الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ]
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ. أَمَّا الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّهْنِ فَهِيَ أَيْضًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ، وَقِسْمٌ لَا يَبْطُلُ بِهِ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَقِسْمٌ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ.
(فَأَمَّا الْأَوَّلُ) فَكُلُّ شَرْطٍ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَشَرْطِ الرَّاهِنِ أَنَّ الرَّهْنَ يَبْقَى بِيَدِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُعَادُ إلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ فَلَّسَ دَخَلَ الْغُرَمَاءُ كُلُّهُمْ فِي الرَّهْنِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ مَا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَشَرْطِ كَوْنِ الرَّهْنِ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يَدِ عَبْدِهِ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إلَى وَضْعِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ وَشُرِطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَكَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَصِحُّ كِرَاؤُهُ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَاجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ وَلَا بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ جَرَى ذَلِكَ عَلَى الْكَلَامِ عَلَى مُبَالَغَةِ الْمِدْيَانِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَنْفَعَةُ مُدَّةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ انْتَفِعْ بِهِ حَتَّى أُعْطِيَك حَقَّك، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَمِنْ الشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ غَلَّةِ الرَّهْنِ عَنْ دَيْنِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ وَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ إذَا شَرَطَهُ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ لِلْجَهْلِ إذْ لَا يَدْرِي مَا يَقْتَضِي أَيَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ.
وَمِنْ الشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَكَانَ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ جَازَ.
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ. قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ إنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ الضَّمَانُ سَاقِطٌ بِالشَّرْطِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يَسْقُطَ الضَّمَانُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ صَحِيحٌ لَا فَسَادَ فِيهِ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ شَرْطٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
لِأَنَّ تَطَوُّعَهُ بِالرَّهْنِ مَعْرُوفٌ مِنْهُ وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ اهـ.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَفْظُهُ وَفِي لَغْوِ شَرْطِ الْمُرْتَهِنِ سُقُوطُ ضَمَانِهِ وَأَعْمَالِهِ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ وَصَوَّبَهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُمَا اُعْتُبِرَ؛ لِأَنَّ طَوْعَهُ بِالرَّهْنِ إلَخْ وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصُّهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَحْسُنُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي عَقْدِ بَيْعٍ، أَوْ سَلَفٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ لَهُ هُنَاكَ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ مَعْنَاهَا فِي السَّلَفِ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ الِاشْتِرَاطُ فِي رَهْنٍ تَطَوَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ هُنَا لَا يَحْسُنُ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بِالرَّهْنِ هَاهُنَا كَالْهِبَةِ، فَإِذَا أَضَافَ إلَى هَذَا التَّطَوُّعِ إسْقَاطَ الضَّمَانِ فَهُوَ إحْسَانٌ عَلَى إحْسَانٍ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ فِيهِ.
وَيُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ يُوَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا عِوَضَ فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ هِبَةٌ وَمَعْرُوفٌ وَنَحْوُهُ اللَّخْمِيُّ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَيَّدَهُ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ.
قُلْت: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ارْتَهَنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُصَدَّقٌ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ وَضَمِنَ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي حُكْمَ أَصْلِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ أَصْلُهُ كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْوَدِيعَةِ أَنْ يَضْمَنَ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَوْ شَرَطَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ، وَأَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَقَالَ الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ شَرْطُهُ جَائِزٌ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ اهـ.
فَعُلِمَ تَعْلِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ بِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ فِي الْعَقْدِ أَوْ تَطَوُّعًا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَطَ الرَّاهِنُ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ وَضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِخَوْفِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْخَوْفِ، فَإِنَّهُ ضَامِنٌ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ الْقَرْيَتَيْنِ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ لَوْ اشْتَرَطَ الْمُعِيرُ أَوْ الرَّاهِنُ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَكُلُّ أَصْحَابِهِ حَاشَا مُطَرِّفًا، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ شَرَطَ لِأَمْرٍ خَافَهُ مِنْ قَهْرٍ، أَوْ لُصُوصٍ وَشَبَهَهُ فَشَرْطُهُ لَازِمٌ إنْ عَطِبَ فِيمَا خَافَهُ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا شَرَطَ ضَمَانَ الْحَيَوَانِ أَنَّ شَرْطَهُ بَاطِلٌ وَيَجْرِي
فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ مُخْتَلَفٌ فِي ضَمَانِهِ فَالشَّرْطُ هَاهُنَا أَخْذٌ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ.
