الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهِمَا قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ الْمُتَقَدِّمُ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَلِهَذَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْقَضَاءِ بِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إنْ لَمْ آتِ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِمُسْتَنَدٍ فِي وَقْتِ كَذَا فَدَعْوَايَ بَاطِلَةٌ، أَوْ دَعْوَى خَصْمِي حَقٌّ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَلْزَمُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِبُطْلَانِهِ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ قَوْلٌ بِاللُّزُومِ فِيهِ، وَقَدْ كَثُرَ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ جَهَلَةِ قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ فَيَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ.
وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوفِهِ حَقَّهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي بُطْلَانِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحُ الرِّبَا وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، أَوْ مَنْفَعَةً، وَقَدْ رَأَيْت مُسْتَنَدًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُ قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ الْفُضَلَاءِ بِمُوجِبِ الِالْتِزَامِ وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ إلَّا غَفْلَةً مِنْهُ.
وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ أَنَّهُ لَمْ يُوفِ حَقَّهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا لِفُلَانٍ أَوْ صَدَقَةٌ لِلْمَسَاكِينِ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَعْقُودِ لَهُ هَذَا الْبَابُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ يُقْضَى بِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَخْرَجْتُك مِنْ الدَّارِ فَلَكَ أَلْفٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ صُوَرِ هَذَا الْبَابِ وَيَدْخُلُهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ الْخَصْمَانِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُفِيدِ أَيْضًا وَسُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا أَخَافُ أَنْ يَخْلُفَنِي فَيَقُولُ إنْ أَخْلَفْتُك فَكِرَاءُ الدَّابَّةِ عَلَيَّ ثُمَّ يَخْلُفُهُ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لِلْأُخَرِ إنْ لَمْ أُوَافِك عِنْدَ السُّلْطَانِ فَكِرَاءُ دَابَّتِك عَلَيَّ وَكَانَ الْإِمَامُ فِي بُعْدٍ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ الشَّيْخُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: امْشِ لِلْقَاضِي، وَأَنَا أَلْحَقُك، فَإِنْ لَمْ أَلْحَقْك فَتِلْكَ الدَّابَّةُ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَ كِرَاءَهَا ابْنُ يُونُسَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي غُرْمِ مَالِهِ بِوَعْدِهِ، فَإِذَا أَخْلَفَهُ لَزِمَهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ، وَأَنَا أُعِينُك فِيهِ بِكَذَا فَاشْتَرَاهُ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِيهِ بِوَعْدِهِ اهـ.
قُلْت: لَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ هُوَ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ أَبِي الْحَسَنِ قُلْت: وَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا أَدْخَلَهُ فِي غُرْمِ كِرَاءِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي غُرْمِ شَيْءٍ فَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ بِالِالْتِزَامِ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَالظَّاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْأَيْمَانِ وَسُئِلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ رَجُلٍ الْتَزَمَ النَّفَقَةَ عَلَى حَفِيدَيْهِ مُدَّةَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَسَكَّنَاهُمَا مَعَ أُمِّهِمَا وَشَرَطَ عَلَى أُمِّهِمَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ وَرَضِيَتْ وَالْتَزَمَتْ لِحَمَاهَا مَتَى تَزَوَّجَتْ
قَبْلَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ كَانَ لِحَمَاهَا عَلَيْهَا مِائَةُ دِينَارٍ صَدَقَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَتُجْبَرُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَوَجَبَتْ الْمِائَةُ لِلْحَمَى فَأَشْهَدَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى حَفِيدَيْهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ قَبْلَ رُشْدِ الْوَلَدَيْنِ فَقَامَ وَرَثَتُهُ بِطَلَبِهَا إذْ لَمْ تَحُزْ عَنْهُ، وَقَالَ الْحَفِيدُ إنَّا لَمْ نَزَلْ فِي كَفَالَتِهِ وَلَا تُفْتَقَرُ لِحَوْزٍ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ الْتَزَمْت شَيْئًا لَا يَلْزَمنِي فَأَنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوَاجِبِ الشَّرْعِ.
فَأَجَابَ وَقَفْت عَلَى الْمَكْتُوبِ وَجَمِيعُهُ غَيْرُ مُفِيدٍ وَقُصَارَى مَا فِيهِ الْكَلَامُ عَلَى يَمِينِ الْمَرْأَةِ وَالْتِزَامِهَا لِحَمَاهَا وَتَزْوِيجِهَا قَبْلَ الْمُدَّةِ، وَقَوْلُهَا تُؤْمَرُ وَتُجْبَرُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهَا بِلَا خِلَافٍ عَلِمَتْهُ إذَا كَانَ الْيَمِينُ كَمَا ذُكِرَ وَلَا تُجْبَرُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا سَقَطَ جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت تَقَدَّمَ مُعَارَضَتُهَا إذَا كَانَتْ بِيَمِينٍ لِمَا فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ فَالشَّاةُ تُجْزِئُهُ، وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا، فَعَلَيَّ هَدْيٌ فَحَنِثَ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ بَدَنَةً إلَخْ وَيُعَارِضُهُ أَيْضًا إذَا الْتَزَمَ فِي مَسْأَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَانْظُرْ مَسَائِلَ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ وَمَا فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ فَلَا يَبْعُدُ جَرَى هَذَا عَلَيْهِ اهـ.
