الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حياة الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ فِي قُبُورِهِمْ]
مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالشُّهَدَاءِ هَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ وَيَنْكِحُونَ عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَهَلْ الْأَوْلِيَاءُ كَذَلِكَ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ؛ هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ لَكِنْ لَا عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَلْ عَلَى كَيْفِيَّةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْنَا الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا حَدِيثٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَالْأَوْلِيَاءُ كَذَلِكَ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ السَّلَامِ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ وَالِدِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَفَ شَهِيدَ الْحَرْبِ بِالْحَيَاةِ أَيْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ اتِّصَافِ هَيْكَلِ شَهِيدِ الْحَرْبِ بِالْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] وَأَنَّ حَيَاتَهُمْ حَقِيقِيَّةٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كَمَا تُرْزَقُ الْأَحْيَاءُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهَا
قَالَ الْجُزُولِيُّ وَحَيَاتُهُمْ غَيْرُ مُكَيَّفَةٍ وَلَا مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ لَكِنْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرُ الشَّرْعِ وَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِي كَيْفِيَّتِهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا مِنْ الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَالْحَيَاةُ كَيْفِيَّةٌ يَلْزَمُهَا الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ أَوْ تُصَحِّحُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ الْعِلْمَ وَقَوْلُنَا اتِّصَافُ هَيْكَلٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ مِنْ اتِّصَافِ الذَّاتِ وَالرُّوحِ جَمِيعًا وَالْمُرَادُ بِشَهِيدِ الْحَرْبِ الْمُؤْمِنُ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ مُفَارَقَةِ سَبَبٍ مُؤْثِمٍ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَقْتُولٍ عَلَى الْحَقِّ كَالْمَجْرُوحِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَمَّا الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ مَعَ مُقَارَفَةِ سَبَبٍ مُؤْثِمٍ كَمَنْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ فَلَهُ حُكْمُ شَهِيدِ الدُّنْيَا لَا ثَوَابُهُمْ الْكَامِلُ وَأَمَّا الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَالْأَوَّلِ فِي الثَّوَابِ لَكِنَّهُ دُونَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ وَأَحْكَامِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الشَّهِيدَ ثَلَاثَةٌ شَهِيدُ دُنْيَا وَآخِرَةٍ وَشَهِيدُ دُنْيَا فَقَطْ وَشَهِيدُ آخِرَةٍ فَقَطْ وَهَذَا الثَّالِثُ خَرَجَ بِقَوْلِ النَّاظِمِ: وَصْفُ شَهِيدِ الْحَرْبِ بَعْدَ شُمُولِهِ الْأَوَّلِينَ وَإِرَادَةُ الْغَنِيمَةِ أَوْ الْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الشَّهَادَةِ وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ وَرُوحُهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ أَيْ دَخَلَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُهَا إلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ انْتَهَى.