(فَرْعٌ) حُكْمُ الْعَارِيَّةِ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الرَّهْنِ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ شَرْطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْمُعِيرِ نَفْيُ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ:
الْأُولَى: لِابْنِ الْجَلَّابِ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ شَرْطَهُ بَاطِلٌ وَالضَّمَانُ لَهُ لَازِمٌ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَمَنْ اسْتَعَارَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَيْضًا فِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ.
وَعَلَى مَا حَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ أَشْهَبَ فِي الصَّانِعِ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ يَنْفَعُهُ الشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ فِي الصَّانِعِ فَأَحْرَى أَنْ يَلْزَمَ فِي الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ إذَا أَعَارَهُ عَلَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَعْرُوفَ مَعَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَالْأَظْهَرُ إعْمَالُ الشَّرْطِ وَمَا لِإِسْقَاطِهِ وَجْهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ.
وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ إنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ عَامِلٍ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَارِيَّةِ وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ مَعْرُوفًا مِنْ وَجْهَيْنِ وَالرَّهْنُ قَرِيبٌ مِنْ الْعَارِيَّةِ وَمَا لِإِسْقَاطِهِ فِيهِمَا وَجْهٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ اهـ.
قُلْت: وَلَمْ يُجَوَّزْ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لِلَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا شَرَطَ نَفْيَ الضَّمَانِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ نَحْوُهُ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَاخْتُلِفَ إذَا شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِ الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَهُ شَرْطُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا لِيَكُونَ لَهُ رِبْحُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: إنَّهُ ضَامِنٌ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ شَرْطُهُ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَعْرُوفٌ وَإِسْقَاطَ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ أَصْلًا لِمُكَايَسَةٍ، أَوْ عَنْ مُعَاوَضَةٍ كَالرِّهَانِ وَالصُّنَّاعِ اهـ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ
كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ، وَابْنِ رُشْدٍ عَبَّرَ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ قَالَ وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ خِلَافُ نَقْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُمَا، وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ وَشَارِحِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ اهـ.
قُلْت: مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فَنَقَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ الضَّمَانُ وَنَسَبَهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَضُمِنَ الْمَغِيبُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ؟ تَرَدُّدٌ وَأَعْجَبُ مِمَّا تَعَجَّبَ مِنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَقَبِلَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الرَّهْنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَقَبِلَهُ، وَكَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَالرَّجْرَاجِيُّ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ عَنْ أَشْهَبَ الْقَوْلَيْنِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَشْهَرَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْفَعُهُ وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَهُ قَوْلَانِ أَيْضًا فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بُطْلَانُ الشَّرْطِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَعَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ فِيهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي بَابِ الرُّهُونِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُسْتَعِيرِ بِشَرْطِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْ لَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ إلَخْ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَمْ يُعَلِّلْ ذَلِكَ إلَّا بِكَوْنِ الشَّرْطِ مُخَالِفًا لِأَصْلِ سُنَّةِ الْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَجْرِيحِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُسْقَطَ الَّذِي هُوَ ضَمَانُ الْمُرْتَهِنِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ لِلرَّهْنِ فَتَأَمَّلْهُ هَذَا حُكْمُ الصُّورَةِ الْأُولَى.
وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ حَاشَا مُطَرِّفًا، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ خَافَهُ مِنْ طَرِيقٍ مَخُوفٍ، أَوْ نَهْرٍ، أَوْ لُصُوصٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَالشَّرْطُ لَازِمٌ إنْ عَطِبَتْ فِي الْأَمْرِ الَّذِي خَافَهُ وَاشْتَرَطَ الضَّمَانَ مِنْ أَجْلِهِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَعَرْت مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْك لَمْ تَضْمَنْهَا اهـ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَجَعَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَجَمَعَهُمَا وَقَالَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ.
قُلْت: وَفِي عَزْوِهِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ لِجَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ: إنَّ ضَمَانَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُعِيرُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَكَيْفَ إذَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ.
