المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أسلم وبقي بدار الحرب فقتل أو سبي أهله وماله] - فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك - جـ ١

[محمد بن أحمد عليش]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَسَائِلُ الْعَقَائِدِ]

- ‌[الْإِيمَانُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ]

- ‌[الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ هَلْ هِيَ أَجْسَامٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ وَأَعْرَاضٍ]

- ‌[عَذَاب الْقَبْر]

- ‌[التَّفْضِيلِ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ]

- ‌[تَفْضِيل الْقُرْآن عَلَى التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ]

- ‌[وَقْت ظهور المهدي]

- ‌[حياة الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ فِي قُبُورِهِمْ]

- ‌[الْمِيزَانِ الَّذِي تُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

- ‌[وُقُوف النَّاس بالمحشر]

- ‌[دُخُولِ الْأُمَمِ الْجَنَّةَ هَلْ يَخْتَلِطُونَ أَوْ كُلُّ أُمَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا]

- ‌[قرأة اللَّه سُورَةَ الْأَنْعَامِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ]

- ‌[الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ هَلْ يُعَذَّبَانِ فِي النَّارِ]

- ‌[الْجَنَّةِ هَلْ هِيَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالنَّارُ تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ]

- ‌[الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ هَلْ هُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ أَجْنَاسٌ]

- ‌[أَهْلِ الْكَهْفِ هَلْ هُمْ نِيَامٌ إلَى الْآنَ لَمْ يَمُوتُوا]

- ‌[إرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ هَلْ لَهَا حَقِيقَةٌ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ]

- ‌[الْأَرْوَاحِ هَلْ هِيَ بِأَفْنِيَةِ الْقُبُورِ]

- ‌[صفة النَّار]

- ‌[الْأَطْفَالِ هَلْ يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ]

- ‌[رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى مَنَامًا]

- ‌[مَسَائِلُ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[أَنْوَاع الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ]

- ‌[عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ]

- ‌[تَرْكُ السُّنَّةِ لِكَوْنِ الْمُبْتَدِعِ يَفْعَلُهَا]

- ‌[صفة الِانْتِقَال مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ]

- ‌[هَلْ يَجُوز التَّقْلِيد مُطْلَقًا]

- ‌[التَّقْلِيدُ فِي الرُّخْصَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّةَ التَّقْلِيدِ]

- ‌[تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ]

- ‌[الْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ عِلْمٍ]

- ‌[مَسَائِلُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[أَثَرِ الْوَشْمِ الَّذِي تَعْسُرُ إزَالَتُهُ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ]

- ‌[مَسَائِلُ الِاسْتِبْرَاءِ] [

- ‌دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَأَحَسَّ بِبَوْلٍ فِي قَصَبَةِ ذَكَرِهِ]

- ‌[مَسَحَ ذَكَرَهُ مِنْ الْبَوْلِ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ وَجَدَ بَلَلًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ مَسْحِ الْخُفِّ]

- ‌[مَسْحِ الْخُفِّ الْمُزَرَّرِ بِحَدِيدٍ]

- ‌[مَسَائِلُ الْوُضُوءِ]

- ‌[مَسَائِلُ الْغُسْلِ]

- ‌[الرَّجُلِ الْمَجْبُوبِ إذَا سَاحَقَ امْرَأَةً وَأَنْزَلَ مَاءً أَصْفَرَ أَوْ دَمًا بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ]

- ‌[مَسَائِلُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[مُقِيمٍ بِبَادِيَةٍ صَحِيحٍ لَا يَجِدُ مَاءً لِلْوُضُوءِ غَالِبًا هَلْ يَتَيَمَّمُ لِلنَّفْلِ اسْتِقْلَالًا]

- ‌[دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَمَعَهُ رُفْقَةٌ مَعَهُمْ مَاءٌ يُعْطُونَهُ مَجَّانًا بِكُلْفَةٍ]

- ‌[قَامَ مِنْ النَّوْمِ وَالْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ الصَّلَاةَ فَقَطْ أَوْ الْوُضُوءَ فَقَطْ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ]

- ‌[مَسَائِلُ الْأَذَانِ]

- ‌[الدُّعَاءِ حَالَ الْأَذَانِ]

- ‌[مَسَائِلُ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَبْضِ الْيَدَيْنِ فِي الْفَرْضِ]

- ‌[مَسَائِلُ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌[مَأْمُومِينَ أَدْرَكُوا الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودٌ قَبْلِي عَلَى ثَلَاثِ سُنَنٍ وَسَجَدَهُ الْإِمَامُ وَتَرَكَهُ الْمَأْمُومُونَ جَهْلًا]

- ‌[سَهَا عَنْ رَفْعِ رُكُوعِ رَكْعَةٍ وَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ لِلَّتِي تَلِيهَا]

- ‌[ضَابِطِ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[إمَامٍ قَامَ لِخَامِسَةٍ سَهْوًا وَتَيَقَّنَ جَمِيعُ مَأْمُومِيهِ انْتِفَاءَ مُوجِبِهَا وَسَبَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يُسَبِّحْ]

- ‌[مَسَائِلُ إمَامَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[وَلِيَ الْإِمَامَةَ أَوْالْأَذَانَ أَوْ التَّدْرِيسَ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَهَلْ تَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ]

- ‌[صَلَاةِ جَمَاعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ]

- ‌[إقَامَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ]

- ‌[دَخَلَ مَسْجِدًا فَوَجَدَ بِهِ إمَامًا يُصَلِّي وَلَمْ يَدْرِ هَلْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا]

- ‌[الْإِسْمَاعِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كُلِّ حَالٍ كَثُرَتْ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ]

- ‌[مَسَائِلُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْعَدَد المشترط فِي الْجُمُعَةَ]

- ‌[اللَّحْنُ فِي الْخُطْبَةِ]

- ‌[إمَامٍ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ سُجُودٌ قَبْلِي عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَسَجَدَهُ الْمَأْمُومُ دُونَ الْإِمَامِ جَهْلًا]

- ‌[هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى مَا يَقُولُ]

- ‌[صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلْفَ غَيْرِ الْخَاطِبِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَوْبَطَلَتْ فَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا]

- ‌[صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلْفَ شَافِعِيٍّ وَأَعَادَهَا الْإِمَامُ ظُهْرًا فَمَا حُكْمُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الْمَالِكِيّ]

- ‌[مَسَائِلُ الْجِنَازَةِ]

- ‌[حُكْمِ إعَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[الدَّوَرَانِ بِالْمَيِّتِ وَهُوَ فِي نَعْشِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَهْقَرَى وَاسْتِقَامَةً]

- ‌[مَنْ يُغَسِّلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ إذَا مَاتَ]

- ‌[نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ]

- ‌[امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَيٌّ فَهَلْ يُبْقَرُ عَلَيْهِ]

- ‌[مُتَابَعَة الذمى لِجِنَازَةِ الْمُسْلِم]

- ‌[بِنَاءُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْعَافِيَةِ]

- ‌[جَعَلَ الْمَسْجِد الخرب مَقْبَرَة]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا فَهَلْ يُطْلَبُ بِزَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْهَا]

- ‌[لَهُ مَالٌ لَا يُزَكِّيهِ فَكَبِرَ وَلَدُهُ وَصَارَ يُزَكِّيهِ بِعِلْمِ أَبِيهِ وَتَارَةً بِدُونِهِ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْ أَبِيهِ]

- ‌[لَهُ زَوْجَةٌ لَهَا مَالٌ لَا تُزَكِّيهِ فَهَلْ يُخْرِجُهَا زَوْجُهَا كُرْهًا عَنْهَا]

- ‌[مَلَكَ نِصَابَ نَعَمٍ فَجَعَلَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ نَقْدًا مَعْلُومًا كُلَّ سَنَةٍ يَأْخُذهُ بِغَيْرِ اسْمِ الزَّكَاةِ]

- ‌[اسْتَأْجَرَ أَرْضَ زِرَاعَةٍ وَخَرَجَ مِنْ زَرْعِهَا مَا يَفِي بِمَا صَرَفَهُ عَلَيْهَا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْخَارِجِ]

- ‌[مَسَائِلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[رَجُلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ فِطْرِهِ دَرَاهِمَ عَنْ الصَّاعِ فَهَلْ هَذَا الْإِخْرَاجُ صَحِيحٌ]

- ‌[مَسَائِلُ الصِّيَامِ]

- ‌[الِاعْتِمَاد فِي ثُبُوتِ رَمَضَانَ وَشَوَّالَ عَلَى حِسَابِهِ سَيْرَ الْقَمَرِ]

- ‌[ابْتَلَعَ مَاءَ الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ صَائِمٌ]

- ‌[رَعَفَ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ فَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى حَلْقِهِ]

- ‌[اسْتَنْشَقَ الدُّخَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ]

- ‌[دَهَنَ جَائِفَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُفْطِرُ]

- ‌[الِاحْتِقَانِ بِالْمَائِعَاتِ هَلْ يَقَعُ بِهِ فِطْرٌ أَوْ لَا يَقَعُ بِهِ]

- ‌[سَافَرَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَأَفْطَرَ فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ]

- ‌[جَاءَ رَمَضَانُ فِي وَقْتِ الْحَصَادِ وَالصَّيْفِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ الْخُرُوجُ فِي ضَرُورَةِ الْفِطْرِ أَوْ لَا]

- ‌[بَيَّتَ نِيَّةَ الصَّوْمِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُؤْيَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ نَهَارًا فَهَلْ تَكْفِيهِ تِلْكَ النِّيَّةِ]

- ‌[وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ وَأَرَادَ الْإِطْعَامَ وَلَمْ يَجِدْ سِتَّمِائَةِ مِسْكَيْنِ وَوَجَدَ مِسْكِينًا وَاحِدًا]

- ‌[شَرِبَ الدُّخَانَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ]

- ‌[مَسَائِلُ الْحَجِّ]

- ‌[مُعْتَمِر مَرِضَ وَسَافَرَتْ رُفْقَتُهُ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ السَّعْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ صَحَّ فِي الطَّرِيقِ وَحَلَقَ]

- ‌[رَجُلٍ حَجَّ مَعَ وَالِدَتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الْحَجَّ ثَانِيًا وَلَا يَأْخُذُهَا مَعَهُ وَهِيَ مُتَشَوِّقَةٌ لَهُ فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ عُقُوقًا]

- ‌[مَسَائِلُ الذَّكَاةِ]

- ‌[حَمَامِ الْأَبْرَاجِ هَلْ يُعْمَلُ فِيهِ الصَّيْدُ أَمْ لَا]

- ‌[جَمَل وَقَعَ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ نَحْرُهُ وَلَا ذَبْحُهُ وَرُمِيَ بِآلَةٍ قَطَعَتْ ذَنَبَهُ]

- ‌[رَجُلٍ أَضْجَعَ الْمَذْبُوحَ الْأَرْضَ وَضَرَبَهُ بِآلَةِ الذَّبْحِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فِي مَحَلِّ التَّذْكِيَةِ نَاوِيًا بِهَا الذَّكَاةَ مُسَمِّيًا]

- ‌[ذَبَحَ بِمِنْجَلٍ مُضَرَّسٍ فَهَلْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ]

- ‌[رَجُلٍ نَحَرَ بَعِيرًا فَوْقَ اللَّبَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَصَابِعَ جَاهِلًا مَحَلِّ النَّحْرِ فَقَطْ]

- ‌[الْبَقَرِ الَّذِي يُصِيبُهُ دَاءٌ يَقْطَعُ فِشَّتَهُ أَوْ يَذُبُّهَا حَتَّى تَصِيرَ قَيْحًا كَزَبَدِ الْبَحْرِ]

- ‌[مَسَائِلُ الضَّحِيَّةِ]

- ‌[مَسَائِلُ الْمُبَاحِ]

- ‌[شُرْبِ الدُّخَانِ فِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ]

- ‌[مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ هَلْ تَكُونُ فَضَلْتُهُ طَاهِرَةً]

- ‌[شُرْبِ الدُّخَانَ فِي مَجْلِسِ الْقُرْآنِ]

- ‌[رَجُلٍ قَالَ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى شُرْبِ الدُّخَانِ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ]

- ‌[أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[حُكْمِ أَكْلِ الْفَسِيخِ]

- ‌[مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[رَجُلٍ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَيَتَوَضَّأَنَّ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ فَهَلْ يُبِرُّ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ]

- ‌[رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ أَوْلَادِهِ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَهُمْ فَإِذَا أَكَلَ مَعَ الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ فَمَا الْحُكْمُ]

- ‌[حَلَفَ عَلَى طَعَامٍ مَخْصُوصٍ فَقَدَّمَتْهُ لَهُ زَوْجَتُهُ وَأَكَلَهُ نَاسِيًا فَهَلْ يَحْنَثُ]

- ‌[حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَبَنِ جَامُوسَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ أَكَلَ فَطِيرًا مَلْتُوتًا بِلَبَنِهَا فَهَلْ حَنِثَ]

- ‌[حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَدَخَلَ بِهِ شَخْصٌ آخَرُ نَاسِيًا]

- ‌[مَسَائِلُ النَّذْرِ]

- ‌[رَجُلٍ عِنْدَهُ بَقَرَةٌ فَمَرِضَتْ وَالْحَالُ أَنَّهَا حَامِلٌ فَقَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ بَقَرَتِي فَعَلَيَّ ذَبْحُ مَا فِي بَطْنِهَا]

- ‌[رَجُلٍ سَمَّى ذَبِيحَةً لِوَلِيٍّ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ كُتُبٍ أَوْ مُصْحَفٍ]

- ‌[نَذَرَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُهْدَى بِلَفْظِ جَزُورٍ أَوْ بَعِيرٍ]

