المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة: - قواعد الترجيح المتعلقة بالنص عند ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير

[عبير بنت عبد الله النعيم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مشكلة البحث:

- ‌حدود البحث:

- ‌أهمية البحث وأسباب اختياره:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌أهداف البحث:

- ‌أسئلة البحث:

- ‌المنهج في كتابة البحث:

- ‌إجراءات البحث:

- ‌ومنهجي في دراسة هذه القواعد كالآتي:

- ‌أما المنهج المتبع في دراسة تلك الأمثلة فهو الآتي:

- ‌خطة البحث

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولالتعريف بابن عاشور

- ‌المطلب الأولنشأته وبيئته العلمية

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌مسيرته العلمية والعملية:

- ‌شيوخه وعلماء عصره:

- ‌تلامذته:

- ‌المطلب الثاني‌‌مذهبه الفقهيوالعقدي ومؤلفاته

- ‌مذهبه الفقهي

- ‌منهجه في العقيدة:

- ‌كتاباته ومؤلفاته:

- ‌أولاً: آثاره في التفسير:

- ‌ثانياً: آثاره في الحديث النبوي الشريف:

- ‌ثالثاً: آثاره في الفقه وأصوله:

- ‌رابعاً: آثاره في الثقافة الإسلامية:

- ‌خامساً: آثاره في اللغة والأدب:

- ‌سادساً: آثاره في التاريخ والتراجم

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيالتعريف بتفسير (التحرير والتنوير)

- ‌المطلب الأولالتعريف بـ " التحرير والتنوير

- ‌منهجه في إيراد المعلومات:

- ‌المطلب الثانيموقف ابن عاشور من أنواع التفسير

- ‌أولاً: موقفه من التفسير بالمأثور:

- ‌ تفسير القرآن بالقرآن

- ‌ تفسير القرآن بالسنة:

- ‌أولاً: طريقته في إيراد الأحاديث:

- ‌ثانياً: طريقته في عزو الأحاديث:

- ‌ثالثاً: طريقته في الحكم على الأحاديث:

- ‌ تفسير القرآن بمرويات الصحابة والتابعين ومن بعدهم:

- ‌ موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ثانياً: موقفه من التفسير بالرأي:

- ‌المطلب الثالثمنهج ابن عاشور في القراءات المتواترة والشاذة

- ‌المطلب الرابععنايته بالوجوه البلاغية واللغة

- ‌أولاً: الإيجاز:

- ‌ثانياً: المجاز:

- ‌ثالثاً: الإعجاز:

- ‌رابعاً: التفنن:

- ‌خامساً: الالتفات:

- ‌المطلب الخامسمصادر ابن عاشور في تفسيره

- ‌1 - التفسير وعلوم القرآن:

- ‌2 - في القراءات:

- ‌3 - الحديث النبوي:

- ‌4 - الفقه والأصول:

- ‌5 - العقيدة وعلم الكلام:

- ‌6 - اللغة والنحو:

- ‌الفصل الأولمقدمات في قواعد التفسير والترجيح

- ‌المبحث الأولمعنى القاعدة والتفسير والترجيح

- ‌تعريف القاعدة:

- ‌تعريف التفسير لغة:

- ‌تعريف التفسير اصطلاحاً:

- ‌تعريف الترجيح:

- ‌التعريف بالمركب الإضافي "قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثانينشأة قواعد الترجيح

- ‌المبحث الثالثالفرق بين قواعد التفسير وقواعد الترجيح

- ‌أولاً: قواعد التفسير

- ‌تعريفه:

- ‌فائدته:

- ‌استمداد قواعد التفسير:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح:

- ‌موضوع قواعد الترجيح:

- ‌فائدته:

- ‌استمدادها:

- ‌المبحث الرابعأنواع قواعد الترجيح

- ‌أولا: قواعد الترجيح المتعلقة بالنص:

- ‌ثانياً: قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة والأثر:

- ‌ثالثاً: قواعد الترجيح المتعلقة باللغة، ومنها:

- ‌المبحث الخامسالأسباب الموجبة للترجيح

- ‌الأول: اختلاف تضاد:

- ‌الثاني: اختلاف تنوع:

- ‌المبحث السادسقواعد التفسير عند ابن عاشور

- ‌أولاً: القواعد المتعلقة بأسباب النزول:

- ‌ثانياً: القواعد اللغوية

- ‌ثالثاً: القواعد المتعلقة بالقراءات

- ‌رابعاً: القواعد المتعلقة بالسنة والآثار

- ‌خامساً: القواعد المتعلقة بالنسخ

- ‌الفصل الثانيقواعد الترجيح المتعلقة بذات النص القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي تؤيده الآيات القرآنية مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل إطلاق اللفظ على ظاهره ما لم يرد دليل يصرفه عن ظاهره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثالأولى إعمال اللفظ بكلا معنييه الحقيقي والمجازي متى أمكن

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعيقدم المجاز على الحقيقة إذا وجدت القرينة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسإذا خلت الأقوال في الآية من مستند شرعي وكانت متساوية فالقول الموافق لما جاء في التوراة مقدم على غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الثالثقواعد الترجيح المتعلقة بالنسخ

- ‌المبحث الأولالأصل عدم النسخ ما لم يقم دليلصحيح صريح على خلاف ذلك

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيقاعدة النسخ لا يقع في الأخبار

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإن الزيادة على النص ليست بنسخ

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعالإجماع يعد ناسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتخصيص بعد العمل بالعام والتقييد بعد العمل بالمطلق لايعدُّ نسخاً

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الرابعقواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات ورسم المصحف

- ‌المبحث الأولالقراءات المتواترة حق كلها نصاً ومعنى لا يجوز ردها أو رد معناها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في هذه القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالأصل توافق القراءات في المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثاختلاف القراءات في ألفاظ القرآن الكريم يكثر المعاني في الآية الواحدة

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الرابعتأتي القراءة في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌أمثلة تطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الخامسالتفسير الموافق لرسم المصحف مقدم على غيره من التفاسير

- ‌صورة القاعدة:

- ‌بيان ألفاظ القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل الخامسقواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني

- ‌المبحث الأولالقول الذي يدل عليه السياق أولى من غيرهمالم توجد حجة يجب إعمالها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيالقول المبني على مراعاة النظم وظاهر ترتيب الكلام أولى من غيره

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثلكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتهافلا تعارض بين الآيات

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌موقف العلماء من القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السادسقواعد الترجيح المتعلقة بالمفردة القرآنية

- ‌المبحث الأولإعمال الأغلب في القرآن وتقديم المفهوم الجاري في استعماله أولى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثانيزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى

- ‌صورة القاعدة:

- ‌شرح مفردات القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌المبحث الثالثإذا احتمل اللفظ معان عدة ولم يمتنع إرادة الجميع حمل عليها

- ‌صورة القاعدة:

- ‌أقوال العلماء في القاعدة:

- ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

- ‌الفصل السابعتقويم منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الأولمعالم منهج ابن عاشور في الترجيح ومميزاته

- ‌المطلب الأولصيغ الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المطلب الثانيمنهج ابن عاشور في استعمال وجوه الترجيح

- ‌المطلب الثالثمميزات الترجيح عند ابن عاشور

- ‌المبحث الثانيالمآخذ على منهج ابن عاشور في الترجيح

- ‌المبحث الثالثأثر عقيدة ابن عاشور في صياغة القواعد والترجيح بها

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

أقواله القيّمة في ذلك قوله: " والتحقيق الذي لا شك فيه، وهو الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة علماء المسلمين، أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال من الأحوال بوجه من الوجوه، حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح "(1).

