الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجازي، أي أرسلها إرسالاً أو نَشَرها نَشْراً، وإمّا على الحال من الرّيح، أي ناشرة أي السّحاب، أو من الضّمير في (أرسل) أي أرسلها ناشِراً أي محيياً بها الأرض الميّتة، أي محيياً بآثارها وهي الأمطار.
وقرأه عاصم بالباء الموحّدة في موضع النّون مضمومة وبسكون الشّين وبالتّنوين وهو تخفيف (بُشراً) بضمّهما على أنّه جمع بشير مثل نُذُر ونذير، أي مبشّرة للنّاس باقتراب الغيث. فحصل من مجموع هذه القراءات أنّ الرّياح تنشر السّحاب، وأنّها تأتي من جهات مختلفة تتعاقب فيكون ذلك سبب امتلاء الأسحبة بالماء وأنّها تحيي الأرض بعد موتها، وأنّها تبشّر النّاس بهبوبها، فيدخل عليهم بها سرور " (1).
رابعاً: القواعد المتعلقة بالسنة والآثار
1 -
إذا ثبت الحديث وكان نصاً في تفسير الآية فلا يصار إلى غيره:
ومنه ما جاء في قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} (2).
حيث ذكر بعض الأقوال التي وردت في معنى مستقر ثم ذكر أن أقرب الأقوال ما جاء في حديث أبي ذر الهروي في صحيحي البخاري ومسلم بروايات
(1) التحرير والتنوير، ج 5، ص 180.
(2)
سورة يس، الآية (38).
مختلفة حاصل ترتيبها أنه قال: " كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فسألته (أو فقال): إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخرَّ ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعةً من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها: ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فذلك مستقرّ لها ومستقرها تحت العرش (1) فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} "(2).
2 -
لا تحمل الآية على تفسيرات وتفصيلات غيبية لا دليل عليها من القرآن والسنة:
أنزل الله عز وجل القرآن الكريم تبياناً لكل شيء، وهدى لكل خير، فلو كان في تعريف الخلق بما أبهم عليهم فائدة تعود عليهم لبينه لهم، وإنما يذكر مواطن العبرة دون الاشتغال بما لا نفع فيه، ولا سبيل إلى معرفة هذه الأمور المبهمة المغيبة وهذا كله مما لا تعلق له بالأحكام التكليفية، ويتضمن ما قد
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، ج 6، ص 2703، ح- 6996، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه إيمان، جج 1، ص 138، ح- 159.
(2)
التحرير والتنوير، ج 11، ص 20.
مضى وسلف كأمور بدء الخلق، وأخبار الأمم الماضية، ومالم يقع كالبعث وصفة الجنة والنار ونحوها، فكل هذا لا يصح تفسيره باجتهادات لا دليل عليها أو بأخبار إسرائيلية الله أعلم بصحتها (1).
ولقد حرص ابن عاشور على تأصيل ها المعنى وتَرْك الاشتغال فيما لا طائل منه.
ومن ذلك ما جاء عنه في تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} (2)
حيث قال: "لما شاعت قصة أهل الكهف حين نزل بها القرآن صارت حديث النوادي، فكانت مثار تخرصات في معرفة عددهم، وحصر مدة مكثهم في كهفهم، وربما أملى عليهم المتنصرة من العرب في ذلك قصصاً، وقد نبههم القرآن إلى ذلك وأبهم على عموم الناس الإعلام بذلك لحكمة، وهي أن تتعود الأمة بترك الاشتغال فيما ليست منه فائدة للدين أو للناس "(3).
(1) عقود المرجان في قواعد المنهج الأمثل / أحمد سلامة أبو الفتوح، ص 93.
(2)
سورة الكهف، الآية (22).
(3)
التحرير والتنوير، ج 7، ص 290.