- ‌[نَذَرَ شَاةً لِوَلِيٍّ هَلْ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا]

- ‌[فِيمَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ إتْيَانِ خَادِمِ الضَّرِيحِ لِلزَّائِرِ بِتُرَابٍ يَنْثُرُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[ضَرْبِ الْمَنْدَلِ وَحُضُورِ الْجِنِّ]

- ‌[مَرِيضٍ قَالَ إنْ شُفِيت بِعَهْدِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَشْرَبَ الدُّخَانَ فَشُفِيَ]

- ‌[فِيمَا يُعْطَى لسدنة الْكَعْبَة ة الْمُشَرَّفَةِ]

- ‌[مَسَائِلُ الِالْتِزَامِ]

- ‌[أَرْكَان الِالْتِزَام]

- ‌[أَقْسَام الِالْتِزَامُ]

- ‌[الْبَاب الْأَوَّل فِي الِالْتِزَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ]

- ‌[الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ]

- ‌[طَاعَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ بِجَمِيعِ مُؤْنَةِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا]

- ‌[اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ فِي نَفَقَةِ بَنِيهَا مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[امْرَأَةٌ لَهَا أَوْلَادٌ تَأْخُذُ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ وَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا]

- ‌[الْتَزَمَ نَفَقَةَ مَنْ لَيْسَ بِقَرِيبِهِ كَالرَّبِيبِ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ]

- ‌[زَوَّجَ عَبْدَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ]

- ‌[خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِهِ مِنْهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ]

- ‌[طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمَّ بَارَأَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا إرْضَاعَ وَلَدِهَا]

- ‌[عَمَّمَ الْمُبَارَأَةَ بَعْدَ عَقْدِ الْخُلْعِ فَهَلْ تَرْجِعُ لِجَمِيعِ الدَّعَاوَى كُلِّهَا]

- ‌[خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى الْحُلُمِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا]

- ‌[عَقَدَتْ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ ثُمَّ ظَهَرَ مَا يُسْقِطُ الْتِزَامَهَا]

- ‌[خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَحَمَّلَ بِالْوَلَدِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ]

- ‌[صَالَحَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ أَبَدًا]

- ‌[إعْطَاءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ]

- ‌[أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِعَرَضٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَبَاعَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ]

- ‌[طَلَبَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفَقَةَ وَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِ فَادَّعَى أَنَّ أَبَاهَا الْتَزَمَ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ]

- ‌[فَصْلٌ الْتَزَمَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ السُّكْنَى فِي دَارٍ مُدَّةً فَأَسْكَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُلْتَزِمُ]

- ‌[فَصْلٌ الْتِزَامُ الْمَجْهُولِ]

- ‌[رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ احْلِفْ وَيَمِينِي مِثْلُ يَمِينِك فَحَلَفَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ]

- ‌[الْتِزَامِ الْمُتَسَلِّفِ التَّصْدِيقَ فِي الْقَضَاءِ بِدُونِ يَمِينٍ تَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ]

- ‌[أُعْتِقَ الصَّغِيرُ وَأُمُّهُ مَمْلُوكَةٌ وَأُمُّهَا حُرَّةٌ فَتَنَازَعَاهُ]

- ‌[أَعْتَقَ الْأُمَّ وَأَرَادَ بَيْعَ الْوَلَدَ]

- ‌[تَزَوَّجَتْ وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي بَيْتٍ لَهَا فَسَكَنَ الزَّوْجُ مَعَهَا]

- ‌[الِالْتِزَامُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ الْتَزَمَ لِحَمْلٍ بِشَيْءٍ]

- ‌[قَالَ لِأَمَتِهِ فِي صِحَّتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ]

- ‌[فَصْلٌ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ]

- ‌[الْوَفَاءُ بِنَذْرِ الْعِتْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ]

- ‌[قَالَ لَهُ إنَّ غُرَمَائِي يُلْزِمُونَنِي بِدَيْنٍ فَأَسْلِفْنِي أَقْضِهِمْ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَهُ]

- ‌[حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّ غَرِيمَهُ إلَى أَجَلٍ وَخَشِيَ الْحِنْثَ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْعِدَةِ]

- ‌[رَجُلٍ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَخَطَبَ أُخْتَهَا لِابْنِهِ فَقَالَتْ لَهُ عَمَّتُهَا عَلَى صَدَاقِ أُخْتِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ وَهُوَ نَوْعَيْنِ]

- ‌[فَرْعٌ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إنْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَالسُّرِّيَّةُ صَدَقَةٌ عَلَى امْرَأَتِهِ]

- ‌[فَرْعٌ أَبَتَّ عِتْقَ عَبْدِهِ أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ]

- ‌[فَرْعٌ قَالَ لِعَبْدٍ إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ أَوْ بَعْضَهُ]

- ‌[فَرْعٌ قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الشَّيْءَ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَبَاعَهُ]

- ‌[فَرْعٌ ادَّعَى حَقًّا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا كَفِيلٌ بِهِ]

- ‌[فَرْعٌ الْخَصْمَانِ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ يُوَافِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَى أَجْلٍ سَمَّيَاهُ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ الْخَصْمَانِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا]

- ‌[فَرْعٌ وَهَبَتْ زَوْجَهَا هِبَةً صَحِيحَةً وَمَلَكَهَا أَعْوَامًا وَبَقِيَتْ فِي مِلْكِهَا ثُمَّ تَشَاجَرَا]

- ‌[فَرْعٌ طَلَبَتْ الْحَاضِنَةُ الِانْتِقَالَ بِالْأَوْلَادِ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ فَشَرَطَ الْأَبُ عَلَيْهَا نَفَقَتَهُمْ وَكِسْوَتَهُمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ الْتَزَمَ لِإِنْسَانٍ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا]

- ‌[فَرْعٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْمَالِكِيُّ بِمُوجِبِ الِالْتِزَامِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ وَهُوَ أَنْوَاعٍ]

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلِ الْجَائِزِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ]

- ‌[النَّوْعُ الْخَامِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزِمِ]

- ‌[فَرْعٌ بَيْعَ الْحَضَانَةِ]

- ‌[فَرْعٌ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ]

- ‌[الْخُلْعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ]

- ‌[قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِهِ يَعْنِي الْعَبْدَ الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ]

- ‌[مَاتَ الْمُلْتَزِمُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ فِي الْعَمَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الثُّنْيَا]

- ‌[النَّوْعُ السَّادِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ]

- ‌[النَّوْع السَّابِع الِالْتِزَام الْمُعَلَّق عَلَى الْفِعْل الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَة لِغَيْرِ الملتزم والملتزم لَهُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ الْمُعَلَّقُ عَلَى غَيْرِ فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ]

- ‌[فَرْعٌ قَالَ الشَّخْصُ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ الْفُلَانِيُّ فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا]

- ‌[فَرْعٌ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَوَلَدًا وَبِنْتًا مِنْهُ وَأَبًا وَتَرَكَتْ مَتَاعًا وَحُلِيًّا وَصَدَاقًا عَلَى زَوْجِهَا]

- ‌[فَرْعٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يُشَوِّرَهَا الْأَبُ بِمِائَةِ دِينَارٍ]

- ‌[فَرْعٌ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِفُلَانٍ]

- ‌[فَرْعٌ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ عَنْ غَيْرِهِ إذَا حَنِثَ فَحَنِثَ]

- ‌[فَرْعٌ قَالَ إنْ صَارَ فِي مِلْكِي فَهُوَ لَك بِكَذَا وَكَذَا]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى مَسَائِلَ حُكِمَ فِيهَا بِإِسْقَاطِ اللُّزُومِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ]

- ‌[إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ قَبْلَ بَيْعِ الشَّرِيكِ]

- ‌[أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ]

- ‌[تَرَكَ إرْثَهُ لِشَخْصٍ فِي حَيَاةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ وَهَبَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ]

- ‌[وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ]

- ‌[الْأَمَة إذَا كَانَتْ تَحْت الْعَبْد وَقَالَتْ اشْهَدُوا مَتَى عتقت فَقَدْ اخْتَرْت زوجي أَوْ اخْتَرْت نفسي]

- ‌[شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا]

- ‌[أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ]

- ‌[أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلِ]

- ‌[أَسْقَطَتْ الْحَاضِنَةُ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنْ قَتَلْتنِي فَقَدْ وَهَبْت لَك دَمِي أَوْ فَقَدْ أَبْرَأْتُك]

- ‌[إذَا عَفَا عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ جُرْحُهُ]

- ‌[أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ]

- ‌[أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ]

- ‌[أَخَّرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الضَّامِنَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ]

- ‌[أَسْقَطَ الْقِيَامَ بِالْجَائِحَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ حُصُولِ الْجَائِحَةِ]

- ‌[أَسْقَطَ الْعُهْدَةَ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الشُّرُوطِ الْمُنَاقِضَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ مَسَائِلُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الشُّرُوطِ فِي الْخُلْعِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَرْضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ]

- ‌[مَسَائِلُ الْجِهَادِ]

- ‌[إقْلِيم مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَجَمَ الْكَافِرُ الْعَدُوُّ عَلَى بِلَادِهِمْ وَأَخَذَهَا وَتَمَلَّكَ بِهَا]

- ‌[أَسْلَمَ وَبَقِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ أَوْ سُبِيَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ]

- ‌[حَقِيقَةِ الصُّلْحِ]

- ‌[مَسَائِلُ الْجِزْيَةِ]

- ‌[ذِمِّيٍّ مَشَى بِنَعْلِهِ عَلَى رِدَاءِ مُسْلِم بَسَطَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ]

- ‌[مَسَائِلُ النِّكَاحِ]

- ‌[خُنْثَى مُشْكِلٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهَلْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ]

- ‌[رَجُل مَرِيض غَائِب عَنْ زَوْجَتِهِ أَرْسَلَ يُخَيِّرُهَا بِإِتْيَانِهَا عِنْدَهُ فِي الْبَلَدِ أَوْ تَخْتَارُ نَفْسَهَا]

- ‌[يَتِيمَة خِيفَ فَسَادُهَا فَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا رَجُلٌ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ وُجُودِ عَمِّهَا]

- ‌[دَخَلَ بِهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا ثُمَّ قَدِمَ أَبُوهَا وَأَرَادَ فَسْخَ نِكَاحِهَا أَوْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا]

- ‌[اتِّفَاقِ الزَّوْجِ وَوَلِيِّ الزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَرْبَعُونَ رِيَالًا مَثَلًا وَيَذْكُرُونَ فِي حَضْرَةِ النَّاسِ أَنَّهُ أَلْفٌ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ]

- ‌[الْجَمْع بَيْن الْمَرْأَة وَبِنْت بِنْت أخيها]

- ‌[رَجُل خَبَّبَ عَلَى رَجُلٍ امْرَأَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا فَلَمَّا تَمَّتْ الْعِدَّةُ خَطَبَهَا الْمُتَّهَمُ بِتَخْبِيبِهَا]

- ‌[الْعَزْلِ عَنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ خَوْفًا مِنْ حَمْلِهَا]

- ‌[أَخْذ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا عِوَضًا فِي إذْنِهَا لَهُ فِي الْعَزْلِ عَنْهَا]

- ‌[الزَّوْجَةِ إذَا أَرَادَتْ إلْزَامَ زَوْجِهَا الْعَزْلَ عَنْهَا فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ]

- ‌[اسْتِعْمَالِ دَوَاء لِمَنْعِ الْحَمْلِ أَوْ وَضْعِ شَيْءٍ فِي الْفَرْجِ حَالَ الْجِمَاعِ]

- ‌[زَوْجَةِ ابْنِ الْبِنْتِ هَلْ تَحْرُمُ عَلَى أَبُوهَا وَأَبِي أَبُوهَا وَإِنْ عَلَا]

- ‌[الْجَمْع بَيْن العمتين أَوْ الْخَالَتَيْنِ]

- ‌[تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِكْرًا وَعَذْرَاءَ وَعُرْفُهُمْ تَرَادُفَ الْبِكْرِ وَالْعَذْرَاءِ وَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِيهَا فَوَجَدَهَا مُفْتَضَّةً]

- ‌[خَطَبَ امْرَأَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا]

- ‌[تَزَوَّجَ بِكْرًا وَوَطِئَهَا فَأَفْضَاهَا فَمَاذَا يَلْزَمُهُ]

- ‌[دَفَعَ امْرَأَةً فَسَقَطَتْ عُذْرَتُهَا]

- ‌[تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَ مَحَلَّ الْجِمَاعِ وَالدُّبُرَ مُخْتَلِطَيْنِ]

- ‌[رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَهُ الرَّشِيدَ بِإِذْنِهِ وَبَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الصَّدَاقُ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ عَلَى أَبِيهِ]

- ‌[أَرَادَ أَخُوهَا الْوَصِيُّ تَزْوِيجَهَا لِكُفْءٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَامْتَنَعَتْ فَهَلْ لَهُ جَبْرُهَا]

- ‌[أَفْسَدَ زَوْجَةً عَلَى زَوْجِهَا فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَهَلْ نِكَاحُهُ فَاسِدٌ]

- ‌[بِنْت بِكْر عَقَدَ نِكَاحَهَا غَيْرُ أَبُوهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَنِصْفٍ]

- ‌[أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَزَوَّجَهُ جَارِيَتَهُ وَدَخَلَ بِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِحُرَّةٍ تُعِفُّهُ]

- ‌[قَالَ لِآخَرَ هَبْنِي بِنْتَك فَقَالَ لَهُ وَهَبْتُك بِنْتِي فَقَالَ قَبِلْت وَلَمْ يَذْكُرَا صَدَاقًا]

- ‌[تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ وَأَرَادَ وَطْأَهَا فَامْتَنَعَتْ وَهَرَبَتْ مِنْهُ]

- ‌[عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا حُضُورِ شُهُودٍ ثُمَّ يَشْهَدُ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[ثَيِّب رَشِيدَة وَكَّلَتْ أَبَاهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَقَارِبِهِ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا]

- ‌[تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ بِمَعْلُومٍ وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ]

- ‌[زَنَى بِامْرَأَةٍ وَعَقَدَ عَلَيْهَا وَوَطِئَهَا فِي اسْتِبْرَائِهَا مِنْ مَائِهِ]

- ‌[تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ رُكُونِهَا لِخَاطِبٍ قَبْلَهُ فَهَلْ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ]

الفصل: ‌[أسلم وبقي بدار الحرب فقتل أو سبي أهله وماله]

السَّيْفَ عَلَى رَأْسِهِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَكِنْ قُتِلُوا لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إمَّا؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يَعْصِمُ، وَإِنَّمَا يَعْصِمُ الْإِيمَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا. وَإِمَّا لِأَنَّ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَعْصِمُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ «بَنِي خُزَيْمَةَ لَمَّا أَسْرَعَ خَالِدٌ فِيهِمْ الْقَتْلَ قَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَقَتَلَهُمْ فَوَدَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِخَطَأِ خَالِدٍ وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَعَامِلِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ» قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا وَدَاهُمْ نِصْفَ الْعَقْلِ عَلَى مَعْنَى الصُّلْحِ وَالْمَصْلَحَةِ كَمَا وَدَى أَهْلَ خُزَيْمَةَ بِمِثْلَيْ ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ.