‌الأمثلة التطبيقية على القاعدة:

1 -

مثال غضب الله:

قال تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (2).

للمفسرين في معنى غضب الله تعالى أقوال من أبرزها:

الأول: إن غضبُ الله على من غضب عليه من خلقه هو إحلالُ عقوبته بمن غَضبَ عليه، إمّا في دنياه، وإمّا في آخرته، كما وصف به نفسه جلّ ذكره في كتابه فقال:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} (3). وكما قال: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} (4).

الثاني: الغضب من الله معناه مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب، غير

(1) أضواء البيان / الشنقيطي، ج 7، ص 1591.

(2)

سورة الفاتحة، الآية (7).

(3)

سورة الزخرف، الآية (55).

(4)

سورة المائدة، الآية (60).

ص: 203

أنه - وإن كان كذلك من جهة الإثبات - فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم.

لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها (1).

وهذان القولان ذكرهما ابن جرير في تفسيره، والقول الأخير الذي حكاه هو قول السلف، وأما الأول فهو قول المؤولة من أشعرية وغيرهم، ولم يرجح ابن جرير قول السلف على غير عادته.

أما ابن عاشور فقد خالف القاعدة التي نص عليها حيث يقول في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} " وإذْ كانت حقيقة الغضب يستحيل اتصاف الله تعالى بها وإسنادُها إليه على الحقيقة ، للأدلة القطعية الدالة على تنزيه الله تعالى عن التغيرات الذاتية والعرضية، فقد وجب على المؤمن صَرف إسناد الغضب إلى الله عن معناه الحقيقي، وطريقةُ أهل العلم والنظر في هذا الصرف أن يصرف اللفظ إلى المجاز بعلاقة اللزوم أو إلى الكناية باللفظ عن لازم معناه فالذي يكون صفة لله من معنى الغضب هو لازمه، أعني العقاب والإهانة يوم الجزاء واللعنة أي الإبعاد عن أهل الدين والصلاح في الدنيا أو هو

(1) جامع البيان / الطبري، ج 1، ص 93.

ص: 204

من قبيل التمثيلية " (1).

وما اختاره ابن عاشور هو قول الأشعرية ، وقد سبقه إليه الطبري وابن عطية، والرازي والقرطبي، وأبو حيان، والشوكاني (2).

في حين وافق قول الألوسي ما ذهب إليه سلف الأمة من إثبات هذه الصفة لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته (3).

حجة من قال: إن غضب الله على من غضب عليه من خلقه، إحلالُ عقوبته بمن غَضبَ عليه:

حجتهم في ذلك أن الغضب حالة تعرض للنفس عند حصول مالا يلائمها من ثوران وغيره، والله تعالى منزّه عن مشابهة المخلوقين.

قال ابن عطية: "وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محناً وعقوبات وذلة ونحو ذلك، مما يدل على إنه قد أبعدهم عن رحمته بعداً مؤكداً مبالغاً فيه "(4).

وقال القرطبي: " ومعنى الغضب في صفة الله تعالى إرادة العقوبة، فهو صفة ذات، وإرادة الله تعالى من صفات ذاته؛ أو نفس العقوبة "(5).

(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 197.

(2)

انظر المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 1، ص 77، والتفسير الكبير / الرازي، ج 1، ص 224، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 1، ص 166، والبحر المحيط / أبو حيان، ج 1، ص 152، وفتح القدير / الشوكاني، ج 1، ص 24.

(3)

روح المعاني / الألوسي، ج 1، ص 98.

(4)

المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 1، ص 77.

(5)

الجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 1، ص 167.

ص: 205

قال ابن عاشور: " والغضب المتعلق بالمغضوب عليهم هو غضبُ اللَّهِ. وحقيقة الغضب المعروف في الناس أنه كيفية تعرض للنفس يتبعها حركة الروح إلى الخارج وثورانها فتطلب الانتقام، فالكيفيةُ سبب لطلب الانتقام وطلب الانتقام سبب لحصول الانتقام ، والذي يظهر لي أن إرادة الانتقام ليست من لوازم ماهية الغضب بحيث لا تنفك عنه ،ولكنها قد تكون من آثاره، وأن الغضب هو كيفية للنفس تعرض من حصول ما لا يلائمها فتترتب عليه كراهية الفعل المغضوب منه وكراهية فاعله، ويلازمه الإعراض عن المغضوب عليه ومعاملتُه بالعُنف وبقطع الإحسان وبالأذى وقد يفضى ذلك إلى طلب الانتقام منه فيختلف الحد الذي يثور عند الغضب في النفس باختلاف مراتب احتمال النفوس للمنافرات واختلاف العادات في اعتبار أسبابه، فلعل الذين جعلوا إرادة الانتقام لازمة للغضب بنَوا على القوانين العربية "(1).

حجة من أثبت صفة الغضب لله تعالى:

حجتهم في ذلك أن القاعدة المتبعة في أسماء الله وصفاته كما نص على ذلك أئمة السلف إثباتها كما أثبتها الله لنفسه من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل.

قال الألوسي: " وأنا أقول كما قال سلف الأمة هو صفة لله تعالى لائقة بجلال ذاته لا أعلم حقيقتها ولا كيف هي ،والعجز عن درك الإدراك إدراك "(2).

وقال شارح العقيدة الواسطية الشيخ زيد فياض في "الروضة الندية": " ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب، والرضا والعداوة والولاية والحب، والبغض، ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة

(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 197.

(2)

روح المعاني / الألوسي، ج 1، ص 98.

ص: 206

ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى كما يقولون مثل ذلك في السمع، والبصر، والكلام، وسائر الصفات، ولا يقال أن الرضا إرادة الإحسان والغضب إرادة الانتقام فإنه نفي للصفة

ويُقال لمن تأول الغضب والرضا لم تأولت ذلك؟

فلا بد أن يقول لأن الغضب غليان دم القلب والرضا والميل والشهوة، وذلك لا يليق بالله تعالى، فيُقال له: غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب، ويقال له أيضاً، وكذلك الإرادة والمشيئة فينا ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه، فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ كالمعنى الذي صرفته عنه سواء، فإن جاز هذا جاز ذلك وإن امتنع هذا امتنع ذاك فإن قالوا: الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد وإن كان كل منهما حقيقة قيل له: إن الغضب والرضا الذي يوصف به الله مخالف لما يوصف به العبد، وإن كلاً منهما حقيقة، فإذا كان ما يقوله في الإرادة يمكن أن يقال في هذه الصفات لم يتعين التأويل، بل يجب تركه، وصفات الله تليق به، وصفات العبد تليق به ، بل لو قيل غضب ملك خازن النار وغضب غيره من الملائكة لم يجب أن يكون مماثلاً لكيفية غضب الآدميين، فغضب الله أولى " (1).

القول الراجح:

هو إثبات صفة الغضب لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه.

(1) الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية / زيد بن فياض، ص 108 - 109.