(الثَّانِي) حُكْمُ الرَّهْنِ كَالْعَارِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَنَصُّهُ إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ، أَوْ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ، أَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ حَاشَا مُطَرِّفًا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. قُلْت: وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَيَنْبَغِي إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْزَمَ إجَارَةَ الْمِثْلِ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْعَارِيَّةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُخْرِجُ الْعَارِيَّةَ عَنْ حُكْمِهَا وَسُنَّتِهَا إلَى بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُحَرِّزَهَا فِي ضَمَانِهِ فَهُوَ عِوَضٌ مَجْهُولٌ يُرَدُّ إلَى الْمَعْلُومِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بَحْثًا. نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَجَعَلَهُ خِلَافَ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي تَلَفِهَا شَرْطُهُ بَاطِلٌ يُرِيدُ أَنَّهَا تَمْضِي عَلَى حُكْمِ الْعَارِيَّةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ فِيمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهِ وَرَآهَا إجَارَةً فَاسِدَةً، فَعَلَى قَوْلِهِ يُرَدُّ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ.
وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْمُعِيرَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ أَسْقَطَ شَرْطَهُ وَإِلَّا رُدَّتْ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى إجَارَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبُ مَنَافِعَ وَالضَّيَاعُ تَارَةً يَكُونُ، أَوْ لَا يَكُونُ وَالسَّلَامَةُ أَغْلَبُ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَوْلَى.
وَقَوْلٌ رَابِعٌ إنَّهَا مَضْمُونَةٌ كَمَا شَرَطَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَقَدْ دَخَلَا عَلَى الْتِزَامِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَجَعَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ.
(فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا ضَاعَتْ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ سُنَّةِ الْوَدِيعَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
فَرْعٌ) الصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ عَمِلُوهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْأَجْرِ الْمُسَمَّى بِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَقَالَ أَشْهَبُ يَنْفَعُهُ الشَّرْطُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ لَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَسْقَطَ مِنْهُ لَفْظَةَ يَنْبَغِي فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ رُشْدٍ: فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الثَّانِي الْمُسَمَّى اهـ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا اشْتَرَطَ الصَّانِعُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ سَاقِطٌ، وَلَوْ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ مَا عَمِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَشْتَرِطَ بَيْنَ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عَمَلِ ثِيَابِهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ذُكِرَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ لَهُمْ شَرْطَهُمْ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَثُرَ اشْتِرَاطُهُمْ سَقَطَ، وَلَمْ يُوَفِّ لَهُمْ بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوَفَّى بِهِ، فَقِيلَ: الْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ. وَقِيلَ: إنْ أَسْقَطَ الصَّانِعُ الشَّرْطَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ تَمَسَّكَ بِهِ فُسِخَتْ إنْ لَمْ يَعْمَلْ، فَإِنْ عَمِلَ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ إجَارَةِ الْمِثْلِ. وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ تُفْسَخُ مَعَ الْقِيَامِ، وَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ وَيَكُونُ لَهُ مَعَ الْفَوَاتِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ اهـ.
قُلْت: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ رِوَايَةً وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَزْوُ ابْنِ شَاسٍ لِأَشْهَبَ لَا أَعْرِفُهُ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ.
(فَرْعٌ) الشَّرْطُ فِي الْقَرْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(الْأَوَّلُ) مَا يَفْسُدُ بِهِ الْقِرَاضِ كَاشْتِرَاطِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بِيَدِهِ، أَوْ أَنْ يُرَاجِعَهُ، أَوْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ أَمِينًا، أَوْ أَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ بِيَدِهِ مِنْ خِيَاطَةٍ، أَوْ خِرَازَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَاشْتِرَاطِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ ضَمَانَ الْمَالِ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْقِرَاضِ فَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، فَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ فَمِنْهَا مَا يُرْجَعُ فِيهِ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ وَمِنْهَا مَا يُرْجَعُ فِيهِ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَهَذَا يُبَيَّنُ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ.