[أَسْلَمَ وَبَقِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ أَوْ سُبِيَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ]

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَسْلَمَ وَبَقِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ، أَوْ سُبِيَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَقَالَ مَالِكٌ بِحَقْنِ دَمِهِ وَمَالُهُ لِمَنْ أَخَذَهُ حَتَّى يَحْدُثَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.

وَقِيلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحُوزُ مَالَهُ وَأَهْلَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مُحَقَّقَةٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ هَلْ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا أَمْ لَا؟ وَأَنَّ الْعَاصِمَ هَلْ هُوَ الْإِسْلَامُ، أَوْ الدَّارُ؟ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» فَسَوَّى بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَأَضَافَهَا إلَيْهِمْ وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مَعْصُومٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سَبِيلٌ. وَتَمَسَّكَ أَيْضًا مَنْ أَتْبَعَهُ مَالَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» .

وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَاصِمَ إنَّمَا هُوَ الدَّارُ فَمَا لَمْ يَحُزْ الْمُسْلِمُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَمَا أُصِيبَ مِنْ ذَلِكَ بِدَارِ الْكُفْرِ فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَأَنَّ الْكُفَّارَ عِنْدَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بَلْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ حَلَالٌ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَدِمَائِهِمْ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَحُزْ مَالًا وَلَا وَلَدًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ وَكَانَ الْيَدُ لِلْكَافِرِ كَمَا أَنَّ الدَّارَ لَهُمْ وَلَيْسَتْ يَدُ صَاحِبِهِ الْإِسْلَامِيِّ يَدًا إذَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا الْعَاصِمُ لِدَمِ الْمُسْلِمِ الْإِسْلَامُ وَلِمَالِهِ الدَّارُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعَاصِمُ لَهُمَا جَمِيعًا هُوَ الْإِسْلَامُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَاصِمُ الْمُقَوِّمُ لَهُمَا هُوَ الدَّارُ وَالْمُؤْثِمُ هُوَ الْإِسْلَامُ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ حَتَّى قُتِلَ، فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ وَلَوْ هَاجَرَ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى قَاتِلِهِ.

قِيلَ: فَعَلَى هَذَا دَمُهُ مَحْقُونٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَتْلُهُ خَطَأٌ لَا دِيَةَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ خَاصَّةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً. قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمُؤْمِنِ إنَّمَا هُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ؛ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ فِي قَوْمٍ أَعْدَاءٍ فَهُوَ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] فَهُوَ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ، فَلَمَّا ذَكَرَ الدِّيَةَ أَوَّلَ الْآيَةِ فِي الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ وَفِي آخِرِهَا فِي الْمُؤْمِنِ الَّذِي قَوْمُهُ تَحْتَ عَهْدِنَا وَمِيثَاقِنَا وَهُمْ الذِّمِّيُّونَ وَسَكَتَ عَنْهَا فِي هَذَا الْمُؤْمِنِ الَّذِي بَيْنَ الْأَعْدَاءِ دَلَّ عَلَى سُقُوطِهَا، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ خَاصَّةً هَذَا حُكْمُ دَمِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خُرَاسَانِيَّةٌ عَظْمًا لَمْ تَبْلُغْهَا الْمَالِكِيَّةُ وَلَا عَرَفَتْهَا الْأَئِمَّةُ الْعِرَاقِيَّةُ فَكَيْفَ بِالْمَفَازَةِ الْمَغْرِبِيَّةِ.

احْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْعَاصِمَ الدَّارُ بِأَنَّ التَّحَرُّزَ وَالِاعْتِصَامَ وَالِامْتِنَاعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحُصُونِ وَالْقِلَاعِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا صَارَ فِي دَارِنَا عُصِمَ دَمُهُ وَمَالُهُ فَصَارَ كَالْمَالِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا عَلَى الطَّرِيقِ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ قَطْعٌ، وَإِذَا حَرَزَ بِحِرْزِهِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقَطْعِ.

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» الْحَدِيثَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ لِلنَّفْسِ وَالْمَالِ إنَّمَا تَكُونُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ

ص: 379

وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ وَالْمَالِ، وَالدَّارُ مَعْدُومَةٌ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْإِسْلَامَ عَاصِمٌ لِلنَّفْسِ دُونَ الْوَلَدِ وَالْمَالِ وَقَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ التَّحَرُّزَ وَالتَّعَصُّمَ يَكُونُ بِالْقِلَاعِ فَكَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعِصْمَةِ الْحِسِّيَّةِ الَّتِي يَكْتَسِبُهَا الْكَافِرُ وَالْمُحَارِبُ وَلَا يَعْتَبِرُهَا الشَّرْعُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى مَا يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَارِبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ يَتَحَصَّنَانِ بِالْقِلَاعِ وَدَمُهُمَا وَأَمْوَالُهُمَا مُبَاحَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالثَّانِي بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَسْتَقِرَّ وَلَا يَقَعَ وَيَتَمَادَى وَيَتَمَنَّعَ وَلَكِنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَمْنَعُهُ إحْرَازُ صَاحِبِهِ لَهُ بِكَوْنِهِ مَعَهُ فِي حِرْزٍ.

قُلْت: بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ حَسْبَمَا تَضَمَّنَ كَلَامُهُ الْآنَ. وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ.

وَأَجْرَى الْفَقِيهُ الْقَاضِي الشَّهِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَالَ هَذَا الْمُسْلِمِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ الْمُقِيمِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَبْرَحْ عَنْهَا بَعْدَ اسْتِيلَاءِ الطَّاغِيَةِ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي مَالِ مَنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ فَرَّقَ ابْنِ الْحَاجِّ بَعْدَ الْإِلْحَاقِ وَالتَّسْوِيَةِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ اللَّاحِقَةِ بِأَنَّ مَالَ مَنْ أَسْلَمَ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَمْ تَزَلْ وَلَا يُعْزَى لَهُ فِي وَقْتِ مَا كَفَرَ مُبِيحٌ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَمَا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمَا مِنْ سَبِيلٍ، وَهُوَ رَاجِحٌ مِنْ الْقَوْلِ وَاضِحٌ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ وَظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لِمَنْشَأِ الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَيُعْتَضَدُ هَذَا الْفَرْقُ بِنَصٍّ آخَرَ.

مَسْأَلَةٌ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَلَفْظُهُ: وَسَأَلْته عَمَّنْ تَخَلَّفَ مِنْ أَهْلِ بَرْشِلُونَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الِارْتِحَالِ عَنْهُمْ بَعْدَ السَّنَةِ الَّتِي أُجِّلَتْ لَهُمْ يَوْمَ فُتِحَتْ فِي ارْتِحَالِهِمْ فَأَغَارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَفَرُّدًا مِمَّا يَخَافُ مِنْ الْقَتْلِ إنْ ظَفِرَ بِهِ.

فَقَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارِبِ الَّذِي يَتَلَصَّصُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أُصِيبَ فَأَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ يَحْكُمُ فِيهِ بِمِثْلِ مَا يَحْكُمُ فِي أَهْلِ الْفَسَادِ وَالْحِرَابَةِ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلَا أَرَاهُ لِأَحَدٍ أَصَابَهُ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنَّهُمْ فِي إغَارَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارِبِينَ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا حَارَبَ سَوَاءٌ كَانَتْ حِرَابَتُهُ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي بَلَدِ الْكُفْرِ الْحُكْمُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي مَالِهِ إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَصَابَهُ فَهُوَ خِلَافٌ ظَاهِرٌ.

قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يَغْزُو الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الدَّارَ فَيُصِيبُونَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ إذَنْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءٌ إذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجَيْشُ غَنَمَ مَالَهُ وَوَلَدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ اهـ.

قُلْت: فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ مَعَاصِرُهُ وَبَلَدِيُّهُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهُمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشُّيُوخِ يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُلْحَقَةَ بِهِمْ فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَمْوَالِ جَارِيَةٌ عَلَى الْمُقِيمِينَ مَعَ النَّصَارَى الْحَرْبِيِّينَ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْخِلَافِ وَتَمَهَّدَ مِنْ التَّرْجِيحِ ثُمَّ إنْ حَارَبُونَا مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ تَرَجَّحَتْ حِينَئِذٍ اسْتِبَاحَةُ دِمَائِهِمْ، وَإِنْ أَعَانُوهُمْ بِالْمَالِ عَلَى قِتَالِنَا تَرَجَّحَتْ اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ، وَقَدْ تَرَجَّحَ سَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ بِالِاسْتِخْلَاصِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وانْشِبَابِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ آمِنِينَ مِنْ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ مَعْصُومِينَ مِنْ مَعْصِيَةِ تَرْكِ الْهِجْرَةِ.

وَمَا ذَكَرْتُمْ فِي السُّؤَالِ مِنْ حُصُولِ النَّدَمِ وَالتَّسَخُّطِ لِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِيِّينَ إلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا زَعَمُوا مِنْ ضِيقِ الْمَعَاشِ وَعَدَمِ الِانْتِعَاشِ زَعْمٌ فَاسِدٌ وَتَوَهُّمٌ كَاسِدٌ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ فَلَا يَتَوَهَّمُ هَذَا الْمَعْنَى وَيَعْتَبِرُهُ وَيَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ إلَّا ضَعِيفُ الْيَقِينِ بَلْ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَكَيْفَ يَتَخَيَّلُ هَذَا الْمَعْنَى وَيُدْلِي بِهِ حُجَّةً فِي إسْقَاطِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَفِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَعْلَى اللَّهُ كَلِمَتَهُ مَجَالٌ رَحْبٌ لِلْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَالثَّقِيلِ وَالْخَفِيفِ.

وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى الْبِلَادَ فَيَسْتَجِيرُ بِهَا مَنْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الصَّدْمَةُ

ص: 380

الْكُفْرَانِيَّةُ وَالصَّاعِقَةُ النَّصْرَانِيَّةُ فِي الدِّينِ وَالْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ، فَقَدْ هَاجَرَ مِنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ مَكَّةَ جَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ وَزُمْرَةٌ كَرِيمَةٌ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَالُ أَرْضِ الْحَبَشَةِ غَيْرُ مَقَرِّهِمْ وَهَاجَرَ آخَرُونَ إلَى غَيْرِهَا وَهَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَآبَاءَهُمْ وَنَبَذُوهُمْ وَقَاتَلُوهُمْ وَحَارَبُوهُمْ تَمَسُّكًا مِنْهُمْ بِدِينِهِمْ وَرَفْضًا لِدُنْيَاهُمْ فَكَيْفَ بِعَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِهَا لَا يُخِلُّ تَرْكُهُ بِتَكَسُّبٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُؤَثِّرُ رَفْضُهُ فِي مُتَّسَعِ الْمُسْتَرْزِقِينَ وَلَا سِيَّمَا هَذَا الْقُطْرُ الدِّينِيُّ الْمَغْرِبِيُّ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَزَادَهُ عِزًّا وَشَرَفًا وَوَقَاهُ مِنْ الْأَغْيَارِ وَالْأَكْدَارِ وَسَطًا وَطَرَفًا، فَإِنَّهُ مِنْ أَخْصَبِ أَرْضِ اللَّهِ أَرْضًا وَأَشْبَعِهَا بِلَادًا طُولًا وَعَرْضًا وَخُصُوصًا حَاضِرَةُ فَاسَ، وَأَنْظَارُهَا نَوَاحِيهَا مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَأَقْطَارِهَا.

