سَكَتَ حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ كَثِيرًا كَالسَّنَةِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِعَدَمِ عِتْقِ الْمُشْتَرِي فَلَا قِيَامَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْمُطَالَبَةَ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ يُؤْذِنُ بِإِسْقَاطِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا عِنْدِي الِاخْتِلَافُ الَّذِي فِي السُّكُوتِ هَلْ هُوَ إذْنٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ صَحِيحَيْنِ، أَوْ دَخَلَهُمَا عَيْبٌ، أَوْ فَاتَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِذَلِكَ حَتَّى طَالَ الْأَمَدُ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ صَحِيحَيْنِ لَمْ يَدْخُلْهُمَا عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ يَدَعَهُمَا وَيَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ مِنْ ثَمَنِهِمَا، وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الطُّولِ لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ عَنْهُ الرُّجُوعَ بِمَا نَقَصَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ قَالَ فِي الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْبَائِعُ قَصْدَهُ بِشَرْطِهِ مِنْ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ إذْ إنَّمَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ قَضَى وَطَرَهُ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِعِتْقِ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْوَطْءُ حَتَّى يُفَصِّلَ أَمْرَهُ مَعَ الْبَائِعِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ مِنْ ظِهَارٍ، أَوْ عِتْقٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ فِيهِمَا عَيْبٌ مُفِيتٌ، أَوْ بَعْدَ طُولٍ أَجْزَأَ.
هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَكَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ غَالِبَ ذَلِكَ بِاخْتِصَارٍ وَيَجْرِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَيَنْزِلُ وَرَثَةُ كُلٍّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ مَنْزِلَتَهُ، وَإِنْ دَخَلَهُمَا عَيْبٌ مُفِيتٌ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُمَا، وَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ مِنْ ثَمَنِهِمَا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى عِتْقِهِمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ.
وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْبَائِعُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَقَدْ طَالَتْ إقَامَتُهُمَا بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُمَا فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَفُوتُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ إلَّا بِالْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ. وَقِيلَ: يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا.
قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ.
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمَذْكُورِ وَجْهُ الْعَمَلِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا نَقَصَ الشَّرْطُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ بِالشَّرْطِ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ وَيُنْظَرُ مَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ فَيُؤْخَذُ بِمِثْلِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُرْجَعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الشَّرْطِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يُقَارِبَ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي بِيعَ بِهِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ قَرِيبَةً مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ بِكَثِيرٍ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَكُونُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ اهـ.
قُلْت: مَا عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِمَالِكٍ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ تَعَجَّلَ الشَّرْطَ بِمَا وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ غَرَرٌ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَعْتِقَ، فَإِنْ اشْتَرَى عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ لَزِمَهُ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِيجَابِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَكَانَ لِلْبَائِعِ تَرْكُ الْعِتْقِ وَتَمَامُ الْبَيْعِ، أَوْ يَرُدُّ الْبَيْعَ، فَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْ فَلَهُ الْقِيمَةُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَرُدُّ الْبَيْعَ وَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ لِمَا شَرَطَ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ يَعْنِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَبِلَهُ وَقَالَ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُكْمِلَ لِلْبَائِعِ مَا وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ لِمَكَانِ الْعِتْقِ وَقَوْلُهُ لَهُ الْقِيمَةُ يُرِيدُ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ اهـ.
قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَبْيَنُ وَيُفَسَّرُ بِهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِتْقِ إلَى الْأَمَدِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ ابْتِدَاءً عَلَى تَأْخِيرِ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، فَإِنْ وَقَعَ التَّرَاخِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَالتَّفْصِيلُ فِيهِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(الثَّالِثُ) سَوَّى فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَالشِّرَاءِ وَالْعِدَةِ بِالْعِتْقِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمُسَاوَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ أَنْ يَقُولَ: الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ أَبِيعُهَا مِنْك بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُعْتِقَهَا وَالْعِدَةُ أَنْ يَقُولَ: الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْهَا مِنِّي، وَأَنَا أَعْتِقُهَا، أَوْ بِعْهَا مِنِّي بِكَذَا وَكَذَا، وَأَنَا أَعْتِقُهَا، وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ فَبَاعَهُ الْبَائِعُ عَلَى مَا وَعَدَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَطَهُ إذْ لَمْ
يَبِعْهُ إلَّا عَلَى مَا وَعَدَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعِدَةَ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَلَا تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ.
(الرَّابِعُ) هَذَا كُلُّهُ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ، أَوْ الْكِتَابَةِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، أَوْ اتِّخَاذُ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدٍ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلتَّحْجِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِلْغَرَرِ وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ الْمَشْهُورُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا دَامَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ تَرَكَ شَرْطَهُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ، فَإِنْ فَاتَ كَانَ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.
(تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَطْلَقَ، وَكَذَا أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَيَّدَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ أَيْ أَجَلُ بَعِيدٌ، وَأَمَّا الْقَرِيبُ جِدًّا فَكَحُكْمِ الْعِتْقِ النَّاجِزِ اهـ.
