الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) قال: " وجملة {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} تعليل للأمر بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي خير، فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل "(2).
ثالثاً: الإعجاز:
الذي يمعن النظر في التحرير والتنوير يرى أن صاحبه بذل جهداً لا يستهان به حتى يبرز في كتابه إعجاز القرآن من خلال فصاحة ألفاظه وقوة تراكيبه.
والإعجاز هو: أن يؤدى المعنى بطريق هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق (3)
…
.وفي ذلك يقول ابن عاشور: " فوجه الإعجاز أمر من جنس البلاغة والفصاحة، لا كما ذهب إليه النظام وجمع من المعتزلة أن إعجازه بالصرفة بمعنى أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب قدرتهم عليها، ولا كما ذهب إليه جماعة من أن إعجازه بمخالفة أسلوبه لأساليب كلامهم من الأشعار والخطب والرسائل ولا سيما في المقاطع مثل يؤمنون وينفقون ويعلمون .. اهـ (4)
…
.
والشيخ ابن عاشور قد خصّ قضية إعجاز القرآن بالقدر الأوفى والأكبر من الاهتمام والشرح، وقد انتهى به استقراؤه إلى أن ملاك الإعجاز يتمثل في عدّة
(1) سورة التوبة، الآية (107).
(2)
التحرير والتنوير، ج 6، ص 23.
(3)
التعريفات / الجرجاني، ص 47.
(4)
التحرير والتنوير، ج 1، ص 107.
جهات:
الجهة الأولى: بلوغه الغاية القصوى مما يمكن أن يبلغه الكلام العربي البليغ من حصول كيفيات في نظمه مفيدة معاني دقيقة، وهو المصطلح على تسميته حد الإعجاز.
ومن وجوه الإعجاز التي ذكرها ابن عاشور في تلك الجهة:
1 -
الالتفات: وسيأتي الحديث عنه مفصلاً.
2 -
التشبيه والاستعارة، وقد جاء في القرآن منهما ما أعجز العرب كقوله:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (1)
…
.
3 -
كثرة النكات البلاغية التي يشتمل عليها القرآن.
4 -
فصاحة اللفظ وانسجام النظم، وذلك بسلامة الكلام في أجزائه ومجموعه.
5 -
صراحة كلماته باستعمال أقرب الكلمات في لغة العرب دلالة على المعاني المقصودة وأشملها لمعان عديدة مقصودة بحيث لا يوجد كلمة في القرآن تقصر دلالتها عن جميع المقصود منها في حالة تركيبها، ولا تجدها مستعملة إلا في حقائقها (2)
…
.
والأمثلة على ذلك كثير ة في تفسيره أعرضت عنها خشية الإطالة.
(1) سورة مريم، الآية (4).
(2)
انظر التحرير والتنوير، ج 1، ص 120 - 124.
الجهة الثانية: ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في نظم الكلام فيما لم يكن معهوداً في أساليب العرب، ولكنه غير خارج عما تسمح به اللغة.
ومن أساليب القرآن:
1 -
إنه جاء أسلوبه جامعاً بين مقصدين: مقصد الموعظة ومقصد التشريع.
2 -
التفنن: وهو بداعة تنقلاته من فن إلى فن بطرائق الاعتراض والتنظير والتذييل والإتيان بالمترادفات عند التكرير.
3 -
العدول عن تكرير اللفظ والصيغة، فيما عدا المقامات التي تقتضي التكرير ونحوه.
هذا وللقرآن مبتكرات من الأساليب تميز بها نظمه عن بقية كلام العرب، ذكرها ابن عاشور ومنها:
1 -
إنه جاء بأسلوب يخالف الشعر، ويخالف أسلوب الخطابة بعض المخالفة.
2 -
إنه جاء بأسلوب التقسيم والتسوير، وهي سنة جديدة في الكلام العربي.
3 -
الأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم والعذاب في الآخرة، وقد كان فن القصة نادراً في لغة العرب.
4 -
أوضح الأمثال وأبدع تركيبها خلاف ما عليه أدب العرب حيث تنسى أحداث المثل.
5 -
أبدع الإيجاز، وذلك لصلوحية معظم آياته لأن تؤخذ منها معانٍ
متعددة كلها تصلح لها العبارة باحتمال لا ينافيها اللفظ، ومن بديع الإيجاز الحذف مع الالتباس والتضمين.
6 -
استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو معان إذا صلح المقام بحسب اللغة العربية لإرادة ما يصلح منها (1).
والأمثلة على ما تقدم كثيرة جداً في تفسير ابن عاشور أعرضت عنها خشية الإطالة.
الجهة الثالثة: ما أودع فيه من المعاني الحكيمة والإشارات إلى الحقائق العلمية.
ويعني به الإعجاز العلمي، حيث ذكر أقوال العلماء فيه، وتعقَّب الشاطبي في نفيه للإعجاز العلمي ثم قال:" إن هذه الجهة من الإعجاز إنما تثبت للقرآن بجموعه إذ ليست كل آية من آياته وسورة من سوره مشتملة على هذا النوع "(2).
فابن عاشور يرى شرعية تفسير الآيات تفسيراً علمياً، إلا أنه جعل له شروطاً وضوابط حتى لا يخرج عن مساره الصحيح ذكرها في المقدمة العاشرة من تفسيره منها:
1 -
أن لا يبعد عن الظاهر إلا بدليل.
2 -
أن لا يكون تكلفاً بيَّناً ولا خارجاً من المعنى الأصلي.
(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 113.
(2)
التحرير والتنوير، ج 1، ص 128.
3 -
وقد اعتنى ببيان الإعجاز القرآني وإظهاره من خلال تفسيره للآيات (1)، ومن أمثلة ذلك ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} (2) قال: "ومن دقائق القرآن قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} وهي عبارة لم يأت مثلها فيما كتب من أخبار فرعون، وإنها لمن الإعجاز العلمي في القرآن إذ كانت الآية منطبقة على الواقع التاريخي. والظاهر أن الأمواج ألْقَت جثّته على الساحل الغربي من البحر الأحمر فعثر عليه الذين خرجوا يتقصون آثاره ممن بقُوا بعده بمدينة مصر لما استبطأوا رجوعه ورجوع جيشه، فرفعوه إلى المدينة وكان عبرة لهم "(3).
الجهة الرابعة: وهي الإخبار بالمغيبات (4):
ومن أمثلة ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (5) قال: " وفي هذه الآية طرف من الإعجاز
(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 128.
(2)
سورة يونس، الآية (92).
(3)
التحرير والتنوير، ج 6، ص 280.
(4)
التحرير والتنوير، ج 1، ص 113.
(5)
سورة فصلت، الآية (53).