وَلَئِنْ سَلِمَ هَذَا الْوَهْمُ وَعَدِمَ صَاحِبُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْعَقْلَ الرَّاجِحَ وَالرَّأْيَ النَّاجِحَ وَالْفَهْمَ، فَقَدْ أَقَامَ عِلْمًا وَبُرْهَانًا عَلَى نَفْسِهِ الْخَسِيسَةِ الرَّدِيَّةِ بِتَرْجِيحِ عَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ حُطَامِي مُحْتَقَرٍ عَلَى عِلْمٍ دِينِيٍّ أُخْرَوِيٍّ مُدَّخَرٍ وَبِئْسَ هَذِهِ الْمُفَاضَلَةُ وَالْأَرْجَحِيَّةُ وَخَابَ وَخَسِرَ مَنْ آثَرَهَا وَوَقَعَ فِيهَا. أَمَا عَلِمَ الْمَغْبُونُ فِي صَفْقَتِهِ النَّادِمِ عَلَى هِجْرَتِهِ مِنْ دَارٍ يُدْعَى فِيهَا التَّثْلِيثُ وَيُضْرَبُ فِيهَا النَّوَاقِيسُ وَيُعْبَدُ فِيهَا الشَّيْطَانُ وَيُكْفَرُ بِالرَّحْمَنِ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا دِينُهُ إذْ بِهِ نَجَاتُهُ الْأَبَدِيَّةُ وَسَعَادَتُهُ الْأُخْرَوِيَّةُ وَعَلَيْهِ يَبْذُلُ نَفْسَهُ النَّفِيسَةَ فَضْلًا عَنْ جُمْلَةِ حَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15] وَأَعْظَمُ فَوَائِدِ الْمَالِ وَأَجَلِّهَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ إنْفَاقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَكَيْفَ يَقْتَحِمُ بِالتَّشَبُّثِ وَيَتَرَاءَى وَيَتَطَارَحُ، أَوْ يَتَسَارَعُ مِنْ أَجْلِهِ إلَى مُوَالَاةِ الْعُدَاةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 52] وَالدَّائِرَةُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ فَوَاتُ التَّمَسُّكِ بِعَقَارِ الْمَالِ فَوُصِفَ بِمَرَضِ الْقَلْبِ وَضَعْفِ الْيَقِينِ، وَلَوْ كَانَ قَوِيَّ الدِّينِ صَحِيحَ الْيَقِينِ وَاثِقًا بِاَللَّهِ تَعَالَى مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَمُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَيْهِ لَمَا أَهْمَلَ قَاعِدَةَ التَّوَكُّلِ عَلَى عُلُوِّ رُتْبَتِهَا وَنُمُوِّ ثَمَرَتِهَا وَشَهَادَتِهَا بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ وَرُسُوخِ الْيَقِينِ.

وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْت فِي الرُّجُوعِ وَلَا فِي عَدَمِ الْهِجْرَةِ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ، وَأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ مَهْمَا تَوَصَّلَ إلَى ذَلِكَ بِمَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ، أَوْ حِيلَةٍ دَقِيقَةٍ بَلْ مَهْمَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْ رِبْقَةِ الْكُفْرِ، وَهُوَ لَا يَجِدُ عَشِيرَةً تَذُبُّ عَنْهُ وَحَمَاةً يَحْنُونَ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِالْمَقَامِ بِمَكَانٍ فِيهِ الضَّيْمُ عَلَى الدِّينِ وَالْمَنْعُ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مَارِقٌ مِنْ الدِّينِ وَمُنْخَرِطٌ فِي سِلْكِ الْمُلْحِدِينَ وَالْوَاجِبُ الْفِرَارُ مِنْ دَارِ غَلَبَ عَلَيْهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْخُسْرَانِ إلَى دَارِ الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَلِذَلِكَ قُوبِلُوا فِي الْجَوَابِ عِنْدَ الِاعْتِذَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] : أَيْ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ الْمُهَاجِرُ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَإِنَّهُ يَجِدُ أَرْضَ اللَّهِ وَاسِعَةً وَمُتَّصِلَةً فَلَا عُذْرَ بِوَجْهٍ لِمُسْتَطِيعٍ، وَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ فِي الْعَمَلِ، أَوْ فِي الْحِيلَةِ، أَوْ فِي اكْتِسَابِ الرِّزْقِ، أَوْ ضِيقٍ فِي الْمَعِيشَةِ إلَّا الْمُسْتَضْعَفُ الْعَاجِزُ رَأْسًا الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدِي سَبِيلًا، وَمَنْ بَادَرَ إلَى الْفِرَارِ وَسَارَعَ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الْبَوَارِ إلَى دَارِ الْأَبْرَارِ فَذَلِكَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الْحَالِ الْعَاجِلَةِ لِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ حَالُهُ فِي الْحَالِ الْآجِلَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُسِرَّ لَهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ كَانَ مَأْمُولًا لَهُ الظُّفْرُ وَالْفَوْزُ، وَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ الْعَمَلُ الْخَبِيثُ كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَالْخُسْرَانُ جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ تَيَسَّرَ لِلْيُسْرَى وَانْتَفَعَ بِالذِّكْرَى وَمَا ذَكَرْت عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَبِيحِ الْكَلَامِ وَسَبِّ دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَمَنِّي الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الشِّرْكِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَا تُصْدَرُ إلَّا مِنْ اللِّئَامِ يُوجِبُ لَهُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَنْزِلُهُمْ أَسْوَأَ

ص: 381

الْمَنَازِلِ.

فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ مَكَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَيَسَّرَهُ لِلْيُسْرَى أَنْ يَقْبِضَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَيُرْهِقُهُمْ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ وَالتَّنْكِيلَ الْمُبَرَّحَ ضَرْبًا وَسِجْنًا حَتَّى لَا يَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فِتْنَةَ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمَّةِ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ فِتْنَةِ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ وَنَهْبِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ هَلَكَ هَالِكٌ فَإِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرِيمِ عَفْوِهِ مَنْ هَلَكَ دِينُهُ فَإِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ سَخَطِهِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ الْمُوَالَاةِ الشِّرْكِيَّةِ وَالْمُسَاكَنَةِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْعَزْمِ عَلَى رَفْضِ الْهِجْرَةِ وَالرُّكُونِ إلَى الْكُفَّارِ وَالرِّضَا بِدَفْعِ الْجِزْيَةِ إلَيْهِمْ وَنَبْذِ الْعِزَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالطَّاعَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْبَيْعَةِ السُّلْطَانِيَّةِ وَظُهُورِ السُّلْطَانِ النَّصْرَانِيِّ عَلَيْهَا وَإِذْلَالِهِ إيَّاهَا بِفَوَاحِشَ عَظِيمَةٍ مُهْلِكَةٍ قَاصِمَةِ الظُّهُورِ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - وَأَمَّا جُرْحَةُ الْمُقِيمِ وَالرَّاجِحِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْمُتَمَنِّي الرُّجُوعِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الْمَرَاتِبِ الْكَمَالِيَّةِ مِنْ قَضَاءٍ وَشَهَادَةٍ وَإِمَامَةٍ فَمِمَّا لَا خَفَاءَ وَلَا امْتِرَاءَ عَمَّنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٌ مِنْ الْفُرُوعِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَكَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ خِطَابُ حُكَّامِهِمْ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَشَرْطُ قَبُولِ خِطَابِ الْقَاضِي صِحَّةُ وِلَايَتِهِ مِمَّنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ بِوَجْهٍ احْتِرَازًا مِنْ مُخَاطَبَةِ قُضَاةِ أَهْلِ الْجِبَالِ كَقُضَاةِ مُسْلِمِي بُلُنْسِيَةَ وَطَرْطُوشَةَ وَخَوْصَرَةَ عِنْدَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ.

وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَحْكَامٍ تَأْتِي فِي زَمَانِهِ مِنْ صِقِلِّيَّةَ مِنْ عِنْدِ قَاضِيهَا أَوْ شُهُودِ عُدُولِهَا هَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَمْ لَا مَعَ أَنَّهَا ضَرُورَةٌ وَلَا تُدْرَى إقَامَتُهُمْ هُنَاكَ تَحْتَ أَهْلِ الْكُفْرِ هَلْ هِيَ اضْطِرَارٌ، أَوْ اخْتِيَارٌ.

(فَأَجَابَ) الْقَادِحُ فِي هَذَا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ يَشْمَلُ الْقَاضِيَ وَبَيِّنَاتِهِ مِنْ نَاحِيَةِ اخْتِلَالِ الْعَدَالَةِ إذْ لَا يُبَاحُ الْمُقَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي قِيَادِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالثَّانِي مِنْ نَاحِيَةِ الْوِلَايَةِ إذْ الْقَاضِي مُوَلَّى مَنْ قِبَلِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْأَوَّلُ لَهُ قَاعِدَةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشَبَهُهَا وَهِيَ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَمُبَاعَدَةُ الْمَعَاصِي عَنْهُمْ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهَا لِاحْتِمَالَاتٍ كَاذِبَةٍ وَتَوَهُّمَاتٍ وَاهِيَةٍ كَتَجْوِيزِ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ، وَقَدْ يَجُوزُ فِي الْخَفَاءِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً إلَّا مَنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَهَذَا التَّجْوِيزُ مَطْرُوحٌ وَالْحُكْمُ لِلظَّاهِرِ إذْ هُوَ الْأَرْجَحُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْحَالِ مَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ الْعَدَالَةِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ حِينَئِذٍ حَتَّى يَظْهَرَ بِأَيِّ وَجْهٍ زَوَالُ مُوجِبِ رَاجِعِيَّةِ الْعَدَالَةِ وَيَبْقَى الْحُكْمُ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَرَائِنَ مَحْصُورَةٍ فَيَعْمَلُ عَلَيْهَا وَقَرَائِنُ الْعَدَالَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَمْرٍ مُطْلَقٍ مُتَلَقًّى، وَقَدْ أَمْلَيْتُ مِنْ هَذَا طَرَفًا فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَذَكَرْتُ طَرِيقَةَ أَبِي الْمَعَالِي لَمَّا تَكَلَّمَ فِيمَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ مِنْ الْوَقَائِعِ وَالْفِتَنِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -، وَهَذَا الْمُقِيمُ بِبَلَدِ الْحَرْبِ إنْ كَانَ اضْطِرَارًا فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ صَحِيحًا مِثْلُ إقَامَتِهِ بِبَلَدِ الْحَرْبِ لِرَجَاءِ فَدَايَةِ الْحَرْبِ وَنَقْلِهِمْ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَاقِلَّانِيُّ وَكَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِ الدُّخُولِ لِفِكَاكِ الْأَسِيرِ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ التَّأْوِيلِ اخْتِيَارًا، فَهَذَا قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الدَّاخِلِ اخْتِيَارَ التِّجَارَةِ فَمَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ مِنْهُمْ وَشَكَّ فِي إقَامَتِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَالْأَصْلُ عُذْرُهُ؛ لِأَنَّ جُلَّ الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ تَشْهَدُ لِعُذْرِهِ فَلَا تُرَدُّ لِاحْتِمَالٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ تُوجَدَ قَرَائِنُ تَشْهَدُ أَنَّ إقَامَتَهُ كَانَتْ اخْتِيَارًا لَا لِوَجْهٍ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ تَوْلِيَةُ الْكَافِرِ لِلْقُضَاةِ وَالْأُمَنَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِحَجْزِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، فَقَدْ ادَّعَى بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَقْلًا، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا تَوْلِيَةَ الْكَافِرِ لِهَذَا الْقَاضِي.

وَإِمَّا بِطَلَبِ الرَّعِيَّةِ لَهُ، أَوْ إقَامَتِهِ لَهُمْ لِلضَّرُورَةِ لِذَلِكَ فَلَا يُطْرَحُ حُكْمُهُ وَيُنَفَّذُ كَمَا لَوْ وَلَّاهُ سُلْطَانٌ مُسْلِمٌ وَفِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لِيَقْضِينَك حَقَّك إلَى أَجَلٍ أَقَامَ شُيُوخُ الْمَكَانِ مَقَامَ السُّلْطَانِ عِنْدَ فَقْدِهِ لِمَا يَخَافُ مِنْ فَوَاتِ الْقَضِيَّةِ وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ وَغَلَبَ عَلَى بَلَدٍ

ص: 382

فَوَلَّى قَاضِيًا عَدْلًا فَأَحْكَامُهُ نَافِذَةٌ اهـ.

قُلْت: وَأَفْتَى شُيُوخُ الْأَنْدَلُسِ فِيمَنْ فِي وِلَايَةِ الْعَاصِي الْمَارِقِ عُمَرَ بْنِ حَفْصُونٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا قَبُولُ خِطَابٍ وَاخْتُلِفَ فِي وِلَايَةِ وَقَبُولِ الْقَضَاءِ مِنْ الْأَمِيرِ غَيْرِ الْعَدْلِ فَفِي رِيَاضِ النُّفُوسِ فِي طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيِّ قَالَ سَحْنُونٌ اخْتَلَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ وَابْنُ غَانِمٍ قَاضِي إفْرِيقِيَّةَ وَهُمَا مِنْ رُوَاةِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ ابْنُ فَرُّوخَ لَا يَنْبَغِي لِقَاضٍ إذَا وَلَّاهُ أَمِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَقَالَ ابْنُ غَانِمٍ يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ فَكَتَبَ بِهَا إلَى مَالِكٍ فَقَالَ مَالِكٌ أَصَابَ الْفَارِسِيُّ يَعْنِي ابْنَ فَرُّوخَ وَأَخْطَأَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ يَعْنِي ابْنَ غَانِمٍ اهـ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَجْعَلُوا قَبُولَ الْوِلَايَةِ لِلْمُتَغَلِّبِ الْمُخَالِفِ لِلْإِمَامِ جُرْحَةٌ لِخَوْفِ تَعْطِيلِ أَحْكَامٍ اهـ.

هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمَّا الْأُخْرَوِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَنْ أَفْنَى شَيْبَهُ وَشَبَابَهُ فِي مُسَاكَنَتِهِمْ وَتُوَلِّيهِمْ، وَلَمْ يُهَاجِرْ، أَوْ هَاجَرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى وَطَنِ الْكُفْرِ وَأَصَرَّ عَلَى ارْتِكَابِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ مُعَاقَبُونَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَلَّدِينَ فِي الْعَذَابِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْحَقُّ فِي انْقِطَاعِ عَذَابِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَتَخْلِيصِهِمْ بِشَفَاعَةِ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ حَسْبَمَا وَرَدَتْ بِهِ صِحَاحُ الْأَخْبَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] إلَّا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» .

وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «فَمَنْ سَاكَنَهُمْ، أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ شَدِيدٌ جِدًّا عَلَيْهِمْ» وَمَا ذَكَرْتُمْ عَنْ سَخِيفِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ مِنْ قَوْلِهِ إلَى هَاهُنَا يُهَاجِرُ فِي قَالِبِ الِازْدِرَاءِ وَالتَّهَكُّمِ، وَقَوْلُ السَّفِيهِ الْآخَرِ إنْ جَازَ صَاحِبُ فشتالة إلَى هَذِهِ النَّوَاحِي فَسِرْ إلَيْهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْبَشِيعِ وَلَفْظِهِ الشَّنِيعِ لَا يَخْفَى عَلَى سِيَادَتِكُمْ مَا فِي كَلَامِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ السَّمَاجَةِ وَالتَّعْيِيرِ وَالْهُجْنَةِ وَسُوءِ النَّكِيرِ إذْ لَا يَتَفَوَّهُ بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَبِيحُهُ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَفَقَدَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى حِسَّهُ وَرَامَ رَفْعَ مَا صَحَّ ذَمُّهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِي جَمِيعِ مَعْمُورِ الْأَرْضِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إلَى مَغْرِبِهَا إلَّا لِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا وَهَنَ بِهَا وَلَا رَيْبَ فَلَا تَصْدُرُ هَذِهِ الْأَغْرَاضُ الْهَوْسِيَّةُ إلَّا مِنْ قَلْبٍ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَسُكْنَاهُ مِنْ الْأَوْطَانِ، وَمَنْ ارْتَبَكَ فِي هَذَا وَتَوَرَّطَ فِيهِ، فَقَدْ اسْتَعْجَلَ لِنَفْسِهِ الْخَبِيثَةِ الْخِزْيَ الْمَضْمُونَ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَاوَى فِي الْعِصْيَانِ وَالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالْمَقْتِ وَالسَّمَاجَةِ وَالْإِبْعَادِ وَالِاسْتِنْقَاصِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَلَامَةِ وَالْمَذَمَّةِ الْكُبْرَى التَّارِكِ لِلْهِجْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِمُوَالَاةِ الْأَعْدَاءِ وَالسُّكْنَى بَيْنَ أَظْهُرِ الْبُعَدَاءِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْحَاصِلِ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبِيثَيْنِ عَزْمٌ، وَهُوَ التَّصْمِيمُ وَتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الْفِعْلِ وَهُمَا لَمْ يَفْعَلَا.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ الْأَشَاعِرَةُ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فَنَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ كَثِيرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ «إذَا اصْطَفَّ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ فَأَثِمُوا بِالْحِرْصِ» ، فَأُجِيبُ بِأَنَّ اللِّقَاءَ وَإِشْهَارَهُ السِّلَاحَ فِعْلٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحِرْصِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ يَقُولُ: الْقَاضِي قَالَ عَامَّةُ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِعَمَلِ الْقَلْبِ وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْهَمِّ قِيلَ لِلثَّوْرِيِّ أَنُؤَاخَذُ بِالْهِمَّةِ قَالَ إذَا كَانَتْ عَزْمًا قَالُوا: إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِسَيِّئَةِ الْعَزْمِ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَسَيِّئَةِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ، فَإِنْ فُعِلَتْ كُتِبَتْ سَيِّئَةً ثَانِيَةً، وَإِنْ كُفَّ عَنْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً لِحَدِيثِ «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» وَقَالَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ تَظَاهَرَتْ النُّصُوصُ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِالْعَزْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

ص: 383

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] وقَوْله تَعَالَى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حُرْمَةِ الْحَسَدِ وَاحْتِقَارِ النَّاسِ وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ اهـ.

وَاعْتَرَضَ هَذَا الْأَشْيَاخُ بِأَنَّ الْعَزْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مَا لَهُ صُورَةٌ فِي الْخَارِجِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا مَا لَا صُورَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ كَالِاعْتِقَادَاتِ وَضَغَائِنِ النَّفْسِ مِنْ الْحَسَدِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ مِنْ صُوَرِ مَحَلِّ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ بِهِ وَقَعَ التَّكْلِيفُ فَلَا يُحْتَجُّ بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي فِيهِ وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرَ مَا ظَهَرَ كَتْبُهُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمُفِيدِ الْمُوَجَّهِ مِنْ قِبَلِ الْفَقِيهِ الْمُعَظَّمِ الْخَطِيبِ الْفَاضِلِ الْقُدْوَةِ الصَّالِحِ الْبَقِيَّةِ وَالْجُمْلَةِ الْفَاضِلَةِ النَّقِيَّةِ السَّيِّدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُطْبَةَ أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى سُمُوَّهُ وَرُقِيَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجَمَ هَذَا الْجَوَابُ وَيُسَمَّى بِأَسْنَى الْمَتَاجِرِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ عَلَى وَطَنِهِ النَّصَارَى، وَلَمْ يُهَاجِرْ وَمَا يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَالزَّوَاجِرِ وَاَللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يُنَفِّعَ بِهِ وَيُضَاعِفَ الْأَجْرَ بِسَبَبِهِ، قَالَهُ وَخَطَّهُ الْعَبْدُ الْمُسْتَغْفِرُ الْفَقِيرُ الْمُسْلِمُ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَفَقَّهَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ كَتْبِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ التَّاسِعَ عَشْرَ لِذِي الْقِعْدَةِ الْحَرَامِ عَامَ سَنَةٍ وَتِسْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عَرَّفَنَا اللَّهُ خَيْرَهُ اهـ.

وَنَصُّ السُّؤَالِ الْمُجَابِ عَنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ جَوَابُكُمْ يَا سَيِّدِي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - وَمَتَّعَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِكُمْ فِي نَازِلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَتَرَكُوا هُنَالِكَ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ وَالْجَنَّاتِ وَالْكُرُومَاتِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأُصُولِ وَبَذَلُوا عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةً كَثِيرَةً مِنْ نَاضِّ الْمَالِ وَخَرَجُوا مِنْ تَحْتِ الْمِلَّةِ الْكَافِرَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ فَرُّوا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِيمَانِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا بَقِيَ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ بِأَيْدِي بَعْضِهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ وَاسْتَقَرُّوا بِحَمْدِ اللَّهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ تَحْتَ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَحُكْمِ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمَةِ نَدِمُوا عَلَى الْهِجْرَةِ بَعْدَ حُضُورِهِمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَسَخِطُوا وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ وَجَدُوا الْحَالَ عَلَيْهِمْ ضَيِّقَةً، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ الْمَغْرِبُ هَذِهِ صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَسَ أَوْطَانَهَا وَنَصَرَ سُلْطَانَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّسَبُّبِ فِي طَلَبِ أَنْوَاعِ الْمَعَاشِ عَلَى الْجُمْلَةِ رِفْقًا وَلَا يُسْرًا وَلَا مُرْتَفِقًا وَلَا إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَقْطَارِ أَمْنًا لَائِقًا وَصَرَّحُوا فِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْوَاعٍ مِنْ قَبِيحِ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى ضَعْفِ دِينِهِمْ وَعَدَمِ صِحَّةِ يَقِينِهِمْ فِي مُعْتَقَدِهِمْ، وَأَنَّ هَجَرْتهمْ لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا زَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِدُنْيَا يُصِيبُونَهَا عَاجِلًا عِنْدَ وُصُولِهِمْ جَارِيَةً عَلَى وَفْقِ أَهْوَائِهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهَا وَفْقَ أَغْرَاضِهِمْ صَرَّحُوا بِذَمِّ دَارِ الْإِسْلَامِ وَشَأْنِهِ وَشَتْمِ الَّذِي كَانَ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْهِجْرَةِ وَسَبِّهِ وَبِمَدْحِ دَارِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ وَالنَّدَمِ عَلَى مُفَارِقَتِهِ وَرُبَّمَا حُفِظَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ لِلْهِجْرَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ هَذَا الْوَطَنُ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى هَاهُنَا يُهَاجَرُ مِنْ هُنَاكَ بَلْ مِنْ هَاهُنَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ إلَى هُنَاكَ.

وَعَنْ آخَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ إنْ جَازَ صَاحِبُ فشتالة إلَى هَذِهِ النَّوَاحِي نَسْرِ إلَيْهِ فَنَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّنَا إلَى هُنَاكَ يَعْنِي إلَى دَارِ الْكُفْرِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَيْضًا يَرُومُونَ أَعْمَالَ الْحِيلَةِ فِي الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ وَمُعَاوَدَةِ الدُّخُولِ تَحْتَ الذِّمَّةِ الْكَافِرَةِ كَيْفَ أَمْكَنَهُمْ فَمَا الَّذِي يَلْحَقُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْمِ وَنَقْصِ رُتْبَةِ الدِّينِ وَالْجُرْحَةِ وَهَلْ هُمْ بِهِ مُرْتَكِبُونَ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي كَانُوا فَرُّوا مِنْهَا إنْ تَمَادَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَتُوبُوا، وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَكَيْفَ بِمَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْحُصُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ بِالتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، أَوْ بِمَعْنَاهُ شَهَادَةُ أَدَبٍ أَوْ لَا حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ بِالْوَعْظِ وَالْإِنْذَارِ عَنْ ذَلِكَ فَمَنْ تَابَ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى يُرْجَى لَهُ قَبُولُ التَّوْبَةِ، وَمَنْ تَمَادَى عَلَيْهِ أُدِّبَ، أَوْ يَعْرِضُ عَنْهُمْ وَيَتْرُك كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ وَمَا اخْتَارَهُ فَمِنْ ثَبَتَهُ اللَّه فِي دَار الْإِسْلَام رَاضِيًا فَلَهُ نِيَّته وَأَجْره عَلَى اللَّه سُبْحَانه وَمِنْ اخْتَارَ الرُّجُوع إلَى دَار الْكُفْر وَمُعَاوَدَة الذِّمَّة الْكَافِرَة يَذْهَب إلَى سَخَط اللَّه وَمِنْ ذَمّ دَار الْإِسْلَام مِنْهُمْ صَرِيحًا، أَوْ مَعْنَى تَرَكَ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ بَيَّنُوا لَنَا

ص: 384

حُكْم اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ كُلّه، وَهَلْ مِنْ شَرْط الْهِجْرَة أَنْ لَا يُهَاجِر إلَّا إلَى دُنْيَا مَضْمُونَة يُصِيبهَا عَاجِلًا عِنْد وُصُوله جَارِيَة عَلَى وَفَّقَ غَرَضه حَيْثُ حَلَّ أَبَدًا فِي نَوَاحِي الْإِسْلَام، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطِ بَلْ تُجِبْ عَلَيْهِمْ الْهِجْرَة مِنْ دَار الْكُفْر إلَى دَار الْإِسْلَام إلَى حِلُّو، أَوْ مَرَّ، أَوْ وَسِعَ، أَوْ ضَيِّق أَوْ يَسِرْ، أَوْ عُسْر بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصِدُ بِهَا سَلَامَةُ الدِّينِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ مَثَلًا وَالْخُرُوجُ مِنْ حُكْمِ الْمِلَّةِ الْكَافِرَةِ إلَى حُكْمِ الْمِلَّةِ الْمُسْلِمَةِ إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حُلْوٍ، أَوْ مُرٍّ، أَوْ ضِيقِ عَيْشٍ، أَوْ سِعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ بَيَانًا شَافِيًا مُجَرَّدًا مَشْرُوحًا كَافِيًا يَأْجُرُكُمْ اللَّهُ سبحانه وتعالى وَالسَّلَامُ الْكَرِيمُ يَعْتَمِدُ مَقَامَكُمْ الْعَالِيَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ.