(الثَّانِي) مَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الْقِرَاضُ وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَمَا إذَا ضَاعَ بَعْضُ الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ قَبْلَ الْعَمَلِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ خَسِرَ، أَوْ أَخَذَهُ اللُّصُوصُ، أَوْ الْعَشَّارُ ظُلْمًا فَقَالَ الْعَامِلُ لِرَبِّ الْمَالِ لَا أَعْمَلُ حَتَّى تَجْعَلَ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ وَتُسْقِطَ الْخَسَارَةَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَسْقَطَ الْخَسَارَةَ فَهُوَ أَبَدًا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ حَاسَبَهُ
وَأَحْضَرَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
(الثَّالِثُ) مَا لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَكَمَا إذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ زَكَاةَ الرِّبْحِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَيَلْزَمُ، فَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أُخْرِجَتْ مِنْ حِصَّةِ مَنْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ، فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِطِ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) الشُّرُوطُ فِي الْوَقْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(الْأَوَّلُ) مَا يَفْسُدُ بِهِ الْوَقْفُ كَشَرْطِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، أَوْ تَخْصِيصِ الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ.
(الثَّانِي) مَا لَا يَفْسُدُ الْوَقْفُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ عِمَارَةَ مَا خَرِبَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَقْفِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ وَيُعْمَلُ مِنْ غَلَّتِهِ وَكَمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَبْدَأَ بِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ وَنَفَقَتِهِ.
(الثَّالِثُ) مَا لَا يُفْسِدُ الْوَقْفَ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ كَثِيرٌ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْوَقْفِ.
(فَرْعٌ) الشُّرُوطُ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
(الْأَوَّلُ) مَا تَفْسُدُ بِهِ الْهِبَةُ كَشَرْطِ أَنْ لَا تُحَازَ مِنْ الْوَاهِبِ.
(الثَّانِي) مَا يُخَيَّرُ الْوَاهِبُ فِي إسْقَاطِهِ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ أَوْ التَّمَسُّكُ بِهِ فَتَبْطُلُ.
(الثَّالِثُ) مَا لَا يُفْسِدُهَا وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ.
(الرَّابِعُ) مَا لَا يُفْسِدُهَا وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ.
الْأَوَّلُ أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ وَيُمْضِيَ الصَّدَقَةَ، أَوْ الْهِبَةَ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمُتَصَدِّقُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ، أَوْ الْهِبَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ يُرِيدُ بِثَمَنٍ، أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ قَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِشَيْءٍ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِعَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهُ يَوْمَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ إنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ فَالْهِبَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الرَّدِّ مَا لَمْ يُجِزْهَا وَيُمْضِهَا بِتَرْكِ الشَّرْطِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّ هِبَتَهُ، أَوْ يَتْرُكَ الشُّرُوطَ وَوَرَثَتُهُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَنْقَضِ أَمْرُهُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ فَيَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْإِجَازَةِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا الْوَاهِبُ، أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ قَبْلَ فَوَاتِهَا بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الشَّرْطِ، وَهُوَ مَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ طُولَ حَيَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ بَعْدَ هَذَا مِنْ سَمَاعِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي حَبَسَ الدَّارَ عَلَى وَلَدِهِ وَشَرَطَ أَنَّ مَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ مِنْ مَرَمَّتِهَا عَلَيْهِمْ أَنَّ الدَّارَ تَكُونُ حَبْسًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ وَتَكُونُ مَرَمَّتُهَا مِنْ غَلَّتِهَا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا حِيزَ الْحَبْسُ وَفَاتَ بِمَوْتِ الْمُحْبَسِ.
وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَيُرَدُّ إلَّا أَنْ يَسْقُطَ الَّذِي حَبَسَهَا شَرْطُهُ وَتَأْوِيلُهُ بَعِيدٌ فِي اللَّفْظِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ لِلْمُحْبَسِ حَقًّا فِي شَرْطِهِ وَجَبَ أَنْ يَتَنَزَّلَ وَرَثَتُهُ مَنْزِلَتَهُ فِيهِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَالْهِبَةَ مَاضِيَةٌ فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ بِيَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ وُرِثَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي مَالِهِ مَا شَاءَ إنْ شَاءَ بِتَلِّهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَبَدًا، أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْمَنَافِعَ طُولَ حَيَاتِهِ وَجَعَلَ الْمَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَهُ يَقْضِي مِنْهُ دَيْنُهُ وَيَرِثُهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ لِمَا لَهُ
فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَضِ أَنْ يَسْتَدِيمَ الِانْتِفَاعُ بِمَا وَهَبَهُ وَيَرَى أَثَرَ هِبَتِهِ عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَوْلُ سَحْنُونَ يَكُونُ ذَلِكَ حَبْسًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِمَا شَرَطَ مِنْ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، فَإِذَا مَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ رَجَعَ ذَلِكَ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَقَوْلُ سَحْنُونَ هَذَا مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى رَجُلٍ بِعَبْدٍ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ سَنَةً، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَدْخُلُ فِي مَسْأَلَةِ سَمَاعِ سَحْنُونَ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ إنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ، أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ إلَّا قَوْلَ سَحْنُونَ هَذَا اهـ.