ص: 207

قال الشيخ الهراس في شرح العقيدة الواسطية عند قول المصنف ابن تيمية {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1){وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} (2): " تضمنت هذه الآيات إثبات بعض صفات الفعل لله من الرضا والغضب واللعن والكره والسخط والمقت والأسف، وهي عند أهل الحق صفات حقيقية لله عز وجل على ما يليق به، ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق فلا حجة للأشاعرة والمعتزلة على نفيها ، ولكنهم ظنوا أن اتصاف الله عز وجل بما يلزمه أن تكون هذه الصفات فيه على نحو ما هي في المخلوق ،وهذا الظن الذي ظنوه في ربهم أرداهم فأوقعهم في حمأة النفي والتعطيل "(3).

"وما ذكره ابن عاشور هنا وغيره من المفسرين من قبله تأويلات أشعرية قد خالف فيها القاعدة، والصواب إثبات الصفة لله تعالى على ما يليق بجلال الله تعالى، والداعي إلى تصورهم هذا في حق الله تعالى ليس إلا توهم التشبيه بغضب الآدمي. فالله تبارك وتعالى له غضب وحياء ومكر واستهزاء يليق بجلاله وعظمته، يغضب متى شاء ويرضى متى شاء كما يليق به فإرجاع هذه الصفة إلى الإرادة أو إيقاع الفعل خطأ ظاهر، وخلاف مذهب

(1) سورة المجادلة، الآية (22).

(2)

سورة النساء، الآية (93).

(3)

شرح العقيدة الواسطية / محمد خليل هراس، ج 1، ص 111.

ص: 208

السلف الصالح " (1).

2 -

مثال الإيمان في نسخ القبلة:

قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2).

اختلف المفسرون في المراد بالإيمان من قوله {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} فمنهم من فسّره على ظاهره، ومنهم من فسره بالصلاة، وقد ذكر هذه الأقوال ابن عاشور في تفسيره فقال:" فإن فُسِّر الإيمان على ظاهره كان التقدير ليضيع حق إيمانكم حين لم تزلزله وسَاوس الشيطان عند الاستقبال إلى قبلة لا تَودونها، وإن فُسِّر الإيمانُ بالصلاة كان التقدير ما كان الله ليضيع فضل صلاتكم أو ثوابها " ورجّح ابن عاشور أن المراد بالإيمان في هذه الآية الصلاة وفي ذلك يقول: " وفي إطلاق اسم الإيمان على الصلاة تنويه بالصلاة لأنها أعظم أركان الإيمان (3).

ثم ساق ابن عاشور سبب نزول هذه الآية، والتي تدل على أن المراد بالإيمان في هذه الآية الصلاة.

(1) انظر المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات / محمد المغراوي، ج 2، ص 54.

(2)

سورة البقرة، الآية (143)

(3)

انظر التحرير والتنوير / ابن عاشور، ج 2، ص 25.

ص: 209

وترجيح ابن عاشور هنا لايعني مخالفته للقاعدة التي نصّ عليها، وذلك أن القاعدة ضابطها: أن الأصل إطلاق اللفظ على ظاهره مالم يرد دليل يصرفه عن ظاهره وقد تظاهرت الأدلة على أن المراد بالإيمان في هذه الآية هو الصلاة.

وكذلك رجّح الطبري أيضاً أن المراد بـ " إِيمَانَكُمْ " في هذه الآية صلاتكم وكذلك ابن عطية والرازي، والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير، والشوكاني، والألوسي، والقاسمي، والشنقيطي (1).

حجة من قال: إن المراد بـ " إِيمَانَكُمْ " صلاتكم:

استدلوا على ذلك بما جاء في السنة في سبب نزول هذه الآية.

روى الطبري بسنده عن السدي قال: " لما وُجِّه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليتَ شِعْرنا عن إخواننا الذين مَاتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس! هل تقبَّل الله منا ومنهم أو لا؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" قال، صلاتكم قبَلَ بيت المقدس: يقول: إنّ تلك طاعة وهذه طاعة "(2).

قال ابن عطية: " وسمى الصلاة إيماناً لما كانت صادرة عن الإيمان والتصديق

(1) انظر جامع البيان / الطبري، ج 2، ص 263، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 1، ص 221، والتفسير الكبير / الرازي، ج 2، ص 93، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 2، ص 162، والبحر المحيط / أبوحيان، ج 1، ص 600، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 2، ص 115، وفتح القدير / الشوكاني، ج 1، ص 152، وروح المعاني / الألوسي، ج 1، ص 406، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 1، ص 468، وأضواء البيان / الشنقيطي، ج 1، ص 40.

(2)

جامع البيان / الطبري، ج 2، ص 23.

ص: 210

في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل، ولما كان الإيمان قطباً عليه تدور الأعمال وكان ثابتاً في حال التوجه هنا وهنا ذكره، إذ هو الأصل الذي به يرجع في الصلاة وغيرها إلى الأمر والنهي " (1).

قال القرطبي: " اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس "(2).

وقال القاسمي: " وإنما عدل إلى لفظ الإيمان، الذي هو عام في الصلاة وغيرها ليفيدهم أنه لم يضع شيئاً مما عملوه

، وذكر بلفظ الخطاب دون الغائب، ليتناول الماضين والباقين (3).

حجة من قال أن المراد بقوله بـ " إِيمَانَكُمْ " أي الإيمان على ظاهره:

حجتهم في ذلك أن الأصل في اللفظ أن يطلق على ظاهره،

قال ابن عاشور: " فإن فسر الإيمان على ظاهره كان التقدير ليضيع حق إيمانكم حين لم تزلزله وساوس الشيطان عند الاستقبال إلى قبلة لا تودونها "(4).

وبذلك فسّره الزمخشري، وأبو السعود.

قال الزمخشري: " أي ثباتكم على الإيمان وأنكم لم تزلّوا ولم ترتابوا، بل شكر صنيعكم وأعدّ لكم الثواب العظيم "(5).

(1) المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 1، ص 221.

(2)

الجامع لأحكام القرآن القرطبي، ج 2، ص 162.

(3)

محاسن التأويل / القاسمي، ج 1، ص 468.

(4)

التحرير والتنوير، ج 2، ص 25.

(5)

الكشاف / الزمخشري، ج 1، ص 340.

ص: 211

وقال أبو السعود: " {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي ما صحَّ وما استقام له أن يُضيعَ ثباتَكم على الإيمان بل شكرَ صنيعَكم وأعدَّ لكم الثوابَ العظيمَ (1) ".

القول الراجح:

إن المراد بـ " إِيمَانَكُمْ " في هذه الآية صلاتكم، وهذا اختيار جميع المفسرين من بينهم ابن عاشور.

وإنما عبَّر في هذه الآية عن الصلاة بالإيمان؛ لأنها العمدة والذي تصح به الأعمال، بل إن ذكر الإيمان هنا أولى من ذكر الصلاة لئلا يتوهم اندراج صلاة المنافقين إلى بيت المقدس (2)

ومما يعضد هذه القول ويجليه القاعدة الترجيحية: (أن القول الذي يدل عليه السياق أولى من غيره)، وقد تنبه إلى ذلك الشنقيطي حيث يقول في تفسيره لهذه الآية:" إيمانكم أي صلاتكم بالبيت على الأصح، ويستروح ذلك قوله قبله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} (3) ولا سيما على القول بدلالة الاقتران "(4)

.

كما يعضد هذا القول أيضاً قاعدة ترجيحية أخرى وهي: (إذا صح سبب

(1) إرشاد العقل السليم / أبو السعود، ج 1، ص 220.

(2)

انظر البحر المحيط / أبو حيان، ج 1، ص 600.

(3)

محاسن التأويل / القاسمي، ج 1، ص 468.

(4)

أضواء البيان / الشنقيطي، ص 40.

ص: 212

النزول فهو مرجح لما وافقه) (1).

وقد أخرج البخاري وابن جرير عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: " وكان الذي مات على القبلة قبل أن تُحَوَّل قِبل البيت رجال قُتلوا لم نَدْر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى: "{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (2).

ويشهد له ما أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عباس قال لما وُجِّه النبي إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ ؟ فأنزل الله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} الآية. صححه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (3).

3 -

مثال إتيان الله تعالى:

قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (4).

اختلف المفسرون في صفة إتيان الله تبارك وتعالى الذي ورد في قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} .

فقال بعضهم: لا صفة لذلك غير الذي وصَف به نفسه عز وجل من

(1) قواعد الترجيح / حسين الحربي، ج 2، ص 241.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب " سيقول السفهاء من الناس

"، ج 4، ص 1631، ح- 4216، والطبري في تفسيره، ج 2، ص 23.

(3)

أخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب من سورة فاتحة الكتاب، ج 5، ص 208، ح - 2964، وأحمد في المسند، ج 1، ص 304، ح- 2776.

(4)

سورة البقرة، الآية (210).

ص: 213

المجيء والإتيان والنزول، وغيرُ جائز تكلُّف القول في ذلك لأحد إلا بخبر من الله جل جلاله، أو من رسول مرسل.

وقال آخرون: معنى قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمرُ الله (1).

وهذه الأقوال ذكرها ابن عاشور في تفسيره وذكر قول السلف ولكن بخلط وضعف، ومال إلى التأويل، حيث يقول:"والإتيان حضور الذات في موضع من موضع آخر سبق حصولها فيه، وأسند الإتيان إلى الله تعالى في هذه الآية على وجه الإثبات فاقتضى ظاهره اتصاف الله تعالى به، ولما كان الإتيان يستلزم التنقل أو التمدد ليكون حالاً في مكان بعد أن لم يكن به حتى يصح الإتيان، وكان ذلك يستلزم التنقل والجسم والله منزه عنه، تعين صرف اللفظ عن ظاهره بالدليل العقلي، فإن كان الكلام خبراً أو تهكماً فلا حاجة للتأويل، لأن اعتقادهم ذلك مدفوع بالأدلة وإن كان الكلام وعيداً من الله لزم التأويل، لأن الله تعالى موجود في نفس الأمر لكنه لا يتصف بما هو من صفات الحوادث كالتنقل والتمدد لما علمت، فلا بد من تأويل هذا عندنا على أصل الأشعري في تأويل المتشابه "(2).

وبقول ابن عاشور قال ابن عطية من قبله حيث تأول إتيان الله تعالى بحكمه وأمره ونهيه وعقابه، وكذلك الرازي فقد أخذ بمذهب المعطلة والمؤولة، ولم يتورع في إنكار هذه الصفة فحسب بل حكى إجماع العقلاء على نفيها.

(1) انظر جامع البيان / الطبري، ج 2، ص 398.

(2)

التحرير والتنوير، ج 2، ص 284.

ص: 214

كما ذهب إلى ذلك القرطبي، وأبو حيان، والشوكاني (1).

أما الطبري، وابن كثير، والألوسي، والقاسمي أجمعين فقد أثبتوا لله تعالى هذه الصفة كما أثبتها لنفسه سبحانه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم (2).

حجة من قال: إن إتيان الله حقيقي كما ينبغي لجلال الله وعظمته:

حجتهم في ذلك إجماع أهل السنة على أن صفات الله تجري على ظاهرها مع نفي التشبيه والكيفية عنها.

قال ابن القيم: " وبإثبات أفعاله وقيامها به تزول عنك جميع الإشكالات ، وتصدق النصوص بعضها بعضاً، وتعلم مطابقتها للعقل الصريح ، وإن أَنْكَرت حقيقة الأفعال وقيامها به سبحانه اضطرب عليك هذا الباب أعظم اضطراب، وبقيت حائراً في التوفيق بين النصوص وبين أصول النفاة، وهيهات لك بالتوفيق بين النقيضين، والجمع بين الضدين يوضحه أن الأوهام الباطلة والعقول الفاسدة لما فهمت من نزول الرب ومجيئه وإتيانه، وهبوطه، ودنوه، وهو أن يفرغ مكاناً ويشغل مكاناً، نفت حقيقة ذلك فوقعت في محذورين، محذور التشبيه ومحذور التعطيل ولو علمت هذه العقول الضعيفة أن نزوله سبحانه ومجيئه وإتيانه لا يشبه نزول المخلوق وإتيانه ومجيئه، كما أن سمعه وبصره وعلمه وحياته كذلك بل يده

(1) انظر التفسير الكبير الرازي، ج 2، ص 356 - 357. المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 1، ص 283، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 2، ص 29، والبحر المحيط / أبو حيان، ج 2، ص 133، وفتح القدير / الشوكاني، ج 1، ص 211.

(2)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 2، ص 398، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 2، ص 276، وروح المعاني / الألوسي، ج ص 493، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 2، ص 127.

ص: 215

الكريمة، ووجهه الكريم كذلك، وإذا كان نزولاً ليس كمثله نزول، فكيف تنفى حقيقته، فإن لم تنف المعطلة حقيقة ذاته وصفاته، وأفعاله بالكلية، وإلا تناقضوا فإنهم أي معنى أثبتوه لزمهم في نفيه ما ألزموا به أهل السنة المثبتين لله ما أثبته لنفسه ولا يجدون إلى الفرق سبيلاً، فلو كان الرب سبحانه مماثلاً لخلقه لزمه في نزول خصائص نزولهم ضرورة ثبوت أحد المثلين للآخر " (1).

وكذلك قال الألوسي في تفسير قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ} : " بالمعنى اللائق به جل شؤونه منزهاً عن مشابهة المحدثات والتقيد بصفات الممكنات "(2).

وقال عند تفسيره لقوله تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} (3): " وأنت تعلم أن المشهور من مذهب السلف عدم تأويل مثل ذلك بتقدير مضاف ونحوه، بل تفويض المراد منه إلى اللطيف الخبير مع الجزم بعدم إرادة الظاهر ، ومنهم من يبقيه على الظاهر إلا أنه يدعي أن الإتيان الذي ينسب إليه تعالى ليس الإتيان الذي يتصف به الحادث، وحاصل ذلك أنه يقول بالظواهر وينفي اللوازم ويدعي أنها لوازم في الشاهد، وأين التراب من رب الأرباب "(4).

وقال القاسمي: " وصفه تعالى بالإتيان في ظلل من الغمام كوصفه بالمجيء في

(1) الصواعق المرسلة / ابن القيم، ص 369.

(2)

روح المعاني / الألوسي، ج 1، ص 493.

(3)

سورة الأنعام، الآية (158).

(4)

روح المعاني / الألوسي، ج 4، ص 307.