قُلْت: وَهُوَ تَقْيِيدٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ، وَإِذَا كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا جِدًّا كَانَ مِنْ الْغَرَرِ الْخَفِيفِ الْمُغْتَفَرِ فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ أَجَازُوا بَيْعَ الْعَبْدِ وَاسْتِثْنَاءَ خِدْمَتِهِ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ كَالْعَشَرَةِ، أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا شَرَطَ الْعِتْقَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ مَالًا عَلَى تَدْبِيرِ عَبْدِهِ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى التَّدْبِيرُ وَيُرَدُّ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ جَوَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِمَّنْ يُدَبِّرُهُ، وَلَوْ أَخَذَ مَالًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ فَدَبَّرَهُ فَلْيَرُدَّ الْمَالَ وَيُنَفِّذَ التَّدْبِيرَ، وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَ عَلَى اتِّخَاذِ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدٍ ثُمَّ اتَّخَذَهَا كَمَا يَرْجِعُ لَوْ بَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ يَرْجِعُ بِمَا وَضَعَهُ اهـ. مُخْتَصِرًا بِالْمَعْنَى.
(السَّادِسُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ كَالْعِتْقِ، فَإِنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَةٌ لِفُلَانٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فُلَانٍ وَالْتَزَمَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ جَازَ الْعَقْدُ وَالنَّقْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي إنْفَاذِ الصَّدَقَةِ جَازَ الْعَقْدُ دُونَ النَّقْدِ وَيُخْتَلَفُ إذَا أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْتِزَامٍ وَلَا بِخِيَارٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ امْرَأَتِهِ خَادِمًا بِشَرْطِ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تَلْزَمُهَا الصَّدَقَةُ بِالْحُكْمِ وَلِلْبَائِعِ بِالْخِيَارِ إنْ لَمْ تَتَصَدَّقْ هِيَ بِهَا إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ تَلْزَمُهَا الصَّدَقَةُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعٍ وَشَرْطٍ.
قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ، أَوْ الْهِبَةُ مُنْجَزَةً، أَوْ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الْمُلْتَزَمُ فِي صَدَقَتِهِ، أَوْ هِبَتِهِ
مِمَّنْ يُؤْمَنُ بَقَاؤُهُ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ مِنْ جِهَةِ مَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَبْطُلَانِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَقَالَ إنْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا جُمْلَةً، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَحْدَهُ، أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا وَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَيْسَ فِيهِ تَمْكِينٌ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي اهـ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ إذَا بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ حُكْمَ الْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ مَا نَصَّهُ: وَإِذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَيْعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْ فُلَانٍ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَكَرِهَهُ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى كَرَاهَةِ الْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْبَائِعِ اهـ.
قُلْت: فَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً مِنْ شَخْصٍ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الْمَذْكُورِينَ، فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يُرَدُّ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ غَايَةُ مَا نُقِلَ فِيهِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِيمَا إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَأَنَّهُ لَا يُبْقِيهَا فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْبَيْعَ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ فَهِيَ مِثْلُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّامِنُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى الشَّامِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَضَعَ الْبَائِعُ شَرْطَهُ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مُبْتَاعُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ
الْبَائِعَ إنَّمَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ لِضَرَرٍ يَتَّقِيهِ مِنْ الْعَبْدِ إنْ هُوَ بَقِيَ، فَقَدْ يَكُونُ شِرِّيرًا، وَقَدْ يَكُونُ اطَّلَعَ عَلَى أَسْرَارِهِ، أَوْ مَوْضِعِ مَالِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ، أَوْ يَتَّقِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي طَارِئًا كَانَ أَبْيَنَ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ اهـ.
قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ خِلَافٌ لِمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: " وَهُوَ أَبْيَنُ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الشَّامُ مَثَلًا فَفِيهِ تَحْجِيرٌ، وَأَمَّا الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا إخْرَاجَهُ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي بِيعَ فِيهَا فَقَطْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَفِيفٌ فَالْجَوَازُ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرٌ بَلْ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ. وَعَلَى هَذَا فَيَلْزَمُ الشَّرْطُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إنْ أَقَامَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَلَدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَجَازَ ابْنُ وَهْبٍ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الشَّامِ، وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بِالشَّامِ، وَالْوَجْهَانِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ سَوَاءٌ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ إلَّا أَنَّهُ زَادَ حِكَايَةَ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُرْكِبَهَا الْبَحْرَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَقَبِلُوهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُجِيزَهَا الْبَحْرَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْبُلْدَانِ وَيُخْتَلَفُ إذَا شَرَطَ أَنْ يُجِيزَهَا قِيَاسًا عَلَى مَنْ شَرَطَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا اهـ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ خِلَافُ مَا نَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ فِيهِ الْمَنْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(التَّاسِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ بَيْعَ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ بَاعَهَا فَبَائِعُهَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ وَذَكَرَ فِيهِ إذَا وَقَّعَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَادَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ فَجَعَلَ هَذَا بَيْعًا فَاسِدًا يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ. فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَلِابْنِ رُشْدٍ اخْتِيَارٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا يَكُونُ رَابِعًا.