ثُمَّ قَالَ فِي الْمِعْيَارِ عَقِبَ الْجَوَابِ السَّابِقِ مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ إلَى الْفَقِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا بِمَا نَصُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ جَوَابُكُمْ يَا سَيِّدِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَمَتَّعَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِكُمْ فِي نَازِلَةٍ وَهِيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ آفِلَةَ مَعْرُوفٌ بِالْفَضْلِ وَالدِّينِ تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ مَعَ أَهْلِ بَلَدِهِ لِيَبْحَثَ عَنْ أَخٍ لَهُ، فَقَدْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَبَحَثَ عَنْ خَبَرِهِ إلَى الْآنَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَأَيِسَ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ فَعَرَضَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لِسَانُ عَوْنٍ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الذِّمِّيِّينَ حَيْثُ سُكْنَاهُ وَلِمَنْ جَاوَرَهُمْ أَيْضًا مِنْ أَمْثَالِهِمْ بِقَرْيَةِ الْأَنْدَلُسِ يَتَكَلَّمُ عَنْهُمْ مَعَ حُكَّامِ النَّصَارَى فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مَعَهُمْ مِنْ نَوَائِبِ الدَّهْرِ وَيُخَاصِمُ عَنْهُمْ وَيُخَلِّصُ كَثِيرًا مِنْهُمْ مِنْ وَرَطَاتٍ عَظِيمَةٍ بِحَيْثُ إنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ مِنْهُمْ أَكْثَرُهُمْ قَلَّ مَا يَجِدُونَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ إنْ هَاجَرَ وَبِحَيْثُ إنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ فِي فَقْدِهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ إنْ فَقَدُوهُ فَهَلْ يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ مَعَهُمْ تَحْتَ حُكْمِ الْمِلَّةِ الْكَافِرَةِ لِمَا فِي إقَامَتِهِ هُنَالِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِأُولَئِكَ الْمَسَاكِينِ قَبْلَ الذِّمِّيِّينَ مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ مَتَى شَاءَ، أَوْ لَا يُرَخَّصُ لَهُ إذْ لَا رُخْصَةَ لَهُمْ أَيْضًا فِي إقَامَتِهِمْ هُنَاكَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفْرِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ سُمِحَ لَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ مَعَ أَنَّ الْأَكْثَرَ قَادِرُونَ عَلَيْهَا مَتَى أَحَبُّوا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يُرَخَّصُ لَهُ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ بِثِيَابِهِ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ إذْ لَا تَخْلُو فِي الْغَالِبِ عَنْ نَجَاسَةٍ لِكَثْرَةِ مُخَالَطَةِ النَّصَارَى وَتَصَرُّفِهِ بَيْنَهُمْ وَرُقَادِهِ وَقِيَامِهِ فِي دِيَارِهِمْ فِي خِدْمَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الذِّمِّيِّينَ حَسْبَمَا ذُكِرَ بَيِّنُوا لَنَا حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَأْجُورِينَ مَشْكُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّلَامُ الْكَرِيمُ يَعْتَمِدُ مَقَامَكُمْ الْعَالِيَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ بِفَضْلِهِ أَنَّ إلَهَنَا الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ قَدْ جَعَلَ الْجِزْيَةَ وَالصِّغَارَ فِي أَعْنَاقِ مَلَاعِينِ الْكُفْرِ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا يَطُوفُونَ بِهَا فِي الْأَقْطَارِ وَفِي أُمَّهَاتِ الْمَدَائِنِ وَالْأَمْصَارِ إظْهَارًا لِعِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَشَرَفِ نَبِيِّهِ الْمُخْتَارِ، فَمَنْ حَاوَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَصَمَهُمْ اللَّهُ وَوَفَّرَهُمْ انْقِلَابَ تِلْكَ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ فِي عُنُقِهِ، فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَرَّضَ بِنَفْسِهِ إلَى سَخَطِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ وَحَقِيقٌ أَنْ يُكَبْكِبَهُ مَعَهُمْ فِي النَّارِ {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]

فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ السَّعْيُ فِي حِفْظِ رَأْسِ الْإِيمَانِ بِالْبُعْدِ وَالْفِرَارِ عَنْ مُسَاكَنَةِ أَعْدَاءِ حَبِيبِ الرَّحْمَنِ وَالِاعْتِلَالُ لِإِقَامَةِ الْفَاضِلِ الْمَذْكُورِ بِمَا عَرَضَ مِنْ عَرَضِ التَّرْجَمَةِ بَيْنَ الطَّاغِيَةِ وَأَهْلِ ذِمَّتِهِ مِنْ الذِّمِّيِّينَ الْعُصَاةِ لَا يَخْلُصُ مِنْ وَاجِبِ الْهِجْرَةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ مُعَارَضَةُ مَا سُطِّرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ بِحُكْمِهَا الْوَاجِبِ إلَّا مُتَجَاهِلٌ أَوْ جَاهِلٌ مَعْكُوسُ الْفِطْرَةِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ مَدَارِكِ الشَّرْعِ خِبْرَةٌ؛ لِأَنَّ مُسَاكَنَةَ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالصِّغَارُ لَا تَجُوزُ وَلَا تُبَاحُ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ لِمَا تُنْتِجُهُ مِنْ الْأَدْنَاسِ

ص: 385

وَالْأَضْرَارِ وَالْمَفَاسِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ طُولَ الْأَعْمَارِ:

مِنْهَا أَنَّ غَرَضَ الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ الْحَقِّ قَائِمَةً عَلَى ظُهُورِهَا عَالِيَةً عَلَى غَيْرِهَا مُنَزَّهَةً عَنْ الِازْدِرَاءِ بِهَا وَمِنْ ظُهُورِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ عَلَيْهَا وَمُسَاكَنَتِهِمْ تَحْتَ الذِّلَّةِ وَالصِّغَارِ تَقْتَضِي وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الشَّرْعِيَّةُ الشَّرِيفَةُ الْعَالِيَةُ الْمُنِيفَةُ سَافِلَةً لَا عَالِيَةً وَمُزْدَرًى بِهَا لَا مُنَزَّهَةً وَحَسْبُك بِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأُصُولِ، وَمَنْ يَتَحَمَّلُهَا وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا طُولَ عُمْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا إكْرَاهٍ وَمِنْهَا إكْمَالُ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِي الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِعْلَانِ وَالظُّهُورُ لَا يَكُونُ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِكَمَالِ الظُّهُورِ وَالْعُلَا وَالنَّزَاهَةِ مِنْ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ فِي مُسَاكَنَةِ الْكُفَّارِ وَمُلَابَسَةِ الْفُجَّارِ تَعْرِيضُهَا لِلْإِضَاعَةِ وَالِازْدِرَاءِ وَالْهُزُؤِ وَاللَّعِبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] وَحَسْبُك بِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا.

وَمِنْهَا إيتَاءُ الزَّكَاةِ وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ وَسَرِيرَةٍ مُسْتَنِيرَةٍ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لِلْإِمَامِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِ الْأَنَامِ وَحَيْثُ لَا إمَامَ فَلَا إخْرَاجَ لِعَدَمِ شَرْطِهَا فَلَا زَكَاةَ لِفَقْدِ مُسْتَحِقِّهَا، فَهَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مُنْهَدِمٌ بِهَذِهِ الْمُوَالَاةِ الْكُفْرِيَّةِ، وَأَمَّا إخْرَاجُهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَخْفَى أَيْضًا مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ لِلْمُتَعَبَّدَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كُلِّيًّا وَمِنْهَا صِيَامُ رَمَضَانَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَزَكَاةُ الْأَبَدَانِ وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ابْتِدَاءً وَانْقِضَاءً وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ إنَّمَا تَثْبُتُ الرُّؤْيَةُ بِالشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ لَا تُؤَدَّى إلَّا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَخُلَفَائِهِمْ وَحَيْثُ لَا إمَامَ وَلَا خَلِيفَةَ فَلَا شَهَادَةَ فَيَكُونُ الشَّهْرُ إذْ ذَاكَ مَشْكُوكُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ فِي الْعَمَلِ الشَّرْعِيِّ وَمِنْهَا حَجُّ الْبَيْتِ، وَالْحَجُّ وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا عَنْهُمْ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَوْكُولَةٌ إلَيْهِمْ بِالْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ، وَمَحْوُ الْكُفْرِ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَعْمَالِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَعِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ وَلَا سِيَّمَا بِمَوَاضِعِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَمَا يُجَاوِرُهَا لِمِثْلِهِمْ إنَّمَا هُوَ ضَرُورَةٌ مَانِعَةٌ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْعَازِمِ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْعَازِمُ عَلَى التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالتَّارِكِ قَصْدًا مُخْتَارًا، وَأَمَّا مُقْتَحِمُو نَقِيضِهِ بِمُعَاوَنَةِ أَوْلِيَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إمَّا بِالنُّفُوسِ.

وَإِمَّا بِالْأَمْوَالِ فَيَصِيرُونَ حِينَئِذٍ حَرْبِيِّينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَحَسْبُك بِهَذَا مُنَاقَضَةً وَضَلَالًا، وَقَدْ اتَّضَحَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ نَقْصُ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَزَكَاتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ وَإِخْلَالِهِمْ بِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَهَادَةِ الْحَقِّ وَإِهْمَالِهِمْ لِإِجْلَالِهَا وَتَعْظِيمِهَا وَتَنْزِيهِهَا عَنْ ازْدِرَاءِ الْكُفَّارِ وَتُلَاعِبْ الْفُجَّارِ فَكَيْفَ يَتَوَقَّفُ مُتَشَرِّعٌ، أَوْ يَشُكُّ مُتَوَرِّعٌ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْإِقَامَةِ مَعَ اسْتِلْزَامِهَا لِمُخَالَفَةِ جَمِيعِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْجَلِيلَةِ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَيْهَا وَيَقْتَرِنُ بِهَذِهِ الْمُسَاكَنَةِ الْمَقْهُورَةِ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا مِنْ التَّنْقِيصِ الدُّنْيَوِيِّ وَتَحَمُّلِ الذِّلَّةِ وَالْمَهَانَةِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَعْهُودِ عِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَرِفْعَةِ أَقْدَارِهِمْ وَدَاعٍ إلَى احْتِقَارِ الدِّينِ وَاهْتِضَامِهِ وَمِنْ أُمُورٍ تُصَمُّ مِنْهَا الْمَسَامِعُ مِنْهَا الْإِخْلَالُ وَالِاحْتِقَارُ وَالْإِهَانَةُ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» وَقَالَ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» وَمِنْهَا الِازْدِرَاءُ وَالِاسْتِهْزَاءُ وَلَا يَتَحَمَّلُهُمَا ذُو مُرُوءَةٍ فَاضِلَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَمِنْهَا السَّبُّ وَالْإِذَايَةُ فِي الْعِرْضِ وَرُبَّمَا كَانَتْ فِي الْبَدَنِ وَالْمَالِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ خِسَّةِ الْهِمَّةِ وَالْمُرُوءَةِ وَمِنْهَا الِاسْتِقْرَارُ فِي مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ وَالتَّعَرُّضِ لِمُلَابَسَةِ النَّجَاسَاتِ وَأَكْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُتَشَابِهَات وَمِنْهَا مَا يُتَوَقَّعُ مَخُوفًا فِي هَذِهِ الْإِقَامَةِ وَهِيَ أُمُورٌ أَيْضًا مِنْهَا نَقْضُ الْعَهْدِ مِنْ الْمِلْكِ وَالتَّسَلُّطُ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَهَى عَنْ الْإِقَامَةِ بِجَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رِبَاطًا لَا يُجْهَلُ فَضْلُهُ وَمَعَ مَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ وَوُفُورِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ نَهَى عَنْهُ خَلِيفَةُ الْوَقْتِ الْمُتَّفَقُ عَلَى دِينِهِ وَفَضْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَنَصِيحَتِهِ لِرَعِيَّتِهِ خَوْفَ التَّغْرِيرِ فَكَيْفَ بِمَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ

ص: 386

وَأَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ بِأَيْدِيهِمْ عِنْدَ قُوَّتِهِمْ وَظُهُورِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَوُفُورِ عَدَدِهِمْ اعْتِمَادًا عَلَى وَفَاءِ عَهْدِهِمْ فِي شَرِيعَتِهِمْ وَنَحْنُ لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ فَضْلًا عَنْ قَبُولِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَيْنَا وَكَيْفَ يُعْتَمَدُ عَلَى زَعْمِهِمْ بِالْوَفَاءِ مَعَ مَا وَقَعَ مِنْ هَذَا الْمُتَوَقَّعِ وَمَعَ مَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ الْوَقَائِعِ عِنْدَ مَنْ بَحَثَ وَاسْتَقْرَأَ الْأَخْبَارَ فِي مَعْمُورِ الْأَقْطَارِ.

وَمِنْهَا الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ أَيْضًا مِنْ شِرَارِهِمْ وَسُفَهَائِهِمْ وَمُغْتَالِيهِمْ هَذَا عَلَى فَرْضِ وَفَاءِ دَهَاقِينِهِمْ وَمَلَكِهِمْ، وَهَذَا أَيْضًا تَشْهَدُ لَهُ الْعَادَةُ وَيُقَرِّرُهُ الْوَاقِعُ وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ وَهَبْ أَنَّ الْكِبَارَ الْعُقَلَاءَ قَدْ يَأْمَنُونَهَا فَمَنْ يُؤَمِّنُ الصِّغَارَ وَالسُّفَهَاءَ وَضَعَفَةَ النِّسَاءِ إذَا اُنْتُدِبَ إلَيْهِمْ دَهَاقِينُ الْأَعْدَاءِ وَشَيَاطِينُهُمْ.

وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ عَلَى الْأَبْضَاعِ وَالْفُرُوجِ وَمَتَى يَأْمَنُ ذُو زَوْجَةٍ، أَوْ ابْنَةٍ، أَوْ قَرِيبَةٍ وَضِيئَةٍ أَنْ يَعْثُرَ عَلَيْهَا وَضِيءٌ مِنْ كِلَابِ الْأَعْدَاءِ وَخَنَازِيرِ الْبُعَدَاءِ فَيَغُرَّهَا فِي نَفْسِهَا وَيَغْتَرَّهَا فِي دِينِهَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا وَتُطَاوِعُهُ وَيُحَالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا بِلَا امْتِرَاءٍ وَالْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ مُكْنَةُ الْمُعْتَدِينَ عَادَ، وَمَنْ بِهَا مِنْ الْأَوْلَادِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ الْبَلَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ سَرَيَانِ سَيْرِهِمْ وَلِسَانِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ الْمَذْمُومَةِ إلَى الْمُقِيمِينَ مَعَهُمْ بِطُولِ السِّنِينَ كَمَا عَرَضَ لِأَهْلِ آيِلَةَ وَغَيْرِهِمْ وَفُقِدَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ جُمْلَةً، وَإِذَا فُقِدَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ جُمْلَةً فُقِدَتْ مُتَعَبِّدَاتُهُ وَنَاهِيَك مِنْ فَوَاتِ الْمُتَعَبِّدَاتِ اللَّفْظِيَّةِ مَعَ كَثْرَتِهَا أَوْ كَثْرَةِ فَضَائِلِهَا.