ص: 216

آيات أخر ونحوهما مما وصف به نفسه في كتابه أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم.والقول في جميع ذلك من جنس واحد، وهو مذهب السلف وأئمتها: إنهم يصفونه سبحانه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، والقول في صفاته كالقول في ذاته، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله

فلو سأل سائل: كيف يجيء سبحانه أو كيف يأتي .. ؟ فليقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: لا أعلم كيف ذاته! فليقل له: وكذلك لا تعلم كيفية صفاته .. ! فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف " (1).

حجة من قال: إن المراد يأتيهم حكم الله وأمره، أونهيه وعقابه:

حجتهم في ذلك تمسكهم ببعض الشبه التي ألجأتهم إلى تأويل هذه الصفة. ومن ذلك ظنهم أن إثبات هذه الصفات فيها مشابهة الله تعالى بالمخلوقين.

قال ابن عطية: " وهذا الكلام على كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقديره أمر ربك، أو بطش ربك، أو حساب ربك، وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله تعالى "(2).

وقال الرازي: " أجمع المعتبرون من العقلاء على أنه سبحانه وتعالى منزه عن المجيء والذهاب ويدل عليه وجوه:

أحدها: ما ثبت في علم الأصول أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب لا

(1) محاسن التأويل / القاسمي، ج 2، ص 128.

(2)

المحرر الوجيز / ابن عطية ج 2، ص 366.

ص: 217

ينفك عن الحركة والسكون، وهما محدثان، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، فيلزم أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب يجب أن يكون محدثاً مخلوقاً، والإله القديم يستحيل أن يكون كذلك.

وثانيها: إن كل ما يصح عليه الانتقال من مكان إلى مكان، فأما أن يكون في الصغر والحقارة كالجزء الذي لا يتجزأ وذلك باطل باتفاق العقلاء، وإما أن لا يكون كذلك بل يكون شيئاً كبيراً فيكون أحد جانبيه مغايراً للآخر فيكون مركباً من الأجزاء والأبعاض وكل ما كان مركباً، فإن ذلك المركب يكون مفتقراً في تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب هو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته فهو محتاج في وجوده إلى المرجح والموجد، فكل ما كان كذلك فهو محدث مخلوق مسبوق بالعدم، والإله القديم يمتنع أن يكون كذلك.

وثالثها: إن كل ما يصح عليه الانتقال من مكان إلى مكان فهو محدود ومنته فيكون مختصاً بمقدار معين، مع أنه كان يجوز في العقل وقوعه على مقدار أزيد منه أو أنقص فاختصاصه بذلك القدر المعين لا بد وأن يكون لترجيح مرجح، وتخصيص مخصص، وكل ما كان كذلك كان فعلاً لفاعل مختار، وكل ما كان كذلك فهو محدث مخلوق، فالإله القديم الأزلي يمتنع أن يكون كذلك.

ورابعها: أنا متى جوزنا في الشيء الذي يصح عليه المجيء والذهاب أن يكون إلهاً قديماً أزلياً فحينئذ لا يمكننا أن نحكم بنفي الإلهية عن الشمس والقمر، وكان بعض الأذكياء من أصحابنا يقول: الشمس والقمر لا عيب فيهما يمنع من القول بإلهيتهما سوى أنهم جسم يجوز عليه الغيبة والحضور، فمن جوز المجيء

ص: 218

والذهاب على الله تعالى فلم لا يحكم بإلهية الشمس، وما الذي أوجب عليه الحكم بإثبات موجود آخر يزعم أنه إله.

وخامسها: إن الله تعالى حكى عن الخليل عليه الصلاة والسلام أنه طعن في إلهية الكواكب والقمر والشمس بقوله: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (1) ولا معنى للأفول إلا الغيبة والحضور فمن جوز الغيبة والحضور على الله تعالى ، فقد طعن في دليل الخليل عليه السلام، وكذب الله في تصديق الخليل عليه السلام في ذلك " (2).

القول الراجح:

الواجب أن نصف الله كما وصف به نفسه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل فهو يأتي إتيانا يليق بجلاله وعظمته.

وأما ما ذهب إليه ابن عاشور وغيره فقد خالف فيه القاعدة التي نصّ عليها في مواضع من تفسيره، والذي دعاه إلى ذلك عقيدته الأشعرية.

قال السعدي: " وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، المثبتين للصفات الاختيارية، كالاستواء، والنزول، والمجيء، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى، عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته، من غير تشبيه ولا تحريف، خلافاً للمعطلة على اختلاف أنواعهم، من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية ونحوهم، ممن ينفي

(1) سورة الأنعام، الآية (76).

(2)

التفسير الكبير / الرازي، ج 2، ص 356 - 357.

ص: 219

هذه الصفات، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان، بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله، والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي، بل ولا دليل عقلي " (1).

ومما يشهد لهذا الترجيح قاعدة: (إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له)، وقد جاءت الآثار عن الصحابة والتابعين كثيرة جداً تشهد بذلك منها:

ما أورد الطبراني من حديث المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن مسروق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، قيامًا شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فَصْل القضاء، وينزل الله في ظُلَل من الغمام من العرش إلى الكرسي"(2).

وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبى العالية: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة يقول: والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام والله تبارك وتعالى يجيء فيما يشاء، وهي في بعض القراءة: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام، وهي كقوله: ويوم

(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ السعدي، ج 1، ص 166.

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ج 9، ص 357.

ص: 220

تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا " (1).

4 -

مثال الميزان:

قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (2).

اختلف العلماء في المراد بالموازين هنا هل هي حقيقة تؤخذ على ظاهرها من الآية أو لا؟ وقد ساق ابن عاشور أقوال المفسرين في هذه الآية فقال: " اختلف علماء السلف في المراد من الموازين هنا: أهو الحقيقةُ أم المجاز، فذهب الجمهور إلى أنه حقيقة ، وأن الله يجعل في يوم الحشر موازين لوزن أعمال العباد تشبه الميزان المتعارف

وذهب مجاهد وقتادة والضحّاك وروي عن ابن عباس أيضاً أن الميزان الواقع في القرآن مثَلٌ للعدل في الجزاء كقوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} (3).

ورجّح ابن عاشور المعنى المجازي للميزان لأنه فيما يرى وإن أخذ الميزان على ظاهره إلا إنه عند وزن الأعمال لا بد أن يلجأ للتأويل، وهذا نابع من عقيدته الأشعرية، وإن كان قد قرر في تفسيره أن الميزان حقيقي حيث نقل كلام ابن العربي على ذلك وملخصه أنه لا يمتنع أن يكون الميزان والوزن على

(1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، ج 1، ص 329.

(2)

سورة الأنبياء، الآية (47).

(3)

سورة الأعراف، الآية (8).

ص: 221

ظاهره وإنما يبقى النظر في كيفية وزن الأعمال وهي أعراض. (1).

ثم علق بقوله: " وكلا القولين مقبول ، والكلّ متفقون على أن أسماء أحوال الآخرة إنما هي تقريب لنا بمتعارفنا ، والله تعالى قادر على كل شيء " .... إلى أن يقول: " ويظهر لي أن التزام صيغة جمع الموازين في الآيات الثلاث التي ذكر فيها الميزان يرجح أن المراد بالوزن فيها معناه المجازي، وأن بيانه بقوله " القسط" في هذه الآية يزيد ذلك ترجيحاً"(2).