تَنْبِيهٌ) وَالْإِقَالَةُ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ مَالِكٌ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ أَقَالَ مِنْ حَائِطٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهُ بَائِعُهُ الْمُسْتَقِيلُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهُ بِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ زَمَانٍ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ آخِرًا وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ قَالَ ابْنُ زَرِبٍ أَوْجَبَ مَالِكٌ لِلْمُقِيلِ أَخْذَ الْحَائِطِ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ الْمُسْتَقِيلُ بَعْدَ زَمَانٍ لِقَوْلِهِ فِي الشَّرْطِ:" مَتَى بَاعَهُ؟ " لِأَنَّ " مَتَى " لَا تَقْتَضِي قُرْبَ الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ بِالثَّمَنِ وَكَأَنَّ الْمُقْبِلَ تَخَوَّفَ مِنْ الْمُسْتَقِيلِ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَقَالَهُ لِيَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ أُعْطِيهَا.
وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ فَعَلَهُ مَعَهُ وَاشْتَرَطَ أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ فَلَزِمَ ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ فِي سَمَاعِهِ أَنَّ الْإِقَالَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لَا تَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْإِقَالَةِ وَالْبَيْعِ، وَأَنَّهُ إذَا أَقَالَهُ، أَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي وَظُلْمًا لَهُ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا بَاعَهُ دُونَ حَقٍّ، وَإِنْ هُوَ اسْتَقَالَهُ، أَوْ سَأَلَهُ الْبَيْعَ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ أَخْشَى أَنَّك إنَّمَا سَأَلْتنِي الْإِقَالَةَ، أَوْ الْبَيْعَ لِرِبْحٍ أُعْطِيت فِي ذَلِكَ لَا لِرَغْبَةٍ فِيهِ فَقَالَ لَا أُرِيدُهُ إلَّا لِلرَّغْبَةِ فِيهِ فَأَقَالَهُ، أَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ بَاعَهُ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهِ إنْ بَاعَهُ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَقَالَهُ، أَوْ سَأَلَهُ الْبَيْعَ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ أَقَالَهُ، أَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بَيْعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يُعْطَى فِيهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ بَابَهَا الْمَعْرُوفُ لَا الْمُكَايَسَةُ اهـ. مُخْتَصَرًا.
وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اسْتَقَالَ مُبْتَاعَهُ فَقَالَ لَهُ أَخَافُ أَنَّك تُرِيدُ بَيْعَهَا لِرِبْحٍ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَرَدْتهَا لِنَفْسِي فَأَقَالَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ اسْتَقَالَهُ لِيَبِيعَهَا فَبَيْعُهُ مُنْتَقِضٌ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ بَدَا لَهُ فِي بَيْعِهَا فَطَالَ زَمَانُهَا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنْ تَضَعَ لَهُ مَهْرَهَا فَقَالَتْ: أَخَافُ إنْ وَضَعْتُهُ طَلَّقْتَنِي، فَقَالَ مَا أَفْعَلُ فَوَضَعَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَتَبَيَّنَ صِحَّةُ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهَا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " إنَّ الْبَيْعَ مُنْتَقِضٌ " إذَا عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَقَالَهُ لِيَبِيعَهَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَالَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا، فَإِنْ بَاعَهَا نُقِضَ الْبَيْعُ وَرُدَّتْ إلَيْهِ السِّلْعَةُ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِبَيْعِهِ إيَّاهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ، وَإِذَا نُقِضَ الْبَيْعُ فِيهَا انْتَقَضَتْ الْإِقَالَةُ وَرُدَّتْ إلَى الْمُقِيلِ.
وَلَوْ أَقَالَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ فَبَاعَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ لَرُدَّ الْبَيْعُ فِيهَا وَأَخَذَهَا الْمُقِيلُ عَلَى مَا مَضَى فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ.
وَتَنْظِيرُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا أَخَافُ إلَخْ مِثْلُ قَوْلِ الْمُبْتَاعِ أَخَافُ أَنْ أُقِيلَك إلَخْ، وَلَوْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا هَذَا
الْكَلَامُ، وَإِنَّمَا سَأَلَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ الصَّدَاقَ فَوَضَعَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا بِالْقُرْبِ لَرَجَعَتْ عَلَيْهِ إذْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا وَضَعَتْهُ رَجَاءَ اسْتِدَامَةِ صُحْبَتِهِ، وَلَوْ سَأَلَ الْبَائِعُ الْمُبْتَاعَ الْإِقَالَةَ فَأَقَالَهُ دُونَ كَلَامٍ ثُمَّ بَاعَهَا الْبَائِعُ بِالْقُرْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ.
فَهُنَا تَفْتَرِقُ الْمَسْأَلَتَانِ فَفِي وَضْعِ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا إذَا سَأَلَهَا الزَّوْجُ ذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَضَعَهُ وَتَسْكُتَ، أَوْ تَقُولَ أَخْشَى إنْ وَضَعْته أَنْ تُطَلِّقَنِي فَيَقُولَ: لَا أَفْعَلُ، أَوْ تَقُولَ إنَّمَا أَضَعُهُ عَنْك عَلَى أَنَّك لَا تُطَلِّقُنِي أَبَدًا، وَعَلَى أَنِّي مَتَى طَلَّقْتَنِي رَجَعْت عَلَيْك بِهِ فَيَكُونَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ مَتَى طَلَّقَهَا كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، أَوْ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ اهـ.
وَمَسْأَلَةُ سَحْنُونَ هَذِهِ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهَا عَلَى وَجْهٍ أَخَصَّ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي مَتَى بِعْتهَا فَهِيَ لَك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ سَحْنُونَ أَنَّهُ سَأَلَهُ الْإِقَالَةَ يُقَالُ إنِّي أَخَافُ أَنَّك تُرِيدُ بَيْعَهَا لِرِبْحٍ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَرَدْتهَا لِنَفْسِي فَأَقَالَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ مَتَى بِعْتهَا فَهِيَ لَك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَقَالَ بَعْدَهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ وَكَانَ ابْنُ نَافِعٍ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي هَذَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ.
قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ هَذَا جَيِّدٌ مِنْ فُتْيَاهُ وَاسْتَحْسَنَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ هَذِهِ مَسْأَلَةُ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي شَرْحِهَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونَ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِهِ عَلَى الشُّرُوطِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونَ وَسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ثُمَّ قَالَ: قُلْت لَمَّا ذَكَرَ الصَّقَلِّيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْجَوَازِ قَالَ قَالَ الشَّيْخُ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ وَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لَا خَيْرَ فِيهِ وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ وَيُفْسِدُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَأَمَّا فِي الْإِقَالَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي الْإِقَالَةِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْأَمَةِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ يَبِيعُ أَرْضَهُ، أَوْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَسْتَقِيلُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ مَنْعَ الْبَائِعِ مِنْ وَطْئِهَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ مَا يَكُونُ الشَّرْطُ فِيهِ غَيْرَ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ خَفِيفٌ فَلَمْ يَقَعْ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ السِّلْعَةَ وَيَشْتَرِطَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ نَحْوُهَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا. وَمِثْلُ الَّذِي يَبْتَاعُ الْحَائِطَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْجَائِحَةِ؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَوْ أَسْقَطَهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ
أَمْرٌ نَادِرٌ فَلَمْ يَقَعْ لِشَرْطِهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَلْزَمْ الشَّرْطُ إذْ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ لَازِمٍ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الرُّجُوعِ بِالْجَائِحَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اهـ.
وَلْنَذْكُرْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فُرُوعًا:
(الْفَرْعُ الْأَوَّلُ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ وَيَشْتَرِطَ لَهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ رَاجَعَ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيهِ وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ لِي مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَشَرْحِهَا كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَصَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: كَرَاهَةُ هَذَا الْبَيْعِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا وَكَأَنَّهُ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ عَلَى أَنَّهُ إنْ نَقَدَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، فَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَغَرِمَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَلَكِنَّ هَلَاكَ السِّلْعَةِ - وَإِنْ كَانَتْ حَيَوَانًا - مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَحْبِسُهَا بِالثَّمَنِ تِلْكَ هَلَاكُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ اهـ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ جَائِزٌ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَالَ حَكَاهَا ابْنُ لُبَابَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِالثَّمَنِ وَقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ، فَإِنْ قَالَ أَبِيعُك عَلَى إنْ جِئْتنِي بِالثَّمَنِ فَالْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَك فَالثَّمَنُ حَالٌّ كَأَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا بَتًّا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ فَسْخَهُ بِتَأْخِيرِ النَّقْدِ فَيُفْسَخُ الشَّرْطُ وَيُعَجَّلُ النَّقْدُ، وَإِذَا قَالَ إنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالثَّمَنِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النَّقْدِ إلَّا إلَى الْأَجَلِ حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ الدِّمْيَاطِيِّ وَحَكَى الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَالرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُوقَفُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَقَدَ مَضَى الْبَيْعُ وَإِلَّا رُدَّ حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَيْضًا وَحَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ كَالرَّبْعِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَيُكْرَهُ فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ.
وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ كَشَهْرٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُ التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَخْذُهَا كَانَ بَيْعُ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ عِنْدَ الْأَجَلِ مَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَيَفْتَرِقُ فِيهِ أَمَدُ السِّلْعَةِ مِنْ أَمَدِ الدَّارِ
وَمُصِيبَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ أَخَذَ الْمَبِيعَ عَنْ الثَّمَنِ كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا وَاخْتُلِفَ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، فَقِيلَ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَقِيلَ: جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقِيلَ: إنْ أَسْقَطَهُ جَازَ، وَإِنْ تَمَسَّكَ بِهِ فُسِخَ، وَهُوَ أَحْسَنُهَا اهـ.
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ، أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ؟ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَهَا أَكْثَرُهُمْ عَلَى الثَّانِي وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِالثَّمَنِ فَالْبَيْعُ بَيْنَنَا وَيُجْبَرُ عَلَى التَّعْجِيلِ، وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَأْتِنِي فَيُؤَخَّرُ لِلْأَجَلِ وَعَزَاهُ لِلدِّمْيَاطِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُفَرَّعًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَاهُ الرَّجْرَاجِيُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهَاتِ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ هَلْ يَبْقَى الْبَائِعُ إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ فِي الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ آخُذُ السِّلْعَةَ اهـ.
قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ هُوَ الْقَوْلُ الْخَامِسُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فَيَتَحَصَّلُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّقْدِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ جَائِزٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَيْعِ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ مِنْ الْأَجَلِ مَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ فِي مِثْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ.
(الثَّانِي) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِلْأَجَلِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَجَلِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ قَالَ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي الْكِتَابِ إلَى يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ كَذَا عِنْدِي، وَكَذَا فِي أَصْلِ شُيُوخِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ ذَكَرَهَا عَنْهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ يَحْيَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَوْ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ مَكَانَهَا.