وَمِنْهَا الْخَوْفُ مِنْ التَّسَلُّطِ عَلَى الْمَالِ بِإِحْدَاثِ الْوَظَائِفِ الثَّقِيلَةِ وَالْمَغَارِمِ الْمُجْحِفَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى اسْتِغْرَاقِ الْمَالِ وَإِحَاطَةِ الضَّرَّابِينَ الْكُفْرِيَّةِ بِهِ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي صُورَةِ ضَرُورَةِ فِتْنَةٍ، أَوْ دَفْعِ اسْتِنَادٍ إلَى تَلْفِيقٍ مِنْ الْعُذْرِ وَالتَّأْوِيلِ وَلَا يُسْتَطَاعُ مُرَاجَعَتُهُمْ فِيهِ وَلَا مُنَاظَرَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ مِنْ الضَّعْفِ وَوُضُوحِ الْوَهْنِ وَالْفَسَادِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَحْرِيكِ دَوَاعِي الْحِقْدِ وَدَاعِيَةً لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ الْوُقُوعُ عِنْدَ مَنْ بَحَثَ بَلْ رُبَّمَا وَقَعَ فِي مَوْضِعِ النَّازِلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَفِي غَيْرِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْوَاقِعَةِ وَالْمُتَوَقَّعَةِ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْإِقَامَةِ وَخَطَرِ هَذِهِ الْمُسَاكَنَةِ الْمُنْحَرِفَةِ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَعَاضِدَةٍ مُؤَدِّيَةٍ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ بَلْ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ حُكْمَ هَذَا الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ لِقُوَّتِهِ وَظُهُورِهِ فِي التَّحْرِيمِ فَقَالَ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ آيَةَ الْهِجْرَةِ تُعْطَى أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي تَغَيُّرُ فِيهَا السُّنَنُ وَيُعْمَلُ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ فَضْلًا عَنْ الْخُرُوجِ وَالْفِرَارِ مِنْ بِلَادِ الْكَفَرَةِ وَبِقَاعِ الْهِجْرَةِ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَرَكْنَ لِأَهْلِ التَّثْلِيثِ أُمَّةٌ فَاضِلَةٌ تُوَحِّدُ وَتَرْضَى بِالْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْأَنْجَاسِ وَالْأَرْجَاسِ وَهِيَ تُعَظِّمُهُ وَتُمَجِّدُهُ فَلَا فُسْحَةَ لِلْفَاضِلِ الْمَذْكُورِ فِي إقَامَتِهِ بِالْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ وَلَا رُخْصَةَ لَهُ وَلَا لِأَصْحَابِهِ فِيمَا يُصِيبُ ثِيَابَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَالْأَخْبَاثِ إذَا الْعَفْوُ عَنْهَا مَشْرُوطٌ بِعُسْرِ التَّوَقِّي وَالتَّحَرُّزِ وَلَا عُسْرَ مَعَ اخْتِيَارِهِمْ لِلْإِقَامَةِ وَالْعَمَلِ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَكَتَبَهُ مُسْلِمًا عَلَى مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَبْدُ الْمُسْتَغْفِرُ الْفَقِيرُ الْحَقِيرُ الرَّاغِبُ فِي بَرَكَةِ مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَنْتَهِي إلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى اهـ.

مِنْ خَدِيمِ الْمُجَاهِدِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحْيِي الدِّينِ إلَى سَادَتِنَا الْعُلَمَاءِ الْأَبْرَارِ الْأَفَاضِلِ الْأَخْيَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَأَرْضَاكُمْ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَنْزِلَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ جَوَابُكُمْ عَمَّا فَعَلَهُ بِنَا سُلْطَانُ الْمَغْرِبِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا تُتَوَقَّعُ مِنْ مُطْلَقِ النَّاسِ فَضْلًا عَنْ أَعْيَانِهِمْ فَأَمْعِنُوا نَظْرَكُمْ فِيهَا شَافِيًا وَأَجِيبُونَا جَوَابًا كَافِيًا شَافِيًا خَالِيًا عَنْ الْخِلَافِ لِيَخْلُوَ قَلْبُ سَامِعِهِ عَنْ الِاعْتِسَافِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَى عَدُوُّ اللَّهِ الْفَرَانْسِيسُ عَلَى الْجَزَائِرِ وَخَلَتْ الْإِيَالَةُ عَنْ الْأَمِيرِ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ وَعُطِّلَتْ الْأَسْبَابُ وَطَالَتْ شَوْكَةُ الْكَافِرِ اجْتَمَعَ

ص: 387

ذَوُو الرَّأْيِ وَتَقَاضَوْا عَلَى أَنْ يُقَدِّمُوا رَجُلًا مِنْ سَادَاتِهِمْ يُؤَمِّنُ السُّبُلَ وَيَكُفُّ الظَّالِمَ وَيَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ لِلْجِهَادِ لِئَلَّا يَبْقَى الْكَافِرُ فِي رَاحَةٍ فَتَمْتَدُّ يَدُهُ فَاخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَقَدَّمُوهُ لِذَلِكَ فَتَقَدَّمَ وَعَمِلَ جَهْدَهُ فِيمَا قَدَّمُوهُ لَهُ فَتَأَمَّنَتْ السُّبُلُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَتَيَسَّرَتْ الْأَسْبَابُ بِعَوْنِهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، وَذَلِكَ مِنْ لَدُنْ سَنَةِ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ هَذِهِ وَلَنْ نَزَالُ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا بِسُلْطَانِ الْمَغْرِبِ فَعَلَ بِنَا الْأَفْعَالَ الَّتِي تُقَوِّي حِزْبَ الْكَافِرِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُضْعِفُنَا وَأَضَرّ بِنَا الضَّرَرَ الْكَثِيرَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ» وَلَا إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُ لِأَخِيهِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَلَا إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ فَأَوَّلُ مَا فَعَلَ بِنَا أَنَّنَا لَمَّا كُنَّا حَاصَرَنَا الْكَافِرُ فِي جَمِيعِ ثُغُورِهِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَطَعْنَا عَلَيْهِ السُّبُلَ وَمَادَّةَ الْبُرِّ مِنْ الْحَبِّ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا تَضْيِيقًا عَلَيْهِ وَتَضْعِيفًا لَهُ خُصُوصًا مِنْ جِهَةِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ قَانُونَ عَسْكَرِهِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَأْكُلُوا اللَّحْمَ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً يَفِرُّونَ عَنْ طَاغِيَتِهِمْ وَلَا يُقَاتِلُونَ وَلَا يُلَامُونَ حَتَّى بَلَغَتْ قِيمَةُ الثَّوْرِ عِنْدَهُمْ مِائَةُ رِيَالٍ دورو، فَإِذَا بِالسُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ أَمَدَّهُمْ وَهُمْ فِي الضِّيقِ الشَّدِيدِ بِأُلُوفٍ مِنْ الْبَقَرِ وَغَيْرِهَا.

الثَّانِي أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ عَامِلِنَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ بُنْدُقَةٍ إنْجِلِيزِيَّةً.

الثَّالِثُ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ وَكِيلِنَا أَرْبَعَمِائَةِ كِسْوَةِ جُوخٍ أَعْدَدْنَاهَا لِلْمُجَاهِدَيْنِ.

الرَّابِعُ أَنَّ بَعْضَ الْمُحِبِّينَ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ رَعِيَّتِهِ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ لِيُعِينَ بِهِ الْمُجَاهِدِينَ، فَإِذَا بِالسُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ زَجَرَهُ وَنَزَعَهَا مِنْهُ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُجَاهِدْ وَأَيْضًا أَنَّ بَعْضَ الْقَبَائِلِ مِنْ رَعِيَّتِهِ عَزَمُوا عَلَى إعَانَتِنَا بِأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَعَانَنَا آخَرُ مِنْ رَعِيَّتِهِ بِسُيُوفٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحَبَسَهُ إلَى الْآنَ زَجْرًا لَهُ وَرَدْعًا لِغَيْرِهِ.

الْخَامِسُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ لِهَذَا السُّلْطَانِ مُقَاتَلَتُهُ مَعَ الْفَرَانْسِيسِ أَيَّامًا قَلَائِلَ ثُمَّ تَصَالَحَا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْفَرَانْسِيسُ أَنْ لَا يُتِمَّ الصُّلْحَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا حَلَّ أَمْرُ هَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الْمُجَاهِدِينَ وَيَقْبِضُ رَئِيسَهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَحْبِسَهُ طُولَ عُمْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ.

وَإِمَّا أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ يَدِ الْفَرَانْسِيسِ، أَوْ يُجْلِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَجَابَهُ السُّلْطَانُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ ثُمَّ أَمَرَنِي بِتَرْكِ الْجِهَادِ فَأَبَيْت؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ وِلَايَةٌ وَلَا أَنَا مِنْ رَعِيَّتِهِ ثُمَّ قَطَعَ عَنْ الْمُجَاهِدِينَ الْكَيْلَ حَتَّى هَامَ جُوعًا مَنْ لَمْ يَجِدْ صَبْرًا وَأَسْقَطَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ رُكْنًا ثُمَّ أَخَذَ يَسْعَى فِي قَبْضِي فَحَفِظَنِي اللَّهُ مِنْهُ، وَلَوْ ظَفِرَ بِي لَقَتَلَنِي، أَوْ لَفَعَلَ بِي مَا اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ الْفَرَانْسِيسُ، ثُمَّ أَمَرَ بَعْضَ الْقَبَائِلِ مِنْ رَعِيَّتِهِ أَنْ يَقْتُلُونَا وَيَأْخُذُوا أَمْوَالَنَا وَكَأَنَّهُ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَأَبَوَا جَزَاهُمْ اللَّهُ خَيْرًا، فَإِذَا تَصَوَّرْتُمْ أَيُّهَا السَّادَاتُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي تَتَفَطَّرُ مِنْهَا الْأَكْبَادُ وَتَتَأَثَّرُ عِنْدَ سَمَاعِهَا الْعِبَادُ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَا غَصَبَ وَيُقْتَلُ بِنَا إنْ قَتَلَنَا حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمِعْيَارُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجِهَادِ وَزُبْدَتُهُ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ الْكَافِرُ بِسَاحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ إنْ لَمْ تُعْطُونِي فُلَانًا، أَوْ مَالَهُ أَوْ يُقْتَلُ اسْتَأْصَلَتْكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَسْعَهُمْ ذَلِكَ وَلَا يُعْطُوهُ شَيْئًا مِمَّا طَلَبَ، وَلَوْ خَافُوا اسْتِئْصَالَهُ، فَإِنْ أَعْطَى مَالَهُ ضَمِنَهُ الْآمِرُ بِهِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ نُصُوصِ الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّةِ، وَكَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الشَّيْخُ مَيَّارَةُ فِي شَرْحِ لَامِيَّةِ الزَّقَّاقِ فِي آخِرِ بَابِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بَعْضَ أَعْوَانِهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا فَفَعَلَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَعًا نَقَلَهُ الْمَوَّاقِ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ كَمُكْرَهٍ وَمُكْرَهٌ، فَإِنْ فَعَلَ الْمَأْمُورُ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ إنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرُ نَافِعٍ نَقَلَهُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الطَّلَاقِ لَا قَتْلَ مُسْلِمٍ وَقَطْعَهُ وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ الثَّانِي وَنَصُّهُ فِي آخِرِ مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمِنْ هُدِّدَ بِقَتْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ

ص: 388

عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا، أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ، أَوْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ أَوْ يَبِيعَ مَتَاعِ رَجُلٍ فَلَا يَسَعُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ عَصَى وَقَعَ بِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَيُغَرَّمُ مَا أَتْلَفَ وَيُحَدُّ إنْ زَنَى وَيُضْرَبُ إنْ ضَرَبَ وَيَأْثَمُ اهـ.

وَهَلْ الْمُهَادَنَةُ الَّتِي أَوْقَعَهَا فَاسِدَةٌ، وَمَنْقُوضَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَهُ الْعَدُوُّ بِسَبَبِ قُرْبِنَا مِنْهُ وَعَجْزِنَا عَنْ الْجِهَادِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا عَائِدَةٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَوَبَالُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ حَسْبَمَا نُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِهَادِ فِي الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِ التِّلِمْسَانِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَوْقَعَ الصُّلْحَ مَعَ النَّصَارَى وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَرَوْنَ إلَّا الْجِهَادَ فَأَجَابَهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مُهَادَنَتَهُ مَنْقُوضَةٌ وَفِعْلَهُ مَرْدُودٌ وَنَقَلَ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصًا وَهَلْ يُحْمَلُ بَيْعُ الْبَقَرِ لَهُمْ فِي وَقْتِ حَصْرِهِمْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِ الْخَيْلِ لَهُمْ وَالشَّعِيرِ وَآلَةِ الْحَرْبِ أَمْ لَا، وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ تَسَعْهُ مُخَالَفَةُ الْفَرَنْسِيسِ فِيمَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِنَا وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِنَا وَمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاقْتَحَمَ الْأَمْرَ وَشَقَّ الْعَصَا وَجَاءَنَا بِالْجَيْشِ لِيَقْتُلَنَا وَيَأْخُذَ أَمْوَالَنَا وَيُفَرِّقُ جَمْعَنَا فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُ بِمُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَنَصُّهُ اُنْظُرْ إذَا خَلَا الْوَقْتُ مِنْ الْأَمِيرِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ رَأْيَهُمْ عَلَى بَعْضِ كُبَرَاءِ الْوَقْتِ لِيُمَهِّدَ سَبِيلَهُمْ وَيَرُدَّ قَوِيَّهُمْ عَنْ ضَعِيفِهِمْ فَقَامَ بِذَلِكَ قَدْرَ جَهْدِهِ وَطَاقَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَالْمُتَعَرِّضُ لَهُ يُرِيدُ شَقَّ عَصَا الْإِسْلَامِ وَتَفْرِيقَ جَمَاعَتِهِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رضي الله عنه عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ سَمِعْت عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إنَّهَا سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ جَمِيعٌ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ» وَبِسَنَدِهِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ تَفْرِيقَ جَمَاعَتِكُمْ فَاقْتُلُوهُ» اهـ.