وكأن ابن عاشور فيما ظهر لي من تفسيره أنه متردد في تفسير هذه الآية فبعد أن ذكر ما يوافق قول جمهور المفسرين في الميزان نجده بعد ذلك يميل إلى القول الآخر.

وهذا يعد مأخذاً لا سيما وقد ذكر القول الأول ضمن قاعدة الأصل إطلاق اللفظ على ظاهره

والذي اختاره ابن عاشور هو الذي مال إليه الطبري، والزمخشري.

قال في «الكشاف» : «الموازين الحساب السوي والجزاء على الأعمال بالنّصفَة من غير أن يُظلم أحدٌ» . أي فهو مستعار للعدل في الجزاء لمشابهته للميزان في ضبط العدل في المعاملة كقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} (3)

.

في حين رجّح معظم المفسرين ومن اعتمدتهم في هذا البحث أن الميزان

(1) انظر التحرير والتنوير، ج 8، ص 84، والعواصم من القواصم / ابن العربي، ص 244 - 245

(2)

التحرير والتنوير، ج 8، ص 84.

(3)

سورة الحديد، الآية (25).

ص: 222

في معناه الحقيقي (1).

حجة أصحاب القول الأول الذي يقولون: إن الميزان حقيقي:

حجتهم في ذلك ماجاء في السنة فيما روى الإمام أحمد، عن ابن مسعود:«أنه كان يجني سواكا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مم تضحكون"؟ قالوا: يا نبي الله! من دقة ساقيه. فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد» (2).

وقال الطبري في تفسيره: " والصواب من القول في ذلك عندي القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار، من أن ذلك هو"الميزان" المعروف الذي يوزن به، وأن الله جل ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات .. لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما وُضِع في الميزان شيء أثقل من حسن الخُلق" (3)، ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق أن ذلك ميزانٌ يوزن به الأعمال "(4).

(1) انظر جامع البيان/ الطبري، ج 8، ص 147، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج 4، ص 85، والتفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 149، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 9، ص 156، والبحر المحيط / أبو حيان، ج 4، ص 270، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 9، ص 408 - 409، وفتح القدير / الشوكاني، ج 3، ص 411، وروح المعاني/ الألوسي، ج 9، ص 53، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 7، ص 208، وأضواء البيان / الشنقيطي، ص 848.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده، ج 1، ص 420، ح رقم: 3991، وصححه ابن حبان، ج 15، ص 546، ح رقم: 7069، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، ج 9، ص 289.

(3)

أخرجه الترمذي في سننه في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، ج 4، ص 362 ح- 2003، عن أبي الدرداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق خسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء))، ثم قال:((وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وأسامة بن شريك. هذا حديث حسن صحيح))

(4)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 8، 147.

ص: 223

وقال ابن عطية: " والميزان يوم القيامة: بعمود وكفتين توزن بهم الأعمال ليبين المحسوس المعروف عندهم"(1).

وقال أبو العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية: " والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان "(2). ثم ذكر عدة روايات تدل على ذلك ، منها:

ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر، ثم يقول له: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ قال: لا يا رب. فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل، فيقول: لا يا رب. فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم اليوم عليك. فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول: أحضروه. فيقول: يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة، (والبطاقة في كفة)، قال: فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم» (3).

(1) المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 4، ص 85.

(2)

شرح العقيدة الطحاوية / ابن أبي العز الحنفي، 417.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده، ج 2، ص 213، ح رقم: 6994، وصححه ابن حبان، ج 1، ص 461، ح رقم: 225، والحاكم في المستدرك، ج 1، ص 710، ح رقم:1937.

ص: 224

وقد وردت أحاديث أيضا بوزن الأعمال أنفسها، كما في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان» (1).

وفي الصحيح، وهو خاتمة كتاب البخاري، قوله صلى الله عليه وسلم:«كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» (2).

قال ابن أبي العز الحنفي بعد أن ساق تلك الروايات: " فلا يلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام! ! فإن الله يقلب الأعراض أجساما "(3).

كما صحح القرطبي هذا القول، وبين أن المراد بالميزان وزن أعمال العباد كما ورد به الخبر (4)، وكذلك أبو حيان بقوله:"قال جمهور الأمة والميزان له عمود وكفتان ولسان، وهو الذي دل عليه ظاهر القرآن والسنة "(5).

وكذلك رجحه ابن كثير وساق الأدلة من السنة على ذلك (6) والشوكاني

(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، ج 1، ص 203، ح - 223

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، ج 5، ص 2352، ح - 6043.

(3)

شرح العقيدة الطحاوية / ابن أبي العز الحنفي، ص 412.

(4)

انظر الجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 9، ص 156.

(5)

البحر المحيط / أبو حيان، ج 4، ص 270.

(6)

انظر تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 9، ص 408 - 409.

ص: 225

في فتح القدير وبين أن هذا القول هو الذي قامت عليه الأدلة (1). وكذلك الألوسي (2) والقاسمي (3).

كما قرر الشنقيطي هذا القول ضمن هذه القاعدة، وهي أن ظاهر القرآن لا يجوز العدول عنه إلا بدليل يجب الرجوع إليه (4).

حجة أصحاب القول الثاني الذين يرون أن الميزان مجازي:

حجتهم في ذلك أن الأعمال أعراض كما ذكر ابن عاشور وغيره.

قال مجاهد: هذا مثَل، والمراد بالموازين العدل، ويروى مثله عن قتادة والضحاك والمعنى: بالوزن القسط بينهم في الأعمال فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه، .. ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفت موازينه قالوا وهذه الآية مثل قوله تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} (5) ، وهذا القول حكاه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما (6).

وقال الزمخشري في الكشاف: " الموازين الحساب السوي والجزاء على الأعمال بالنصفة من غير أن يظلم أحد "(7).

(1) فتح القدير / الشوكاني، ج 3، ص 411.

(2)

روح المعاني / الألوسي، ج 9، ص 53.

(3)

محاسن التأويل القاسمي، ج 7، ص 208.

(4)

أضواء البيان / الشنقيطي، ص 848.

(5)

سورة الأعراف، الآية (8).

(6)

أخرج رواياتهم الطبري ي تفسيره، ج 17، 42.

(7)

الكشاف/ الزمخشري، ج 4، ص 149.

ص: 226

القول الراجح:

ومما تقدم تبين لنا أن القول الأول هو القول االراجح، وهو الذي اتفق عليه جميع المفسرين وفقاً للقاعدة الترجيحية الأصل إطلاق اللفظ على ظاهره.

كما أنه مما يؤيد هذا القول الراجح ويقويه القاعدة الترجيحية: (إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له). وقد تقدمت الأحاديث في ذلك.

قال الزجاج: "والأولى أن يتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان فإنه جاء في الخبر أنه ميزان له كفتان، من حيث ينقل أهل الثقة، فينبغي أن يقبل ذلك"(1).

وقال القشيري معلقاً على كلام الزجاج: "وقد أحسن فيما قال، إذ لو حمل الميزان على هذا فليحمل الصراط على الدين الحق، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد، والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة، والملائكة على القوى المحمودة ، وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل، وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر، وصارت هذه الظواهر نصوصا "(2).