قُلْت: أَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ الْمُفْتِي فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ لَعَلَّهُ تَبِعَ فِيهِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَلِابْنِ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوُ هَذِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى هُوَ وَابْنُ رُشْدٍ بِعَدَمِ اللُّزُوم وَنَصُّهَا: " امْرَأَةٌ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى: إنْ حَطَّتْ عَنْهُ جَمِيع كَالِئِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الْخُلْعِ، وَعَلَى أَنَّهَا: إنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عَامٍ مِنْ تَارِيخِ الْخُلْعِ فَعَلَيْهَا مِائَةُ مِثْقَالٍ، فَنَفَذَتْ الْفَتْوَى فِيهَا بِأَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ الْعَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ أَفْتَيْتُ أَنَا وَابْنُ رُشْدٍ اهـ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُعَارِضُ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ أَمَّا النَّذْرُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ جَارٍ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْتِزَامِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ الْمُعْتَقِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْحَالِفَة عَلِمَتْ أَنَّ الْتِزَامَ الْمَذْكُورِ يَلْزَمُهَا عَلَى قَوْلٍ وَقَلَّدَتْ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَالْتَزَمَتْهُ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي فَصْلِ الِالْتِزَامِ " عَدَمُ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَقْلِيدَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ بِهِ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَأَمَّا الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ إذَا لَمْ تُعَلَّقْ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ تَمْلِيكٍ لِلْعِصْمَةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ الضَّابِطِ عَنْ امْرَأَةٍ الْتَزَمَتْ لِزَوْجِهَا أَنَّهَا مَتَى رُدَّتْ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً فَمِائَةُ دِينَارٍ عَلَيْهَا وَقَبِلَهَا وَفِي ذِمَّتِهَا لِلزَّوْجِ الثَّانِي فَفَارَقَهَا الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ فَتَزَوَّجَتْ الْأَوَّلَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَزِمَهَا مَا الْتَزَمَتْهُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت هَذِهِ تُعَارِضُ الَّتِي
قَبْلَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الِالْتِزَامَ لِلزَّوْجِ أَشَدُّ لِحَدِيثٍ إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ. . . إلَخْ فَلِهَذَا وَجْهٌ اهـ.
قُلْت: أَمَّا مُعَارَضَتُهَا لِلَّتِي قَبْلَهَا فَظَاهِرَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا جَارِيَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَهَذِهِ جَارِيَةٌ عَلَى مُقَابَلَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي إنَّمَا هُوَ فِي اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ شُرُوطًا وَنَصُّ الْحَدِيثِ «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ نَحْوُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِاللُّزُومِ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَحَنِثَ أَنَّهُ يُجْبَرُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ.
وَنَصُّ الْمَسْأَلَةِ وَشَرْحُهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَأْخُذْ ثُمَّ أَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَهِيَ عَلَى خَلْعِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يُشْبِهُ عَقْدَ النِّكَاحِ إذْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا كَمَا يَمْلِكُ الْمَرْأَةَ بِالنِّكَاحِ زَوْجُهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تُلْزَمَ الشُّرُوطَ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَوْ تَرْكِ النِّكَاحِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّحْجِيرِ الْمُبَاحِ كَمَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِعَقْدِ يَمِينٍ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: فَإِنْ فَعَلْت فَعَبْدُهَا حُرٌّ، أَوْ مَالُهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَيَلْزَمُهَا إنْ فَعَلَتْ حُرِّيَّةٌ الْعَبْدِ، أَوْ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهَا، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا كَذَا وَكَذَا الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَحَنِثَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَلَوْ قَالَتْ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا لِزَوْجِهَا كَذَا وَكَذَا لَبَطَلَ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى قِيَاسِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ سَعْدٍ بَعْدَ هَذَا، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَرَامٌ وَلَزِمَهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ طُولَ عِدَّتِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا كِرَاءً فَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ اهـ.
وَمَسْأَلَةُ رَسْمِ سَعْدٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ رَسْمِ سَعْدٍ صُورَتُهَا أَنَّ زَوْجَتَهُ خَالَعَتْهُ عَلَى أَنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ إلَيْهَا مَالَهَا فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ مَا أَخَذَ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَئُولُ بِذَلِكَ إلَى فَسَادٍ إذْ لَا تَدْرِي هَلْ يَرْجِعُ إلَيْهَا فَيَكُونُ سَلَفًا، أَوْ لَا يَرْجِعُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَئُولُ إلَى فَسَادٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلْتَزِمَ الصَّدَقَةَ لِزَوْجِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِالصَّدَقَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَفِي