الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْكَلْبِيُّ كَانَ يَعْقُوبُ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، وَكَانَ أَصْلُ وَجَعِهِ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ حَرَّانَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَلَقِيَهُ مَلَكٌ، وَهُوَ خَلْفَ الْأَثْقَالِ فَظَنَّ يَعْقُوبُ أَنَّهُ لِصٌّ فَعَالَجَهُ أَنْ يُصَارِعَهُ فَغَمَزَ الْمَلَكُ فَخِذَ يَعْقُوبَ فَكَانَ يَبِيتُ اللَّيْلَ سَاهِرًا، وَيَنْصِبُ نَهَارَهُ فَأَقْسَمَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانَهَا، وَكَانَا أَحَبَّ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ إلَيْهِ.
ثُمَّ اسْتَنَّ، وَلَدُهُ بِسُنَّتِهِ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِيهَا لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَلْبَانَهَا لِتَحْرِيمِ إسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودَ فَقَالُوا: كُلُّ شَيْءٍ أَصْبَحْنَا الْيَوْمَ نُحَرِّمُهُ فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى نُوحٍ حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 93] إلَى قَوْلِهِ {فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] فِي دَعْوَاكُمْ فَكَرِهُوا أَنْ يَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ. فِي التَّوْرَاةِ غَيْرُ الَّذِي حُرِّمَ بِظُلْمِهِمْ، وَكُفْرِهِمْ فَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ حَلَالٌ الْيَوْمَ كَانَ حَلَالًا لِآدَمَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَمَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْيَهُودِ فَبِظُلْمِهِمْ كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إذَا أَصَابُوا ذَنْبًا عَظِيمًا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ طَعَامًا طَيِّبًا وَصَبَّ عَلَيْهِمْ رِجْسًا، وَهُوَ الْمَوْتُ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] وَقَوْلُهُ {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ} [الأنعام: 146] .
وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّوْرَاةِ، وَكَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ حَلَالًا لَهُمْ فَالْآيَةُ رَدٌّ عَلَى الْيَهُودِ أَيْضًا كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى دِينِنَا، وَالْمُحَرَّمَاتِ الْيَوْمَ مُحَرَّمَاتُ زَمَانِهِ، وَلَا يَرَوْنَ نَسْخَ الشَّرَائِعِ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُحَرَّمَاتِ زَمَنِ إبْرَاهِيمَ، وَلَسْتُمْ عَلَى دِينِهِ. ثُمَّ قَالَ، وَحُرِّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ مَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] الْآيَةَ، وَالْيَهُودُ كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا: كُلُّهُ كَانَ حَرَامًا مِنْ زَمَنِ نُوحٍ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] فَاسْتَحْضَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُحْضِرُوهَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ، وَفِي ذَلِكَ أَوْضَحُ دَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ.
[مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَحَلَفَ وَقَالَ، وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْرُبُهَا بِجِمَاعٍ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إنْ قَصَدَ تَعْلِيقَ لُزُومِ الْأَيْمَانِ لَهُ عَلَى جِمَاعِهَا فَهُوَ مُولٍ، وَحَالِفٌ عَلَى تَرْكِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِيهَا، وَفِي كُلِّ مَنْ فِي عِصْمَتِهِ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ، وَهَكَذَا مَنْ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهِ وَقَبْلَ، وَطِئَهَا فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ: يُنْجَزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ لَعَلَّهَا تَرْضَى بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْقَسَمَ بِالْأَيْمَانِ كَمَا يُقْسِمُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ فَإِنْ قَالَ بِصَوْمِ الْعَامِ وَجَعَلَ الصَّوْمَ مُقْسَمًا بِهِ كَمَا يُقْسِمُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا صَوْمُ الْعَامِ لَا فَعَلْت لَا شَيْءَ فِيهِ، وَكَانَ شَيْخُنَا - عَلَيْهِ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ - يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ كَثِيرًا يُوهِمُ السَّامِعَ أَنَّهُ حَلَفَ، وَمِنْ هُنَا لَوْ قَالَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ جَاعِلًا كُلًّا مِنْهُمَا مُقْسَمًا بِهِ كَمَا يُقْسِمُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ حَلَّ عِصْمَةٍ، وَلَا تَحْرِيرًا لَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ شَيْخِنَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَنَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ، وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ فَهَلْ يُنْجَزُ الثَّلَاثُ أَوْ يُضْرَبُ الْأَجَلُ لَعَلَّهَا تَرْضَى بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ - خِلَافٌ اهـ. قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ، وَيَلْزَمُ الْحَلِفُ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ عِتْقِ مَنْ يَمْلِكُ حِينَ الْحِنْثِ، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ، وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ، وَصَوْمُ سَنَةٍ إنْ كَانَ مُعْتَادًا لِلْيَمِينِ بِهَا، وَطَلَاقُ نِسَائِهِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِيهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَاتِبِ، وَجُلِّ فُقَهَاءِ الْقَيْرَوَانِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَهُوَ الَّذِي أَسْتَحْسِنُهُ، وَكَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ بِهِ أَيْضًا فُقَهَاءُ طُلَيْطِلَة قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ فِي، وَثَائِقِهِ.
وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ، وَأَقُولُ بِهِ إلْزَامُهُ الْوَاحِدَةَ، وَبِهِ قَالَ أَيْضًا الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْأَنْدَلُسِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ رَافِعٍ رَأْسَهُ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْقَيْرَوَانِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جُلُّ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ، وَفُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ. قَالَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبٍ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ الْحَالِفَ الْيَوْمَ بِهَا الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ الْيَوْمَ يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ التَّغْلِيظُ، وَالتَّشْدِيدُ وَقَدْ قَارَبَتْ الْفَتْوَى بِهَا الْيَوْمَ الْخُرُوجَ