قال ابن عطية: " وهذا القول أصح من الأول من جهات:

أولها: أن ظواهر كتاب الله عز وجل تقتضيه وحديث الرسول عليه

(1) معاني القرآن وإعرابه / الزجاج، ج 2، ص 319.

(2)

تفسير القشيري / القشيري، ج 2، ص 154.

ص: 227

السلام ينطق به، من ذلك: قوله لبعض الصحابة وقد قال له يا رسول الله! أين أجدك في القيامة؟ فقال: «اطلبني عند الحوض فإن لم تجدني فعند الميزان» ، ولو لم يكن الميزان مرئياً محسوساً لما أحاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطلب عنده.

وجهة أخرى: أن النظر في الميزان والوزن والثقل والخفة المقترنات بالحساب لا يفسد شيء منه ولا تختل صحته، وإذا كان الأمر كذلك فلم نخرج من حقيقة اللفظ إلى مجازه دون علة؟ .

وجهة ثالثة: وهي أن القول في الميزان هو من عقائد الشرع الذي لم يعرف إلا سمعاً، وإن فتحنا فيه باب المجاز غمرتنا أقوال الملحدة والزنادقة في أن الميزان والصراط والجنة والنار والحشر ونحو ذلك إنما هي ألفاظ يراد بها غير الظاهر.

فينبغي أن يجري في هذه الألفاظ إلى حملها على حقائقها، وأما «الثقل» و «الخفة» فإن الآثار تظاهرت بأن صحائف الحسنات والسيئات توضع في كفتي الميزان فيحدث الله في الجهة التي يريد ثقلاً وخفة على نحو إحداثه ذلك في جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت نزول الوحي عليه " (1).

أضف إلى ذلك أن هذا الترجيح تعضده قاعدة: (وجوب حمل نصوص الوحي على الحقيقة) ، وذلك أنه إذا اختلف المفسرون في تفسير آية من كتاب الله بين الحقيقة والمجاز فإن حملها على الحقيقة هو الصواب.

وعلى القول بجواز وقوع المجاز في القرآن فالذي يجب الجزم به واعتقاده ولا تجوز مخالفته، أن آيات الصفات ومسائل الغيب كالجنة والنار والميزان والصراط ونحوها، وأخبار الأمم البائدة وكل من ادعى فيها المجاز فهو في دعواه

(1) المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 2، ص 377.

ص: 228

باطل" (1).

أما قول من قال: إن الميزان يصرف عن معناه الحقيقي، فقد ردّه معظم العلماء.

قال الرازي موجهاً حمل لفظ الميزان على العدل: " إن حمل هذا اللفظ على مجرد العدل مجاز وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير ضرورة غير جائز، لا سيما وقد جاءت الأحاديث الكثيرة بالأسانيد الصحيحة في هذا الباب"(2).

5 -

مثال غيظ النار:

قال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} (3)

زعم بعض المفسرين أن النار لا تبصر، ولا تتكلم، ولا تغتاظ. وأن ذلك كله من قبيل المجاز، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها، في حين أجمع من يعتد به من أهل العلم على أن النصوص من الكتاب والسنة، لا يجوز صرفها عن ظاهرها إلا لدليل يجب الرجوع إليه، كما هو معلوم في محله (4)

واحتمل ابن عاشور كلا المعنيين الحقيقي والمجازي حيث خالف القاعدة التي نصّ عليها في تفسيره، وذلك نابع من عقيدته الأشعرية، وهذا قوله: " وإسناد

(1) انظر قواعد الترجيح / حسين الحربي، ج 2، ص 389.

(2)

التفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 149.

(3)

سورة الفرقان، الآية (12).

(4)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 18، ص 221، والتفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 436، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 13، ص 11، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 10، ص 288، وروح المعاني / الألوسي، ج 10، ص 431، وأضواء البيان /الشنقيطي، ص 1306.

ص: 229

الرؤية إلى النار استعارة والمعنى: إذا سيقوا إليها فكانوا من النار بمكان ما يرى الرائي من وصل إليه سمعوا لها تغيظاً وزفيراً من مكان بعيد، ويجوز أن يكون معنى:(رأتهم) رآهم ملائكتها أطلقوا منافذها فانطلقت ألسنتها بأصوات اللهيب كأصوات المتغيظ وزفيره فيكون إسناد الرؤية إلى جهنم مجازاً عقلياً

ويجوز أن يكون الله قد خلق لجهنم إدراكاً للمرئيات بحيث تشتد أحوالها عند انطباع المرئيات فيها فتضطرب وتفيض وتتهيأ لالتهام بعثها فتحصل منها أصوات التغيظ والزفير فيكون إسناد الرؤية والتغيظ والزفير حقيقة، وأمور العالم الأخرى لا تقاس على الأحوال المتعارفة في الدنيا " (1). وممن ذهب إلى ما ذهب إليه ابن عاشور أبو حيان والشوكاني والقاسمي حيث احتملوا كلا المعنيين الحقيقي والمجازي (2).

وكذلك ابن عطية إلا أنه ساق أقوالاً تدل على أنها تقتضي الحقيقة، فقد قال: " ولفظ (رأتهم) يحتمل الحقيقة ويحتمل المجاز على معنى صارت منهم على قدر ما يرى الرائي من البعد إلا أنه ورد حديث يقتضي الحقيقة ويحتمل المجاز، في هذا ذكر الطبري وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعده من النار» ، فقيل: يا رسول الله! أو لجهنم عينان؟ فقال: «اقرؤوا إن شتئم {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} الآية، وروي

(1) التحرير والتنوير، ج 9، ص 333.

(2)

البحر المحيط / أبو حيان، ج 6، ص 445، وفتح القدير / الشوكاني، ج 4، ص 64، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج 7، ص 437.

ص: 230

في بعض الآثار أن البعد الذي تراهم منه مسيرة خمسمائة سنة " (1)

وذهب الطبري والرازي والقرطبي وابن كثير والألوسي إلى القول بظاهر الآية أي أنها تغتاظ وتزفر حقيقة (2).

حجة من قال: إن النار لا تبصر ولا تغتاظ:

حجتهم في ذلك ذكرها الرازي في تفسيره فقال: " وهؤلاء المعتزلة ليس لهم حجة في هذا الباب إلا استقراء العادات، .. وقد احتاجوا إلى تأويل هذه الآية وذكروا فيها وجوهاً:

أحدها: قالوا معنى رأتهم ظهرت لهم ، من قولهم:" دورهم تتراءى وتتناظر"، وقال عليه السلام:«إن المؤمن والكافر لا تتراءى ناراهما» أي لا تتقابلان لما يجب على المؤمن من مجانبة الكافر والمشرك، ويقال دور فلان متناظرة، أي متقابلة.

وثانيها: أن النار لشدة اضطرامها وغليانها ،صارت ترى الكفار وتطلبهم وتتغيظ عليهم. وثالثها: قال الجبائي: إن الله تعالى ذكر النار وأراد الخزنة الموكلة بتعذيب أهل النار، لأن الرؤية تصح منهم ولا تصح من النار فهو كقوله:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (3) أراد أهلها (4).

(1) المحرر الوجيز / ابن عطية، ج 4، ص 202.

(2)

انظر جامع البيان / الطبري، ج 18، ص 221، والتفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 437، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج 13، ص 11، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج 10، ص 289، وروح المعاني / الألوسي، ج 9، ص 431.