أَمْ لَا يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ وَنَتْرُكُ الْجِهَادَ لَيْسَ إلَّا جَوَابُكُمْ تُؤْجَرُونَ وَتُحْمَدُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فِي الْبَدْءِ وَالْخِتَامِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصَّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْمُهْتَدِينَ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَى السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ أَصْلَحَ اللَّهُ أَحْوَالَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ حُرْمَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا يَشُكُّ فِيهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ وَمَا كَانَ يَخْطُرُ بِبَالِنَا أَنْ يُصْدِرُ مِنْ مَوْلَانَا السُّلْطَانُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ مِثْلِكُمْ، فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خُصُوصًا، وَأَنْتُمْ جِسْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ، وَإِنْ كُنَّا فِي اطْمِئْنَانٍ عَلَى إقْلِيمِهِ مِنْ اسْتِيلَاءِ عَدُوِّ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَقَاءِ أَهْلِهِ عَلَى الْحَقِّ حَقٌّ تَقُومُ الْقِيَامَةُ مِنْهَا مَا وَجَدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ الْمُقْرِي وَنَصُّهُ مِنْ خَطِّ الْفَقِيهِ الْمُحَدِّثِ الْعَالِمِ أَبِي الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيِّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا نَصُّهُ وَجَدْت فِي ظَهْرِ تَقْيِيدِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ بِخَطِّ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ قَالَ ذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ نَقْطِ الْعَرُوسِ عَنْ أَبِي مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «سَتَكُونُ بِالْمَغْرِبِ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا فَاسُ أَقَوْمُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قِبْلَةً وَأَكْثَرُهُمْ صَلَاةً أَهْلُهَا قَائِمُونَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» اهـ.

وَكَذَا ضَمَانُهُ لَمَّا غَصَبَ ضَرُورِيٌّ لَا يَشُكُّ فِيهِ مُسْلِمٌ، وَكَذَا اسْتِحْقَاقُهُ الْقِصَاصَ مِنْهُ بِقَتْلِهِ مُؤْمِنًا عَمْدًا عُدْوَانًا مُبَاشَرَةً أَوْ بِإِكْرَاهِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَالنُّصُوصُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَالْمُهَادَنَةَ الَّتِي أَوْقَعَهَا فَاسِدَةً مَنْقُوصَةً وَمَا نَسَبْتُمْ لِلْمِعْيَارِ هُوَ كَذَلِكَ فِيهِ وَبَيْعُ الْبَقَرِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ وَكُلِّ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ

ص: 389

حَرَامٌ قَطْعًا إجْمَاعًا ضَرُورَةً لَا يَشُكُّ فِيهِ مُسْلِمٌ سَوَاءٌ فِي حَالِ حَصْرِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُمْ وَفِي حَالِ عَدَمِهِ إذْ قِتَالُهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَمِنْ قَرُبَ مِنْهَا كَأَهْلِ عَمَلِ السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ يَتَخَيَّلُ مُسْلِمٌ أَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ جَائِزَةٌ مَعَ ذَلِكَ قَالَ الْحَطَّابُ: وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ يَعْنِي لِلْحَرْبِيِّينَ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَجُوزُ فِي الْهُدْنَةِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الْهُدْنَةِ فَلَا، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ اهـ وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَذْهَبُونَ بِهِ لِبِلَادِهِمْ فِيمَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى الْبَقَاءِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَقِتَالِ أَهْلِهِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَإِنْ اقْتَحَمَ الْأَمْرَ وَشَقَّ الْعَصَا وَأَتَاكُمْ بِجَيْشِهِ وَجَبَ عَلَيْكُمْ قِتَالُهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا إذْ هُوَ حِينَئِذٍ كَالْعَدُوِّ وَالْبُغَاةِ الْمُتَغَلِّبِينَ الْفَاجِئِينَ الْقَاصِدِينَ الْأَنْفُسِ وَالْحَرِيمِ لِعُدْوَانِهِ وَتَجَارِبِهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ أَنْفُسُكُمْ وَحَرِيمُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَمَنَعَكُمْ مِمَّا هُوَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْكُمْ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ الْفَاجِئِينَ لَكُمْ وَالْمَقْتُولُ مِنْكُمْ فِي قِتَالِهِ كَالْمَقْتُولِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إلَّا طُلُوعُ الرُّوحِ فَصَمِّمُوا عَلَى قِتَالِهِ وَأَعِدُّوا لَهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ نَصَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَعَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ وَبَارَكَ فِيكُمْ وَفِي كُلِّ مَنْ أَعَانَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَخَذَلَ كُلَّ مَنْ عَادَاكُمْ وَخَذَلَكُمْ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَجَعَلَ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ.

وَنَصُّ مَا فِي الْمِعْيَارِ وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ تِلِمْسَانَ جَوَابُكُمْ سَيِّدِي عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا وَعَظُمَ مِنْ أَجْلِهِ الْخَطْبُ وَاتَّسَعَتْ فِيهِ الْمَقَالَاتُ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَصْلَحَ اللَّهُ صَالَحَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذُوا سَوَاحِلَنَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ جِهَادَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ فَصَارُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ فَيَقْتُلُونَ وَيُضَيِّقُونَ بِهِمْ هَلْ ذَلِكَ طَاعَةٌ، أَوْ مَعْصِيَةٌ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ أَجِيبُونَا أُرْشِدْتُمْ وَوُفِّقْتُمْ.

فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيَّدَ الدِّينَ الْمُحَمَّدِيَّ بِالْجِهَادِ وَوَعَدَ السَّاعِيَ فِيهِ بِالْوُصُولِ إلَى أَسْنَى الْمُرَادِ وَالشَّهِيدُ بِالْحَيَاةِ الْمَحْفُوفَةِ بِالرِّزْقِ وَالْحُسْنِ فِي بَرْزَخِ الْمَوْتِ وَالْإِمْدَادِ فَمَا مِنْ مَيِّتٍ إلَّا يَتَمَنَّى الْعَوْدَ إلَى الدُّنْيَا إلَّا الشَّهِيدُ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ فَيَطْلُبَهَا لِيُزَادَ لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ بَعْدَ الْمَعَادِ فَأَعْظِمْ بِهِ مِنْ وَصْفٍ لَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ إذْ قَدِمْت عَلَى نَوَافِلِ الْخَيْرِ الْمُعَلَّى نَوَافِلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْمَبْعُوثِ بِجَمِيلِ الْخَلَائِقِ الْقَامِعِ بِلِسَانِهِ وَسَيْفِهِ وَبُرْهَانِهِ أَهْلَ الْبَاطِلِ وَالْعِنَادِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ وَازَرُوهُ عَلَى إظْهَارِ الْخِزْيِ عَنْهُ مِنْ الْأَضْدَادِ فَجَلَبُوا بِبَرَكَتِهِ لِأُمَّتِهِ الْمَصَالِحَ وَبَذَلُوا لَهُمْ النَّصَائِحَ وَدَفَعُوا الْفَسَادَ صَلَاةً وَسَلَامًا فَنَالَ بِبَرَكَتِهِمَا مِنْ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُعْتَادِ.

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْأَخُ الْكَرِيمُ مَسْجِدُهُ الْجَمِيلُ مُعْتَقَدُهُ، فَإِنَّ جَوَابَ سُؤَالِك يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ مُقَدِّمَةٍ بِتَقْرِيرِهَا يَتَبَيَّنُ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فَنَقُولُ الصُّلْحُ الْوَاقِعُ بَيْنَ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ حَيْثُ يَكُونُ الْجِهَادُ فَرْضَ كِفَايَةٍ.

وَالثَّانِي حَيْثُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَيْثُ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ طَالِبِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ الْحَرْبِيِّينَ فَالصُّلْحُ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا الْإِمَامُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَبْعُدُ فِي الْمُدَّةِ وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَمَهْمَا

ص: 390

تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الصُّلْحُ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَدُوُّ طَالِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ يَفْجَأُ مَوْضِعَهُمْ، وَهُوَ ضِعْفُ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلُّ لَا شِدَّةَ وَعُدَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِمْ، وَمَنْ قَارَبَهُمْ دَفْعَهُمْ فِي الْحِينِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ الدَّاوُدِيِّ فَرْضِيَّةَ الْجِهَادِ عَلَى مَنْ يَلِي الْعَدُوَّ وَيَسْقُطُ عَمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ وَقَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِتَعَلُّقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِمَنْ حَضَرَ مَحَلَّ تَعَلُّقِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ دُونَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ لِعُسْرِهِ، فَإِنْ عَصَى الْحَاضِرُ تَعَلَّقَ بِمَنْ يَلِيهِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْجِهَادِ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.

وَفِي تَلْقِينِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَنْ يَفْجَؤُهُمْ الْعَدُوُّ.

وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونَ إنْ نَزَلَ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجَمِيعِ كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا

وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَمْوَالَ وَجَبَ اسْتِنْقَاذُهُمْ عَلَى مَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَافُوا عَلَى أَنْفُسهمْ، أَوْ عَلَى أَهْلِيهِمْ بِرُؤْيَةِ سُفُنٍ، أَوْ خَبَرٍ عَنْهَا فَكُلُّ مَا نُقِلَ فِي تَعَيُّنِ فَرْضِ الْجِهَادِ مَانِعٌ مِنْ الصُّلْحِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِإِبْطَالِ فَرْضِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْجِهَادُ الْمَطْلُوبُ فِيهِ الِاسْتِنْقَاذُ

وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ أَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ افْتِدَاءُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ قَالَ نَعَمْ أَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَسْتَنْقِذُوهُمْ قَالَ بَلَى قَالَ فَكَيْفَ لَا يَفْدُونَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَفِي مِثْلِ هَذَا أَعْنِي حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ، حَكَى الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الذَّهَابِ إلَى حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ إنْ تَعَيَّنَ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ قَدْ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَمَّا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ النُّصُوصِ لِلْأَئِمَّةِ تَعَيَّنَ بِهَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ عَيْنٍ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَيُمْتَنَعُ فِيهِ الصُّلْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا سِيَّمَا إنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ، فَقَدْ عَادَتْ عَلَى الْعَدُوِّ أَهْلَكَهُ اللَّهُ مَصْلَحَتُهُ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مَفْسَدَتُهُ، وَإِنْ تَخَيَّلْت فِيهِ مَصْلَحَةً فَهِيَ لِلْعَدُوِّ أَعْظَمُ مِنْ وُجُوهٍ مُكَمِّلَةٍ، فَإِنَّهُ يَتَحَصَّنُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُكْثِرُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْعُدَّةِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاسْتِنْقَاذُ وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمْ تَحْصِيلُ الْمُرَادِ بَعْدَ تَيَسُّرِهِ لَوْ سَاعَدَ التَّوْفِيقُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى جل جلاله الْمَسْئُولُ فِي هِدَايَتِهِ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ فَمَا وَقَعَ مِنْ الصُّلْحِ هُوَ مَفْسَدَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إبْرَامٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ يَجِبُ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ غَيْرُ مُنْبَرِمٍ فَحُكْمُهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ كُلِّ مَنْ حَقَّقَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ لِهُدْنَةٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لَا يُقَالُ الصُّلْحُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ.

وَالصُّلْحُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ مِنْ إمَامٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَقَعَ ذَلِكَ عَقِبَ الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ وَهِيَ انْتِهَازُ الْعَدُوِّ دَمَّرَهُ اللَّهُ الْفُرْصَةَ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَعَ تَوَفُّرِ الْإِسْلَامِ وَالْعَدَدِ وَالْعَدُوُّ لَيْسَ لَهُ فِيهَا مَدَدٌ وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَقْصِرُونَ عَنْ ضِعْفِ الْعَدُوِّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عَدُوُّهُمْ ضِعْفَهُمْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ لِخَوْفِ اسْتِئْصَالِ الْكَافِرِينَ بَقِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْفَرْضَ وَالثَّانِي كَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ الْمُحَارِبِ بِالْفَرْضِ مَعَ إمْكَانِ انْقِسَامِ الْعَدَدِ وَاتِّصَالِ الْمُسْلِمِينَ بِحُصُولِ الْمَدَدِ فَالْوَاجِبُ الْقِتَالُ، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ ذَا جَلَدٍ وَمَعَهُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فَلَا يَدْخُلُ الصُّلْحُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَحُكْمُ الْجِهَادِ يُنْتَقَضُ إذَا تُبَيِّنَ فِيهِ الْخَطَأُ كَمَا نُقِلَ عَنْ سَحْنُونَ وَطُولُ الْمُدَّةِ فِي الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ خَطَأٌ فَيُنْتَقَضُ الصُّلْحُ وَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ لِيُسَكِّنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ مُمْتَنَع وَكُلُّ مُمْتَنِع غَيْرُ لَازِمٍ وَالْجِهَادُ فِي الْمَوْضُوعِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَزَلْ مُتَعَيَّنًا مِنْ زَمَنِ

ص: 391