المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيالمآخذ على منهج ابن عاشور في الترجيح - قواعد الترجيح المتعلقة بالنص عند ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير

[عبير بنت عبد الله النعيم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مشكلة البحث:

- ‌حدود البحث:

- ‌أهمية البحث وأسباب اختياره:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌أهداف البحث:

- ‌أسئلة البحث:

- ‌المنهج في كتابة البحث:

- ‌إجراءات البحث:

- ‌ومنهجي في دراسة هذه القواعد كالآتي:

- ‌أما المنهج المتبع في دراسة تلك الأمثلة فهو الآتي:

- ‌خطة البحث

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولالتعريف بابن عاشور

- ‌المطلب الأولنشأته وبيئته العلمية

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌مسيرته العلمية والعملية:

- ‌شيوخه وعلماء عصره:

- ‌تلامذته:

- ‌المطلب الثاني‌‌مذهبه الفقهيوالعقدي ومؤلفاته

- ‌مذهبه الفقهي

- ‌منهجه في العقيدة:

- ‌كتاباته ومؤلفاته:

- ‌أولاً: آثاره في التفسير:

- ‌ثانياً: آثاره في الحديث النبوي الشريف:

- ‌ثالثاً: آثاره في الفقه وأصوله:

- ‌رابعاً: آثاره في الثقافة الإسلامية:

- ‌خامساً: آثاره في اللغة والأدب:

- ‌سادساً: آثاره في التاريخ والتراجم

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيالتعريف بتفسير (التحرير والتنوير)

- ‌المطلب الأولالتعريف بـ " التحرير والتنوير

- ‌منهجه في إيراد المعلومات:

- ‌المطلب الثانيموقف ابن عاشور من أنواع التفسير

- ‌أولاً: موقفه من التفسير بالمأثور:

- ‌ تفسير القرآن بالقرآن

- ‌ تفسير القرآن بالسنة:

- ‌أولاً: طريقته في إيراد الأحاديث:

- ‌ثانياً: طريقته في عزو الأحاديث:

- ‌ثالثاً: طريقته في الحكم على الأحاديث:

- ‌ تفسير القرآن بمرويات الصحابة والتابعين ومن بعدهم:

- ‌ موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ثانياً: موقفه من التفسير بالرأي:

- ‌المطلب الثالثمنهج ابن عاشور في القراءات المتواترة والشاذة

- ‌المطلب الرابععنايته بالوجوه البلاغية واللغة

- ‌أولاً: الإيجاز:

- ‌ثانياً: المجاز:

- ‌ثالثاً: الإعجاز:

- ‌رابعاً: التفنن:

- ‌خامساً: الالتفات:

- ‌المطلب الخامسمصادر ابن عاشور في تفسيره

- ‌1 - التفسير وعلوم القرآن:

- ‌2 - في القراءات:

- ‌3 - الحديث النبوي:

- ‌4 - الفقه والأصول:

- ‌5 - العقيدة وعلم الكلام:

- ‌6 - اللغة والنحو:

- ‌الفصل الأولمقدمات في قواعد التفسير والترجيح

- ‌المبحث الأولمعنى القاعدة والتفسير والترجيح

- ‌تعريف القاعدة:

- ‌تعريف التفسير لغة:

- ‌تعريف التفسير اصطلاحاً:

- ‌تعريف الترجيح:

- ‌التعريف بالمركب الإضافي "قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثانينشأة قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثالثالفرق بين قواعد التفسير وقواعد الترجيح

- ‌أولاً: قواعد التفسير

- ‌تعريفه:

- ‌فائدته:

- ‌استمداد قواعد التفسير:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح:

- ‌موضوع قواعد الترجيح:

- ‌فائدته:

- ‌استمدادها:

- ‌المبحث الرابعأنواع قواعد الترجيح

- ‌أولا: قواعد الترجيح المتعلقة بالنص:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة والأثر:

- ‌ثالثاً: قواعد الترجيح المتعلقة باللغة، ومنها:

- ‌المبحث الخامسالأسباب الموجبة للترجيح

- ‌الأول: اختلاف تضاد:

- ‌الثاني: اختلاف تنوع:

- ‌المبحث السادسقواعد التفسير عند ابن عاشور

- ‌أولاً: القواعد المتعلقة بأسباب النزول:

- ‌ثانياً: القواعد اللغوية

- ‌ثالثاً: القواعد المتعلقة بالقراءات

- ‌رابعاً: القواعد المتعلقة بالسنة والآثار

- ‌خامساً: القواعد المتعلقة بالنسخ

- ‌الفصل الثانيقواعد الترجيح المتعلقة بذات النص القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي تؤيده الآيات القرآنية مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل إطلاق اللفظ على ظاهره ما لم يرد دليل يصرفه عن ظاهره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثالأولى إعمال اللفظ بكلا معنييه الحقيقي والمجازي متى أمكن

