الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ فَفِي مَدْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفِعْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَتَعْرِيفِهِ النَّاسَ بِفَضْلِ كَلَامِهِ وَفَضْلِ مَا صَنَعَ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ بِذَلِكَ الذِّكْرِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ سبحانه وتعالى وَتَعْظِيمٌ لَهُ يَصْلُحُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ سِرًّا وَجَهْرًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ بِكَلَامٍ يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ سِرًّا مَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ جَهْرًا وَهَذَا وَاضِحٌ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ.
ثُمَّ قَالَ وَكَانَ شَيْخُنَا سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ يَقُولُ: إذَا جَرَى النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ وَلَهُ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ وَكَانَ لِلْإِنْسَانِ مُخْتَارٌ غَيْرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُخْتَارِهِ فَيُدْخِلَ عَلَيْهِمْ شَغَبًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَحِيرَةً فِي دِينِهِمْ.
فَمِنْ شَرْطِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى أَنَّهُ مُنْكَرٌ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ هُوَ نَصُّ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ عِيَاضٌ فِي إكْمَالِهِ: لَا يَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَإِنَّمَا يُغَيِّرُ مَا أُجْمِعَ عَلَى إحْدَاثِهِ وَإِنْكَارِهِ وَرَشَّحَ هَذَا النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ قَائِلًا مَا نَصُّهُ: أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إنْكَارَ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصَّ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ، وَنَحْوُ هَذَا فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ وَهُوَ نَصُّ عِزِّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ: وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي كَرَاهِيَتِهِ لَا فِي تَحْرِيمِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَرُبَّمَا يَئُولُ الْإِنْكَارُ إلَى أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
[مَسَائِلُ الْجُمُعَةِ]
[الْعَدَد المشترط فِي الْجُمُعَةَ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجُمُعَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي الْجَمَاعَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ إذَا كَانَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ شَافِعِيًّا وَنَوَى إعَادَةَ الْجُمُعَةِ فَهَلْ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ لِلْمَالِكِيِّينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ إنْ أَمْكَنَتْ أَوْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلْمَالِكِيِّينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهَا جُمُعَةً إنْ أَمْكَنَتْ وَإِلَّا فَظُهْرًا لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْبَعْضِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ قَلَّدَ إمَامَنَا مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَنْ سَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ حَيْثُ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ نَاوِيًا إعَادَتَهَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْإِرْشَادِ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ
قَوْلِ أَبِي الضِّيَاءِ سَيِّدِي خَلِيلٍ وَنُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ أَنْ يُعِيدَ مُفَوِّضًا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِعَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِيَّةِ بَعْدَمَا نَوَى فَرْضَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ طَرَأَتْ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا وَأَمَّا إنْ حَصَلَتْ لَهُ حَالَ نِيَّةِ الْأُولَى فَلَا تُجْزِئُ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ ثَوْبَيْهِ فَيَتَحَرَّى مَا نَصُّهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَسْت أَنَا أَرَى ذَلِكَ بَلْ يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يُعِيدُ فِي الْآخَرِ مَكَانَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ طَاهِرًا.
ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ لَمْ يُجْزَمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهَا فَرْضُهُ وَكَذَا إذَا أَعَادَهَا فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ لَمْ تَخْلُصْ النِّيَّةُ لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى أَنَّهَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ هُوَ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ فِي جَامِعِ الْقَوْلِ فِي الْإِمَامَةِ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْزِئَهُ انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَعَادَ بِوَقْتِ مَا يُنَاسِبُ هَذَا وَنَصُّهُ فِيهَا لِمَالِكٍ إذَا أَيْقَنْت أَنَّ الْإِمَامَ قَدَرِيٌّ أَوْ حَرُورِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُمْ وَلَا الْجُمُعَةَ فَإِنْ أَيْقَنْتَهُ وَخِفْتَهُ فَصَلِّ مَعَهُ وَأَعِدْ ظُهْرًا وَوَقَفَ مَالِكٌ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ ابْنُ يُونُسَ اُنْظُرْ قَوْلَهُ أَعِدْ ظُهْرًا مَعَ وُقُوفِهِ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى تَقِيَّةً صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ لَا تُجْزِئُهُ الْأُولَى.
وَأَمَّا الَّذِي وَقَفَ فِيهِ مَالِكٌ فَقَدْ قَصَدَ الِائْتِمَامَ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا فَرْضُهُ وَلَا يُعِيدُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ اهـ.
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ لَا تُجْزِئُهُ الْأُولَى فَإِنَّهَا قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ مَسْأَلَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ الْأُجْهُورِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي قَوْمٍ قَلِيلِينَ نَزَلُوا فِي أَرْضِ زِرَاعَةٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ مِنْ قُرَى مِصْرَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي أَذِنَ فِي عِمَارَتِهَا الْحَاكِمُ وَتُسَمَّى أَبْعَدِيَّةً وَبَنَوْا قَرْيَةً، وَبَنَى مَعَهُمْ نَاسٌ مُتَغَرِّبُونَ مِنْ بِلَادِهِمْ وَبَنَوْا مَسْجِدًا فَهَلْ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت: نَعَمْ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ قُرَى مِصْرَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ غَالِبًا وَحِينَئِذٍ فَبَيْنَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمُحْدَثَةِ وَبَيْنَ إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إحْدَاثِهَا بِقُرْبِهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ كَمَا نَقَلَهُ التَّتَّائِيُّ وَنَصَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا بِقُرْبِهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ اتِّفَاقًا وَفِي جَوَازِهِ بِأَزْيَدَ مِنْهَا أَوْ بِبُعْدِهَا بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ ثَالِثُهَا بَرِيدٌ لِلْبَاجِيِّ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ نَقْلِ الشَّيْخِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِّ لِكُلِّ قَرْيَةٍ أَنْ يَجْمَعُوا وَلَوْ قَرِبُوا وَلَا نَصَّ فِي مَنْعِهِ قُصُورٌ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.