قَالَ مِحَشَّيْهِ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ هَيْكَلٍ هُوَ الشَّخْصُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الرُّوحِ وَالْجِسْمِ كَمَا سَيَقُولُ الشَّارِحُ قَوْلُهُ الْكَامِلَةُ مَعْنَى كَمَالِهَا: تَعَلُّقُهَا بِكُلٍّ مِنْ الرُّوحِ
وَالْجَسَدِ عَلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا سَيَقُولُ قَوْلُهُ وَاللِّبَاسُ عَلَى وَجْهٍ مُغَيَّبٍ يَعْلَمُهُ الْمَوْلَى تبارك وتعالى وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَقَامُ مَقَامُ تَسْلِيمٍ وَتَفْوِيضٍ، قَوْلُهُ " وَمِثْلُهُ كُلُّ مَقْتُولٍ. . . إلَخْ " شَيْخُنَا ظَاهِرُ النُّصُوصِ قَصْرُهُ عَلَى مُقَاتِلِ الْحَرْبَيْنِ قَوْلُهُ شُمُولُهُ لِلْأَوَّلَيْنِ يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْمُوَافِقُ لِلنُّصُوصِ مَا سَبَقَ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِبْرِيزِ فِي أَجْزَاءِ الرِّسَالَةِ السَّابِعُ أَنْ يَحْيَا حَيَاةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ ذَاتِ الرَّسُولِ تُسْقَى بِمَا تُسْقَى بِهِ ذَوَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إيَّاهَا بِذَوَاتِهِمْ بِمَثَابَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الدَّارَ دَارَانِ: دَارُ الْفَنَاءِ وَفِيهَا قِسْمَانِ مَا هُوَ نُورَانِيٌّ وَمَا هُوَ ظَلْمَانِيٌّ، وَدَارُ الْبَقَاءِ فِيهَا قِسْمَانِ مَا هُوَ نُورَانِيٌّ وَهُوَ الْجَنَّةُ وَمَا هُوَ ظَلْمَانِيٌّ وَهُوَ النَّارُ وَإِذَا زَالَ الْحِجَابُ أُمَدَّ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ دَارِ الْبَقَاءِ مَا يُوَافِقُهُ مِنْ دَارِ الْفَنَاءِ فَيَمُدُّ النُّورَانِيُّ النُّورَانِيَّ، وَالظَّلْمَانِيُّ الظَّلْمَانِيَّ ثُمَّ زَوَالُ الْحِجَابِ مُخْتَلِفٌ فَفِي حَقِّ الرُّسُلِ سَابِقٌ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَهُمْ فَوْقَ كُلِّ نُورَانِيٍّ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَوَقَعَ لِذَوَاتِهِمْ الِاسْتِمْدَادُ مِنْ نُورَانِيِّ دَارِ الْبَقَاءِ الَّذِي هُوَ الْجَنَّةُ، وَأَمَّا غَالِبُ الْخَلْقِ فَإِنَّ زَوَالَ الْحِجَابِ إنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقَعُ لَهُمْ الِاسْتِمْدَادُ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ اسْتَمَدَّ مِنْ أَنْوَارِ الْجَنَّةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الطُّغْيَانِ اسْتَمَدَّ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ - أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا - وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِمْدَادُ مَوْقُوفٌ عَلَى زَوَالِ الْحِجَابِ وَقَدْ زَالَ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا فَكَانُوا أَحْيَاءً كَحَيَاةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اهـ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَمَا بَالُك بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَانْتِقَالِهِمْ لِلرَّفِيقِ الْأَعْلَى قَالَ فِي الْإِبْرِيزِ: وَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كُنْت أَتَكَلَّفُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ فَوَقَفَ عَلَيَّ مَنَامًا فَقَالَ لِي إنَّ ذَاتِي لَيْسَتْ بِمَحْجُوبَةٍ فِي الْقَبْرِ بَلْ هِيَ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ عَامِرَةٌ لَهُ وَمَالِئَةٌ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تَطْلُبُنِي تَجِدُنِي حَتَّى إنَّكَ إذَا قُمْتَ إلَى سَارِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّلْتَ بِي إلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَكُونُ مَعَكَ حِينَئِذٍ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ فَقَالَ وَأَنَا فِيهِ بِأَجْمَعِهِ فَحَيْثُمَا طَلَبْتَنِي وَجَدْتنِي وَإِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنِّي أَنَا رَبُّكَ فَإِنَّ رَبَّكَ عز وجل غَيْرُ مَحْصُورٍ فِي الْعَالَمِ وَأَنَا مَحْصُورٌ فِيهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْإِبْرِيزِ قَالَ وَيَحْضُرُهُ يَعْنِي الدِّيوَانَ بَعْضُ الْكُمَّلِ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَيَكُونُونَ فِي الصُّفُوفِ مَعَ الْأَحْيَاءِ وَيَتَمَيَّزُونَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ زِيَّهُمْ لَا يَتَبَدَّلُ بِخِلَافِ زِيِّ الْحَيِّ وَهَيْئَتِهِ فَمَرَّةً يَحْلِقُ شَعْرَهُ وَمَرَّةً يُجَدِّدُ ثَوْبَهُ وَهَكَذَا وَأَمَّا الْمَوْتَى فَلَا تُبَدَّلُ حَالَتُهُمْ فَإِذَا رَأَيْتَ فِي الدِّيوَانِ رَجُلًا عَلَى زِيٍّ لَا يَتَبَدَّلُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ الْمَوْتَى كَأَنْ تَرَاهُ مَحْلُوقَ الشَّعْرِ وَلَا يَنْبُتُ لَهُ شَعْرٌ فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مَاتَ وَإِنْ رَأَيْتَ الشَّعْرَ عَلَى رَأْسِهِ عَلَى حَالَةٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يُحْلَقُ فَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ مَيِّتٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثَانِيهَا أَنَّهُ لَا تَقَعُ مَعَهُمْ مُشَاوَرَةٌ فِي أُمُورِ الْأَحْيَاءِ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لَهُمْ فِيهَا وَقَدْ انْتَقَلُوا إلَى عَالَمٍ آخَرَ فِي غَايَةِ الْمُبَايَنَةِ لِعَالَمِ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا تَقَعُ مَعَهُمْ الْمُشَاوَرَةُ فِي أُمُورِ عَالَمِ الْأَمْوَاتِ.
ثَالِثُهَا: أَنَّ ذَاتَ الْمَيِّتِ لَا ظِلَّ لَهَا فَإِذَا وَقَفَ الْمَيِّتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَإِنَّكَ لَا تَرَى
لَهُ ظِلًّا وَسِرُّهُ أَنَّهُ يَحْضُرُ بِذَاتِ رُوحِهِ لَا بِذَاتِهِ التُّرَابِيَّةِ وَذَاتُ الرُّوحِ خَفِيفَةٌ لَا ثَقِيلَةٌ وَشَفَّافَةٌ لَا كَثِيفَةٌ قَالَ وَالْأَمْوَاتُ الْحَاضِرُونَ فِي الدِّيوَانِ يَنْزِلُونَ إلَيْهِ مِنْ الْبَرْزَخِ يَطِيرُونَ بِطَيَرَانِ الرُّوحِ فَإِذَا قَرُبُوا مِنْ مَوْضِعِ الدِّيوَانِ نَزَلُوا إلَى الْأَرْض وَمَشَوْا عَلَى أَرْجُلِهِمْ إلَى أَنْ يَصِلُوا إلَى الدِّيوَانِ تَأَدُّبًا مَعَ الْأَحْيَاءِ وَخَوْفًا مِنْهُمْ.
قَالَ وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَحْضُرُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَحْضُرُهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَيَحْضُرُهُ فِيهَا سَيِّدُ الْوُجُودِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجُهُ الطَّاهِرَاتُ وَأَكَابِرُ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ فِي هِدَايَةِ الْمُرِيدِ: قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً أَجْزَاءَ الشَّهِيدِ وَيُحْيِيهَا فَتَنْعَمُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَيَاةُ لِلرُّوحِ لَا لِلْجَسَدِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْجُزُولِيُّ: إنَّ حَيَاةَ الشُّهَدَاءِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُكَيَّفَةٍ وَلَا مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرُ الشَّرْعِ وَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِي كَيْفِيَّتِهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهَا إلَّا مِنْ الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ اهـ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ حَيَاةَ الشُّهَدَاءِ لَيْسَتْ بِالْجَسَدِ.