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى شَهْرٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَمَّا الدُّورُ وَالرِّبَاعُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَأَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ وَشَرْطُهُ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ نَافِذٌ
وَسَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَجَدْت لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ إلَى شَهْرٍ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. وَالظَّاهِرُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طُولِ الْأَجَلِ وَقِصَرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ الشُّيُوخُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُغْرِبَاتِ الْمَسَائِلِ جُعِلَ حُكْمُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ حُكْمَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ حُكْمَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَمْضَاهُ بِالثَّمَنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ اهـ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ كَأَنَّهُ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً اهـ.
(الْفَرْعُ الثَّانِي) إذَا بَاعَ الْحَائِطَ وَشَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّ الْجَائِحَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَتَلْزَمُ الْجَائِحَةُ الْبَائِعَ إذَا نَزَلَتْ، وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ السَّابِقِ.
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ وَالْجَوَائِحِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ بِنَحْوِ مَا تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَمْ يَزِدْ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْجَوَائِحِ وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَزَادَ بَعْدَهُ فِي السُّلَيْمَانِيَّة: الْبَيْعُ فَاسِدٌ قَالَ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ وَأَرَى أَنْ يُخَيَّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يُسْقِطَ شَرْطَهُ وَتَكُونَ الْمُصِيبَةُ مِنْهُ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ وَيَكُونَ لَهُ بَعْدَ الْفَوَاتِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ، أَوْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ مَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ مِنْ حَلَاوَةٍ وَنُضْجٍ مُشْتَرًى، وَإِنَّمَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَاشْتِرَاطُ الْجَائِحَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَرَ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ اهـ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَائِحِ وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَالْخَمْسَ الَّتِي بَعْدَهَا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْعَبْدِ يَتَنَاوَلُ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمُتَيْطِيَّ وَغَيْرَهُ ذَكَرَا السَّنَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا السَّابِعَةَ لَكِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَائِحَةِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا فِي السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّهُ يُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ قَالَ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ النَّظَائِرَ، وَإِنَّمَا اسْتَطْرَدَ مَسْأَلَةَ الْجَائِحَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ مَا بَقِيَ فَيَتَحَصَّلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ
فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ سَيِّدِي الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَالثَّانِي: فِي السُّلَيْمَانِيَّة أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ جَائِزٌ، وَهُوَ الَّذِي فِي السُّلَيْمَانِيَّة عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ.
وَالرَّابِعُ: اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ بِشَرْطِ أَنَّهَا عُرْيَانَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ السِّتِّ مَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ثُمَّ ذَكَرَهَا.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَأَمَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَمْ أَرَ مَنْ عَزَاهَا لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَعَلَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ زَائِدٌ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهَا لِابْنِ هَارُونَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْعُ الثَّالِثُ) مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ الَّتِي ذُكِرَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيهَا بِصِحَّةِ الْمَبِيعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَاَلَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِهَا لِابْنِ هَارُونَ مَا نَصَّهُ.
الثَّانِيَةُ: مَنْ بَاعَ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَاعَ أَرْضَهُ بِزَرْعِهَا، وَقَدْ طَابَ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ أَخْضَرَ فَاشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي زَكَاتَهُ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا يُعْلَمْ مِقْدَارُهُ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُسْتَخْرَجَةِ هُوَ فِي رَسْمِ الْقَرْيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ زَكَاةِ الْحُبُوبِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَطِبْ فَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ الزَّرْعُ، فَإِذَا طَابَ الزَّرْعُ فَهِيَ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ أَمَّا إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ وَفِيهَا الزَّرْعُ لَمْ يَطِبْ فَاشْتَرَطَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مَجْهُولًا لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ وَلَا مَبْلَغُهُ، وَأَمَّا إذَا طَابَ الزَّرْعُ فَاشْتَرَى الْأَرْضَ بِزَرْعِهَا فَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ اشْتَرَطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَذَلِكَ أَجْوَزُ لِلْبَيْعِ إذْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا بَاعَ جَمِيعَ الزَّرْعِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ جُزْءَ الزَّكَاةِ
فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ عَلَى نَقْلِ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ إلَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَأَمَّا كَلَامُ الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِهَا فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُشْتَرِطُ لِلزَّكَاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاشْتِرَاطُ الْبَائِعِ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ طَابَ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ ذَلِكَ أَجْوَزُ لِلْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَطِبْ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْبَائِعُ فَاشْتِرَاطُهَا عَلَيْهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ مَشَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْعُ الرَّابِعُ) إذَا اشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فِي الْأَمَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ أَنْ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكُرِهَ تَرْكُ الْمُوَاضَعَةِ وَائْتِمَانُ الْمُبْتَاعِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ فَعَلَا أَجْزَأَهُمَا إنْ قَبَضَهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي أَوَّلِ دَمِهَا، فَإِنْ قَبَضَهَا عَلَى شَرْطِ الْحِيَازَةِ وَسُقُوطِ الْمُوَاضَعَةِ كَالْوَخْشِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ اسْتِبْرَاءً فِي الْمُوَاضَعَةِ وَجَهِلَا وَجْهَ الْمُوَاضَعَةِ فَقَبْضُهَا كَالْوَخْشِ، وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ وَأَلْزَمْتهَا حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ إذَا اُشْتُرِطَ سُقُوطُ الْمُوَاضَعَةِ أَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا إسْقَاطَهَا وَلَا وُجُوبَهَا عَمْدًا، أَوْ جَهِلَا، وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الْكِتَابِ وَيَلْزَمُهُمَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ. فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ إذَا اشْتَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ. الشَّيْخُ: فَعَلَى هَذَا إذَا أَدَّبَهُمَا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فَيَتَّفِقَانِ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا شَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ فَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ وَعَزَاهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إنْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ نَقْدَ الثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ.