قُلْت: يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَكُونُ حَبْسًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ نَوَازِلِ سَحْنُونَ أَعْنِي مَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ عَبْدًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ سَنَةً ثُمَّ هُوَ لَهُ بَعْد السَّنَةِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ تَجْرِي فِيهَا الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا يَجْرِي فِيهَا قَوْلُ سَحْنُونَ إنَّهَا حَبْسٌ وَمِثْلُ مَسْأَلَةٍ بِرَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِعَبْدٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهُ يَوْمَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا رَأَى أَنَّ الشَّرْطَ يُفْسِدُ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ مِنْ خِدْمَتِهِ يَوْمَيْنِ كُلَّ جُمُعَةٍ، فَقَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي صَدَقَتِهِ بِالسَّفَرِ بِهَا وَالْوَطْءِ لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً وَالتَّفْوِيتِ فَصَارَ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَشَرَطَ عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَبْسُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ جَازَ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَأَجَازَ ابْنُ كِنَانَةَ هَذَا الشَّرْطَ فِي الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّدَقَةَ بَلْ يَشُدُّهَا.
وَالْمَعْنَى عِنْدِي فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ رَآهُ شَرِيكًا مَعَهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ بِمَا اسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ وَلِذَلِكَ أَجَازَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ اهـ. فَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَجْرِي فِيهَا الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ.
قُلْت: وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ؟ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا، أَوْ صَغِيرًا فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ لَمْ يَجُزْ كَانَ وَلَدَ الْوَاهِبِ أَوْ أَجْنَبِيًّا اهـ. فَتَكَلَّمَ عَلَى الْحُكْمِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ اُنْظُرْ بِمَاذَا يُفَسِّرُ الْكِتَابُ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْوَاهِبُ، فَإِنْ بَتَلَهَا وَإِلَّا نُقِضَتْ اهـ.
وَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا وَوَجَّهَهُ بِمَا وَجَّهَهُ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ وَجْهًا مِنْ النَّظَرِ ظَاهِرًا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدِي بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ اُنْظُرْ مَا مَعْنَاهُ وَالسَّفِيهُ وَالصَّغِيرُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَلَا هِبَتُهُمَا بِشَرْطٍ أَمْ لَا قَالَ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُبَاعَ عَلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ لِوَلِيِّهِ بَيْعُ عُرُوضِهِ لِلنَّفَقَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُبَاعَ، وَيُبَاعُ غَيْرُهَا إنْ وُجِدَ قَالَ الْقَابِسِيُّ الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَهِيَ كَالْحَبْسِ الْمُعَيَّنِ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِسَفِيهٍ أَوْ يَتِيمٍ وَشَرَطَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِوَصِيِّهِ فِيهَا نُفِّذَ ذَلِكَ الشَّرْطُ اهـ.
قُلْت: فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ لَا تَجُوزُ وَإِطْلَاقَ يَدِ السَّفِيهِ عَلَى الْمَالِ إضَاعَةٌ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَالصَّوَابُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِجَارِيَتِهِ عَلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ وَطِئَهَا فَهِيَ لَهُ حَمَلَتْ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَعْنِي لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُوقِفَ الْمُتَصَدِّقُ إمَّا أَسْقَطَ
شَرْطَهُ، أَوْ اسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ عَلَى ذَلِكَ تَخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ وَرَثَتَهُ يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ فِي ذَلِكَ فَيُخَيَّرُونَ فِي إسْقَاطِ الشَّرْطِ، أَوْ رَدِّ الْجَارِيَةِ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْوَطْءِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِنْدَ أَصْبَغَ إنَّمَا تَفُوتُ بِالْحَمْلِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ الْجَارِيَةُ بِوَطْءٍ، أَوْ حَمْلٍ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى تُرَدَّ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي عَلَى الرَّدِّ حَتَّى تُجَازَ.
وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ تَجُوزَ الصَّدَقَةُ وَيَبْطُلَ الشَّرْطُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَبْسِ يَعْنِي اشْتِرَاطَ التَّرْمِيمِ عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ اهـ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أَفَاتَهَا الْمُعْطِي بِعِتْقٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ بَيْعٍ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ مَا أُعْطِيت لَهُ اهـ.
قَالَ: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ إنْ كَانَ اشْتِرَاطٌ فِي أَصْلِ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَرُبَ فَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ عَلَى مَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ.
وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى صَغِيرٍ فَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَانَ الشَّرْطُ مَعَ الصَّدَقَةِ، أَوْ بَعْدَهَا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ مَعَ الصَّدَقَةِ، أَوْ فِي فَوْرِهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهَذَا أَنْسَبُ الْأَقْوَالِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قُلْت: أَمَّا بُطْلَانُ الصَّدَقَةِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِي أَصْلِ عَقْدِهَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مَجْهُولَةٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ قَالَ إنْ مِتَّ أَنْت رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ أَنَا قَبْلُ كَانَ لَك، فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى مَا شَرَطَ وَكَانَتْ الْعَطِيَّةُ قَدْ تَضَمَّنَتْ عُمْرَى وَوَصِيَّةً، فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلُ رُدَّتْ إلَى الْمُعْطَى؛ لِأَنَّهَا عُمْرَى، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطَى قَبْلُ كَانَتْ فِي ثُلُثِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَسَوَاءٌ حِيزَتْ الْعَطِيَّةُ، أَوْ لَمْ تُحَزْ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا وَسَائِرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَا تَحْتَاجُ إلَى حَوْزٍ. قَالَ أَصْبَغُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا عَنْ حَالِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ كَالْمُدَبَّرِ. وَإِنْ قَالَ أَهَبُك الْعَبْدَ عَلَى إنْ مِتُّ أَنَا قَبْلُ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيَّ، وَإِنْ مِتَّ أَنْتِ قَبْلُ كَانَ لِوَرَثَتِك كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي كِتَابِ الْمَدَنِيِّينَ فِيمَنْ وَهَبَ أَمَةً وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ كُلَّ وَلَدٍ تَلِدُهُ فَهُوَ حَلَالٌ جَائِزٌ، وَقَدْ يَهَبُ الرَّجُلُ الْحَائِطَ وَيَشْتَرِطَ ثَمَرَتَهُ يُرِيدُ اشْتِرَاطَ الثَّمَرَةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا كَثُرَ وَيَجُوزُ فِي الْوَلَدِ، وَإِنْ طَالَتْ السُّنُونَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَنَافِعُ وَالْخِدْمَةُ وَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْوَلَدُ تَبَعٌ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَقَدْ يَكُونُ، أَوْ لَا يَكُونُ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَعْتَصِرُ الْأَبَوَانِ مَا تَصَدَّقَا بِهِ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ شَرَطَا الِاعْتِصَارَ الْمُتَيْطِيُّ إذَا شَرَطَ الْأَبُ فِي صَدَقَتِهِ الِاعْتِصَارَ فَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ أَيْضًا فِي وَثَائِقِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ شَرْطُهُ لَا يَجُوزُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الِاعْتِصَارَ فِي الصَّدَقَةِ وَهِيَ لَا تُعْتَصَرُ؟ قِيلَ لَهُ وَسُنَّةُ الْحَبْسِ أَنْ لَا يُبَاعُ، فَإِذَا شَرَطَهُ الْمُحْبِسُ فِي نَفْسِ الْحَبْسِ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ. ابْنُ رُشْدٍ وَالِاعْتِصَارُ لَا يَكُونُ فِي الصَّدَقَاتِ إلَّا بِشَرْطٍ اهـ.
(فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ فَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ نَاقِلًا عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَحْكُمَ بِغَيْرِهِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْمُشْتَرِطِ، أَوْ مُخَالِفًا لَهُ قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ كَانَتْ الْوُلَاةُ عِنْدَنَا بِقُرْطُبَةَ إذَا وَلَّوْا الْقَضَاءَ رَجُلًا شَرَطُوا عَلَيْهِ فِي سِجِلِّهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَهُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ اهـ.
وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ
مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ قَارَبَ الشَّرْطُ عَقْدَ الْوِلَايَةِ، أَوْ تَقَدَّمَ ثُمَّ وَقَعَ الْعَقْدُ. قَالَ وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ تَصِحُّ الْوِلَايَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَيِّ شَيْءٍ هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَهَذَا الشَّرْطُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَانْظُرْ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقَاضِي الْمُقَلِّدِ فِي زَمَانِنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
قُلْت: لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عَدَّهُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ يَصِيرُ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ السَّاعَةَ مَثَلًا وَعَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ إلَى أَجَلِ كَذَا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ هُوَ حُرٌّ السَّاعَةَ وَيُتْبَعُ بِالْمِائَةِ حَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حُرٌّ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ اهـ.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ يَجِدُ لِهَذَا أَصْلًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَارِهٌ فَذَلِكَ لَازِمٌ كَمَا يُزَوِّجُهُ كَرْهًا وَيَنْزِعُ مَالَهُ كَرْهًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَكَمَالُهُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حُرِّيَّةٍ فَلَمْ تَزِدْهُ الْحُرِّيَّةُ إلَّا خَيْرًا اهـ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُرًّا مَتْبُوعًا أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِسْعَاءِ وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ سَنَةً أَنَّهُ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ جَازَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَلَا يُعْتَقَ حَتَّى يَخْدُمَ شَهْرًا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ عَجَّلَ عِتْقَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْخِدْمَةُ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْخِدْمَةِ لَزِمَتْ الْعَبْدَ الْخِدْمَةُ. مَالِكٌ: وَكُلُّ خِدْمَةٍ يَشْتَرِطُهَا السَّيِّدُ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ شَرَطَهَا فِي الْكِتَابَةِ فَأَدَّى الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِهَا سَقَطَتْ اهـ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَشْهَبَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَسْأَلُهُ عَمَّا أَرَادَ هَلْ تَعْجِيلُ الْعِتْقِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَسْأَلُهُ هَلْ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ أَوْ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ الْخِدْمَةِ. وَأَشْهَبُ يَرَى أَنَّ الْعِتْقَ مُؤَخَّرٌ بَعْدَ الْخِدْمَةِ كَمَا هُوَ مُؤَخَّرٌ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيُعْتَقُ مَكَانَهُ وَتَسْقُطُ الْخِدْمَةُ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّ خِدْمَةٍ اشْتَرَطَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَبَاطِلٌ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ الْخِدْمَةِ مِنْ بَقَايَا الرِّقِّ فَهُوَ كَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَيَسْتَتِمُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ فَأَدَّى الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِهَا سَقَطَتْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ كُلُّ مَا اشْتَرَطَهُ السَّيِّدُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ خِدْمَةِ بَدَنٍ، أَوْ عَمَلِ مُدَّةٍ فَأَدَّى الْكِتَابَةَ وَبَقِيَ ذَلِكَ الْعَمَلُ، أَوْ بَعْضُهُ، فَإِنَّهُ سَاقِطٌ وَلَا يُؤَدِّي لِذَلِكَ عِوَضًا؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ بَدَنِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقِّهِ، فَإِذَا دَخَلَتْ الْحُرِّيَّةُ رَقَبَتَهُ سَقَطَ كُلُّ رِقٍّ بَقِيَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مِنْ بَتَلَ عِتْقَ عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَجِّلَ عَلَيْهِ خِدْمَةً يَشْتَرِطُهَا؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقِّهِ فَلَمَّا كَانَ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ يَسْتَكْمِلُ عَلَيْهِ بَقِيَّتَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ فَكَذَلِكَ كُلُّ خِدْمَةٍ تَبْقَى عَلَى مُكَاتَبٍ بَتَلَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ فَهِيَ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقِّهِ اهـ.
وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً وَشَرَطَ عَلَيْهَا إرْضَاعَ صَبِيٍّ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَالشَّرْطُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدًا وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَتَهُ وَلَكِنْ يُعْتِقُهَا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ يَسْتَأْجِرُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ إجَارَتُهَا قَاصَّهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً بَعْدَ الْعِتْقِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَهُ وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ
دَنَانِيرَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، وَإِنْ كَرِهَ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِذَا أَعْتَقَ أَمَةً وَاشْتَرَطَ عَلَيْهَا دَنَانِيرَ بِرِضَاهَا، أَوْ أَلْزَمَهَا إيَّاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ جَازَ مَا قَالَ سَحْنُونٌ مِنْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا عَلَى الرَّضَاعِ بِأُجْرَةٍ ثَابِتَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا وَجَبَتْ لَهَا أُجْرَةٌ بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الرَّضَاعِ قَاصَّهَا بِذَلِكَ فِيمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا عَلَيْهَا اهـ.
قُلْت: وَإِنَّمَا قَالَ يَسْتَأْجِرُهَا بِدَنَانِيرَ وَيُقَاصُّهَا، وَلَمْ يَقُلْ يَسْتَأْجِرُهَا بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدِّين عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ لَا تُفَارِقَنِي كَانَ حُرًّا وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَاحْمِلْ هَذَا الْعَمُودَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً، وَلَمْ يُعَجِّلْ الْحُرِّيَّةَ قَبْلَ الْخِدْمَةِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ يَنْكِحَهَا، أَوْ تَنْكِحَ فُلَانًا فَامْتَنَعَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَا يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَعْتِقَ أَمَتَك وَتُزَوِّجَنِيهَا فَأَعْتَقَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَهُ وَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لِلرَّجُلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ عِتْقِهَا عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَاتِمَةِ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ مَالًا عَلَى أَنْ تَعْتِقَ مُدَبَّرَك وَوَلَاؤُهُ لَك وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَبِيعَهُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لَا أُحِبُّ هَلْ هُوَ عَلَى بَابِهِ أَمْ لَا وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَعُمَرُ بْنُ شُعَيْبٍ لَا يُبَاعُ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَبَيْعِ الْعُمْرَى مِنْ الْمُعَمَّرِ لِتَخْلُصَ الرَّقَبَةُ لَهُ فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ مِنْ الْخِدْمَةِ لِتَخْلُصَ لَهُ رَقَبَتُهُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ نَجْمُهَا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ فِي الْكِتَابَةِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَتْ الْكِتَابَةُ، وَكَذَا إنْ أَعْتَقَ أَمَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَنَّ مَا وَلَدَتْ فِي كِتَابَتِهَا فَهُوَ عَبْدٌ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ نَافِذٌ إلَى أَجَلِهِ وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ كَمَا لَا أَفْسَخُهَا مِنْ عَقْدِ الْغَرَرِ كَمَا أَفْسَخَ بِهِ الْبَيْعَ وَكُلُّ وَلَدٍ حَدَثَ لِلْمُكَاتَبَةِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا يُرَقُّ بِرِقِّهَا وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا، وَإِنْ كَاتَبَهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا وَاشْتَرَطَ جَنِينَهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَتَمَّ الْعِتْقُ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَنْ وَصِيَّتِهِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
وَقَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى مَا حَرَّرْته مِنْ مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ وَانْتَجَزَ الْغَرَضُ الَّذِي قَصَدْته فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَقْسَامِ فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ كِتَابًا مُفِيدًا فِي بَابِهِ عَظِيمَ النَّفْعِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ مِنْ طُلَّابِهِ جَمَعْت فِيهِ فَوَائِدَ عَدِيدَةً وَتَحْقِيقَاتٍ مُفِيدَةً وَسَفَرْت فِيهِ عَنْ نُكَتٍ تُسْتَغْرَبُ وَتُسْتَبْدَعُ وَأَوْضَحْت فِيهِ مُشْكِلَاتٍ لَيْسَ لَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ مَوْرِدٌ وَلَا مُشَرِّعٌ فَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ إلْهَامِ هَذَا التَّصْنِيفِ وَإِتْمَامِهِ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ وَالتَّرْصِيفِ وَنَسْأَلُهُ سبحانه وتعالى أَنْ يُسَهِّلَ تَحْرِيرَهُ وَإِتْقَانَهُ، وَأَنْ يَعْصِمَنَا فِيهِ مِنْ الْخَطَأ وَالزَّلَلِ، وَأَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِالتَّصَنُّعِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَهَذَا آخِرُ مَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ مِنْ مُؤَلِّفِ هَذَا الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبَهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ الْتَزَمَ نَفَقَةَ يَتِيمٍ ذِي مَالٍ سَنَةً، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَهْرًا وَتَرَكَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِبَاقِي السَّنَةِ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. نَعَمْ، يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِنْفَاقِ