الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهَا بِنَحْوِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَقَالَ إنَّهَا ذُكِرَتْ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي الَّذِينَ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ فِي الْقَسَامَةِ فَيَنْكُلُونَ ثُمَّ يَقُولُونَ بَعْدُ نَحْنُ نَحْلِفُ قَالَ كُلُّ مَنْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَأَبَاهَا، فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِتَرْكِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي تَرْكِهَا عُذْرٌ بَيِّنٌ قَالَ سَحْنُونٌ يُرِيدُ بِالْعُذْرِ مِثْلُ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ الْمَيِّتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ يَكُونَ أَوْصَى بِوَصَايَا وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ]
(فَرْعٌ) مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَتِهِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَمِنْ الْحَزْمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ بَيِّنَتَهُ مَا عَلِمَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَعْلَمْ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْبَيِّنَةِ اهـ. وَكَذَا الِالْتِزَامُ مِنْ الْمُدَّعِي مُعَلَّقٌ عَلَى حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِي الْتِزَامَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ.
(فَرْعٌ) وَمِنْهُ أَيْضًا مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِحُقُوقٍ عَدَّدَهَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى بَعْضِهَا وَلَهُ عَلَى بَعْضِهَا بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ وَطَلَب حَلِفَهُ عَلَى مَا لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَبَقَاءَهُ عَلَى مَا لَهُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى مَا لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا زَعَمَ أَنَّ لَهُ فِيهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ عَلَيْهِ يَمِينٌ، فَإِنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ حَلَّفَهُ الْآنَ عَلَى مَا زَعَمَ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَعْجِلْ بِيَمِينِهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ أَقَامَهَا وَإِلَّا جَمَعَ دَعَاوِيَهُ وَحَلَفَ لَهُ عَلَى الْجَمِيعِ. نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي فَصْلِ:" مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ ".
(فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: وَلِّنِي إنْكَاحَ ابْنَتِك وَلَك كَذَا وَكَذَا، أَوْ يَجْعَلُ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ بِجَعْلٍ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ وَيَرُدُّ الْجَعْلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَهُ عَزْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إنْ شَاءَ، فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ رَدَّ الْجَعْلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَرَضِيَتْ بِالزَّوْجِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ كَانَتْ بِكْرًا فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَتْ مَالِكَةً، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا الزَّوْجُ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ فُسِخَ النِّكَاحُ إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا رَأَيْتُ أَنْ يَثْبُتَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا مِنْهَا.
وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا فَوَّضَتْ إلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيُزَوِّجَهَا مِمَّنْ يَشَاءُ فَزَوَّجَهَا كُفُؤًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ سَمَّى لَهَا أَمْ لَا بِكْرًا كَانَتْ أَمْ ثَيِّبًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْجَعْلُ فِي هَذَا وَقَالَ إنَّهُ لَا يَحِلُّ وَلَا يَصْلُحُ
مِنْ أَجْلِ أَنَّ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَعْزِلَهُ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْجَعْلِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ فِيهِ لَجَازَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونَ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا الزَّوْجَ إذَا رَضِيَتْ بِالْأَمْرِ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ وَالثَّيِّبِ إذَا كَانَ سَمَّى لَهَا الزَّوْجَ وَعَرَفَتْهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الَّذِي أَعْطَى عَلَيْهِ الْمَالَ مِنْ تَزْوِيجِ وَلِيَّةِ الرَّجُلِ لِمَنْ يُحِبُّ تَمَّ لَهُ فَيَرْتَفِعُ الْغَرَرُ وَالْخَطَرُ.
وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: وَلِّنِي بَيْعَ دَارِك بِكَذَا وَكَذَا وَلَك كَذَا وَكَذَا وَالْوَجْهُ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ لِلْمَجْعُولِ لَهُ رُجُوعًا فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِ بِمَا أَعْطَاهُ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِي ذَلِكَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَ فِيهِ حَقٌّ لِلْوَلِيَّةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا يَزْهُو بِاسْتِنْبَاطِهِ إيَّاهُ وَاهْتِدَائِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ جُعْلٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ وَفِي الْبَيْعِ جُعْلٌ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ إذْ قَدْ يَشْتَرِطُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ الْجُعْلِ فَيَكُونُ قَدْ انْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي صَارَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَهُ الْوَلِيُّ مِنْ حِنَّاءٍ، أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلزَّوْجَةِ فَصَارَ قَدْ أَعْطَى الْجُعْلَ عَلَى مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ قَائِلِهِ إذْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً فَبَاعَهَا وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ لِرَبِّ السِّلْعَةِ كَمَا شَرَطَ الْوَلِيُّ عَلَى الزَّوْجِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا سِوَاهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى النِّكَاحِ إذْ لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَذُكِرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَلْزَمُهَا إذَا لَمْ تَرْضَ بِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا رَضِيَتْ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْقُرْبِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُعْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَلِّنِي بَيْعَ دَارِك وَلَك عِنْدِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ قَالَ إذَا فَعَلَ وَسَمَّى لِلدَّارِ ثَمَنًا فَالْعَشَرَةُ لَازِمَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ وَسَمَّى لِلدَّارِ ثَمَنًا يَزِيدُ أَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الِاجْتِهَادَ فِي بَيْعِهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ لَهُ الْعَشَرَةَ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا أَرَادَ مِنْ بَيْعِهَا لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْغَرَضِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا وَلَا فَوَّضَ إلَيْهِ الِاجْتِهَادَ فِيمَا يَبِيعُهَا بِهِ لَمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ إذْ لَعَلَّهُ لَا يَرْضَى أَبَدًا بِبَيْعِهَا بِمَا يُعْطِي فِيهَا فَتَذْهَبُ الْعَشَرَةُ الَّتِي أَعْطَى بَاطِلًا، أَوْ يَرُدُّ فَيَكُونُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَإِذَا وَلَّى لَهُ بَيْعَ الدَّارِ عَلَى مَا بَذَلَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْوَلِيَّةِ الْمُزَوَّجَةِ عَلَى مَا مَضَى فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ
مَالِكٌ مَنْ قَالَ: دُلَّ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي جَارِيَتِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَدَلَّ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ، وَمَنْ قَالَ دُلَّ عَلَى مَنْ أُؤَاجِرُهُ نَفْسِي وَلَك كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ لَهُ، وَمَنْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا وَلَك كَذَا وَكَذَا فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ سَحْنُونٌ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَأَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ فِي النِّكَاحِ مِثْلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْبَيْعِ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ وَالصَّرْفُ مِنْ سَمَاعِهِ مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ إنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ وَلَا مَنْ يَبِيعُ مِنْهُ وَلَا مَنْ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى امْرَأَةٍ تَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَيْ أَشِرْ عَلَيَّ بِامْرَأَةٍ تَعْلَمُ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِي، وَهَذَا لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُ دُونَ جُعْلٍ لَلَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» الْحَدِيثَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، فَإِنَّنِي مُحْتَاجٌ إلَى النِّكَاحِ فَقَالَ لَهُ أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَكِنْ لَا أُعْلِمُك بِهَا وَأَدُلُّك عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا لَمَا حَلَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ قَالَ وَلَك كَذَا وَكَذَا فَدَلَّ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ الْجُعْلُ فَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْجُعْلَ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، أَوْ اسْعَ لِي فِي نِكَاحِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَإِنَّمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ إنَّ الْجُعْلَ يَلْزَمُ فِي قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّهُمَا فَهِمَا مِنْ قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ ابْحَثْ لِي عَلَى امْرَأَةٍ تَصْلُحُ لِي وَدُلَّنِي عَلَيْهَا وَلَك كَذَا وَكَذَا فَأَوْجَبْنَا لَهُ الْجُعْلُ إذْ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَبْحَثَ لِلرَّجُلِ عَلَى مَنْ تَصْلُحُ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ فَيَدُلَّهُ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ إذَا اسْتَرْشَدَهُ فِي أَمْرٍ عَلِمَهُ أَنْ يَدُلَّهُ وَيَنْصَحَ لَهُ وَلَا يَكْتُمَهُ.
وَلَوْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى مَنْ أَبِيعُ مِنْهُ سِلْعَتِي وَأُؤَاجِرُهُ نَفْسِي وَلَك كَذَا وَكَذَا لَكَانَ لَهُ الْجُعْلُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَفِي هَذَا يَفْتَرِقُ الْبَيْعُ مِنْ النِّكَاحِ إذْ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَدُلَّ الرَّجُلَ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ سِلْعَةً إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَالْفَرْقُ فِي هَذَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مُبَاحٌ وَالنِّكَاحَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا.
وَلَوْ اُضْطُرَّ الرَّجُلُ الْغَرِيبُ فِي مَوْضِعٍ لَا سُوقَ فِيهِ إلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَقَالَ لِرَجُلٍ دُلَّنِي عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي سِلْعَتِي، وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَدُلُّك إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا لِوُجُوبِ ذَلِكَ، فَهَذَا وَجْهُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فَرْقٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ حَكَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجُعْلَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى النِّكَاحِ لَا يَلْزَمُ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إجَازَتَهُ، وَأَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمَاجِشُونِ إجَازَتَهُ عَنْ مَالِكٍ، فَهَذَا تَأْوِيلٌ مِنْهُ فِي أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ وَتَأْوِيلُنَا أَظْهَرُ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ قَالَ عِيسَى قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ
فَإِنْ قَالَ اسْعَ لِي فِي نِكَاحِ بِنْتِ فُلَانٍ، أَوْ شَخِّصْ لِي فِي ذَلِكَ وَلَك كَذَا وَكَذَا قَالَ إذَا سَعَى فِي ذَلِكَ وَكَانَ حَيْثُ هُوَ فِي حَاضِرَتِهِ، وَلَمْ يُشَخِّصْ فِيهَا إلَى بَلَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْجُعْلَ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ لَا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ فِعْلُهُ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَضَى فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَوْلُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِّنِي النِّكَاحَ وَلَّيْتُك النِّكَاحَ وَلَك كَذَا وَكَذَا، أَوْ وَلِّنِي بَيْعَ دَارِك وَلَك كَذَا وَكَذَا وَبَيَّنْت الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَاضِرَتِهِ وَلَا يَشْخَصُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْجَاعِلِ فِي شُخُوصِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ إنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ النِّكَاحُ، وَهُوَ يَشْخَصُ فِي ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَصِحَّ لَهُ الْجُعْلُ بِتَمَامِهِ كَمَا يَشْخَصُ لِطَلَبِ الْإِبَاقِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَجِبُ لَهُ الْجُعْلُ الَّذِي جَعَلَ لَهُ فِيهِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجُلِ يُجَاعِلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَيْعِهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ انْتَفَعَ الْجَاعِلُ بِحَمْلِ سِلْعَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَسْبَمَا مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ هَذِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَجُوزَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قُلْت: هَذَا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُعْلِ مَعَ عِلْمِ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ بِمَوْضِعِ الْآبِقِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي رَجُلٍ أَرَادَ السَّفَرَ مَعَ أُمِّهِ فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ اُتْرُكْ السَّفَرَ مَعَ أُمِّك وَأُزَوِّجُك ابْنَتِي وَأُعْطِيك عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ فَتَرَكَ الْمَسِيرَ مَعَ أُمِّهِ ثُمَّ قَامَ عَلَى عَمِّهِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ يَطْلُبُهُ الْعِدَةَ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى عَمِّهِ بِدَفْعِ الْعَشَرَةِ مَثَاقِيلَ إلَيْهِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَقَدَ نِكَاحَهَا مَعَ أَحَدٍ فَلَا يَحِلُّ النِّكَاحُ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عِدَةٌ قَارَنَهَا سَبَبٌ، وَهُوَ تَرَكَ الْمَسِيرَ مَعَ أُمِّهِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا اهـ. وَفُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَسَائِلِ بُيُوعٍ وَكِرَاءٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ جَوَازِ سُؤَالِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكْفِ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمِ سُؤَالِ الْجَمِيعِ، فَلَوْ قَالَ لِوَاحِدٍ كُفَّ عَنِّي وَلَك دِينَارٌ جَازَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ، وَلَوْ قَالَ كُفَّ عَنِّي وَلَك نِصْفُهَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ لَجَازَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ إذَا أَعْطَاهُ النِّصْفَ عَلَى سَبِيلِ الْعَطِيَّةِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَاهُ عَلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَيَكُفُّ عَنْهُ مَا لَا يَمْلِكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