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعيقدم المجاز على الحقيقة إذا وجدت القرينة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسإذا خلت الأقوال في الآية من مستند شرعي وكانت متساوية فالقول الموافق لما جاء في التوراة مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الثالثقواعد الترجيح المتعلقة بالنسخ

- ‌المبحث الأولالأصل عدم النسخ ما لم يقم دليلصحيح صريح على خلاف ذلك

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيقاعدة النسخ لا يقع في الأخبار

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإن الزيادة على النص ليست بنسخ

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعالإجماع يعد ناسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتخصيص بعد العمل بالعام والتقييد بعد العمل بالمطلق لايعدُّ نسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الرابعقواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات ورسم المصحف

- ‌المبحث الأولالقراءات المتواترة حق كلها نصاً ومعنى لا يجوز ردها أو رد معناها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل توافق القراءات في المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثاختلاف القراءات في ألفاظ القرآن الكريم يكثر المعاني في الآية الواحدة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعتأتي القراءة في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتفسير الموافق لرسم المصحف مقدم على غيره من التفاسير

- ‌صورة القاعدة:

- ‌بيان ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الخامسقواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي يدل عليه السياق أولى من غيرهمالم توجد حجة يجب إعمالها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالقول المبني على مراعاة النظم وظاهر ترتيب الكلام أولى من غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثلكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتهافلا تعارض بين الآيات

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌موقف العلماء من القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السادسقواعد الترجيح المتعلقة بالمفردة القرآنية

- ‌المبحث الأولإعمال الأغلب في القرآن وتقديم المفهوم الجاري في استعماله أولى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإذا احتمل اللفظ معان عدة ولم يمتنع إرادة الجميع حمل عليها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السابعتقويم منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الأولمعالم منهج ابن عاشور في الترجيح ومميزاته

- ‌المطلب الأولصيغ الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المطلب الثانيمنهج ابن عاشور في استعمال وجوه الترجيح

- ‌المطلب الثالثمميزات الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المبحث الثانيالمآخذ على منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الثالثأثر عقيدة ابن عاشور في صياغة القواعد والترجيح بها

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثانيالمآخذ على منهج ابن عاشور في الترجيح

‌المبحث الثاني

المآخذ على منهج ابن عاشور في الترجيح

1 -

إهماله لبعض القواعد الترجيحية والتي نصّ عليها في تفسيره في باب الأسماء والصفات، وذلك لتبنيه مذهبا بدعيا في العقيدة ، وهو المذهب المنسوب إلى أبي الحسن الشعري، فنجده لا يكتفي بحكاية المذهب، بل يناصره، ويجمع الأدلة لتأييده وتقرير أفكاره.

ومن ذلك: إهماله العمل بالقاعدة الترجيحية والتي كان يرجح بها، كقاعدة: " الأصل إطلاق اللفظ على ظاهره مالم يأتي دليل يصرفه عن ذلك. والتي ترجح إثبات الصفات على ظاهرها

ومن ذلك: دلالة قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (1) نفى ابن عاشور صفة العجب لله تعالى ، حيث يقول:" وقرأ حمزة والكسائي وخلف (بَلْ عَجِبْتُ) بضم التاء للمتكلم فيجوز أن يكون المراد: أن الله أسند العجب إلى نفسه. ويُعرَف أنه ليس المراد حقيقةَ العجب المستلزمة الروعة والمفاجأة بأمر غير مترقب بل المراد التعجيب أو الكناية عن لازمه، وهو استعظام الأمر المتعجب منه. وليس لهذا الاستعمال نظير في القرآن ولكنه تكرر في كلام النبوة منه قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليعجب من رجلين يَقتُل أحدهُما الآخرَ يدخلان الجنة يقاتل هذا في

(1) سورة الصافات، الآية (12).

ص: 931

سبيل الله فيُقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد " (1) بهذا اللفظ ، يعني ثم يسلم القاتل الذي كان كافراً فيقاتل فيستشهد في سبيل الله". (2) وسيأتي الحديث عن مثل هذه الأمثلة مفصلاً في مبحث أثر عقيدة ابن عاشور في صياغة القواعد والترجيح بها من الفصل السابع.