وَالْخَامِسُ: إنْ تَمَسَّكَ الْبَائِعُ بِالشَّرْطِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُ لِلَّخْمِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا شُرِطَ تَرْكُ الْمُوَاضَعَةِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا إسْقَاطَ الْمُوَاضَعَةِ وَلَا وُجُوبَهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ وَيَلْزَمُهُمَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةُ.
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ، أَوْ مُبْهَمًا فَلَا يَضُرُّ فِيهِ اشْتِرَاطُ
النَّقْدِ وَيُقْضَى بِالْمُوَاضَعَةِ وَيُنْزَعُ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ اشْتِرَاطِ نَقْدِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ مُقَابِلًا لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ النَّقْدِ يُفْسِدُهُ حِينَئِذٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا إذَا شَرَطَا الْمُوَاضَعَةَ وَشَرَطَ الْبَائِعُ النَّقْدَ، فَقَدْ دَخَلَا عَلَى الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَصِيرُ ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَمًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ فَلَمْ يَدْخُلَا عَلَى الْغَرَرِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْبَغُ مَا بِيعَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، أَوْ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُوَاضَعَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنَّ شَرْطَ النَّقْدِ فِيهِ يُفْسِدُ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ.
فَأَمَّا مَا يَقَعُ عَلَى الْبَتِّ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْمُوَاضَعَةَ مِثْلُ بَيْعِ أَهْلِ مِصْرَ، وَمَنْ لَا يَعْرِفُهَا مِنْ الْبُلْدَانِ يَتَبَايَعُونَ عَلَى النَّقْدِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا وَلَا مُوَاضَعَةً فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ وَلَا يُفْسَخُ وَيُقْضَى عَلَيْهِمَا بِالْمُوَاضَعَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَوْ انْصَرَفَ بِهَا الْمُبْتَاعُ وَغَابَ عَلَيْهَا رُدَّ إلَى الْمُوَاضَعَةِ وَلَا حُجَّةَ لِلْمُبْتَاعِ بِغَيْبَتِهِ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَدْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ نَقْدِ الْمُوَاضَعَةِ فِي عَقْدِ بَيْعِهَا فِيهَا يُفْسِدُهُ وَطَوْعُهُ بَعْدَهَا جَائِزٌ فِي بَيْعِهَا بَتًّا وَبِخِيَارٍ مَذْكُورٍ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ بَيْعَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمُوَاضَعَةَ كَمِصْرٍ يَبِيعُونَ عَلَى النَّقْدِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا وَلَا مُوَاضَعَةً صَحِيحٌ وَيُقْضَى بِهَا وَيُنْزَعُ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ إنْ طَلَبَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُوقَفُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَلَوْ طُبِعَ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَهْنِ مَا لَا يَعْرِفُ بِعَيْنِهِ مَطْبُوعًا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فِي الْمُوَاضَعَةِ عَيْنُ حَقِّهِ اهـ.
قُلْت: وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا وَلَا مُوَاضَعَةً مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَيَشْتَرِطُونَ تَعْجِيلَ النَّقْدِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ يُنْزَعُ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُبْتَاعُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِجَوَازِ التَّطَوُّعِ بِالنَّقْدِ فِي بَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ.
(الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ يُرِيدُ، وَأَمَّا إنْ تَبْرَأَ مِنْ الْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا فَلَا مُوَاضَعَةَ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا فَشَرْطُ الْبَرَاءَةِ فِيهِ الْبَيْعُ فِي الْعِلِّيَّةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْغَرَرِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَقِيلَ: الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، نَقَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ.
(الثَّالِثُ) إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْمُوَاضَعَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحَّ ذَلِكَ، وَلَوْ كَرِهَ الْبَائِعُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْمُبْتَاعِ قَبُولُهَا فِي الْمُوَاضَعَةِ قَبْلَ مَحِيضِهَا عَلَى الرِّضَا بِالْحَمْلِ إنْ كَانَ بِهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ التَّبَايُعِ وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا كَمَا كَانَ
لِلْبَائِعِ وَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا مَكَانَهُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إذَا أَرَادَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَى عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَصَحَّ عَقْدُ الْبَيْعِ تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ وَيَرْضَى بِالْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا كَانَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَرِهَ الْبَائِعُ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ وَوَجْهُ قَوْلِهِ إنْ أُسْقِطَ الضَّمَانُ عَنْ الْبَائِعِ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَجَّلَ خِدْمَةَ الْجَارِيَةِ وَيَدْخُلُهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ لَهُ النَّقْدَ بِمَا يُعَجِّلُ مِنْ خِدْمَةِ الْجَارِيَةِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي صِحَّةِ إسْقَاطِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ قَائِلًا كَأَنَّهُ أَسْقَطَ ضَمَانَهَا عَنْ الْبَائِعِ بِمَا تَعَجَّلَ مِنْ خِدْمَتِهَا، وَكَذَا إنْ طَاعَا مَعًا بِذَلِكَ كَأَنَّهُ عَجَّلَ لَهُ الثَّمَنَ بِمَا تَعَجَّلَ مِنْ نَفْعِهَا فَهُوَ سَلَفٌ بِنَفْعٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ كَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ فَيَدْخُلُهُ ابْتِيَاعُ الضَّمَانِ اهـ.
