الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِوَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْخَطَابَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ عَنْهُ دَائِمًا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْأَعْذَارِ فَلَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ.
أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اسْتِحْقَاقِهِ وَصِحَّةِ وِلَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ مُدَرِّسٌ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
[صَلَاةِ جَمَاعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي صَلَاةِ جَمَاعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَهُ رَاتِبٌ أَوَّلًا وَوَقْتٌ وَاحِدٌ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ وَيُحْرِمُونَ بِهَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَقْرَءُونَ مَعًا الْفَاتِحَةَ أَوْ يَقْرَأُ بَعْضُهُمْ الْفَاتِحَةَ وَالْآخَرُ السُّورَةَ وَيَسْمَعُ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ بَعْضٍ أَوْ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ وَبَعْضُهُمْ يَرْكَعُ وَبَعْضُهُمْ يَسْجُدُ وَبَعْضُهُمْ يَتَشَهَّدُ وَبَعْضُهُمْ يَهْوِي لِلرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ مُكَبِّرًا وَآخَرُ يَرْفَعُ مِنْ الرُّكُوعِ مُسْمِعًا وَتَخْتَلِطُ صُفُوفُ الْمُقْتَدِينَ بِهِمْ فَيَجْتَمِعُ فِي الصَّفِّ الْوَاحِدِ إمَامَانِ فَأَكْثَرُ وَيَلْتَبِسُ عَلَى بَعْضِ الْمُقْتَدِينَ بِهِمْ صَوْتُ إمَامِهِمْ بِصَوْتِ إمَامٍ غَيْرِهِ فَيَقْتَدِي بِإِمَامِهِ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي بَعْضِهَا أَوْ يَشُكُّ فِيمَنْ اقْتَدَى بِهِ هَلْ هُوَ إمَامُهُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ يَقْتَدِي بِإِمَامِهِ فِي جَمِيعِهَا مَعَ اشْتِغَالِهِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَسْمِيعِهِ عَنْ سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْ إمَامِهِ فَهَلْ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ وَالْمُحْدَثَاتِ الْفَظِيعَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَأُولِي الْأَمْرِ إنْكَارُهَا وَهَدْمُ مَنَارِهَا وَهَلْ هُوَ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهَلْ جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَالْعَوَامِّ يُسَوِّغُهُ أَوَّلًا.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ وَالْمُحْدَثَاتِ الْفَظِيعَةِ أَوَّلُ ظُهُورِهِ فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقُرُونِ الَّتِي قَبْلَهُ وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِمُنَافَاتِهِ لِغَرَضِ الشَّارِعِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَأْلِيفُهُمْ، وَعَوْدُ بَرَكَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَهُ شُرِعَ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَلِتَأْدِيَتِهِ لِلتَّخْلِيطِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالتَّلَاعُبُ بِهَا فَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وقَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اتَّقُوا اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ» ، وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَتِمُّوا الصُّفُوفَ» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ» وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام -
«إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَفِي الْمُوَطَّأِ «سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا أَصَلَاتَانِ مَعًا» وَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رضي الله عنه قَالَ «قُلْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنِّي كَبِيرٌ ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ يُلَازِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ مِنْ رُخْصَةٍ قَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَ مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مَنْ عُذِرَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِهِ «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» .
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ» وَلِمَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْقِسْمَةِ حَالَ الْجِهَادِ وَتَلَاطُمِ الصُّفُوفِ وَتَضَارُبِ السُّيُوفِ بِجَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يُشَرَّعْ حَالَةَ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ فَكَيْفَ يُشَرَّعُ حَالَ السَّعَةِ وَالِاخْتِيَارِ إنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَدْمِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِتَفْرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ يَأْذَنُ فِي تَفْرِيقِهِمْ وَهُمْ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ لِلصَّلَاةِ مُجْتَمِعِينَ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «الْجَفَاءُ كُلُّ الْجَفَاءِ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ مَنْ سَمِعَ مُنَادِيَ اللَّهِ تَعَالَى يُنَادِي بِالصَّلَاةِ وَيَدْعُو إلَى الْفَلَاحِ فَلَا يُجِيبُهُ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «حَسَبُ الْمُؤْمِنِ مِنْ الشَّقَاءِ وَالْخَيْبَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ» وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ سَامِعِ الْأَذَانِ الْمُتَلَاهِي عَنْهُ فَكَيْفَ حَالُ سَامِعِ الْإِقَامَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالصَّلَاةِ الْمُتَلَاهِي عَنْهَا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ إجَابَةُ إقَامَتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَوْ شُرِعَتَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ إنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَرْفَجَةَ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَرَّقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ» وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم «أَنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي هَنَاةٌ وَهَنَاةٌ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَهُمْ جَمِيعٌ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ» وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «سَتَكُونُ بَعْدِي هَنَاةٌ وَهَنَاةٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ» .
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ يُفَرِّقُ بَيْنَ أُمَّتِي فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا صَدَقَةً وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ» .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ» وَعَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ كَبِيرٌ ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ لَا أَجِدُ قَائِدًا يُلَازِمُنِي أَتَجِدُ لِي رُخْصَةً فِي التَّخَلُّفِ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ قُلْت نَعَمْ قَالَ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً» .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَلَّكُمْ سَتُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَإِذَا أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ لِلْوَقْتِ الَّذِي تَعْرِفُونَ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً» .
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ الْأَشْيَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا» .
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْت الْإِمَامَ يُصَلِّي بِهِمْ فَصَلِّ مَعَهُمْ فَهِيَ لَكَ نَافِلَةٌ» وَإِلَّا فَقَدْ أُحْرِزَتْ صَلَاتُك فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ وَلَا فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَأُولِي الْأَمْرِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إنْكَارُهَا وَهَدْمُ مَنَارِهَا وَجَرَيَانُ الْعَادَةِ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَالْعَوَامِّ لَا يُسَوِّغُهَا.
وَقَدْ أَلَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحُبَابِ السَّعْدِيُّ الْمَالِكِيُّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْغَسَّانِيُّ الْمَالِكِيُّ وَبَسَطَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَأَجَادَا فَكَفَيَا مَنْ بَعْدَهُمَا مُؤْنَتَهَا - جَزَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَحْسَنَ الْجَزَاءِ بِمَنِّهِ - فَذَكَرَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَفْتَى فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَنْعِ الصَّلَاةِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ إسْكَنْدَرِيَّةَ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُمْ شَدَّادُ بْنُ الْمُقَدِّمِ وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَتِيقٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ بْنُ عَوْفٍ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ وَبَالَغَ فِيهِ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَجَعَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ لَمَّا وَقَفَ عَلَى كَلَامِهِ وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ
لَا كَرَاهَةَ فِيهَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ وَأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً لِأَنَّ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مَسْجِدٌ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَوْ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ جَمَاعَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ فَأَرَادُوا إقَامَةَ تِلْكَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً.
فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَأَمَّا حُضُورُ جَمَاعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَيَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيُصَلِّي وَأُولَئِكَ عُكُوفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُوهُمْ إلَى ذَلِكَ تَارِكُونَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ مُتَشَاغِلُونَ بِالنَّوَافِلِ أَوْ الْحَدِيثِ حَتَّى تَنْقَضِيَ صَلَاةُ الْأُولَى ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي يَلِيهِ وَتَبْقَى الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يُصَلُّونَ أَوْ تَحْضُرُ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ كَالْمَغْرِبِ فَيُقِيمُ كُلُّ إمَامٍ الصَّلَاةَ جَهْرًا يَسْمَعُهَا الْكَافَّةُ وَوُجُوهُهُمْ مُتَرَائِيَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِهِمْ مُخْتَلِطُونَ فِي الصُّفُوفِ وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قِرَاءَةَ الْآخَرِينَ وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ فَيَكُونُ أَحَدُهُمْ فِي الرُّكُوعِ وَالْآخَرُ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ، وَالْآخَرُ فِي السُّجُودِ فَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً فَقَوْلُ الْقَائِلِ إنَّهَا جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ إلَى حِينِ ظُهُورِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ.
ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَكَفَانَا فِي الْمَسْأَلَةِ مُهِمَّةً فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ إقَامَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِجَمَاعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ حَكَى لَك أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ الَّذِينَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ إقَامَةَ صَلَاةٍ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِإِمَامَيْنِ رَاتِبَيْنِ يَحْضُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِمَامَيْنِ فَيُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي رُتِّبَ لِيُصَلِّيَ أَوَّلًا وَتَجْلِسُ الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى وَإِمَامُهُمْ عُكُوفًا حَتَّى يَفْرُغَ الْأَوَّلُ ثُمَّ يُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ فَهَذَا مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكِيَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا فِعْلًا وَلَا قَوْلًا فَكَيْفَ بِإِمَامَيْنِ يُقِيمَانِ الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَيُكَبِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَهْلُ الْقُدْوَةِ بِهِمَا مُخْتَلَطُونَ، وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِرَاءَةَ الْآخَرِ فَهَؤُلَاءِ زَادُوا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي لِسَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا، وَفِي فِعْلِهِمْ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» وَلَمْ يَرْضَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُتَنَفِّلَيْنِ تَنَفَّلَا فِي الْمَسْجِدِ بَلْ لَمْ يَرْضَهُ لِمُقْتَدٍ اقْتَدَى بِهِ فَصَلَّى خَلْفَهُ فَكَيْفَ يَرْضَى ذَلِكَ لِإِمَامَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ هَذَا مِمَّا لَمْ نَعْلَمْ لَهُ نَظِيرًا فِي قَدِيمٍ وَلَا حَدِيثٍ.
ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَسْتَحْسِنْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ اسْتَقْبَحَهَا كُلُّ مَنْ يُسْأَلُ عَنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ بَادَرَ لِلْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا إذْنُ الْإِمَامِ فِي