وَقَالَ ابْنُ عَادِلٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَيَاتَهُمْ بِالْجَسَدِ وَإِنْ لَمْ نُشَاهِدْ الْجَسَدَ حَيًّا، فَإِنَّ حَيَاةَ الرُّوحِ ثَابِتَةٌ لِجَمِيعِ الْأَمْوَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ حَيَاةُ الشُّهَدَاءِ إلَّا بِهَا لَاسْتَوَوْا هُمْ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ إلَى مَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ ثُمَّ قَالَ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَنَّهُ يُسَرُّ بِطَاعَاتِ أُمَّتِهِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَبْلُونَ مَعَ أَنَّا نَعْتَقِدُ ثُبُوتَ الْإِدْرَاكَاتِ كَالْعِلْمِ وَالسَّمْعِ لِسَائِرِ الْمَوْتَى وَنَقْطَعُ بِعَوْدِ حَيَاةِ كُلِّ مَيِّتٍ فِي قَبْرِهِ وَبِنَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ وَهُمَا مِنْ الْأَعْرَاضِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْحَيَاةِ لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبِنْيَةِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْحَيَاةِ فِي الْأَنْبِيَاءِ فَمُقْتَضَاهَا أَنَّهَا مَعَ الْبِنْيَةِ وَقُوَّةِ النُّفُوذِ فِي الْعَالَمِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْعَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حُكْمِ الرِّسَالَةِ الْآنَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ أَصْلِ الشَّيْءِ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ الْآنَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَدُلُّ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي السَّمَوَاتِ هَلْ هِيَ دَائِرَةٌ بِالْأَرْضِ أَمْ لَا؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَسَبَقَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا مَقْبُوَّةٌ عَلَى الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ دَائِرَةً بِهَا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
مَا قَوْلُكُمْ) فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ هَلْ يَدْخُلُونَهَا قَبْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يَدْخُلُونَهَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ السَّلَامِ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ هُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُبْعَثُ وَأَوَّلُ وَارِدِ الْمَحْشَرِ كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ اهـ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ قَوْلُهُ نَبِيُّنَا وَرَدَ ثُمَّ نُوحٌ وَوَرَدَ أَيْضًا ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، قَوْلُهُ " أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ " حَكَى لَنَا شَيْخُنَا اتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ قَالَ أَنَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَأَجَابَ بِأَنِّي مِنْ أَتْبَاعِهِ الَّذِينَ يَمْشُونَ فِي خِدْمَتِهِ أَمَامَهُ كَالسُّعَاةِ فَقَوْلُهُمْ " أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " مَعْنَاهُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ اسْتِقْلَالًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَدَبَ شَيْءٌ آخَرُ إلَّا لِغَرَضٍ حَسَنٍ.
وَفِي أَوَائِلِ مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ فِي بَيَانِ الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ أَوَاخِرُ عَهْدِ دَوَامِ الْوُضُوءِ مَا نَصُّهُ: " رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا بِلَالُ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ إنِّي دَخَلْت الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا» وَمَعْنَى خَشْخَشَتْكَ أَمَامِي أَيْ رَأَيْتُك مُطْرِقًا بَيْنَ يَدِي كَالْمُطْرِقِينَ بَيْنَ يَدِي مُلُوكِ الدُّنْيَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الصَّفْتِيُّ فِي نُزْهَةِ الْأَرْوَاحِ فِي بَعْضِ أَوْصَافِ الْجَنَّةِ دَارِ الْأَفْرَاحِ الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَفِي سَبْقِ الْفُقَرَاءِ لِدُخُولِهَا قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ وَفِيمَنْ يَدْخُلُهَا بِلَا حِسَابٍ: اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِك أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ» .
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْدَمُ بَابَ الْجَنَّةِ» .
فَإِنْ قُلْتُ هَذَا يُنَافِيه عِدَّةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْحِسَابِ فَهُمْ أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ الثَّانِي أَنَّهُ وَرَدَ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ بِمَ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ فَمَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ إلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَقَالَ بِلَالٌ: مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إلَّا تَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا» كَمَا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
الثَّالِثُ مَا وَرَدَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَقْدُمُ بَابَ الْجَنَّةِ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيه. الرَّابِعُ مَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الْجَنَّةِ أَنَا إلَّا أَنَّ