(الْفَرْعُ الْخَامِسُ) إذَا بَاعَ الْأَمَةَ الْعِلِّيَّةَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ الْخَفِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْعُ السَّادِسُ) إذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بِالْبَيْعِ عَلَى الْعُهْدَةِ وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ إسْقَاطَهَا عَنْهُ، فَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ وَلَا عُهْدَةَ لَهُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ الشَّرْطُ وَلَا يُوَفَّى لَهُ بِهِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ وَخَرَّجَ ثَالِثًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ التَّخْرِيجَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ اخْتِلَافًا مَشْهُورًا فَلَا يُوجِبُ فَسَادًا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ تَحْسُنُ مُرَاعَاتُهُ، وَأَمَّا إنْ شَذَّ وَضَعُفَ فَتَسْقُطُ مُرَاعَاتُهُ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ لَكِنَّهُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مَا نَصُّهُ وَلِلْبَائِعِ قَبْلَهُ كَعَيْبِ غَيْرِهِ قَالَ وَعَلَيْهَا تَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ يَعْنِي وَلِلْبَائِعِ إسْقَاطُ الْعُهْدَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا لَهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ عُيُوبِ سَائِرِ الرَّقِيقِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا غَيْرَ هَذَا الْكَلَامِ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَالْعَبْدُ يَشْمَلُ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ: النَّظَائِرَ الَّتِي يَصِحَّ فِيهَا الْبَيْعُ وَلَا يُوَفَّى بِالشَّرْطِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا أَيْضًا وَلَا نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَاقْتَصَرَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَسُقُوطِ الشَّرْطِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ الْقَوْلَيْنِ وَصَدَّرَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يُوَفَّى بِالشَّرْطِ وَعَطَفَ الثَّانِي بِ قِيلَ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ لِلنَّظَائِرِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوِيٌّ مُرَجَّحٌ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَضَعِيفٌ بَلْ إنَّمَا هُوَ
تَخْرِيجٌ فَقَطْ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ.
(الْفَرْعُ السَّابِعُ) إذَا بِيعَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ، فَإِنَّ ثِيَابَ الْمِهْنَةِ تَدْخُلُ تَبَعًا وَلَا يَدْخُلُ مَعَهَا مَا كَانَ لِلزِّينَةِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ثِيَابَ الْمِهْنَةِ، وَأَنَّهُ يَبِيعُ الْعَبْدَ عُرْيَانًا وَالْجَارِيَةَ عُرْيَانَةً فَهَلْ يُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَضَتْ بِهِ الْفُتْيَا، أَوْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ شَرْطُهُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ فِي وَثَائِقِهِ وَبِهِ مَضَتْ الْفُتْيَا عِنْدَ الشُّيُوخِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ.
(فَرْعٌ) إذَا بَاعَ الْأَمَةَ وَعَلَيْهَا ثِيَابُ الزِّينَةِ وَأَخَذَهَا فَهِيَ لِلْبَائِعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يَكْسُوَهَا كِسْوَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهَا لِلْبِذْلَةِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ لَزِمَ الْبَائِعَ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ الْمُتَقَدِّمِ لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ مَا عَلَيْهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا إلَّا ثَوْبَانِ خَلَقَانِ فِي الْمَنْزِلِ فَجَاءَ بِهِمَا، فَإِذَا هُمَا لَا يُوَارِيَانِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَطَهُ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا ثَوْبًا يُوَارِيهَا، وَأَمَّا ثَوْبَانِ لَا يُوَارِيَانِهَا فَلَا، وَأَرَى أَنْ يُعْطِيَهَا إزَارًا قِيلَ: فَالْقَمِيصُ قَالَ لَا بَلْ إزَارًا وَثَوْبًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ النَّظَرُ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فَسَادُ هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ أَخْلَاقَ الثِّيَابِ تَخْتَلِفُ، وَلَوْ وَصَفَهُمَا لَهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَلَى اخْتِلَافٍ؛ لِأَنَّهُمَا حَاضِرَانِ بِالْبَلَدِ اهـ. بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ.
(الْفَرْعُ الثَّامِنُ) إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا مَالِيَّةَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ فَيَجِدُهُ كَاتِبًا، أَوْ أَنَّهُ جَاهِلٌ فَيَجِدُهُ عَالِمًا وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّرْطَ يُلْغَى وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُوَفَّى بِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَابْنُ زَرْقُونٍ فَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ يَجْرِي الْخِلَافُ فِيهِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِشَرْطِ مَا لَا يُفِيدُ اهـ.
ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى خِيَارِ النَّقِيصَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ مَا لَا يُنْقِصُ وَلَا غَرَضَ فِيهِ بِوَجْهٍ لَغْوٌ وَتَخْرِيجُ ابْنِ بَشِيرٍ إيجَابَهُ الْخِيَارَ مِنْ الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ تَخْرِيجٌ لِلشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ مَنْصُوصٌ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ.
(الْفَرْعُ التَّاسِعُ) إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ بِمَا يَظْهَرُ فِيهِ
مِنْ الْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَجْهَلُهَا فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً فَلَهُ ذَلِكَ إذَا طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْعُهْدَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْمُوَاضَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ وُجُودِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعُهْدَةَ وَالْمُوَاضَعَةَ حَقَّانِ يَجِبَانِ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَإِسْقَاطُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْجَائِحَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْوُجُودِ.
وَأَمَّا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ ظُهُورِ الْعَيْبِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ إسْقَاطِ الْمُوَاضَعَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ يَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ تَطَوَّعَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ لَا قِيَامَ لَهُ بِعَيْبٍ يَظْهَرُ فِي الْمَبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي آخِرِ بَابِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ فَرَّقَ بَيْنَ مَا تَجُوزُ مِنْهُ الْبَرَاءَةُ وَمَا لَا تَجُوزُ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ إذَا تَبْرَأَ مِنْ مَشَشٍ بِهَا وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمَا فِي الرِّوَايَاتِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ بِعِوَضٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بِهِ إلَّا حَيْثُ يُقِرُّ بِالْفَسَادِ عَلَى الْعَقْدِ اهـ.
قُلْت: أَمَّا مَسْأَلَةُ كِتَابِ الصُّلْحِ فَهِيَ فِي أَوَاخِرِهِ وَنَصُّهَا قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا ثُمَّ صَالَحَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عَلَى دَرَاهِمَ دَفَعَهَا إلَيْهِ قَالَ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْمُتَبَرِّئَ فِي الْعُقْدَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِالْعَبْدِ، أَوْ مَشَشٍ بِالدَّابَّةِ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يُرِيَهُ ذَلِكَ أَوْ يُبَيِّنَهُ وَإِلَّا لَمْ تَنْفَعْهُ فِي ذَلِكَ الْبَرَاءَةُ وَيَجِبُ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْعَيْبِ اهـ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَذَكَرَهَا فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَنَصُّهَا وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ دَابَّةً ثُمَّ وَضَعَ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ دِينَارًا عَلَى عُيُوبِهَا فَوَجَدَ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ قَالَ أَصْبَغُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِالْبَرَاءَةِ لَمْ تَنْفَعْهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَرُدُّ الدِّينَارَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ بِعِوَضٍ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي يَظْهَرُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَقَدْ أَخَذَ الدِّينَارَ عَنْ شَيْءٍ مَجْهُولٍ، وَأَمَّا إذَا أَسْقَطَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ نَعَمْ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِحَةِ وَلَا يَسْقُطُ، أَوْ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَقِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَيَلْزَمُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ
هُنَاكَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ فَهُوَ مَوْجُودٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجْهَلُهُ بِخِلَافِ الْجَائِحَةِ، فَإِنَّ سَبَبَهَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فَتَأَمَّلْهُ.
فَالْإِقَامَةُ صَحِيحَةٌ وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ سَلَّمُونِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا الْتَزَمَ عَدَمَ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ لِمَنْ تَأَمَّلْهُ وَنَصُّهُ إنْ الْتَزَمَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَقُومَ بِعَيْبٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ إذَا وَجَدَ عَيْبًا إلَّا أَنْ يُسَمَّى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ.
قُلْت: وَفِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الصُّلْحِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ سَوَّى فِيهَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ يُنْظَرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَالْمَشَشُ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ أُولَاهُمَا مَفْتُوحَةٌ: شَيْءٌ يَرْتَفِعُ فِي وَظِيفِ الدَّابَّةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حَجْمٌ وَلَيْسَ لَهُ صَلَابَةُ الْعَظْمِ الصَّحِيحِ. وَالْوَظِيفُ: مُسْتَدَقُّ الذِّرَاعِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ.
(الْفَرْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ) إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ ثُمَّ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مِنْ صِنْفِ الدَّيْنِ وَصِفَتِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنْ يُقَاصِصَهُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَالسَّلَمِ الثَّانِي وَالْوَكَالَاتِ مِنْهَا وَاخْتُلِفَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ بِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ إذْ اشْتَرَى مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مُقَاصَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَيُحْكَمُ بِالْمُقَاصَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ. وَقِيلَ: الشَّرْطُ عَامِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تُؤُوِّلَتْ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّرْفَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ فَكَأَنَّهُمَا شَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ. وَتَعْلِيلُهُ يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ. وَقِيلَ: إنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَرْكَ الْمُقَاصَّةِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالدَّيْنِ فَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَصْبَغُ هُوَ خَفِيفٌ إذَا لَمْ يَضْرِبْ لِلدَّيْنِ أَجَلًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَصْبَغَ رَاجِحًا فَتَأَمَّلْهُ.
وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِبْطَالِ الشَّرْطِ وَكُرِّرَ الْكَلَامُ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ وَزَادَ فِيهِ مُفَرِّعًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَالَ: وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ عَامِلٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ قَدْرَ مَا يَرَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُقَاصُّك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أُؤَخِّرُك إذْ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مُقَاصَّتَهُ ثُمَّ يُطَالِبَهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ كَاَلَّذِي يُسَلِّفُ الرَّجُلَ سَلَفًا حَالًّا ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ الْمُقَاصَّةِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا ابْتَعْت سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ وَدَفَعْتهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَقَالَك قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك بِيَدِهِ وَشَرَطْت عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ قَالَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