(3)

سورة يوسف، الآية (82).

(4)

التفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 436.

ص: 231

حجة من قال: إن النار تبصر وتغتاظ وتزفر:

حجتهم في ذلك أنه يجب إجراء الآية على ظاهرها.

قال الرازي: " فالنار على ماهي عليه يجوز أن يخلق الله الحياة والعقل والنطق فيها، وأنه يجب إجراء الآية على الظاهر، لأنه لا امتناع في أن تكون النار حية رائية مغتاظة على الكفار "(1).

وقال الألوسي: " وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكاً كهذه الآية "(2).

قال ابن عاشور: " ويجوز أن يكون الله قد خلق لجهنم إدراكاً للمرئيات بحيث تشتد أحوالها عند انطباع المرئيات فيها فتضطرب وتفيض وتتهيأ لالتهام بعثها فتحصل منها أصوات التغيظ والزفير، فيكون إسناد الرؤية والتغيظ والزفير حقيقة، وأمور العالم الأخرى لا تقاس على الأحوال المتعارفة في الدنيا "(3).

القول الراجح:

إن النار تبصر وتغتاظ وتزفر حقيقة، وذلك عملاً بموجب القاعدة الترجيحية: الأصل إطلاق اللفظ على ظاهره.

(1) التفسير الكبير / الرازي، ج 8، ص 437.

(2)

روح المعاني / الألوسي، ج 9، ص 431.

(3)

التحرير والتنوير، ج 9، ص 333.

ص: 232

قال الشنقيطي: " اعلم أن التحقيق أن النار تبصر الكفار يوم القيامة، كما صرح الله بذلك في قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} (1) ورؤيتها إياهم من مكان بعيد، تدل على بصرها كما لا يخفى، كما أن النار تتكلم كما صرح الله به في قوله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (2) والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، كحديث محاجة النار مع الجنة، وكحديث اشتكائها إلى ربها، فأذن لها في نفسين، ونحو ذلك، ويكفي في ذلك أن الله جل وعلا صرح في هذه الآية، أنها تراهم وأن لها تغيظاً على الكفار، وأنها تقول: هل من مزيد "(3).

وأما قول من قال أن النار لا تبصر ولا تغتاظ فهذا قول باطل، وقد بيّن بطلانه عدد من المفسرين قال الشنقيطي:" واعلم أن ما يزعمه كثير من المفسرين وغيرهم، من المنتسبين للعلم من أن النار لا تبصر، ولا تتكلم، ولا تغتاظ. وأن ذلك كله من قبيل المجاز، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها كله باطل ولا معول عليه لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند، والحق هو ما ذكرنا "(4).

ومما يؤيد هذا الترجيح ويقويه القاعدة الترجيحية التالية: (إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له على ما خالفه)(5).

(1) سورة الفرقان، الآية (12).

(2)

سورة ق ، الآية (30).

(3)

أضواء البيان / الشنقيطي، ص 1307.

(4)

أضواء البيان / الشنقيطي، ص 1307.

(5)

انظر قواعد الترجيح / حسين الحربي، ج 2، ص 206.

ص: 233

قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: «إن القول بأن النار تراهم هو الأصح، ثم قال لما رُوِيَ مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كَذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوَّأ بين عيني جهنم مقعداً» قيل يا رسول الله! أو لَها عينان؟ قال: «أو ما سمعتم الله عز وجل يقول: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} (1) وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق فيقول: إني وكلت بثلاث: بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين» ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح " (2).

(1) أخرجه الطبري في تفسيره، ج 18، ص 221، وابن أبي حاتم، ج 6، ص 423 عن خالد بن دريك، عن رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وخالد بن دريك؛ قال الحافظ بن حجر في التقريب، ج 1، ص 210: ثقة يرسل ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج 8، ص 131، ح- 7599.

قال الهيثمي: " رواه الطبراني في الكبير، وفيه الأحوص بن حكيم ضعفه النسائي وغيره، ووثقه العجلي ويحيى بن سعيد القطان في رواية، ورواه عن الأحوص محمد بن الفضيل بن عطية وهو ضعيف ". (مجمع الزوائد / الهيثمي، ج 1، ص 148).

(2)

أخرجه الترمذي في سننه، ج 4، ص 701، ح- 2574.

ونظائر هذه الأمثلة كثيرة جداً في تفسيره ، منها:

1 -

ما جاء في قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} (المؤمنون: 105)، وفيه قول ابن عاشور:" والآيات: آيات القرآن بقرينة قوله: {تُتْلَى عَلَيْكُمْ}، وقوله: {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} حملاً على ظاهر اللفظ "(التحرير والتنوير، ج 9، ص 127). =

ص: 234

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

2 -

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ} (النور: 61)، وفيه قال ابن عاشور:" اختلف في أن قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} الخ منفصل عن قوله: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وأنه في غرض غير غرض الأكل في البيوت، أي فيكون من تمام آية الاستيذان، أو هو متصل بما بعده في غرض واحد. فقال بالأول الحسن وجابر بن زيد وهو مختار الجبائي وابن عطية وابن العربي وأبي حيان. وقال ابن عطية: إنه ظاهر الآية. وهو الذي نختاره تفادياً من التكلف الذي ذكره مخالفوهم لبيان اتصاله بما بعده في بيان وجه الرخصة لهؤلاء الثلاثة الأصناف في الطعام في البيوت المذكورة .. "(التحرير والتنوير، ج 9، ص 299).

3 -

ما جاء في قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم: 1)، وفيه قوله:" والقلم المقسم به قيل هو ما يكنى عنه بالقلم من تعلق علم الله بالموجودات الكائنة والتي ستكون، أو هو كائن غيبي لا يعلمه إلا الله. وعن مجاهد وقتادة: أنه القلم الذي في قوله تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 4 - 5)، ورجّح ابن عاشور أنه القلم المعروف فقال -: " وهذا هو المناسب لقوله " وما يسطرون" في الظاهر وهو الذي يقتضيه حال المشركين المقصودين بالخطاب الذين لا يعرفون إلا القلم " (التحرير والتنوير، ج 14، ص 60).

4 -

ماجاء في قوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} (القيامة: 29) وفيه قول ابن عاشور: " (والتفت الساق بالساق) إن حمل على ظاهره فالمعنى التفاف ساقي المحتضر بعد موته إذ تلف الأكفان على ساقيه ويقرن بينهما في ثوب الكفن فكل ساق منها ملتفة صحبة الساق الأخرى، ويجوز أن يكون ذلك تمثيلا فإن العرب يستعملون الساق مثلا في الشدة ". (التحرير =

ص: 235

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والتنوير، ج 14، ص 359).

5 -

ما جاء في قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} (النبأ: 24)، وفيها فسّر ابن عاشور البرد بضد الحر خلافاً لمن فسّره بالنوم فقال:" والبرد: ضد الحر، وهو تنفيس للذين عذابهم الحر، أي لا يغاثون بنسيم بارد، والبرد ألذُّ ما يطلبه المحرور. وعن مجاهد والسدي وأبي عبيدة ونفر قليل تفسير البرد بالنوم وأنشدوا شاهدين غير واضحين، وأيا ما كان فحمل الآية عليه تكلف لا داعي له "(التحرير والتنوير، ج 15، ص 37).

ص: 236