الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
القول الذي يدل عليه السياق أولى من غيره
مالم توجد حجة يجب إعمالها
صورة القاعدة:
إذا اختلف المفسرون في تفسير آية من كتاب الله، بحيث يحملها البعض على معنى يخرجها عن سياق الآيات، ويحملها البعض الآخر على معنى لا يخرجها عن سياق الآيات أي معاني الآيات قبلها وبعدها، فإن حمل الآية على التفسير الذي يجعلها داخلة في معاني ما قبلها وما بعدها أولى وأحسن؛ لأنه أوفق بالسياق، مالم يرد دليل يمنع من هذا التفسير (1).
شرح مفردات القاعدة:
السياق: هو مجموع السباق واللحاق، أي: مجموع المعاني المتصلة من سابق الكلام
ولا حقه (2).
والسباق: قال فيه ابن فارس: " السين والباء والقاف أصل واحد صحيح يدل على التقديم"(3)؛ أي ما قبل الكلام المراد تفسيره.
واللحاق: كل شيء لحق شيئا أو لحق به (4).
(1) انظر قواعد الترجيح عند المفسرين /حسين الحربي، ج 1، ص 125.
(2)
عقود المرجان في قواعد المنهج الأمثل في تفسير القرآن / أحمد سلامة أبو الفتوح، ص 117.
(3)
معجم مقاييس اللغة / ابن فارس، ص 482.
(4)
انظر لسان العرب / ابن منظور، ج 12، ص 251.
ومجموع السباق واللحاق يسمى (السياق)(1).
ولقد اعتنى ابن عاشور بهذه القاعدة في تفسيره ورجّح بناءً عليها، وفي ذلك يقول في معرض ترجيحه لأحد الأقوال:" يعود ضمير: (كذبوك) في قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (2) إلى المشركين وهو المتبادر من سياق الكلام: سابِقِه ولاحقه "(3).
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (4): " والخطاب بـ (ادعوا) خاص بالمسلمين؛ لأنّه تعليم لأدب دعاء الله تعالى وعبادته، وليس المشركون بمتهيّئين لمثل هذا الخطاب، وهو تقريب للمؤمنين، وإدناء لهم، وتنبيه على رضى الله عنهم ومحبّته، وشاهدُه قوله بعده: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (5) والخطاب مُوَجَّه إلى المسلمين بقرينة السياق"(6)
وسيتضح موقف ابن عاشور ومدى عنايته بهذه القاعدة أكثر من خلال
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين / حسين الحربي، ج 1، ص 126.
(2)
سورة الأنعام، الآية (147).
(3)
التحرير والتنوير، ج 5، ص 145.
(4)
سورة الأعراف، الآية (55).
(5)
سورة الأعراف، الآية (56).
(6)
التحرير والتنوير، ج 5، ص 171.