2 -

رجّح ابن عاشور بين بعض القراءات الصحيحة صراحة وكان الأولى أن يأخذ بها جميعاً دون ترجيح أحدها على الأخرى وإن كان هذا قليلا جداً في تفسيره، والغالب عليه عدم الترجيح بين القراءات المتواترة، ولكن لما أنه وقع في تفسيره، أحببت أن أنبه عليه

ومن أمثلة ذلك: ترجيحه قراءة الصاد على السين في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3) حيث قال: " وقد قرأ باللغة الفصحى (بالصاد) جمهور القراء وقرأ (بالسين) ابن كثير في رواية قنبل، والقراءة بالصاد هي الراجحة لموافقتها رسم المصحف وكونها اللغة الفصحى "(4).

3 -

نقله من الكتاب المقدس التوراة والإنجيل المحرفة في بيان كلام الله فيقول: (وجاء في سفر كذا)، وحمل قصص القرآن على ما ورد فيها،

(1) أخرجه النسائي في المجتبى، كتاب الجهاد، باب اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة، ج 6، ص 38، ح- 3165.

(2)

التحرير والتنوير، ج 11، ص 96.

(3)

سورة الفاتحة، الآية (6).

(4)

التحرير والتنوير، ج 1، ص 190.

ص: 932

وحاول التوفيق بينه وبينها مما يُشعر بثقته فيها، مع أنه ذكر الإجماع على تحريفه (1) ومن الأمثلة على ذلك ما جاء عنه في تفسير قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (2).

حيث ذهب عامة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن المسخ في هاتين الآيتين كان مسخاً حقيقياً وصورياً ، مسخت قلوب المعتدين في السبت، ومسخت صورهم قردة، أي أجسامهم تحولت من الصور البشرية إلى صورة القردة، بقدرة الله القادر على كل شيء قدير، فقد قال لهم: كونوا فكانوا (3).

في حين شذّ ابن عاشور وغيره عن تفسير الجماعة في الآية حيث ذهب إلى أن المسخ كان معنوياً لا حقيقياً وصورياً، مسخت قلوبهم فقط مستنداً في ذلك إلى أنه لم يرد مسخ في كتب تاريخ اليهود، حيث قال بعد إيراده قول الجمهور وقول مجاهد:" والعبرة حاصلة على كلا الاعتبارين، والأول أظهر في العبرة؛ لأن فيه اعتبارهم بأنفسهم واعتبار الناس بهم بخلاف الثاني، والثاني أقرب للتاريخ؛ إذ لم ينقل مسخ في كتب تاريخ العبرانيين، والقدرة صالحة للأمرين "(4).

(1) ابن عاشور ومنهجه في التفسير / عبد الله الريس، رسالة ماجستير، ج 2، ص 656.

(2)

سورة البقرة، الآية (65).

(3)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 1، ص 382، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 2، ص 470.

(4)

التحرير والتنوير، ج 1، ص 544.

ص: 933

وقد ردَّ هذا القول جميع المفسرين المحققين؛ لأجل مخالفته لظاهر القرآن الكريم، وشذوذه عن قول عامة المفسرين.

قال الطبري: " وهذا القول الذي قاله مجاهد، قول لظاهر ما دل عليه كتاب الله مخالف. وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، كما أخبر عنهم أنهم قالوا لنبيهم:{أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} (1).، وأن الله تعالى ذِكْره أصعَقَهم عند مسألتهم ذلك ربهم، وأنهم عبدوا العجل، فجعل توبتهم قتل أنفسهم، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة فقالوا لنبيهم:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (2) فابتلاهم بالتيه. فسواء قائل قال: هم لم يمسخهم قردة، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير - وآخر قال: لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم - من الخلاف على أنبيائهم، والنكال والعقوبات التي أحلها الله بهم. ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه، سئل البرهان على قوله، وعورض -فيما أنكر من ذلك- بما أقر به، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح.

هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه. وكفى دليلا على فساد قول، إجماعها على تخطئته " (3).

ومما يدل أيضاً لى أن المسخ كان حقيقياً وحسياً ظاهر النص في الآيتين المذكورتين: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ

(1) سورة النساء، الآية (153).

(2)

سورة المائدة، الآية (24).

(3)

جامع البيان / الطبري، ج 1، ص 382.

ص: 934

كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}.

وكذلك ما ثبت في الحديث الصحيح أنه سيكون مسخ في هذه الأمة، ففي حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً: والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولوا ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. "(1).

والمبحث الخامس من الفصل الثاني في هذا البحث يُظهر مدى اهتمامه بالكتب المقدسة.

4 -

خالف إجماع العلماء في بعض المسائل الفقهية، ومن ذلك ربا الفضل فقد ذهب إلى جوازه فقال عند تفسيره لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2) بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في الربا قال: " فلأجل هذه الأحاديث الستة أثبت الفقهاء ثلاثة أنواع للربا في اصطلاح الشرع:

الأول: ربا الجاهلية وهو زيادة على الدين لأجل التأخير.

