الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُبُورِ أَيْ جَوَانِبِهَا مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى صُبْحِ السَّبْتِ وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ مَسْجُونَةٌ فِي سِجِّينٍ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْفِنَاءُ مِثْلُ كِتَابِ الْوَصِيدِ وَهُوَ سَعَةٌ أَمَامَ الْبَيْتِ وَقِيلَ مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهِ وَالْجَمْعُ أَفْنِيَةٌ انْتَهَى؟
[صفة النَّار]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي نَارِ جَهَنَّمَ هَلْ هِيَ كَنَارِ الدُّنْيَا أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ فِي مَكَانِ مُتَّسَعٍ؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ فِي مُخْتَصَرِ التَّذْكِرَةِ مَا نَصُّهُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «فَهِيَ كَسَوَادِ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنْ الْقَارِ» يَعْنِي الزِّفْتَ وَكَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ نَارُ الْآخِرَةِ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُضِيءُ لَهَا لَهَبٌ وَلَا جَمْرَ لَهَا وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ نَارَكُمْ الَّتِي تُوقَدُ فِي الدُّنْيَا حَرُّهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً فَقَالَ إنَّهَا فَضُلَتْ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَوْلَا أَنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ أُطْفِئَتْ بِالْمَاءِ مَرَّتَيْنِ مَا انْتَفَعْتُمْ بِهَا وَأَنَّهَا لَتَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يُعِيدَهَا فِي نَارِ الْآخِرَةِ» يَعْنِي جَهَنَّمَ.
وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَوْلَا أَنَّهَا ضُرِبَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «عَشْرَ مَرَّاتٍ» .
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّهَا أُطْفِئَتْ بِالْمَاءِ سَبْعِينَ مَرَّةً وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَدَرْتُمْ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهَا» .
وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْ أَنَّ جَهَنَّمِيًّا مِنْ أَهْلِ جَهَنَّمَ أَخْرَجَ كَفَّهُ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا لَاحْتَرَقَتْ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا وَلَوْ أَنَّ خَازِنًا مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ أُخْرِجَ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا حَتَّى يُبْصِرُوهُ لَمَاتَ أَهْلُ الدُّنْيَا حِينَ يُبْصِرُونَ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي عَلَيْهِ» .
وَرَوَى الْبَزَّارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ثُمَّ تَنَفَّسَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَأَحْرَقَهُمْ» وَكَانَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ وَاَلَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ لَوْ كَانَ أَحَدُكُمْ بِالْمَشْرِقِ وَكَانَتْ النَّارُ بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ كُشِفَ عَنْهَا لَخَرَجَ دِمَاغُ أَحَدِكُمْ مِنْ مَنْخَرَيْهِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا وَرَوَى الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ نَفَسًا فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ حِينَ انْتَهَى إلَى قَعْرِهَا» وَالْوَجْبَةُ
صَوْتُ وُقُوعِ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ ثُمَّ قَالَ بَابُ مَا جَاءَ إنَّ فِي جَهَنَّمَ جِبَالًا وَفَنَادِقَ وَأَوْدِيَةً وَبِحَارًا وَصَهَارِيجَ وَحِيَاضًا وَآبَارًا وَجِبَابًا وَتَنَانِيرَ وَسُجُونًا وَبُيُوتًا وَجُسُورًا وَنَوَاعِيرَ وَعَقَارِبَ وَحَيَّاتٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَسَاقَ أَحَادِيثَهَا فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ دَامَ فَضْلُكُمْ) فِي الظِّلِّ هَلْ هُوَ عَدَمُ الشَّمْسِ أَوْ شَيْءٌ وُجُودِيٌّ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهَلْ هُوَ جَوْهَرٌ أَوْ عَرَضٌ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهَلْ هُوَ قَائِمٌ بِمَا أُضِيفَ هُوَ إلَيْهِ كَالْآدَمِيِّ أَوْ بِالْأَرْضِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَكَيْفَ شُوهِدَ فِي غَيْرِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي لَزِمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ وَلَزِمَ اتِّصَافُهُ بِالْحَرَكَةِ عِنْدَ تَحَرُّكِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ صَرَّحَ عُلَمَاءُ هَيْئَةِ الْعَالَمِ بِأَنَّ الظِّلَّ ظُلْمَةٌ سَبَبُهَا حَيْلُولَةُ الْجِسْمِ عِنْدَ نُفُوذِ الْأَشِعَّةِ النُّورَانِيَّةِ قَالُوا إذَا قَابَلَ الْجِسْمُ النُّورَ كَانَ الْوَجْهُ الْمُقَابِلُ لِلضَّوْءِ نَيِّرًا وَالْوَجْهُ الَّذِي فِيهِ خِلَافَ جِهَةِ الضَّوْءِ مُظْلِمًا وَنَشَأَ مِنْ الْحَدِّ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي بَيْنَ الْوَجْهِ الْمُضِيءِ وَالْوَجْهِ الْمُظْلِمِ ظُلْمَةُ الظِّلِّ عَلَى هَيْئَةِ ذَلِكَ الْفَصْلِ الْمُشْتَرَكِ إنْ كَانَ مُسْتَدِيرًا فَالظِّلُّ مُسْتَدِيرٌ وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيلًا فَالظِّلُّ مُسْتَطِيلٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الظِّلَّ ظُلْمَةٌ الشَّيْخُ الْخَطِيبُ فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى مَدِّ الظِّلِّ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فَقِيلَ إنَّهُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ الْمَمْدُودَةُ فِي الْعَالَمِ فَإِنَّ اللَّيْلَ ظِلُّ الْأَرْضِ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ هَيْئَةِ الْعَالَمِ قَالُوا إنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ مَنَعَتْ الْأَرْضَ مِنْ نُفُوذِ ضَوْئِهَا فِي كُرَةِ الْهَوَاءِ وَظَهَرَ ظِلُّهَا فِي كُرَةِ الْهَوَاءِ مِنْ فَوْقُ فِي خِلَافِ جِهَةِ الشَّمْسِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَجَعَلُوا نُورَ الشَّفَقِ مِنْ نَهَايَا تَوَابِعِ الشَّمْسِ وَنُورَ الْفَجْرِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا لِأَنَّ الْهَوَاءَ مُتَّصِلُ الْأَجْزَاءِ يَكْتَسِبُ مِنْ مُجَاوَرَةِ الضَّوْءِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعِهِ فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الظِّلَّ ظُلْمَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ كَالْعَلَّامَةِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ الظُّلْمَةَ عَدَمُ النُّورِ قَالَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الظُّلْمَةَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] قَالَ أَعْنِي الْبَيْضَاوِيَّ وَمَا عَلِمَ أَنَّ الظُّلْمَةَ لَيْسَتْ عَدَمًا مَحْضًا حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا الْجَعْلُ بَلْ هُوَ عَدَمٌ مَخْصُوصٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَعْلُ وَالتَّقَابُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النُّورِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبَرْزَنْجِيُّ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضٌ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَةَ وُجُودِيَّةٌ بِأَنَّهَا تُرَى وَلَا شَيْءَ مِنْ الْعَدَمِ يُرَى قَالَ وَجَوَابُهُ بِالْمَنْعِ وَسَنَدُ الْمَانِعِ اسْتِوَاءُ الْحَالَيْنِ فَتْحُ الْبَصَرِ وَتَغْمِيضُهُ فِي الظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَةَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ أَنَّ مَنْ فِي الْغَارِ الْمُظْلِمِ مَثَلًا يُبْصِرُ مَنْ كَانَ خَارِجَهُ فَلَوْ كَانَتْ الظُّلْمَةُ
أَمْرٌ مَوْجُودًا لَمَنَعَتْ الرُّؤْيَةَ وَقَدْ أَشَارَتْ أَيْضًا الْآثَارُ النَّبَوِيَّةُ وَالْحَقَائِقُ الصُّوفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْأَعْدَامَ ظُلْمَةٌ وَعَمَاءٌ بَحْتٌ وَأَنَّ النُّورَ هُوَ الْمَوْجُودُ إذَا حَقَّقْتَ مَا ذَكَرْنَا فَقَوْلُ السَّائِلِ فِي الظِّلِّ هَلْ هُوَ عَدَمُ الشَّمْسِ قُصُورٌ بَلْ الظِّلُّ عَدَمُ الْأَضْوَاءِ كَانَتْ مِنْ الشَّمْسِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ وَالْمَصَابِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ ذِي شُعَاعٍ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُهُ إنَّ الظِّلَّ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ مَعْنَاهُ عَدَمُ النُّورِ لِمَنْعِ الْجِسْمِ مِنْ نُفُوذِ الْأَضْوَاءِ الشُّعَاعِيَّةِ كَمَا عَلِمْتَ وَمَا يُشَاهَدُ مِنْ التَّشْكِيلِ فِيهِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَائِمٌ بِالْهَوَاءِ الْمَمْنُوعِ عَنْهُ الضَّوْءُ لِتَبَعِيَّةِ الْجِسْمِ صَاحِبَ الظِّلِّ وَكَذَا مَا يُشَاهَدُ مِنْ التَّحَرُّكِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْجِسْمِ صَاحِبِ الظِّلِّ إذَا تُحَرَّكَ نَفَذَ الضَّوْءُ لِلْمَكَانِ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا عَنْهُ أَوَّلًا وَانْعَدَمَ عَنْ الثَّانِي الْمُقَابِلِ لِلْجِسْمِ الْمُتَحَرِّكِ فَيُتَخَيَّلُ أَنَّ الظِّلَّ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَتَحَرَّكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ الَّذِي فِي الْآيَةِ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَلَا نَقُولُ بِالثَّانِي الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ السَّائِلُ إلْزَامَاتِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّا نَقُولُ بِهِ وَهُوَ أَنَّ الظِّلَّ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَهُوَ قَائِمٌ بِكُرَةِ الْهَوَاءِ كَالرَّوَائِحِ وَالْأَصْوَاتِ فَتَحَرُّكُهُ بِتَحَرُّكِ تَعَلُّقِهِ بِالْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِهِ كَمَا قَالُوا فِي وُصُولِ الصَّوْتِ لِمَقْعَرِ الْأُذُنِ فَهُوَ قَائِمٌ بِالْهَوَاءِ الْمُمَاسِّ لِسَطْحِ الْأَرْضِ لَا بِالْأَرْضِ وَلَا بِالْجِسْمِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ هَذَا السَّائِلُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ دَامَ فَضْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ مَشْهُورٍ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ أَخَذَ الْعَهْدَ أَوَّلًا عَلَى وَحِيدِ دَهْرِهِ وَفَرِيدِ عَصِيرِهِ الْعَارِفِ بِرَبِّهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ فَتْحَ اللَّهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى الشَّيْخِ الْجُنَيْدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ هَذَا الْأَخِيرُ بِنَحْوِ عَامٍ رَآهُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَنَامًا فِي كُلِّ رُؤْيَةٍ يَقُولَانِ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْطَائِكَ الْعَهْدَ لِمَنْ سَأَلَكَ إيَّاهُ وَرَأَى بَعْضُ الصَّالِحِينَ مَا يُوَافِقُ رُؤْيَاهُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَهْدَ لِمَنْ سَأَلَهُ إيَّاهُ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ فِي الْمَنَامِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى اللَّائِمِينَ مِنْ الْعَوَامّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ كُنْتُ أَيُّهَا السَّائِلُ أَنْتَ الَّذِي تُرِيدُ ذَلِكَ فَأَنْتَ طَبِيبُ نَفْسِكَ وَأَدْرَى بِأَحْوَالِهَا فَإِنْ عَلِمْتَ مِنْهَا الْكَمَالَ وَالْوُصُولَ إلَى حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاجْتِمَاعِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقِظَةً وَأَهْلٌ لَأَنْ تَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي إيصَالِهِمْ إلَيْهِ وَجَمْعِهِمْ عَلَيْهِ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ فِي الْمَنَامِ
وَلَا تَلْتَفِتْ لِلَوْمِ الْعَوَامّ وَإِنْ عَلِمْتَ مِنْهَا ضِدَّ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ التَّبَاعُدُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الْخَطِرِ وَكَيْفَ تَتَهَاجَمُ عَلَى أَنْ تُدْخِلَ غَيْرَكَ إلَى حَضْرَةِ مَلِكِ الْمُلُوكِ وَأَنْتَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْهَا صُعْلُوكٌ أَمَا تَخْشَى عَلَى نَفْسِكَ سَلْبَ الْإِيمَانِ وَإِلْبَاسَهَا ثِيَابَ الذُّلِّ وَتَخْلِيدَهَا فِي دَارِ الْهَوَانِ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ أَمْرُ نَفْسِكَ فَحِكْهَا بِمَحَكِّ التَّحْقِيقِ وَأَعْرِضْ عَلَيْهَا مُشْكِلَاتِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْفِقْهِ فَإِنْ أَحْسَنْتَ ذَلِكَ وَعَلِمْته عِلْمَ أَهْلِ الْعِرْفَانِ فَهِيَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَالِحَةٌ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ ذَلِكَ فَهِيَ كَاذِبَةٌ فِي دَعْوَاهَا لَاعِبَةٌ بِكَ سَاعِيَةٌ فِي هَلَاكِكَ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ مُخَالَفَتُهَا وَرَدْعُهَا عَنْ ذَلِكَ وَطُرُقُ الْمَعَاشِ كَثِيرَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ عَمَلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ لَا يَشُمُّ رِيحَ الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّ رِيحَهَا يُشَمُّ عَلَى خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَإِنْ كُنْتَ أَيُّهَا السَّائِلُ غَيْرَ مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ فَحُكَّهُ بِذَلِكَ الْمَحَكِّ فَإِنَّهُ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ وَالْبُرْهَانُ السَّاطِعُ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلِيٍّ جَاهِلٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ أَنَّ الْمُرَبِّيَ يَعْرِفُ مُرِيدَهُ وَهُوَ نُطْفَةٌ فِي ظَهْرِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ لِهَذَا الَّذِي يُرِيدُ التَّرْبِيَةَ وَالتَّسْلِيكَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَا حَبَّذَا وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّأَدُّبُ وَالِاشْتِغَالُ بِمَا يَعْنِيهِ وَأَنْ لَا يَبِيعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ قَدِيمَانِ وَلَوْ عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِحُدُوثِهِمَا وَأَنَّ مَنْ قَالَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ؟ فَهَلْ مَا قَالَهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَفِيهِمَا الْخِلَافُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الزَّاعِمِ؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ مَا قَالَهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَفِيهِمَا الْخِلَافُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ بِالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَاشْتِرَاطِ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ.
قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ لِلْمَحَلِّيِّ وَحَاشِيَتِهِ لِلْبُنَانِيِّ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذْ ذَاكَ يَعْنِي وَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقُهَا وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمُهَا لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ قِسْمَانِ مِنْ الْحُكْمِ الْمُعْتَبَرِ فِي مَفْهُومِهِ التَّعَلُّقَ كَمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهَا فِيمَا لَا يَزَالُ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَكُونُ الْأَنْوَاعُ حَادِثَةً مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَالْأَصَحُّ تَنَوُّعُهُ فِي الْأَزَلِ إلَيْهَا بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ حُدُوثِ الْأَنْوَاعِ مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا يَلْزَمُهُ مُحَالٌ مِنْ وُجُودِ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ أَنْوَاعِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ أَيْ عَوَارِضُ لَهُ يَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْهَا تَحْدُثُ
بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ كَمَا أَنَّ تَنَوُّعَهُ إلَيْهَا عَلَى الثَّانِي بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ صِفَةً وَاحِدَةً كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ فَمِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ فِي الْأَزَلِ أَوْ فِيمَا لَا يُزَالُ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ لِفِعْلِهِ يُسَمَّى أَمْرًا أَوْ لِتَرْكِهِ يُسَمَّى نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ انْتَهَى.
وَقَالَ السُّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى قَالَ سَعِيدُ بْنُ كِلَابٍ إنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِسَبْعِ صِفَاتٍ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالِاسْتِخْبَارُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالنِّدَاءُ وَالْكُلُّ قَدِيمٌ عِنْدَهُ وَنُقِلَ عَنْهُ قِدَمُ الْكَلَامِ فَقَطْ أَيْضًا وَأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ السَّبْعَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْكَلَامِ فِيمَا لَا يَزَالُ وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ تَعَقُّلَ وُجُودِ الْكَلَامِ أَزَلًا بِدُونِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ مُحَالٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ وُجُودُ الْجِنْسِ خَارِجًا فِي غَيْرِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ.
ثُمَّ قَالَ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يُسَمَّى أَمْرًا وَنَهْيًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ لَا أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَإِنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ مِثْلَ هَذَا انْتَهَى.
وَأَشَارَ لِلْخِلَافِ السَّعْدُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ أَيْضًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يَنْفُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الْمُقَسَّمَ إلَيْهَا وَجَزَاءُ هَذَا الزَّاعِمِ الْمُتَجَارِي مَعَ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ التَّأْدِيبُ الشَّدِيدُ لِيَرْتَدِعَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْيُوسِيُّ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْكُبْرَى اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيٌّ يَتَنَوَّعُ فِي الْأَزَلِ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَعَ تَنَوُّعِهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ فِي نَفْسِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ مَثَلًا إنْ تَعَلَّقَ بِاقْتِضَاءِ الْفِعْلِ سُمِّيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَمْرًا أَوْ بِاقْتِضَاءِ التَّرْكِ سُمِّيَ نَهْيًا، وَهَكَذَا وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَزَلِ أَمْرٌ مِنْ غَيْرِ مَأْمُورٍ وَنَهْيٌ مِنْ غَيْرِ مَنْهِيٍّ، وَهُوَ مُحَالٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُحَالًا لَوْ أُرِيدَ تَنْجِيزُ التَّكْلِيفِ فِي الْأَزَلِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَهَذَا الْمَقَامُ يُحَقَّقُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَعْنِي الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْكَلَامَ هَلْ يُسَمَّى خِطَابًا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا وَأَنَّ الْمَعْدُومَ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ أَمْ لَا قَالَ الْعَضُدُ فِي الشَّرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْأَصْلِيِّ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ يَعْنِي وُجُودَ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ فِي الْأَزَلِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَلَّقٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ لَيْسَ كَلَامُهُ فِي الْأَزَلِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا وَخَبَرًا وَاسْتِخْبَارًا وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بِذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ وَقَالَ الْقَدِيمُ هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ حَادِثَةٌ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ أَنْوَاعٌ لِجِنْسِ الْكَلَامِ وَالْجِنْسُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ نَوْعٍ مَا فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْكَلَامِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ.
قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ سَعِيدٍ يَمْنَعُ كَوْنَهَا أَنْوَاعًا بَلْ عَوَارِضَ بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ وَيَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْ التَّعَلُّقِ وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ التَّعَلُّقِ مِنْ حَقِيقَتِهِ وَلَهُ تَحْقِيقٌ وَتَدْقِيقٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ انْتَهَى.
قَالَ السَّعْدُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَحْقِيقٌ أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَا يَدْخُلُ فِي حَقِيقَتِهِ التَّعَلُّقُ ثُمَّ تَتَكَثَّرُ تَكَثُّرًا اعْتِبَارِيًّا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ التَّعَلُّقَاتِ
مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِمَا لَوْ فَعَلَ فِعْلًا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ وَتَارِكُهُ الذَّمَّ يُسَمَّى أَمْرًا وَبِالْعَكْسِ نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَنَوُّعًا كَالْعِلْمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَا يَصِيرُ بِاعْتِبَارِهَا أَنْوَاعًا مُتَعَدِّدَةً وَكَذَا الْقُدْرَةُ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَشَى السَّعْدُ فِي شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْأَقْسَامُ لَا يُعْقَلُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ أَحَدُ تِلْكَ الْأَقْسَامِ عِنْدَ التَّعَلُّقَاتِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ وَأَمَّا فِي الْأَزَلِ فَلَا انْقِسَامَ أَصْلًا انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ يَعْنِي السَّعْدَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَحَدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ تَنَوُّعُ الْكَلَامِ يَحْدُثُ عَنْهُ حُدُوثَ التَّعَلُّقَاتِ التَّنْجِيزِيَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي التَّنَوُّعِ التَّعَلُّقَاتِ الْحَادِثَةَ وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ التَّعَلُّقَاتِ الْأَزَلِيَّةَ انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَيَّالِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْ السَّعْدِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ هَذَا مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ بِدُونِهَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ الْأَزَلِيَّةِ قِفْ عَلَى كَلَامِهِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ انْتَهَى كَلَامُ الْيُوسِيِّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْفِهْرِيِّ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا نَفَتْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الْأَزَلِيَّ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَزَلِيًّا لَكَانَ فِي الْأَزَلِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ بِلَا مَأْمُورٍ وَلَا مُنْهًى وَهُوَ عَبَثٌ.
أَجَابَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَالْقَلَانِسِيُّ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى كَلَامًا أَزَلِيًّا لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا وَلَا خَبَرًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ وَالْمُخْبَرِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
وَأَجَابَ كَذَلِكَ وَقَالَ الْعُكَارِيُّ خَصَّ ابْنُ سَعِيدٍ لِتَرَدُّدِ النَّقْلِ عَنْهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ زَعْمَ الزَّاعِمِ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ كَيْ يَنْزَجِرَ عَنْ التَّجَارِي وَيَرْجِعَ لِلْقَوْلِ السَّدِيدِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَلْ كَانَتْ لَهُمْ أَحَادِيثُ مُدَوَّنَةٌ كَأَحَادِيثِ نَبِيِّنَا أَوْ هَذَا التَّدْوِينُ خَاصٌّ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا التَّدْوِينُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: وَمِنْهَا أَنَّهُمْ أُوتُوا الْإِسْنَادَ، وَهُوَ خَصِيصَةٌ فَأَفْضَلُهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسُنَّةٌ بَالِغَةٌ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيِّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَاتِمِ بْنِ الْمُظَفَّرِ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَشَرَّفَهَا وَفَضَّلَهَا بِالْإِسْنَادِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ كُلِّهَا قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا إسْنَادٌ إنَّمَا هُوَ صُحُفٌ فِي أَيْدِيهِمْ وَقَدْ خَلَطُوا بِكُتُبِهِمْ أَخْبَارَهُمْ فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ تَمْيِيزٌ بَيْنَ مَا نَزَلَ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَبَيْنَ مَا أَلْحَقُوهُ بِكُتُبِهِمْ مِنْ