الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهَا بَلْ رُبَّمَا كَانَ أَقْوَى مِنْ حَيْثِيَّةِ دَلَالَةِ لَفْظِ الِالْتِزَامِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْإِمْضَاءِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَشْهَدَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِمَا قَضَى بِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا لِفُلَانٍ وَهُمَا حَاضِرَانِ أَوْ غَائِبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ لَزِمَهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَالْمَعْرُوفُ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَمَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَالَهُ عَلَى مَيِّتٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ إذَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَ اهـ.
قُلْت وَذِكْرُ الْإِشْهَادِ هُنَا لَيْسَ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ إنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِمَّا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ سَمِعْت مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِبَيِّعِهِ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهُ قَوْلًا بَيِّنًا ثُمَّ رَجَعَ لَمْ أَرَ لَهُ ذَلِكَ وَرَأَيْتُهُ لَازِمًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك بِعْ وَالنُّقْصَانُ عَلَيَّ، فَهَذَا أَمْرٌ قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَعْرُوفُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ أَوْ بَعْدَ مَا انْتَقَدَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ انْتَقِدْنِي وَبِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ اهـ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ النَّوْعِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَاكَ مَعَ ذِكْرِ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَالْوَفَاءُ بِهَا لَازِمٌ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ وَفِيهَا مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ اهـ.
وَقَدْ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَكِتَابِ الْمِدْيَانِ وَقَدْ اغْتَرَّ بِذَلِكَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَنَسَبَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لِكِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ.
[الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ]
(مَسْأَلَةٌ) مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُنْفِقِ أَوْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ أَوْ حَتَّى يَقْدُمَ زَيْدٌ أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَزِمَهُ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَعَدِّي أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ إنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ بِهَا فَلَهُمَا الرِّبْحُ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرِّبْحُ لِلْمُتَعَدِّي وَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ وَعَمِلَ مَعَهُ فَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا أَعَانَهُ، وَإِنْ رَضِيَ وَلَمْ يَعْمَلْ مَعَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يُوجِبُ الرِّضَا دُونَ بَسْطٍ إلَيْهِ ضَمَانًا، وَلَا رِبْحًا إلَّا مِنْ وَجْهِ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ لَك نِصْفُ مَا أَرْبَحُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ فَلَهُ طَلَبُهُ بِذَلِكَ
مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ كَتَبْت عَنْ بَعْضِ شُيُوخِي أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ فُلَانٍ هَذِهِ السَّنَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَمْرَضْ أَوْ يُفْلِسْ اهـ.
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْفُرُوعُ الْآتِيَةُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْقَضَاءِ بِذَلِكَ.
(فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ تَدْخُلُ الْكِسْوَةُ فِي النَّفَقَةِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ ابْنُ زَرِبٍ فِي مَسَائِلِهِ فِيمَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ وَأَبِي أَنْ يَكْسُوَهُ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت الْإِنْفَاقَ لَا الْكِسْوَةَ وَطَلَبَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ الْكِسْوَةَ مَعَ النَّفَقَةِ فَشَغَلَتْ بَالِي مُدَّةً ثُمَّ ظَهَرَتْ لِي فَأَلْزَمَتْهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَكْسُوَهُ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيَكْسُوهَا فَالْكِسْوَةُ دَاخِلَةٌ فِي النَّفَقَةِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي قَوْلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ يُحْكَمُ بِهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْآبَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْعَبِيدِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ إذَا كَثُرَ الْمَالُ وَالسَّفَرُ بَعِيدٌ، وَأَمَّا مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى أَحَدٍ إحْسَانًا إلَيْهِ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت الِاطِّعَامَ لَا الْكِسْوَةَ وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ الْتَزَمْت لِي إنْفَاقًا مُجْمَلًا فَاكْسُنِي كَمَا تُطْعِمُنِي فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ عِنْدِي بِدَلِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الْعَبْدُ السَّنَةَ عَلَى أَنَّ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ نَفَقَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ، فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَلَوْ شَرَطَ الْكِسْوَةَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَ الْكِسْوَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَقْتَضِي الْكِسْوَةَ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ مُقْتَضِيَةً لَهَا لَقَالَ لَهُ إذَا سَأَلَهُ عَنْهَا لَفْظُ النَّفَقَةِ يَقْتَضِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى إنْسَانٍ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَقَالَ هَذَا الَّذِي أَرَدْت، وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ لَصَدَقَ الْمُلْتَزِمُ وَمَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا.
وَفِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِحَائِطِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مَأْبُورَةٌ أَوْ طَيِّبَةٌ وَقَالَ إنَّمَا تَصَدَّقْتُ بِالْأَصْلِ لَا الثَّمَرَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِلَا يَمِينٍ، وَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ يَتَخَرَّجُ مِنْ بَعْضِ مَسَائِلِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْلِفُ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَنْ اسْتَرْعَى أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ عَبْدُهُ أَوْ مَتَى حَبَسَ دَارِهِ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا ثُمَّ أَعْتَقَ أَوْ حَبَسَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ الْبَيِّنَةُ ذَلِكَ وَصَدَقَ فِيمَا يَدَّعِيه وَيَذْكُرُهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ زَرِبٍ أَنَّ كُلَّ مُتَطَوِّعٍ مُصَدَّقٌ وَأَمَّا إنْ قَالَ مُلْتَزِمُ الْإِنْفَاقِ لَمْ تَكُنْ لِي نِيَّةٌ فِي مَطْعَمٍ، وَلَا مَلْبَسٍ إنَّهُ يُقَالُ لَهُ قُمْ بِهِمَا جَمِيعًا اهـ.
مُخْتَصَرًا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِدُخُولِ الْكِسْوَةِ فِي مُسَمَّى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ مُسَمَّاهَا لَزِمَ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ إنَّمَا أَرَدْت الْإِطْعَامَ كَمَا لَوْ قَالَ مَا أَرَدْت إلَّا الْكِسْوَةَ لَمْ يُقْبَلْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ثُمَّ رَأَيْت لِلْمُتَيْطِيِّ إثْرَ قَوْلِهِ قُمْ بِهِمَا: لَعَلَّ جَوَابَ ابْنِ زَرِبٍ فِي هَذَا وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَإِذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ لَفْظُ النَّفَقَةِ
الْكِسْوَةَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى نِيَّةً فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِمَا نَوَى قَالَ الْمُتَيْطِيُّ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ زَرِبٍ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَوْصَى بِنَفَقَةِ رَجُلٍ حَيَاتَهُ أَخْرَجَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ مَا يَقُومُ بِهِ مُنْتَهَى سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ مَاءٍ وَحَطَبٍ وَطَعَامٍ وَكِسْوَةٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا وَاضِحٌ يَعْنِي كَلَامَ الْمُتَيْطِيِّ إلَّا قَوْلَهُ إنَّمَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا نَوَى بَلْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ وَفِيهَا فِي كِتَابَ الشَّرِكَةَ مَا نَصُّهُ: أَرَأَيْت الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَيْفَ يَصْنَعَانِ فِي نَفَقَتِهِمَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُلْغَى نَفَقَتُهُمَا مَعًا وَفِي بَابِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَمَّا قَالَ مَالِكٌ تُلْغَى النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا عَلِمْنَا أَنَّ مَا أَنْفَقُوا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَتُلْغَى الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ تُلْغَى النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ مِثْلُ النَّفَقَةِ. اهـ وَمَجْمُوعُهُ دَلِيلٌ لِابْنِ زَرِبٍ.
وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ طَاعَ بِالْتِزَامِ نَفَقَةِ رَبِيبِهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ طَلَّقَ أُمَّهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا هَلْ تَعُودُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الرَّبِيبِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَهَا الْكِسْوَةُ؟
فَأَجَابَ بِبَقَاءِ لُزُومِهَا مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ دُونَ الْكِسْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ زَرِبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ يُوجِبُونَ الْكِسْوَةَ مَعَ الطَّعَامِ مُحْتَجِّينَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَلَا أَدْرِي ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَقَدْ تُعُورِفَتْ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ فِي الطَّعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَاصِلُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ثُمَّ تَخَصَّصَتْ عِنْدَهُ عُرْفًا بِالطَّعَامِ فَقَطْ وَتَقَرَّرَ فِي مَبَادِئِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ.
قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لَفْظَ النَّفَقَةِ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَعَلَى الطَّعَامِ فَقَطْ وَأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُلْتَزِمُ اللَّفْظَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَزِمُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْآخَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالِي هَذَا يَرْجِعُ كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ وَالْمُتَيْطِيِّ غَيْرَ أَنَّ فِي قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ مُسَامَحَةً وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عِنْدَ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ مِنْ نَوَازِلِهِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ قَوْلُ الْمُحْبِسِ فَمَا كَانَ مِنْ نَصٍّ جَلِيٍّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ إنَّهُ أَرَادَ مَا يُخَالِفُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ، وَلَا يُخَالِفُ حَدَّهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمَا كَانَ مِنْ كَلَامٍ مُحْتَمِلٍ لِوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ أَظْهَرَهَا أَصْلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ بَاقِيهَا إذَا كَانَ الْمُحْبِسُ قَدْ مَاتَ فَفَاتَ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ إذْ هُوَ أُعْرَفُ بِمَا أَرَادَ وَأَحَقُّ بِبَيَانِهِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا وَفَسَّرَ اللَّفْظَ بِأَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِهِ وَلَوْ كَانَ خِلَافَ الْأَظْهَرِ، وَلَا