الثاني: ربا الفضل وهو زيادة في أحد العوضين في بيع الصنف بصنفه من الأصناف المذكورة في حديث أبي سعيد وعُبادة بن الصامت.

الثالث: ربا النسيئة وهو بيع شيء من تلك الأصناف بمثله مؤخّراً. وزاد المالكية نوعاً رابعاً: وهو ما يؤول إلى واحد من الأصناف بتهمة التحيّل على الربا ....

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، ج 5، ص 2123، ح- 5268.

(2)

سورة البقرة، الآية (275).

ص: 935

وعندي أنّ أظهر المذاهب في هذا مذهب ابن عباس، وأنّ أحاديث ربا الفضل تحمل على حديث أسامة " إنّما الربا في النسيئة " ليجمع بين الحديثين " (1).

وترجيحه هذا معارض بأمرين:

الأول: رجوع ابن عباس رضي الله عنه عن القول بجواز ربا الفضل، وقد نقل رجوعه الحازمي في الاعتبار، روى بسنده عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: " إنما كنت أفتي فيه برأيي وقد تركته، وذلك أن أسامة بن زيد رضي الله عنه حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا ربا إلا في الدين)(2)(3)

.

الثاني: إن الإجماع منعقد على تحريم ربا الفضل، وقد نقل الإجماع جماعة من العلماء منهم: ابن المنذر (4)، والنووي (5)، وابن حزم (6)، وابن قدامة (7)، وابن، وابن قيم الجوزية (8) .. وإذا حصل الإجماع فلا تجوز مخالفته.

وكذلك مسألة عدة الأمة المتوفى عنها زوجها فقد حكى العلماء الإجماع فيها ورجّح ابن عاشور خلافه فقال: " وإن إجماع فقهاء الأسلام على تنصيف عدة الوفاة في الأمة المتوفى زوجها لمن معضلات المسائل الفقهية، فلنا أن ننظر

(1) التحرير والتنوير، ج 3، ص 89.

(2)

أخرجه ابن أبي عوانة في مسنده، ج 3، ص 387، ح- 5421.

(3)

انظر ابن عاشور ومنهجه في التفسير / عبد الله الريس، ج 2، ص 624، رسالة ماجستير.

(4)

الإجماع / ابن المنذر، ص 117 - 118.

(5)

شرح مسلم / النووي، ج 11، ص 9.

(6)

المحلى / ابن حزم، ج 8، ص 468.

(7)

المغني / ابن قدامة، ج 4، ص 3.

(8)

أعلام الموقعين / ابن القيم، ج 2، ص 1552.

ص: 936

إلى حكمة مشروعية عدة الوفاة، وإلى حكمة مشروعية التنصيف لذي الرق، فيما نصف له فيه حكم شرعي، فنرى بمسلك السبر والتقسيم أن عدة الوفاة إما أن تكون لحكمة تحقق النسب أو عدمه، وإما أن تكون لقصد الإحداد على الزوج، لما نسخ الإسلام ما كان عليه أهل الجاهلية من الإحداد حولاً كاملاً، أبقى لهن ثلث الحول، كما أبقى للميت حق الوصية بثلث ماله، وليس لها حكمة غير هذين؛ إذ ليس فيها ما في عدة الطلاق من حكمة انتظار ندامة المطلق، وليس هذا الوجه الثاني بصالح للتعليل؛ لأنه لا يظن بالشريعة أن تقرر أوهام أهل الجاهلية، فتبقي منه تراثاً سيئاً، ولأنه قد عهد من تصرف الإسلام إبطال تهويل أمر الموت والجزع له، الذي كان عند الجاهلية عرف ذلك في غير ما موضع من تصرفات الشريعة، ولأن الفقهاء اتفقوا على أن عدة الحامل من الوفاة وضع حملها، فلو كانت عدة غير الحامل لقصد استبقاء الحزن لاستوتا في العدة، فتعين أن حكمة عدة الوفاة هي تحقق الحمل أو عدمه، فلننقل النظر إلى الأمة نجد فيها وصفين: الإنسانية والرق، فإذا سلكنا إليهما طريق تخريج المناط، وجدنا الوصف المناسب لتعليل الاعتداد الذي حكمته تحقق النسب هو وصف الإنسانية؛ إذ الحمل لا يختلف حاله باختلاف أصناف النساء وأحوالهن الاصطلاحية أما الرق فليس وصفاً صالحاً للتأثير في هذا الحكم، فالوجه أن تكون عدة الوفاة للأمة كمثل الحرة، وليس في تنصيفها أثر، ومستند الإجماع قياس مع وجود الفارق " (1)

.

(1) التحرير والتنوير، ج 2، ص 443.

ص: 937